يخوض «جو بايدن» ثالث حملة انتخابية له في تاريخه. المختلف بشدة هذه المرة إنه يبلغ 77 عامًا يوم إجراء الانتخابات، وسيبلغ 78 عامًا يوم التنصيب إذا فاز بالانتخابات. الحملات الثلاث يجمعها طموح بايدن وإصراره، وستخبرنا حملة 2020 هل سيكون الفشل عاملًا مشتركًا أيضًا أم لا؟!

ما يجمع حملات بايدن الثلاثة أنها تبدأ قوية، بآمال كثيرة ودعم قوي، ثم يغتالها بايدن بنفسه، سواء بتصريحاته كما في حملة 2008، أو بأفعاله كما في حملة 1988.

أسرته ثرية لكنها مرت بانتكاسات مالية متتابعة هبطت بها إلى الطبقة المتوسطة. هذا التغيّر جعل من جوزيف بايدن، جو بايدن، بائعًا للسيارات المستعملة. ورغم أسرته من الطبقة المتوسطة فإن عقليته لم تكن متوسطةً. جو كان طالبًا متفوقًا وأكاديميًا منذ الصغر. في المدرسة الإعدادية ثم الثانوية كان رئيسًا لزملائه، ومشاركًا في الاعتصامات المناهضة للفصل العنصري. كما أظهر تفوقًا رياضيًا ليحول فريق كرة القدم بالمدرسة الثانوية من فريق دائم الخسارة إلى عام كامل بلا هزيمة واحدة.

ما بعد الثانوية شهد مستوى بايدن تراجعًا حتى عام 1965، حيث أتم بادن دراسة التاريخ والعلوم السياسية، كان ترتيبه 506 من بين 688 طالبًا. بعد التخرج بعدة سنوات عاد للدراسة عبر بوابة كلية الحقوق من خلال منحة جزئية. بعد عام واحد وصف كلية الحقوق بأنها أكبر وهم في التاريخ وأنها تجذب الطلاب الذين يريدون النوم فحسب. فترة بايدن الدراسية ستلاحقه حتى نهاية حياته. ففي عامه الأول اتُهم بسرقة 5 صفحات كاملة من أصل 15 صفحة قدمها كبحث خاص به في القانون. اعتذر بايدن بجهله بقواعد الاقتباس والملكية الفكرية، لكن اتهامات أخرى ظهرت عام 1987 أثبتت أنه يسرق متعمدًا.

لم يشارك بايدن في حرب فيتنام لاستبعاده بسبب إصابته بالربو، كما لم يشارك في أي مظاهرات مناهضة لها كذلك. الربو في سن العشرينيات يبدو غريبًا، لكن عاداته في شرب الكحول بكثافة جعلت الأمر منطقيًا. ترنح في بداية مسيرته السياسية بين التوجه الجمهوري والديموقراطي، لكن استياءه من مبادئ الجمهورين جعله يختار الترشح كمستقل في أول انتخابات له عام 1969 في نيوكاسِل، فاز بها بجدارة.

وفي ترشحه لمجلس الشيوخ عام 1972 فاز بايدن في معجزة لم يكن يتوقعها أحد. حملته قامت على أكتاف أسرته، ودعوتهم المباشرة للناخبين وجهًا لوجه، دون وجود دعم مادي من جهات أكبر، ولا حتى تغطية إعلامية كالتي كانت لمنافسه السيناتور الجمهوري «كاليب بوجز».


اقتل نفسك بنفسك

1988: السرقة الفكرية

بذلك الفوز أضحى بايدن سادس سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة يدخل مجلس الشيوخ قبل سن الـ31 عامًا. عام 1987 أراد بايدن أن يكون ثاني أصغر رئيس للولايات المتحدة بعد جون كيندي. بدأت حملته بصورة قوية والتف حوله المناصرون، وبدأت الأموال تتدفق على حملته دون بقية المنافسين، لكن بايدن اقتبس في إحدى خطاباته سطورًا طويلة من خطاب سابق لـ«نيل كينوك» رئيس حزب العمال البريطاني، دون أن يشير بايدن لذلك. ذلك الاقتباس المسروق فتح بابًا للتمحيص في خطابات بايدن قبل الحملة وأثنائها، لتتفجر حقيقة أنه اقتبس كلمات عدة من خطابات كيندي دون أن يشير لذلك.

