اختفاء تام لـ «كوانتين تارنتينو» بعد إخراجه لفيلم «جاكي براون» الذي أنتج عام 1997، ولنا أن نتخيل أن بعض النقاد اتهموا تارنتينو بنضوب أفكاره. خلطة تارنتينو السحرية التي تمزج بين إعادة تقديم صورة الأفلام الكلاسيكية، مع الحوارات الشعبية البسيطة الخالية من العمق، والمليئة بالقبح والسباب والحكايات الرخيصة، في قصة يسيطر عليها إطار من العبث الكامل، لم تعد تطيعه.

تارنتينوالذي قدم مثالا صارخا لسينما مابعد الحداثة في أفلامه، وخصوصا «pulp fiction»، لم يعد لديه مشاريع معدة للإنتاج؛ خمس سنوات تمر كاملة بدون وجود اسم كوانتين تارنتينو علي شاشات السينما.ولكن في العام السادس، عاد إلينا بفيلم «kill bill»، وهو مكون من جزئين، الأول عرض في عام 2003، والثاني في 2004.

الفيلم مستوحى من أحد المشاهد التي تجمع بين «مايا والس» و«فينست فيجا» في فيلم «pulp fiction»، حيث تحكي مايا قصة الفيلم الذي ستشارك فيه «أقوم بدور فتاة شقراء، هي القائدة، والثعلب الياباني كانت مدرسة كونغ فو، الفتاة السوداء كانت خبيرة تهديم، واختصاص الثعلب الفرنسي كان الجنس، واختصاصي كان السكاكين، وكنت أخطر فتاة تجيد استخدامهم».

على الرغم أن القصة العامة للفيلم تدور حول رغبة «the bride» في الانتقام من «bill»، الذي حاول قتلها في زفافها، ونجح في قتل زوجها وأسرته، ونجت هي بأعجوبة من أعجوبات تارنتينو المعتادة، ولكن نستطيع القول أن العمود الفقري للحكاية هي قصة انتقام the bride من صديقاتها الثلاث الذين ساعدوا bill في الوصول إليها.

الانتقام وجبة يفضل أن تقدم باردة.
مثل إنجليزي

الفيلم يبدأ بهذا المثل الإنجليزي الذي يعبر بشكل جلي عن موضوع الفيلم، وهو الانتقام، حيث أن شخصيات الفيلم الرئيسية والثانوية يقودها الغضب والرغبة في الانتقام،بداية من «the bride»، بطلة الفيلم، التي تؤدي دورها «أوما ثورمان»، حيث ترغب في الانتقام من «بيل» ومساعديه الثلاثة، إلى أخطرهم على الإطلاق، الساموراي اليابانية «O-Ren Ishii»، التي كانت مساعدة لبيل، وتتولي في أحداث الفيلم زعامة أحد العصابات اليابانية.

على الرغم من استحالة تولي امرأة هجينة النسب «أصولها أمريكية» زعامة تلك العصابة، إلا أنها استطاعت بدمويتها وعنفها المفرط وقطع رؤوس المعترضين تولي الزعامة وإنهاء أي احتمال مستقبلي لمعارضة هذه الزعامة.

ما جعل «أو رين» بهذه الدموية هو رغبتها الشديدة في الانتقام. في أحد أكثر سياقات تارنتينو إبداعًا طوال مسيرته، يعرض قصة طفولة أورين، كفيلم Anime قصير بداخل الفيلم، الطفلة التي قتل أبوها وأمها أمام أعينها من قبل قائد إحدى العصابات، لم ينقذها من الموت سوي الصدفة، هكذا قررت الانتقام من قاتل والديها وقاتل طفولتها على السواء، استطاعت الانتقام وهي في الحادية عشرة، وهكذا تبنتها إحدى العصابات التي أصبحت أحد أخطر أعضائها، ثم عملت مع بيل وأصبحت تترأس إحدى أكبر العصابات في اليابان.

