عام 2017 حلت «إسرائيل» في المرتبة الـ 32 على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية العالمية، ورغم أن هذا التصنيف ليس هو الأسوأ لدولة الاحتلال، لكن نصدّره لأنه أول تصنيف بعد تحريك لوائح الاتهام بالفساد بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

للفساد في دولة الاحتلال الإسرائيلي تاريخ طويل، بلغ ذروته أواخر القرن الماضي، تلك الفترة التي تحركت فيها لوائح اتهام لسياسيين إسرائيليين من الصف الأول، أرئيل شارون، وإيهود أولمرت، وموشيه كتساف (الرئيس الثامن لدولة الاحتلال)، وها هي الاتهامات ذاتها تُكال لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، في لحظة شديدة الحساسية من تاريخه السياسي.

 

الطريق لحصار نتنياهو

الشهر الماضي، قرر المدعي العام الإسرائيلي توجيه اتهامات تتعلق بالفساد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. تضمنت لوائح الاتهام تهمًا تتعلق بتلقي الرشى والاحتيال وخيانة الأمانة، وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أوصت العام الماضي بالتحرك لمحاكمة الرجل، وذكرت في بيان لها أصدرته بالتزامن، أنها جمعت أدلة كافية ضد نتنياهو تؤكد تورطه في هذه التهم.

أربع قضايا ارتبطت باسم نتنياهو: أولها القضية المعروفة إعلاميًا بالقضية 1000، والتي تُسمى أيضًا بقضية الهدايا، حيث يُشتبه في تلقي الرجل وأفراد من عائلته، وتحديدًا زوجته، هدايا ورشى تصل قيمتها إلى 750 ألف شيكل، ما يعادل 240 ألف دولار، قُدمت له من المنتج الإسرائيلي الهوليودي أرنون ميلتشان، وهدايا أخرى قيمتها تقارب الـ 72 ألف دولار، قدمها الملياردير الأسترالي جيمس باكر. في مقابل هدايا أرنون ميلتشان، يُعتقد أن نتنياهو استغل منصبه لمساعدة الرجل في تحقيق مصالحه بعالم الأعمال.

أما القضية الثانية والمعروفة بالقضية 2000، فتتعلق بمحادثات سرية تسربت لرئيس الوزراء نتنياهو مع أرنون موزيس مالك صحيفة يديعوت أحرنوت إحدى الصحف الأكثر مبيعًا في دولة الاحتلال. خلال المحادثات، ناقش الطرفان إمكانية تدخل نتنياهو لتحجيم انتشار صحيفة «هايوم» المنافسة والمملوكة لرجل الأعمال اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون في مقابل تغطية أكثر إيجابية من قبل يديعوت أحرنوت لأخبار رئيس الوزراء.

القضية الثالثة، المعروفة بالقضية 3000، تتعلق بصفقة شراء غواصات ألمانية وزوارق هجومية كلفت إسرائيل مئات الملايين من الدولارات، تم التعاقد على هذه المشتريات خلال فترة رئاسة نتنياهو، تظن الشرطة الإسرائيلية أن نتنياهو تلقى رشاوى ضمن هذه الصفقة، لكن الأمر لم يرقَ لدرجة توجيه الاتهام، وجرى استجوابه فقط كشاهد.

القضية الرابعة، والمعروفة إعلاميًا بالقضية 4000 أو قضية بيزيك، فيُتهم فيها نتنياهو بالسعي للحصول على تغطية إخبارية إيجابية من موقع «واللا» الإخباري المملوك لشاؤول إيلوفيتش، رئيس مجموعة بيزيك إسرائيل تليكوم (أكبر مجموعة اتصالات في إسرائيل) وقدم في المقابل تسهيلات وخدمات حكومية عادت على المجموعة بمئات ملايين الدولارات.