الأمر الذي استغله منافسوه لاستدعاء حادثة السرقة في كلية الحقوق، ليقضوا بذلك على مصداقية بايدن. ساعدهم في ذلك ادعاؤه أنه التحق بكلية الحقوق بمنحة كاملة لا جزئية. أيضًا قوله إنه حصل على ترتيب مرتفع في دراسة التاريخ والعلوم السياسية. لم يجد بايدن سبيلًا أمامه إلا ا لانسحاب من الانتخابات. لم يؤثر ذلك الانسحاب على بايدن كسيناتور في مجلس الشيوخ، وفار بست جولات متتابعة حتى عام 2008، ليُتم 28 عامًا عضوًا في مجلس الشيوخ. ليصبح أطول أعضاء المجلس خدمةً، وأقل أعضاء المجلس ثراءً.

2008: العنصرية

في 2008 فكر بايدن أن يعاود تجربة الترشح للرئاسة، وأعلنها رسميًا. وكعادة بايدن بدأت حملته قوية لكنها قُتلت بنيران صديقة. قتلها بايدن بتعليقاته على منافسه وزميله السيناتور «باراك أوباما»، قال بايدن إن أوباما يصلح كقصة كونه أول أسود ذا مظهر جذاب يصلح لانتخابات الرئاسة. ثم أردف بايدن أن أوباما لا يصلح رئيسًا، ولا يمكن أن يستخدم البيت الأبيض كساحة للتدريب.

عاد بايدن واتهم أوباما أنه ينسخ خططه عن السياسة الخارجية. كما عرّض بذكر انتشار الهنود في ولاية «أيوا» واضطراره للحديث بإنجليزية مُطعّمة باللكنة الهندية حين يطلب طعامًا فيها لكي يفهمه الباعة. هذه الطعنات التي وجهها بايدن لأوباما، وتصريحاته عن الهنود جعلته يفقد مناصريه ورعاة حملته، فحصل على أقل من 1% من مندوبي الولايات، وانسحب مضطرًا.

لكن العداء بين أوباما وبايدن تحول إلى مودة جعلت أوباما يطلب بايدن ليكون نائبًا له في حملته الانتخابية. فاز بايدن بالمنصب بعد فوز أوباما، كما فاز بعضوية مجلس الشيوخ للمرة السابعة، لكنه استقال منها ليتفرغ لعمل نائب الرئيس. ظل نائبًا لأوباما في الفترة الأولى والثانية حتى 2016.


2020: فتش عن المرأة

صورة مجمعة لعدة مواقف غير مريحة جمعت سيدات مع المترشح للرئاسة الأمريكية جو بايدن

الانتخابات الفرنسية الماضية تُظهر لنا جانبًا آخر يمكن أن يحدد فوز المرشح أو خسارته غير البرنامج الانتخابي، المرأة. حين جرى التركيز على فضيحة زوجة فرانسوا فيون تحول من المرشح الأوفر حظًا إلى مرشح ظل. وعلى النقيض حين استطاع فريق إيمانويل ماكرون استغلال نقطة زواجه من امرأة تكبره بـ25 عامًا، ضمنوا أصوات قطاع عريض من الناخبين جعلت ماكرون هو الرئيس الحالي.

المرأة قد تحسم مبكرًا سباق بايدن الرئاسي بشكل إيجابي، خاصةً وأنه تزوج من زميلته في الجامعة نيلنا هانتر قبل التخرج بعام. أنجب منها ثلاثة أبناء، لكنها تُوفيت في حادث سيارة مع ابنتهما، بعد وقت قصير من فوزه بالكونجرس عام 1972. وقرر الاستقالة لرعاية ابنيه الآخرين، لكن أصدقاءه منعوه فخفف من مهامه ليعطي أولاده مزيدًا من الوقت. ثم تزوج عام 1975 من جيل جايكوب وأنجب منها بنتًا واحدة. ثم مات أكبر أبنائه بسرطان المخ عام 2015. قصص مأساوية تركز عليها حملة بايدن لجلب التعاطف ورسم صورة الرجل الناجي من صدمات الحياة.

