ليس خاشقجي السبب الوحيد: لماذا غدت السعودية بهذا الضعف؟
لم تكن العلاقات السعودية الأمريكية بأسوأ حالًا منها اليوم، ففي عهد الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة دونالد ترامب بات التدخل في الشؤون السعودية جزءًا من الحملة الانتخابية التي يشنها الحزبان الجمهوري والديمقراطي في إطار انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي.لقد أصبحت مسألة العلاقة ما بين الرياض وواشنطن جزءًا من الجدل السياسي ما بين النخبة السياسية بدلًا من أن تكون محل اتفاق وإجماع، فمنذ أن استغل الرئيس ترامب علاقاته المميزة بالرياض وحصوله منها على مبالغ بمئات مليارات الدولارات لحشد الناخبين للتصويت للجمهوريين في الانتخابات القادمة بينما استغل الديمقراطيون بعض تصرفات القيادة السعودية الطائشة في حرب اليمن وحصار قطر ليهاجموا ترامب الذي سمح للسعوديين بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. أن تصبح العلاقة ما بين واشنطن والرياض محل جدل هي مسألة ليست بالهينة، فالرياض كما هو معلوم للقاصي والداني ثاني أكبر حليف للولايات المتحدة خارج الناتو بعد تل أبيب مباشرة، وذلك منذ لقاء الملك عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكي روزفلت في المدمرة في عام 1945م.
خاشقجي يفتح النار على السعودية حيًا وميتًا
صُدم الرأي العالمي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي باختفاء الصحفي اللامع جمال خاشقجي في إسطنبول التركية أثناء قيامه بزيارة لقنصلية بلاده للحصول على بعض الأوراق، ومع مرور الوقت تبين أن هذا الاختفاء الذي مر عليه أسبوعان ربما لا يكون إخفاءً فقط بل جريمة اغتيال في داخل القنصلية.وهذا الأمر أحدث صدمة عالمية، فخاشقجي يعتبر أشهر صحفي سعودي على الإطلاق على مستوى العالم كونه حتى وقت قريب كان اللسان الناطق باسم القيادة السعودية في لندن وواشنطن رفقة الأمير تركي الفيصل الذي كان سفيرًا هناك، فضلًا عن عمله في صحيفة عرب نيوز الناطقة بالإنجليزية والتي كانت توصف بأنها لسان المخابرات السعودية.ولأن واشنطن عاصمة العالم فإن هذا الإخفاء شغل بال الصحافة الأمريكية لأن خاشقجي قرر منذ عام مضى الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية والتحول لصالح المعارضة وكتابة مقالات راتبة في صحيفة واشنطن بوست ذائعة الصيت، كانت مقالاته الناقدة تجد استحسانًا كبيرًا من قبل النخبة الأمريكية كونها كانت تشرح بدقة أحوال الأوضاع في السعودية كاشفة عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.المشروعون الأمريكيون من الجمهوريين والديمقراطيين تحركوا للمطالبة بتطبيق قانون ماغنيتسكي الذي يعاقب منتهكي حقوق الإنسان، والذي يعني فرض عقوبات قاسية على الرياض تتضمن تجميد أرصدة وإلغاء صفقات سلاح وحظر دخول مسؤولي هذه الانتهاكات للولايات المتحدة، الأمر الذي عارضه الرئيس الأمريكي علنًا بالتهديد أن تطبيق هذا القانون يعني إلغاء صفقات سلاح بـ110 مليارات دولار توفر الوظائف لملايين الأمريكيين كما أن ذلك قد يدفع السعوديين للتوجه نحو التسلح من جهات أخرى كروسيا والصين.اقرأ أيضًا:اتجاه جديد في السياسة الخارجية التركية: قضية خاشقجي نموذجًا
وهذه التصريحات تلتها ضغوط إعلامية كبيرة على ترامب لاسيما مع تكشّف أدلة تركية جازمة أن هناك جريمة قتل تمت في القنصلية السعودية في إسطنبول وأن هذه العملية كانت بأوامر مباشرة من مسؤولين كبار في المملكة العربية السعودية مما دفع ترامب لإعلانه أنه لن يتسامح مع الرياض لو ثبت أنها ضالعة في اغتيال خاشقجي، وذلك عبر مستشاره لاري كودلو مستشاره الاقتصادي .وهو الأمر الذي استفز الرياض لتخرج تصريحات عبر مصدر مسؤول لوكالة الأنباء السعودية (واس) ترفض فيها أي تهديدات بتوقيع عقوبات على الرياض محذرةً أن هذه الإجراءات سوف تؤثر على الاقتصاد العالمي متوعدةً بالرد. وخرج بعد ذلك مدير قناة العربية (صوت النظام السعودي شبه الرسمي) وأحد المقربين من العائلة المالكة ليشرح طبيعة الرد السعودي على مثل هذه الإجراءات الأمريكية.الدخيل تحدث عن جملة من الإجراءات تنوي السعودية القيام بها لو تعرضت لأي عقوبات أبرزها بيع النفط بالعملة الصينية اليوان والتصالح مع إيران وإنشاء قاعدة عسكرية روسية في شمال البحر الأحمر (تبوك)، وفتح علاقات مع حماس وحزب الله، وسحب اسثثمارات السعودية من واشنطن تقدّر بمئات مليارات الدولارات. وهو الأمر الذي ربما يكون قد تسبب في استفزاز السفير الأمريكي في روسيا سابقًا مايكل ماكفول ليغرد على حسابه الشخصي على تويتر معلنًا أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى السعودية.من يحتاج السعودية؟

اقرأ أيضًا: وهم الحرب الباردة بين أمريكا والصين
ثالثًا: سوف تكون هناك تأثيرات اجتماعية لأي عقوبات أمريكية على الرياض، ربما يكون أكبرها التراجع عن الإصلاحات الأخيرة كليًا وربما تقديم تنازلات كبرى للمحافظين في السعودية بحملات قمع دينية كبرى لإلهاء المجتمع عن أي انتكاسة اقتصادية عبر اتهام الليبراليين عامةً بأنهم سبب البلاء، وأنهم عملاء للغرب انتقامًا من تأييدهم المفرط لقمع التيار الديني. رابعًا: وضع نهاية لرؤية السعودية 2030 والمصالحة مع الدوحة وطهران وأنقرة على حساب العلاقات الحميمية مع أمريكا.