المتابع لدراما 2016 سيجد بسهولة أن العمل صاحب نسب المشاهدة الأكبر هو مسلسل «الأسطورة»، نسب مشاهدة تبتعد بملايين كثيرة عن أقرب منافس. وفي حين أصبح المسلسل حديث الناس في المقاهي والميكروباصات والبيوت. وجد معظم مثقفي وإعلاميي مصر بالإضافة لفئة كبيرة من شباب الطبقة المتوسطة العليا أن المسلسل يبشر بالبلطجة بل أنهم حمّلوا «محمد رمضان» مسئولية تردي الذوق العام وانتشار المخدرات وزيادة معدلات الجريمة وغلاء الأسعار وتعطل عجلة الإنتاج وسوء مستوى التعليم وانحدار البحث العلمي، إلى آخر قائمة الكوارث التي تخطر على ذهن القارئ ولا داعي لذكرها توفيرًا لوقتنا ووقتكم الثمين.

ونحن هنا ومن خلال هذا المقال نبحث معكم من خلال رصد ردود الفعل المختلفة عن الحقيقة وراء كل هذا، فهل فعلا محمد رمضان هو المذنب، هل بالفعل هو ممثل محدود الإمكانيات سيء الاختيارات منعدم الأخلاقيات محب للجريمة كما يطيب لتحالف المحافظين والشباب المثقف أن يصفوه أم أن هناك حكاية أخرى من الممكن أن تُحكى.


البطل الشعبي

يجهز صاحب أحد المقاهي الشعبية مملكته لاستقبال الجمهور، يُعاد ترتيب الكراسي فبدلا من أن تتراص في حلقات تتوسطها طاولات معدنية صغيرة لاستقبال المشاريب يتم وضعها في صفوف عرضية متوازية لكي تصبح وجهتها جميعًا نحو شاشة التليفزيون الوحيد الموجود بالمقهى، هذا التكتيك ومن زمن بعيد كان يعني أن هناك مباراة كرة قدم هامة ستُلعب هذه الليلة ولكن لم يكن هذا ما يحدث اليوم.

تدخل مجموعة من الشباب للجلوس وسط الجمهور المنتظِر ثم يطلب أحدهم من صاحب المقهى كالمعتاد أن يغير القناة لأن موعد مباراة الأهلي والمصري قد حان. المقاهي صنعت من أجل كرة القدم هذه هي القاعدة وإن كان لهذه القاعدة إضافة تجعلها مقدسة فيمكننا القول أن تلك الإضافة هي أن تكون تلك المباراة للأهلي حينها يصبح مجرد الاقتراب من مؤشر التلفاز عبثا بالمقدسات، ولكن في هذه المرة يرفض صاحب المقهى بأريحية تامة وبنبرة اعتذار حينما يقول: «معلش يا باشا مش هينفع نقلب أصل ده ميعاد الأسطورة» يساند الجميع قرار المعلم وتظل هذه الذكرى عالقة في ذهني ما حييت عن المسلسل الذي هزم كرة القدم في معبدها.

في نفس اللحظات وعلى الجانب الآخر من الحياة يتحرك أحد «الجنود العادة» (وهو اللقب الذى يطلق على الجنود أصحاب المؤهلات ما دون المتوسطة) في أحد الكتائب الخاصة بالجيش، يهرول سريعا بين العنابر ليخبر زملاءه الذين يشاركونه قضاء فترة التجنيد الإجباري بأنه اتفق مع عسكرى الميز على فتح التليفزيون وقت مسلسل الأسطورة. يتجمع الجميع وقت المسلسل ثم يُغلق كل شيء بعد ذلك ليعود السكوت والانضباط إلى المعسكر حتى قدوم نفس الموعد في كل ليلة.

