يوماً ما في القرن الخامس عشر، استيقظ الناس على امرأة ترقص وحدها في منتصف شارع في ستراتسبورج، في خلال أسبوع انضم لهذه المرأة عشرات آخرين، في خلال أقل من شهر أصبح عدد الراقصين في الشارع يتجاوز المئات، يرقصون رقصاً متواصلاً محموماً ولا يعرف أحد لماذا يفعلون ذلك.

عندما وصل الأمر إلى المسئولين في البلدة، أرسلوا لاستشارة الأطباء، استبعد الأطباء الأسباب الميتافيزيقية والفلكية واستبعدوا الخرافات أيضا، بدلاً من ذلك قرروا أن ما يحدث في الشوارع هو مرض عضوي سببه دماء ساخنة في أجساد المصابين بالمرض، والعلاج من وجهة نظرهم كان المزيد من الرقص.

القصة لا تنتهي هنا، فحكاية طاعون الرقص لم تكن حكاية مسلية على الإطلاق، فالأمر لم يقتصر على أناس يرقصون في الشوارع، بل تطور الأمر لموت وألم ولعنات ورجال دين يتهمون المجتمع بالفسق والفجور – لاحظ أننا نتحدث عن القرن الخامس عشر – المهم أن حمى الرقص كانت تنتقل من بلدة لأخرى، فكان الناس يرقصون بجنون في جميع أنحاء أوروبا تقريباً.


كيكي، هل تحبينني؟

منذ أيام استيقظ مرتادو السوشيال ميديا على فيديوهات من كل أنحاء العالم، شاب أو شابة يرقصون خارج سيارة تسير ببطء وهم يؤدون حركات بسيطة محفوظة على أغنية «In My Feelings» للمغني الكندي «دريك». الأمر لم يقتصر على مستمعي دريك أو مواطنيه، أو حتى رواد السوشيال ميديا الأجانب، بل امتد الأمر لمصريين وخليجيين، شباباً وبناتاً، كل من يمتلك سيارة تقريباً رقص على أغنية دريك، وانتشر الأمر تحت مسمى «تحدي رقصة كيكي – Kiki Challenge».

جنون يجتاج السوشيال ميديا، فيديوهات من جميع أنحاء العالم، نجوم تمثيل ونجوم كرة، حتى عصام الحضري أدي تحدي كيكي الراقص! الجميع يسير بجانب سيارة تمشي على مهل ويرقص، ويل سميث يرقص أعلى كوبري في بودابست مؤدياً التحدي، ثم ينتشر فيديو لفتاة أجنبية تدهسها مقطورة وهي تؤدي التحدي، ثم ينتشر خبر أن هذه الفتاة لفقت الفيديو وأنها لم تتأذ.

الأمر هذه المرة لم يكن طاعوناً ولا لعنة من السماء ولا دماء ساخنة، الأمر بدأ عندما نشر الممثل الكوميدي شيجي صاحب برنامج «The Shiggy Show»،مقطعاً مصوراً له يرقص فيه على أغنية دريك «In My Feelings»، ليصل عدد مشاهدي المقطع إلى أكثر من ستة ملايين مشاهد، ويبدأ متابعيه في تقليده وتنتشر حمى كيكي في جميع أنحاء العالم.


لماذا يرقص الناس؟

في السنوات الأخيرة حققت أغنيات بعينها انتشاراً رهيباً في أوساط الميديا، هذه الأغنيات كانت مصحوبة في الغالب بحركات وروتين رقص محدد، حركات محفوظة يؤديها الجميع وتنتشر انتشاراً جنونياً، يرقص عليها الجميع رغم عدم فهمهم للكلمات في بعض الأحيان، ولكن الرقصة والحركات البسيطة في الغالب كانت لها الكلمة العليا، نتذكر من هذه الأغنيات مثلاً جانجام ستايل، وهابي، ومن قبلهما مكارينا، وغيرها من الأغنيات المصحوبة بحركات روتينية، والتي حققت انتشاراً جنونياً.

في عام 2014 نشرت ورقة علمية في جامعة آرهوس في الدنمارك عن الأغنيات التي يرقص عليها الناس، ولماذا هذه الأغنيات بالذات التي تنجح رقصاتها بهذا الشكل المحموم، أثبتت الدراسة أن الأمر يعتمد على أشياء مفقودة في الأغنية أكثر من كونها تعتمد على أشياء موجودة بالأغنية، فالأغنيات التي يحفظ الناس حركاتها الراقصة هي في الغالب أغنيات ذات رتم معقد وممتلئة بالفجوات الإيقاعية غير الملحوظة، يملئها المستمع تلقائياً ودون وعي منه بحركات بسيطة.

وطبقاً للبروفيسور «بيتر لوفيت» الأستاذ في جامعة هيرتفوردشاير بإنجلترا، فإن الناس يرقصون من أجل أسباب نفسية بحتة، فهم يرقصون من أجل التواصل المجتمعي، والحظو بالقبول وإظهار الثقة والقوة وانعدام المخاوف، يرقصون أيضاً من أجل التغلب على مشكلات واجهتهم صغاراً وبرغبة دفينة في إظهار تغلبهم على تلك المشكلات.


كيكي بالمصري

بالطبع نحن نمتلك في عالمنا العربي خصوصية ثقافية تجعل كل شيء يأتي لدينا ويتحول لشيء آخر تماماً. فمع انتشار تحدي كيكي الراقص، ورغم أن الأمر لطيفاً بالأساس كونه يدور في فلك الفن والرقص والغناء والتصوير، إلا أنه تحور لدينا ليصبح شيئاً غريباً مليئاً بالمكائد والمعايرات والتنمر والغرامات المالية.

بدأ الأمر عندما نشرت دينا الشربيني فيديو مصور لها وهي تؤدي التحدي على أنغام أغنية «شوقنا» لعمرو دياب، فانقلبت السوشيال ميديا رأساً على عقب، الجميع يستهزئ بدينا وشكلها ولونها ورقصها، يستنكرون رقصها على أغنية عمرو دياب ويشيرون لعلاقتهما التي يعرفها الجميع ولم تعد سراً ومع ذلك ما زالوا يستخدمانها كذريعة لسب دينا الشربيني.

ثم تنتشر أخبار غريبة عن غرامات مالية فرضتها الحكومة المصرية لمن يتجرأ ويرقص تحدي كيكي بجانب سيارته، وتحذيرات من الحكومة الإماراتية لمواطنيها بعدم الانسياق وراء هذه الموضة وتعريض حيواتهم للخطر.

الرقص جميل لا خلاف على ذلك، والموضة أيضاً تشعر البشر بالانتماء بشكل ما وأنهم لا يختلفون كثيراً عن بعضهم البعض، ولكن الأمر يبدو جنونياً فعلاً، لا يختلف كثيراً عن طاعون الرقص منذ عدة قرون خلت، دماء حارة أو لعنة من السماء أو فيديو مصور، كل الطرق تؤدي إلى كيكي، وإلى حمى الرقص.