لكن المرأة أيضًا قد تحسم السباق سلبًا، وتوجه لبايدن ضربةً قاضية تقصم ظهر رجل على مشارف الثمانين. خاصةً ونحن في عصر «METOO#»، الوسم الذي أشعل التعاطف على مستوى العالم وتكتب كل النساء المواقف التي تعرضن فيها لتحرش أو مضايقات من رجال ذوي مناصب مهمة منعتهن من التحدث سابقًا. تلاحق بايدن في هذا الخصوص دعوى وست صور.

اقرا أيضًا: بيرني ساندرز: اشتراكي يحارب الرأسمالية في أعتى حصونها

الدعوى قدّمتها لوسي فلوريز، مُشرّعة بولاية نيفادا تتحدث عن احتضانه للنساء في حملاته السابقة وأثناء وجوده في البيت الأبيض إبان حكم أوباما.ورفعت لوسي دعوتها في مارس/ آذار 2019 تتهم بايدن بأنه احتضنها رغمًا عنها في 2014. نفى مكتب بايدن هذه الدعوى، لكن النبش في الصور القديمة جعل بايدن يُعدّل بيانه من النفي إلى القول بأن الصور أُخرجت من سياقتها. بايدن صرّح بأنه طول مسيرته صافح وعانق وربت على كتف الكثيرين، من أجل الدعم والطمأنة لا أكثر.

توافقه الرأي ستيفاني كارتر، زوجة وزير الدفاع الأسبق آش كارتر، وصاحبة إحدى الصور الستة. قالت سيفاني إنها كانت متوترة أثناء تأدية زوجها للقسم، فاحتضنها بايدن ليهدئها. الصورة الثانية، مع ماجي ابنة السيناتور «كريس كونس» أثناء تأدية والدها السيناتور مراسم القسم. بدت ملامح الضيق على وجه ماجي، 13 عامًا، إلا أن أباها خرج بعد الصورة بأشهر نافيًا انزعاج ابنته من بايدن، وأنها كانت منزعجة من اليوم بكامله.

صورة أخرى وهو يضع يده بإحكام حول خصر آمي بارنز في 2013 التي عملت كمراسلة صحفية داخل البيت الأبيض. لكن بارنز لم تُعلق على الصورة سلبًا أو إيجابًا حتى اليوم. آخر الصور كانت في 2012 من سائقة دراجة في جنوب أوهايو. كان بايدن يتحدث مع عملاء أحد المطاعم، فدخلت امرأة ورجلان فسحب بايدن كرسيّين للرجلين بجواره، والمرأة أمامه ليحتضنها بعضًا من الوقت وسط نظرات غضب واضحة من رفيقيها.


ما يهم الناخب الأمريكي

بايدن يقدم برنامجًا يعد فيه المواطن الأمريكي بنظام رعاية صحية أفضل من أوباماكير. كما سيفتح الأسواق أمام استيراد الأدوية من الخارج مما يعني تنافسيةً أكثر وأسعارًا أقل للمواطن. يتبنى بايدن موقفًا غير واضح من الهجرة، إذ يعترض على جدار المكسيك الذي يريده ترامب، وفي نفس الوقت صوّت عام 2006 لقانون السياج العام الذي يدعم بناء جدران وحواجز أكثر على حدود المكسيك، كما يرفض بايدن منح رخص القيادة للمهاجرين غير الشرعيين منذ 2007.

