في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لم تكن أفلام الأبطال الخارقين تسيطر على صالات السينما وتحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر كما يحدث اليوم. حينها كانت أفلام الأكشن هي المسيطرة، وكان البطل يتلقى الضربات ويتعرض للإيذاء كأي إنسان عادي. كان صناع الأكشن يفكرون في حبكة جيدة ومطاردات مقنعة تمكن بطل الفيلم من التخلص من عشرة من أعدائه بطرق مختلفة ومتنوعة، أما اليوم فيمكن لهالك قتل مائة من أعدائه بضربة واحدة.

كنت أفكر في كل هذا وأنا أشاهد ساعتين من الأكشن الثمانينياتي العائد بشكل أصيل وطازج في نفس الوقت. يبدو أن «كيانو ريفز» بطلاً، و«تشاد ستاهيلسكي» مخرجاً قد صنعا سلسلة الأكشن الجماهيرية التي ستغزو العالم مرة أخرى. هذا ما يمكننا أن نفتتح به الحديث عن الفصل الثاني من سلسلة «John wick». فيلم الأكشن الذي يستحق خمسة نجوم.


نجم أول: التفوق على الجزء الأول

أحد أبرز العيوب المعتادة في أفلام السلاسل التي شهدناها مؤخراً في صالات السينما هي افتقار الأجزاء التالية لنفس القوة التي امتلكها الجزء الأول. ولكن الفصل الثاني من «جون ويك» تفوق بشكل ملحوظ على الجزء الأول.

قدم لنا الجزء الأول حكاية «جون ويك» القاتل المحترف الذي قرر التقاعد بعد أن وجد حب حياته، تموت الحبيبة، ثم يتعرض ويك لعملية سطو غير مرتبة ينتج عنها سرقة سيارته «الموستانج» وقتل كلبه، يدفع هذا ويك للعودة من أجل الثأر ليقرر قتل الفتى الروسي الذي تورط في هذه السرقة وعائلته وكل من حوله من خلال مشاهد متواصلة من المطاردات والقتل استمرت لما تجاوز تسعين دقيقة.

على الجانب الآخر قدم لنا الفصل الثاني جون ويك القاتل المحترف الذي سمعنا الكثير من الحكايات عنه، نشاهده الآن وهو يعمل بتصميم وتفانٍ، كما تم وصفه أكثر من مرة. يبدأ الفيلم بمشهد طويل ينهي فيه ويك ما بدأه في الجزء الأول من انتقامه من عائلة الفتى الروسي الذي سرق سيارته وقتل كلبه، يستعيد ويك سيارته في آخر المشهد، ثم يترك آخر رجال الأسرة الروسية حيا في مقابل اتفاق على صلح يعيده إلى تقاعده في هدوء.

يعود ويك إلى منزله ليفاجئ بزيارة من رجل عصابات إيطالي يطلب منه العودة للعمل وتنفيذ مهمة يكلفه بها وفاءً لاتفاق وقعه ويك معه عن طريق الدم. وحينها تبدأ حكاية الفصل الثاني الذي يأخذنا في رحلة لولبية خاطفة للأنفاس من المطاردات، الطلقات التي تخترق الرءوس، القتال بالأيدي، القتال بالسكاكين، وصولا للقتل بقلم رصاص في بعض الأحيان.


نجم ثانٍ: عالم متكامل من القتلة المحترفين

قدم لنا ستاهيلسكي في الجزء الأول ملامح عن عالم مكتمل خاص بالقتلة المحترفين. شاهدنا هذا من خلال وجود طبيب خاص وحانوتي خاص، وأيضا من خلال الإقامة في فندق خاص بالقتلة المحترفين. يتم التعامل فيه بعملات ذهبية، ويحظر القتل على أرضه. في الفصل الثاني امتدت هذه الملامح لنرى العالم متكاملا.

نشاهد ويك وهو يتنقل بين فنادق خاصة باتحاد القتلة المحترفين في دول مختلفة من العالم. كما نشاهده يذهب للتسوق وشراء الأسلحة فيما يمكننا وصفه بأنه مركز تسوق متكامل خاص بالقتلة المحترفين. كل هذه التفاصيل جعلت من مشاهدة الجزء الثاني أمرا ممتعا، كما جعلت من السلسلة أكثر من مجرد مشاهد أكشن جيدة متفرقة، حيث أضافت لها بعدا يبشر بسلسلة يمكن أن تقدم لنا المزيد والمزيد.


