مع دخول أجهزة «الريسيفر» أغلب البيوت المصرية، وبدء متابعة قنوات تعرض أفلام أمريكية تجارية كـ« fox movies» و«mbc2»، كنا نظن أن الأفلام التي تعرضها القناتان هما أشهر الأفلام العالمية وتحصل على أغلب الجوائز الأوسكارية، وهنا بدأت ولادة الحلم المصري عند العديد من الشباب البسطاء الذين رأوا العالم من خلال القنوات المتاحة. لماذا لا نفعل مثلهم؟ نجمع أموالًا من جميع الدول العربية أو جميع المنتجين المصريين، ونستعين بشركات جرافيك عالمية، ودبابات وطائرات الجيش المصري من أجل صناعة فيلم أوسكاري عالمي.

دُعمت تلك الأحلام الواهية بالقصة الأسطورية عن ساعة فيلم «الناصر صلاح الدين»، والتي تقول إن الفيلم كان سيفوز بالأوسكار لولا ظهور ساعة في يد أحد الكومبارسات. لم نكن نعلم أننا صنعنا أسطورة، وأن الفيلم لم يرشح للأوسكار من الأساس. ولم نكن نعلم أن أغلب الأفلام الأوسكارية معرضة لحدوث تلك الراكورات ولا تمنعها على الأغلب من الفوز بالجائزة المستحقة. أما أكثر شيء كنا نجهله، أن الأوسكار لا يشترط فيها الإنتاج الضخم للفوز بالجوائز، بل إن بعض الأفلام الفائزة والمرشحة يكون إنتاجها أقل من إنتاج بعض الأفلام والمسلسلات المصرية.

ولكن قرر المنتج محمد السبكي بالمشاركة مع المخرج بيتر ميمي، تحقيق الحلم المصري ببطولة سليم الأنصاري/أمير كرارة، ونجم أفلام الأكشن التجارية الهوليودية الذي خفت اسمه بشدة «سكوت أودكنز». فهل نجح الرباعي في تحقيق الحلم الوهمي؟


البطل المصرى «الذكر»

يحسب لمحمد السبكي الرجوع مرة أخرى لقصص الماضي. فمنذ فترة طويلة لم نجد فيلمًا سينمائيًا مصريًا يدور في تلك الحقبة. فالمؤلفون حاليًا تشغلهم قصص الأكشن وصراع رجال الشرطة مع المجرمين أو الإرهابيين. ولكن عاد السبكي مرة أخرى لحكايات بطولات المصريين ضد الإنجليز، ليكتب قصة تشبه القصص الأسطورية عن البطولات الشعبية المنسية.

الأفلام التي تحكي قصص البطولات الشعبية تظهر دائمًا في فترات النهوض الاجتماعي، لأمة خارجة من هزيمة، أو أزمة، أو في بداية مرحلة جديدة من تاريخها، مثل أفلام الساموراي في اليابان وخصوصًا «الساموراي السبع»، وأفلام رعاة البقر الأمريكية التي انتشرت في بدايات بروجاندا الحلم الأمريكي، والتي يعد أحد أشهر أفلامها النسخة الأمريكية من الساموري السبع والتي سميت بـ«العظماء السبع».

ولكن يكمن الفرق الحقيقي أن العملاق الياباني «أكيرا كرواسو»، وحتى مخرجي أفلام رعاة البقر كانوا يدركون الشعور الوطني بالمهانة والضعف وممارسة الخطايا. فاليابانيون خارجون من مأساة حرب وقنابل نووية، أما الأمريكان فهم شعب مهجر من دول وقبائل مختلفة ومارسوا جرائم في حق بعضهم البعض. مبدعو الدولتين يحاولون صنع رحلة للسعي للمثالية المستقبلية مع التسامح ونسيان الماضي المليء بالخطايا والمهانة.

وعلى العكس يأتي شعور العظمة والتفوق الذي يسيطر على صناع السينما، والشعب، والساسة المصريين. ولذلك رسم السبكي وميمي شخصية البطل «يوسف المصري» الجنرال الذي يثأر للفتاة التي اغتصبت من اثنين من الجنود الإنجليز. وبعد معارك ضارية يُقتل أحدهم ويسجن الآخر. يحاول الإنجليز تحريره، ولكن الجنرال المصري يرفض، فيقوم الإنجليز بحصار قسم الشرطة والتهديد بنسفه.

انتصر صناع الفيلم للقيم الذكورية من خلال شخصية يوسف، الذي يصفع إخوته البنات على سبيل الدعابة، ويرفض منح ترخيص ممارسة الدعارة للعاهرة التي تقوم بدورها «غادة عبد الرازق». رغم أن القوانين المصرية في ذلك الوقت كانت تقنن الدعارة، فينتصر يوسف المصري لقيمه الأخلاقية حتى لو خالفت القانون.