يعترض على قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ قائلًا إن اتفاقية باريس هي أفضل وسيلة لحماية الأطفال والمستقبل، لكنه لا يوافق على «الصفقة الخضراء الجديدة» لأنها ستحد بشدة من الصناعة الأمريكية من أجل الحفاظ على البيئة وتجنب المزيد من التغيّر المناخي. قدّم بايدن تصوره الخاص عن المناخ وكيفية التعامل مع التغيّر المناخي. الطريف، أنّه تعرض لانتقادات واسعة إثر اقتباسه فقرات طويلة من مصادر معنيّة بالمناخ دون الإشارة لذلك.

أما بخصوص تمويل الحملة، فبايدن قد نصح المرشح الاشتراكي بيرني ساندرز بعدم قبول أموال من جماعات الضغط الأمريكية لما تمثله من خطر على الاقتصاد الأمريكي وعلى حرية قرارات ساندرز إذا قبل دعمها، لكنه لم يذكر شيئًا بخصوص حملته هو!

اقرا أيضًا: «جماعات الضغط»: كيف تُباع الديمقراطية الأمريكية بالمال؟

موقف بايدن من الإجهاض يظهر الصراع كونه كاثوليكيًا متدينًا وسياسيًا ديموقراطيًا. هو يرى الإجهاض خطأ دائمًا، لكنه يقول، إنه لن يفرض هذا الاعتقاد على أحد. وكان من قبل يرفض التمويل الفيدرالي لعمليات الإجهاض، لكنه الآن يقبل. أما بخصوص الزواج من نفس الجنس، فبايدن كان معارضًا شرسًا له، لكنه صرّح أثناء فترة عمله نائبًا لأوباما بأنه «مرتاح تمامًا» لزواج المثليين.


أسئلة العرب

جو بايدن
جو بايدن

بايدن دعم حرب العراق عام 2002، أعلن في 15 يوليو/ تموز 2019 أنه أيدّها فقط لأنه وثق في جورج بوش، الرئيس الأمريكي آنذاك. بايدن يقول إنه رأى في عين بوش صدقًا في كونه يريد غزو العراق من أجل الأسلحة النووية وفقًا لكلام المفتشين الدوليين. إذن، يحاول بايدن أن يظهر بصورة الغِر المخدوع وأن التهمة تقع على عاتق بوش فحسب. لكن لا يمكن قبول هذه الحجة ببساطة، خاصةً وأن بايدن كان قد تجاوز عمره 60 عامًا في 2002، وخدم في الكونجرس 5 ولايات، وكان في 2002 رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية. التفسير المقبول أن بايدن كان متحمسًا حقًا لغزو العراق. وهو ما يمكن استقراؤه من تصريح قديم له في فبراير/ شباط 2002 إذ قال إن الولايات المتحدة ستكون في مأزق خطير إذا استمر صدام حسين لخمس سنوات أخرى.

يرفض جو بايدن طريقة تعامل ترامب مع الإدارة السعودية، ويرى أن ترامب يقدم تبريرات لولي العهد السعودي بعيدًا عن الحقائق، مما يضر بالولايات المتحدة وسمعتها الدولية. كما دعا بايدن إلى إنهاء دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن. أما إسرائيل فتبدو مرتاحةً لترشح بايدن، خاصةً مع تصاعد نغمة معارضيها مثل بيرني ساندرز. خاصةً وأن العلاقة بين نتنياهو وبايدن أكثر ودًا رغم كون بايدن نائبًا لأوباما. تقول الصحف الإسرائيلية إن بايدن كان هو من دفع أوباما لتهدئة إسرائيل أثناء توقيع الاتفاق النووي مع إيران، كما كان أيضًا السبب وراء زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى وصلت إلى 38 مليار دولار على مدار 10 سنوات.

هذا التقارب يثير التساؤل حول مصدر تمويل حملة بايدن، فإسرائيل تسيطر على معظم جماعات الضغط الموجودة داخل الولايات المتحدة. الود بين بايدن «المرشح الأوفر حظًا» وإسرائيل يضع المشاهد العربي بين اختارين لا يمكن وصفهما بالجيد والسيئ، بل بالأكثر مرارة وهو بقاء الرئيس الحالي، دونالد ترامب والمُر وهو فوز جون بايدن.