ثقب أسود

للمرة الثانية على التوالي، وفي أقل من ستة أشهر، يفشل الشارع السياسي الإسرائيلي في الاتفاق على حزب أو تكتل انتخابي يمنحه الثقة لتشكيل الحكومة. في أبريل/ نيسان الماضي، حصل الليكود (الحزب الحاكم) ونظيره حزب أزرق أبيض المعارض على 35 مقعدًا من مقاعد الكنيست من أصل 120 مقعدًا لكل منهما، نتيجة لم تمكن أيًٍا من التكتلات السياسية الإسرائيلية من تشكيل الحكومة، منفردًا أو ضمن تحالف. أعيدت الانتخابات مرة أخرى في سبتمبر/ أيلول الماضي، ولم يحصل الليكود سوى على 32 مقعدًا، متراجعًا في النتيجة عن الانتخابات الأولى، وعاجزًا ما يزال عن التوصل لاتفاق بشأن تشكيل الحكومة.

تزامن المأزق السياسي الإسرائيلي مع تعثر نتنياهو شخصيًا وتزايد المطالبات باستجوابه وخضوعه لمحاكمة، لكن يحتاج الرجل أكثر من أي وقتٍ مضى إلى البقاء في منصبه كرئيس للوزراء، ليحميه المنصب من نداءات المحاكم المتتابعة، خاصةً وأن الحزب دافع عنه معتبرًا ادعاءات الفساد الموجهة له بمثابة «اغتيال سياسي»، وتأكد دعم الحزب لشخصه في الانتخابات الداخلية التي أُقيمت قبل أيام قليلة وفاز فيها نتنياهو بالأغلبية الكاسحة، ليبقى في المنصب الذي احتفظ به بـ 14 عامًا كاملة، زعيمًا تاريخيًا لليكود وتحالف اليمين الديني.

اقرأ أيضًا: انتخابات إسرائيل: اليمين يتعادل مع اليمين

بهذا الدعم سيتجه نتنياهو بالحزب إلى الانتخابات الثالثة المفترض إجراؤها في مارس/ آذار المقبل. وفي ظل حالة العجز السياسي الحالية فإن «بيبي» من المتوقع أن يتجاوز دوره كزعيم سياسي قادر على توحيد الشارع الإسرائيلي حوله، إلى دور السياسي الفاسد، المطلوب للعدالة.

متى يذهب بنيامين نتنياهو إلى السجن؟

عام 1998 بينما كان أرئيل شارون وزيرًا للخارجية، وُجهت لابنه عموري، العضو بالكنيست، تهمًا تتعلق بتمويلات الحملة الانتخابية لوالده. ظلت القضية معلقة في المحاكم الإسرائيلية وتم البت فيها عام 2006، السنة التي انتهى فيها حكم شارون قبل أن يودع المشفى للعلاج من الغيبوبة. جاء الحكم بحبس عموري تسعة أشهر قبل أن يُجبر على الاستقالة من منصبه السياسي.

من هذا المثل تبدو الإجابة على تساؤلنا واضحة، فمن ناحية تتخذ إجراءات التقاضي والاستئناف عليها أعوامًا عديدة، ومن ناحية أخرى يحفز المنصب السياسي صاحبه قدر الإمكان، وإن كان ذلك بخلاف ما ينص عليه دستور البلاد.

السؤال الأهم الذي يحتاج للإجابة عليه هو: لماذا استشرى الفساد في جسد دولة الاحتلال، رغم تصويرها وكأنها أوروبا الشرق؟

بحسب خبراء وأكاديميين متخصصين في الشأن الإسرائيلي، فإن التغيرات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي وكانت سببًا في توسع رقعة الفساد بداخله كونه بات ينزع إلى المادية، التي أوجدت فوارق بين الشرائح المجتمعية رافقها فساد في القيم والأخلاق، استشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة على عكس ما كان سابقًا قبل استقرار بنية «الدولة».

كذلك شكّلت حالة الوهن التي بات عليها جهاز فرض القانون في إسرائيل سواء الشرطة أو النيابة العامة أو حتى المستشار القانوني للحكومة، شكلت سببًا قويًا في انتشار الفساد، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية نفسها رغبت في ضعف تلك الأجهزة بعدم صرف الميزانيات المناسبة لعملها.