إذن يوسف المصري يحمل القيم المثالية للقوي المستنير، الذي يفعل الصواب رغم كل التحديات، ويقرر الدخول في معركة غير متكافئة من أجل الانتصار لقيمه. ولذلك حفلت حواراته بنمطية معتادة من مثل هذه الشخصيات. فحواراته خطابية سطحية عن المقاومة والمواجهة وعن تقبل الموت وعن حتمية الانتصار لأنهم أصحاب حق. وكذلك تصرفاته جاءت متوقعه دائمًا، ولذلك لا يحمل الفيلم الكثير من المفاجآت.

وإذا كانت شخصية يوسف المصري نمطية، فبقية شخصيات الفيلم أكثر نمطية. نماذج مكررة مثل الحرامي الوطني، والعاهرة، والمقاوم السابق للإنجليز. أما شخصيات المحتل الإنجليزي، فكما هو متوقع تمثل كل ما هو شر، لا توجد لمحة إنسانية ولو بسيطة في السيناريو عن شخصيات الإنجليز القليلة التي ظهرت.


فيلم حربي أم قتالي؟

أما الحوار فأتى بلغة أشبه بالمعاصرة، وهنا يتكرر الجدال الشهير؛ هل يجب أن تتحلى الأعمال التي تتناول حقبة تاريخية بخصائصها اللغوية أم لا؟ يوسف شاهين نفسه لم يلتزم باللغة في أفلام مثل «الناصر صلاح الدين»، و«جميلة»، و«المصير». فغرض شاهين – ومثله صناع «حرب كرموز»- لم يكن نقل الوقائع التاريخية، بل هدف الفيلم هو نقل قصة تدور أحداثها في الماضي، وليس نقل تفاصيل الماضي من لغة وأزياء وعادات وتقاليد. ولذلك من المقبول عدم الالتزام باللغة، وما حدث في الفيلم ليس بدعة من صناعه بل حدثت من صناع كبار في مصر أو العالم.

نجد كلمة حرب في عنوان الفيلم، حيث سوق الفيلم نفسه، سواء بالعرض الدعائي أو بعنوانه، كفيلم حربي، وإنه سيشهد معركة متقنة. من اللحظات الأولى نجد استعراضًا إنتاجيًا بعدد دبابات وقوة حربية ضخمة ومهيبة. وهذا يجعلنا نتشوق لمعركة حربية، ولكن حين حدثت المعركة بالفعل تم التركيز على شيء آخر وهو مهارة أودكنز القتالية، ومحاولة مجاراة أمير كرارة له. وهنا يأتي السؤال الذي لم يوضحه الفيلم حتى نهايته، هل هو فيلم حربي أم فيلم قتالي؟ هل الغرض تقديم الحرب وقوتها أم الغرض تقديم مهارات قتالية؟

الجزء الحربي في الفيلم حفل بالأخطاء المونتاجية. فالمونتاج لم يكن موفقًا كأغلب الأفلام المصرية في نقل الإيقاع المناسب للمعركة. القطعات تكون حادة، وكأن المونتير يريد الإعلان عن تواجده، وأحيانًا تكون بطيئة، وهذا يؤثر على استمرارية المشهد. بالإضافة للأخطاء في تنفيذ المعارك مثل انفجار المنزل قبل أن تطلق الدبابة قذيفتها وغيرها من الأخطاء. أما المعركة القتالة، فظهر فارق رهيب بين سكوت أودكنز بأدائه القتالي المميز والمرن، وأداء أمير كرارة المتحجر نوعًا ما، فبدت المعركة غير متكافئة جسديًا بين الفنانين.

محمد السبكي أراد تحقيق الحلم المصري، ولذلك لم ينشغل بشيء سوى الصرف. صرف على آلات حربية وكاميرات متطورة، واستقدام نجم عالمي سيكلفه آلاف الدولارات، رغم أن وجوده شتت الفيلم وأخرجه عن مساره الحربي لمسار قتالي، وصرف على نجوم مصريين في أدوار لم تؤثر على سياق القصة كشخصية العاهرة، وكان من الأجدى صرف هذه الأموال لاتقان المعارك الحربية، ولكن اهتمام السبكي انصب على الصرف، وليس كيفية الصرف.

«حرب كرموز» لم ينجح في تحقيق الحلم المصري، سيحقق أهداف السبكي الضيقة بتحقيق أرباح مهولة واستثنائية، ولكنه لن يحقق أحلامه في صناعة فيلم عالمي، وعلى الأغلب سيُنسى الفيلم بعد سنوات قليلة كغيره من أفلام الأكشن. ولكن رغم ذلك فيلم حرب كرموز لم يكن فيلمًا سيئًا، هو فيلم أكشن مصري جيد، رغم أوجه قصوره، ولكنه أكثر أتقانًا من أغلب الأفلام المصرية.