للوهلة الأولى تبدو الأردن هدفًا رئيسيًا لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث يمتلك التنظيم تواجدًا وينفذ عمليات على الأرض في كل من السعودية ومصر والعراق وسوريا، كما تواجه المملكة تحديات عشائرية واقتصادية واجتماعية حيث يصل معدل البطالة فيها إلى 28% من الشباب، أدى الوضع الاقتصادي – بالإضافة إلى أسباب أخرى – إلى انتساب ما يزيد عن 2000 مواطن أردني إلى داعش وسفره إلى سوريا أو العراق هدف الانضمام إلى التنظيم.بكلمات أخرى تبدو المملكة الأردنية هدفًا سهلًا وفي متناول اليد كي تكون قاعدة أخرى لنفوذ داعش في المنطقة، لكن هذا لم يحدث، فلعدة أيام مضت لم ينفذ تنظيم الدولة الإسلامية هجوما واسع النطاق داخل الأردن. وقبل حادث الكرك لم يزد عدد الوفيات الناتجة عن عمليات تنظيم الدولة الإسلامية داخل الأردن عن 5 وفيات.


كيف نجحت الأردن في تفادي «لعنة» داعش؟

تبدوا المملكة الأردنية كجزيرة هادئة وسط محيط مضطرب. لعب النظام السياسي والمجتمع الأردني دورا كبير في تحجيم تواجد داعش داخل البلاد منذ ظهورها وإلى الأن مرورا بلحظات مفصلية مثل أسر الطيار الأردني معاذ الكساسبة وقتله،فكيف نجحت الأردن في ما فشل فيه غيرها؟!جاء أسر معاذ الكساسبة ثم قتله بتلك الطريقة البشعة ليكون لحظة موحدة للدولة والشعب الأردني، ففي إحصائية لمركز الدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة للجامعة الأردنية اعتقد 72% من الشعب أن تنظيم الدولة الإسلامية تنظيما إرهابيا، ارتفعت النسبة بعد ذلك لتبلغ 95%.أدى الأمن الأردني دورًا كبيرًا أيضا في حصار تنظيم الدولة داخل الأردن وفي مجابهته استباقيًا، تمتلك المخابرات الأردنية تعاونًا مثمرًا وعضويًا مع المخابرات المركزية الأمريكية حيث ساهمت بمعلوماتها في قتل أبو مصعب الزرقاوي رأس التنظيم سابقًا في العراق، ففي تصريح لمايكل شوير في صحيفة لوس أنجلس تايمز قال: «تمتلك المخابرات الأردنية يدا طويلة في الشرق الأوسط وامتدادا يزيد عن ذلك الذي توفره الموساد» وفي مقالة بالأتلانتيك وصف جيفري جولدبيرج المخابرات الأردنية بأنها الأكثر احترامًا (كفاءة) في الشرق الأوسط.لا تكفي هذه الأسباب فقط لشرح لماذا كانت الأردن جزيرة هادئة داخل المحيط العربي الموبوء بداعش، فبالنسبة للأمن تمتلك مصر أيضا جهازا استخباراتيا وعسكريا محترفا ولكنها لم تستطع القضاء على الوجود الإرهابي في سيناء.لكن ما نجحت الأردن فيه حقا كان على المستوى السياسي قبل العسكري، فأولا نجحت الأردن في تخطي اختبار الربيع العربي بنجاح كبير، حيث نجح النظام السياسي في الأردن في تجاوز الانتفاضات التي شهدتها سوريا ومصر وليبيا وتونس، تحرك النظام بمرونة وسرعة حيث أقال الملك عبدالله حكومة سمير رفاعي على خلفية تظاهرات منددة بالفساد وتفادى الأمن الأردني الاحتكاك مع المتظاهرين ثم على خلفية اتهامات للشرطة بالعنف في مدينة (معن) بالأردن استقال وزير الداخلية وأقيل مدير قسم الأمن العام ونظمت الحكومة انتخابات برلمانية في يناير 2013.أيضا نجح الملك عبدالله في إنشاء علاقات جيدة مع الإخوان المسلمين بالأردن فرغم دعاوهم المستمرة للإصلاح لم يقم الإخوان المسلمين برفع أي لافتة تهدف إلى إسقاط النظام أو الاعتداء على الملكية بالأردن، وعلى عكس بعض الدول العربية لم تصف الأردن تنظيم الإخوان بالمسلمين بالإرهاب.كما لعبت السلفية الجهادية في الأردن دورا كبيرا في هذا الصدد،فالأردن والتي تمتلك تواجدا سلفيا كبيرا لم يشجع كبار منظروها مثل أبو قتادة وأبو محمد المقدسي على العنف ضد الدولة بل وأدان كلاهما تنظيم الدولة الإسلامية.نجحت الأردن إذا على المستوى السياسي والأمني في تجنب انتفاضات الربيع العربي أو الفوضى التي تلته في المنطقة. وباستثناء بعض العمليات الإرهابية التي يُثار الشك حول منفذيها وانتمائهم. جاء الحادث الإرهابي في مدينة الكرك ليكسر هذا الهدوء الطويل.