نجم ثالث: كيانو ريفز بعد الخمسين

كيانو الذي ولد في بيروت «مدينة الأرز والجبال وعاصمة لبنان» عاد من خلال شخصية جون ويك ليضع نفسه مرة أخرى في صدارة نجوم أفلام الأكشن في هوليوود. ريفز وهو يقترب من عامه الثالث والخمسين قدم لنا كل ما يمكننا تخيله عن شخصية جون ويك، بمظهره الصلب وكلماته القليلة وحالته البدنية المبهرة. ريفز الذي بلغ مشواره كبطل لأفلام الأكشن ذروته في أواخر التسعينيات حينما حصل على دور البطولة فى سلسلة The Matrix عاد مرة أخرى بعد فترة من التخبط والسقوط.

قدم ريفز الجزء الأول فى عام 2014 مع صديقة تشاد ستاهيلسكي «الذي عمل معه كدوبلير ومنفذ للمخاطرات في سلسلة ماتريكس» في تجربته الإخراجية الأولى. ويبدو أن رهانهم سويا لم يخب، وها هما يعودان بعد ثلاث سنوات بفصل ثانٍ أكثر قوة.


نجم رابع: تشاد ستاهيلسكي

ستاهيلسكي القادم من ملاعب الكيك بوكس والمعروف في الأوساط الهوليوودية كأحد أفضل منفذى المخاطرات قرر أن يغامر بصنع فيلم أكشن في عام 2014، وهذا هو الفصل الثاني من مغامرته التي شاركه فيها كل من صديقه كيانو ريفز وكاتب قصص الأكشن المغمور داريك كولستاد.

نحن إذن أمام مخرج مبتدئ يصنع فيلمه الثاني، ولكني لن أبالغ حينما أصف هذا الفيلم بأنه درس متكامل في كيفية صنع فيلم أكشن ممتع. ستاهيلسكي أعطى مشاهده كل ما ينتظره من مطاردات متنوعة ومشاهد قتل مفاجئة ذات حبكة جيدة، كما أنه أيضا فاجأنا جميعا بمشاهد أكشن مبتكرة على مستوى الإضاءة والتصوير والمونتاج.

في أحد المشاهد نتابع جون ويك وهو يقاتل خصومه داخل صالة عرض فنية جدرانها مغطاة بالمرايا بشكل كامل، في مشهد آخر يقاتل جون ويك خصومه داخل إحدى عربات المترو، في مشاهد ثالث نتابع مطادرة في أحد الأنفاق المعتمة تماما إلا من أضواء نيون خضراء وحمراء. نجح منفذ المخاطرات المخضرم إذن في نقل خبرته لنا على الشاشة، فقدم أسلوبا إخراجيا طازجا وقادرا على توليد دفقات متتالية من الأدرينالين في أجساد مشاهديه.


نجم خامس: المزيد قادم

أحد أبرز عوامل تقييم سلاسل الأكشن هي قدرتها من عدمها على تقديم المزيد، وبعد مشاهدة John Wick: chapter 2 يمكننا بكل ثقة أن نتوقع المزيد والمزيد من هذه السلسلة، التي لما تكشف بعد عن كل خباياها.

الفصل الثاني قدم لنا عالم القتلة المحترفين بشكل متكامل، ولكنه ترك معظم الشخصيات التي قدمها لنا دون تفسيرات كافية عن ماضيها، ودون توقعات قاطعة عن مستقبلها، كما تركنا ونحن في بداية مطاردة هائلة لجون ويك من كل القتلة المحترفين الساعين لتنفيذ العقد الخاص بقتله.

أعلن ستاهيلسكي عن إمكانية صنع حلقات تليفزيونية خاصة بجون ويك، كما تم الإعلان عن إصدار كتب مصورة خاصة بجون ويك في أبريل المقبل. كل هذا يبدو واعدا جدا. ويبدو أن جون ويك سيكون عنوانا لصيحة جديدة في عالم أفلام أبطال الأكشن.

انتهت أحداث الفصل الثاني بموسيقى روك خافتة تعلو تدريجيا بشكل متناسق مع زيادة سرعة خطوات جون ويك وكلبه بعد أن عرف أنه مطارد الآن من الجميع، تعلو الموسيقى تدريجيا وتتحول خطوات ويك وكلبه إلى هرولة. وحينما ظهرت تترات النهاية على الشاشة خرج المشاهدون المحبون لأفلام الأكشن –وأنا من بينهم- من صالة العرض محملين بأحلام خيالية عن أسلحة آلية في أيديهم تمكنهم من صنع نسخهم الشخصية من بطل يحطم كل من يعبث بحياته.