تأتة الساعة العاشرة فتتوالى طرقات خفيفة على باب العيادة الموجودة بالوحدة، يفتح الباب طبيب شاب من الدلتا يقضي فترة تجنيده الإلزامي في ضيق شديد، يستقبله وجه بشوش لجندي قادم من أقصى الصعيد، يستفهم الطبيب عن سبب الزيارة فيخبره الجندي «هو سعادتك مش هتيجي تتفرج معانا على الأسطورة يا دُكتور»، يسأله الطبيب: «وبيحكي عن إيه المسلسل ده؟»، يجيب الجندي:«عن راجل جدع بيجيب حقه بدراعه»، يقرر الطبيب أن يذهب معه ومن يومها وهو يجتمع بجنود وحدته ليشاركهم الفرجة على سيرة الفتوة الذي ارتضوه بطلا. ليشهد معهم في أحد الأيام مشهد «خناقة رفاعي الدسوقي مع عيلة النمر»، يشتعل الميز بالتصفيق والتهليل ليصبح هذا المشهد هو الأكثر مشاهدةً وبفارق ملايين عن أي مقطع تليفزيوني مصور آخر في رمضان 2016.

بعيدًا عن ذلك بعشرات الكيلومترات وعلى طريق مصر إسكندرية الزراعي يتناقش شابان في منتصف العشرينات في مقعدين متجاورين في أحد الميكروباصات حول الإنتاج الدرامي الرمضاني، يتحدث أحدهما عن إعجابه بتجسيد «يحيى الفخراني» لشخصية الشيطان في مسلسله المقتبس عن قصة الشاعر الألماني «جوته» المسماه بـ«فاوست» ويرد عليه الآخر بمدح أداء «منى زكي» و«إياد نصار» في مسلسل «أفراح القبة» المقتبس عن رواية للأديب العالمي «نجيب محفوظ»، ثم يتسرب – دون قصد – ذكر مسلسل محمد رمضان الجديد إلى حديثهم، وبالطبع على سبيل السخرية، يتسابق كلا منهما في نفى شبهة متابعته لأحداث هذا العمل الهابط من وجهة نظر المثقفين ودعاة الحداثة، يتدخل في الحديث أحد الرجال في منتصف الخمسينات ليخبرهم بأن هذا العمل خطر أخلاقي على شباب الأمة، يتفقون جميعًا على سب محمد رمضان، وربما للمرة الأولى خلال الخمس سنين الماضية يتفق الشباب مع جيل العواجيز على شيء، يشعر الشاب بقوته أخيرًا في فرض رأيه على العالم ولا تدوم سعادته طويلا لأن السائق يقرر أن يفاجئهم بسؤال مهم وغير متوقع: « انتوا بتهروا في إيه وأنتم أصلا مشوفتوش التمثيلية؟ الأسطورة بييجي الساعه 10، ابقوا شوفوه يا أساتذة وبعدين اتكلموا»، يسكت الجميع حتى وصول الميكروباص إلى مقصده.


بضع سنين إلى الوراء

يستمع الفتي الأسمر الذي لم يتجاوز العشرين عاما حينها لكلمات «عمر الشريف» النجم المصري الأهم عالميا، هذا الفتى الذي يرتدي بدلة تتسع لتخفي نحافته وتعطي له قدرا من الأناقه وهو يحل ضيفا خجولا على مشاهدي التليفزيون لم يستطع حينها أن يخفي تأثره فبكى، كان حقيقيا جدا ويشبه المصريين جدا، لم يكد يخرج من أدوار الكومبارس والمشاهد الواحدة وها هو واحد من أكثر وجوه السينما شعبية في العالم كله، يعلنه خليفة له، خليفة لعمر الشريف.

في تلك الأثناء ولسنوات تالية كان محمد رمضان ممثلا شابًا قادمًا من أسرة بسيطة الحال، يتنقل بين الأستوديوهات والمسارح ولقاءات المنتجين و المخرجين ليتلقى سخرية واستهزاءً من كل حدب وصوب، يقتنص أدوارًا صغيرة في مسرحية لسعيد صالح أو فيلم لـ«أحمد عيد»، يخطف دور «أحمد زكي» في مسلسل السندريلا بعد أن يقنع منتجه بأنه قادر على استحضار روح زكي لدرجة تجعله أكثر شبها به من ابنه هيثم ثم يلفت نظر «حنان ترك» فتختاره لدور أكبر قليلا في مسلسل أطفال الشوارع.