عملية الكرك: ما الذي حدث؟

تأتي عملية الكرك إذن لتكسر الاستقرار النسبي الذي تعيشه المملكة الهاشمية منذ سنوات بعيدا عن طائلة داعش، تبدأ الحكاية من بلاغ وصل لقوات الشرطة عن رائحة بارود بأحد الشقق السكنية بقرية القطرانة الواقعة جنوب مدينة الكرك، أرسلت دورية أمنية لاستطلاع الأمر فتم مهاجمتها وإطلاق النار عليها ثم فر المسلحون إلى مدينة الكرك الأثرية.

حيث هاجموا دورية أمنية بالمدينة الواقعة جنوب البلاد يوم الأحد الماضي الموافق 18 من ديسمبر 2016، ثم أغاروا على مركز للشرطة وتحصنوا في النهاية في قلعة الكرك الأثرية حيث تواجد عدد من السائحين الأجانب داخل القلعة، اقتحم الأمن الأردني قلعة الكرك ونجح في تصفية أربعة مسلحين ولكن كان حجم الخسائر كبيرا حيث قتل ما يزيد عن عشرة أفراد منهم سائح كندي.لكن لم تتوقف الاشتباكات عند هذا الحد حيث تجددت الاشتباكات مرة أخرى يوم الثلاثاء الماضي داخل مناطق عدة متفرقة من المدينة بعد مداهمات قام بها رجال الأمن أسفرت عن مقتل رجل أمن واحد والكشف عن مخزون كبير من الأسلحة والمتفجرات.تبنى تنظيم الدولة الإسلامية لاحقا عملية الكرك حيث أعلن أن أربعة من مقاتليه مسلحين بالأسلحة الرشاشة والقنابل قد أغاروا على قلعة الكرك الأثرية، بارك التنظيم العملية وألقى ظلاله على المملكة الهاشمية الهادئة منذ مدة كبيرة.


ماذا يعني حادث الكرك في هذا التوقيت؟

نجحت الأردن سياسيا وأمنيا في تجنب انتفاضات الربيع العربي أو الفوضى التي تلته، وباستثناء بعض العمليات الإرهابية المعزولة، جاء الحادث الأخير في مدينة الكرك ليكسر هذا الهدوء.

في سياق عام يشهد تراجعا لسيطرة داعش في سوريا والعراق وانكماشا لقدرات التنظيم العسكرية، يبحث التنظيم عن وسائل لاستعادة بريقه وبسط نفوذه في مناطق جديدة لجذب المزيد من الأنصار أو المتعاطفين معه بغرض تجديد الدماء في أوصاله، لذا من الواضح أن التنظيم كان يبحث عن عملية تُحدث ضجة إعلامية أو سياسية تجذب الأردن مرة أخرى إلى سياق الحرب في سوريا والعراق ما يُمكن التنظيم من استعادة بعض الوجود داخل الشارع الأردني،تدعم هذه الفرضية كمية المتفجرات الكبيرة التي وُجدت داخل تلك الشقة وحقيقة أن الأمن الأردني لم يكن على علم بهذه الخلية أو متابعا لها. وثانيا ..ليست الكرك مدينة حدودية ولا تشهد تواجدا عسكريا لقوات أجنبية ولكنها مدينة سياحية وأثرية، فأي هجوم يحدث داخل المدينة كان سيستهدف بالقطع سياحا أو مدنيين خصوصا ونحن على أعتاب احتفالات عيد الميلاد.وكما أسلفنا سابقا لا تشهد الأردن تعاطفا مع تنظيم الدولة الاسلامية، حيث أظهرت بعض المقاطع المصورة عن الاشتباكات تدخل بعض الأهالي لمساعدة قوات الشرطة، كما أظهر الأمن الأردني احترافية كبيرة في التعامل مع المسلحين داخل المدينة.من المستبعد أن تؤثر هذه العملية على مستقبل اللاجئين السوريين داخل البلاد والذين يزيد عددهم عن 600 ألف لاجئ، حيث تعرف الأمن الأردني على منفذي العملية وهم كلهم من الأردنيين المقيمين داخل البلاد سُجن بعضهم سابقا على خلفية سفرهم إلى سوريا.تأتي هذه العملية إذن في سياق منفرد لم تشهده الأردن من قبل وتبدوا تداعياتها إلى الآن محدودة للغاية ولكنها أثارت التخوف من وجود المزيد من الخلايا النائمة داخل البلاد.. فهل تكون الكرك بداية لتحول في رؤية تنظيم الدولة للملكة الأردنية؟!