أو رين هي واحدة من أكثر شخصيات تارنيتنو إبداعًا وجمالًا في كتابتها، فبهذا العرض لطفولتها وقصة انتقامها وتحولها لفتاة خطرة، تجعلنا نتعاطف معها ونتفهم عنفها المفرط، هذا التعاطف، أو علي أقل تقدير التفهم، هو الذي سيخدم تارنيتنو في مشهد نهاية الجزء الأول.

مشهد نهاية الجزء الأول هو المبارزة بين أو رين وthe bride، حيث جعل تارنتينو الأجواء المخيمة علي تلك المبارزة رومانسية بشكل كبير، أورين تتفهم دوافع the bride وتعلم أنها أوقعتها في بئر الغضب الذي وقعت فيه في طفولتها، تعتذر أو رين لها، وتتقبل النهاية التي لن تكون في صالحها غالباً، مبارزة بين أمرأتين يقودهم الغضب والانتقام في أجواء رومانسية لم تخلُ من مشاعر الاحترام والاعتذار من قبل أورين على وجه الخصوص.ولأن دوائر الغضب لا تتوقف عند تارنتينو، يفتح تارنتينو دائرة غضب جديدة.

ففي بداية الفيلم تقوم the bride بقتل مساعدة بيل السمراء أمام طفلتها، وتقول للطفلة «لم يكن في نيتي أن أفعل ذلك أمامك، ولهذا أنا أسفة، أمك كانت تستحق، عندما تكبرين، أذا كنتي تشعرين بالسوء، فسأكون في الأنتظار»، the bride تتفهم أن نيران الانتقام قد أُشعلت في نفس الطفلة، ولذلك هي تتقبل النتائج المستقبلية.

الغضب كذلك هو ما جعل صانع السيوف المعتزل «هاتوري هانزو»، يصنع أفضل سيف صنعه في حياته من أجل قتل بيل، تلميذه الذي أصبح خطر بشدة ولا يجب بقائه في الحياة.من حيث الصورة، فالفيلم يجاري التراث الفني الأسيوي الذي يحبه تارنتينو، بداية من عرض قصة طفولة أو رين وانتقامها لمقتل والديها من خلال sequence «مصطلح فني يطلق علي جزء من الفيلم يمكن رؤيته واستقاء بعض المعلومات منه بعيدًا عن قصة العمل الفني» كامل مصنوع بطريقة الـ Anime اليابانية. بالإضافة لمشهد صناعة السيف الأقوي وتقاليد الصلاة من أجل تقديم السيف لمالكه كما في أفلام الساموراي، بالإضافة لمشاهد راهب التبت الصيني الذي لايحب النساء ومع ذلك قبل خدمة the bride وقد علمها الكثير من الفنون القتالية.

الحقيقة المنسية هي أن تارنتينو من أكثر المخرجين المهتمين بالجانب النسوي، وليس المقصود به الحقوق النسوية الكلاسيكية، بل المقصود أن تارنتينو يهتم كثيرا ببطلاته السيدات. على الرغم من أن نوعية الأفلام العنيفة لم تهتم بالدور الأنثوي كثيراً، حيث تكون دائما أفلامًا ذكورية الطابع من الدرجة الأولى، حيث يحارب الأبطال بعضهم وسط صراخ النساء، إلا أن تارنتينو يقوم بالعكس، وخصوصاً في فيلم kill bill حيث الصراع الدموي العنيف هذه المرة بين أربع سيدات، صراع لا يتحمله الرجال ولا يستطيعون الوقوف ضده.

أو رين تزعمت العصابة اليابانية وقمعت كل الرجال المعترضين علي تولي امرأة، the bride هي الشخص الوحيد الذي أعطاه راهب التبت حركته الرباعية المميتة التي تعتبر سره الأعظم، والمرأة الفرنسية هي من قتلت راهب التبت الذي لم يستطع أحد هزيمته. وأخيرا bill، زعيم العصابة المخيف، قتل على يد حبيبته the bride لتكون المرأة التي هزمت أخطر الرجال.