يؤدى دورًا كوميديا في أحد أفلام العيد ثم يؤدى ولأول مرة دور البطولة ولكن في أحد الأفلام المستقلة صاحبة الميزانية المنخفضه للغاية، يصبح مألوفا بين صناع أفلام المهرجانات من صفوة مثقفي السينما فيظهر أخيرًا في فيلم الشوق أحد أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ثم يصل لدائرة الضوء أخيرا في فيلم «احكي يا شهرزاد» ليعمل مع المخرج «يسري نصر الله» والكاتب «وحيد حامد».

كان رمضان إذًا ممثلا جيدًا يتلمّس طريقه باجتهاد ويحاول أن يشق طريقه وسط زحام سينمائي من نجوم الصف الأول الذين يشكلون دائرة إنتاجية لا يمكن الخروج عنها، شاهد الفتى رجالا ونساءً أقل منه موهبة وثقافة وشغفًا يحظون بالأدوار الأولى ثم يلقون بالأدوار الصغيرة لهذا الفتى الأسمر الذي تحصره معايير السينما الكارهة لملامح شعبها في الأدوار الثانوية.

– تفتكر الجنة بتاعتكم هي الجنة بتاعتنا؟ – حق ده يبقى حتة مقلب.
محمد رمضان من فيلم الخروج من القاهرة

كيف ستنتهي الأسطورة، أو كيف ستبدأ

موهبة غريبة خالص وعالية جدا، ممكن يكون أحسن مني بكتير ومن عادل وأحمد. لا ده مش تواضع دي الحقيقة، والحقيقة ساعات بتبان تواضع. أنا مثلت معاه مشهدين بس واتجننت. كأني قابلت واحد هيكون أحسن ممثل في مصر. ده هيكون خليفتي.

إذا قررنا الإجابة على الشطر الأول من السؤال بشكل مباشر للغاية، وأقصد هنا إذا أردنا توقعًا لنهاية مسلسل «الأسطورة». فسأقرر المراهنة مرة أخرى على أن النهاية ستكون في صالح الانتصار الأخلاقي لضرورة أن يتلقى كل من قام بفعل سيء جزاءه في الحياة الدنيا، وهذا هو الخط الدرامي الذي يفضله «رمضان» وأصر على إضافته إلى أعماله السابقه التي وصفها كثير من النقاد بالهابطة، قرر رمضان أن ينتهى الحال بـ«عبده موته» إلى الإعدام، كما قرر هنا ألا يتوقف «ناصر الدسوقي» عند الأخذ بالثأر لأخيه فتمادى إلى أن أصبح خائنا لذكرى هذا الأخ ومتورطًا في أذى الغير. ستنتهي الأسطورة بهزيمة أخرى لناصر، ماديًا بالموت أو معنويًا بالأسى.

أما إذا قررنا أن نجيب على الشطر الثاني بشكل غير مباشر وأقصد هنا التنبؤ بمستقبل محمد رمضان الفني فيمكننا هنا أن ننظر لتصريحه الآتي: «في مقولة ليوجين أونيل بتقول «لا بد أن تكون وفيًا لحلمك»، أستاذ عمر الشريف هو اللي عرفني المقولة دي ولما سألته عن معناها قال: «يعني لو قبلت أدوار في البداية لمجرد إنك معندكش القدرة على الرفض وتغيير مسار الفن في مصر أول ما تتمكن لازم تكون وفي لحلمك».

يكرر رمضان هذا التصريح وما يشابهه كثيرا في لقاءاته التليفزيونية الأخيرة، يبدو أنه عاقد العزم على العبور من مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر نضجا، بالطبع لا يمكننا أن نضع الأسطورة في نفس الخانة مع «الألماني» و«عبدة موته»، سيكون هذا ظلما كبيرا لعمل درامي جيد الصنع على مستوى الصورة والصوت وتسارع الأحداث بمقاييس الدراما العربية، كما لا يمكننا وضع الأسطورة في نفس الخانة التي من المفترض أن نضع فيها رجلا يريد أن يصل لمكانة «أحمد زكي» محليا و«عمرو الشريف» عالميًا.

صرح رمضان أخيرا أنه يجهز حاليا لعمل مشترك مع المخرج «شريف عرفة» والكاتب «عبد الرحيم كمال»، هل ستكون هذه نهاية مرحلة التمكين وبداية مرحلة الوفاء للحلم يا «رمضان»؟