قطة شرودنجر هي تجربة فيزيائية حاز من خلالها العالم إروين شرودنجر «نوبل» في الفيزياء، هذه التجربة– باختصار مخل– هي نظرية فيزيائية عن التراكب الكمي والأكوان الموازية واحتمالية أن تكون كل الأشياء المتضادة تحدث في الوقت نفسه وإدراكك هو الذي يتحكم في حقيقة ما يحدث، يمكنك أن تقرأ أكثر عن قطة شرودنجر على الإنترنت أو تقرأ رواية «المادة السوداء» للكاتب بليك كراوتش التي تناقش النظرية في إطار روائي شيق.

مقدمة غريبة جداً، ولا تتناسب مع عنوان المقال، أتفق معك تماماً، ولكن إذا تابعت السوشيال ميديا أو شاشات التلفزيون، أخيراً، سوف يمكنك أن ترى العلاقة الوثيقة بين نظرية الأكوان المتوازية ومسلسل «لؤلؤ»، أو ردود الفعل على المسلسل، المسلسل الذي عرض، أخيراً، على شاشة «سي بي سي»، وكان من بطولة وفكرة مي عمر، وإخراج محمد عبد السلام، في حين أشرف زوجها محمد سامي على الإخراج، وكتب السيناريو والحوار للمسلسل الممثل محمد مهران مستخدماً أربعة عشر قلم حبر ماركة «يوني بول»، ويحكي قصة صعود مغنية إلى القمة متغلبة على كل شرور العالم بدءاً من اليتم والحياة في دار أيتام، مروراً بخيانة الأصدقاء انتهاء بالاغتصاب، بل والقتل أيضاً.

هناك عالمان استقبلا هذا المسلسل المعجزة، عالم مكون من الجمهور، والذي يرى أن المسلسل ينافس على المركز الأول في قمة هرم الدراما السيئة مع نظيره مسلسل فرصة ثانية للفنانة الجميلة ياسمين صبري، وعالم آخر مكون من صناع المسلسل ومسئولي السوشيال ميديا للقناة العارضة ومدام منى الشاذلي، والذين يرون أن المسلسل حقق نجاحاً مبهراً ليس فقط على مستوى المشاهدات، ولكن أيضاً على مستوى جودة العمل، رغم أن مدام منى لم تبكِ ولا مرة واحدة أثناء استضافة نجوم العمل، وهذا غريب ويشكك في نجاح المسلسل.

لؤلؤ لألأة شمس مشأشأة

لسنا هنا بصدد مراجعة العمل أو حتى رصد الأخطاء الكارثية التي وقع فيها، فجمهور «فيس بوك» قام بتفصيص كل أسباب ركاكة المسلسل، بدءاً من لا منطقية الأحداث والقصة المستهلكة والتفاصيل التي رصها صانعو المسلسل كي «يحلبوا» كل التيمات الدرامية، مروراً بأخطاء الراكور وكوارث الإخراج وانتهاء بموهبة مي عمر، أو يجب أن نقول ضعف موهبة مي عمر، المهم أن متابعي الدراما قاموا بهذا وأكثر، وحقق المسلسل صدى واسعاً جداً في حلقات النقاش على مجموعات المسلسلات والمجموعات المهتمة بمناقشة الفن.

نحن هنا نحاول أن نفسر لماذا يعيش صانعو مسلسل «لؤلؤ» في عالم آخر غير الذي نعيش فيه؟ ما الذي يدفع الممثل الشاب محمد مهران الذي كتب سيناريو وحوار المسلسل للتباهي على وسائل التواصل الاجتماعي أنه لا يجيد الكتابة، وأنه لم يحلم أبداً أن يكتب أي شيء ويحكي قصته المؤثرة عن المخرج محمد سامي الذي تجسد له نوراً، وأخبره أنه رأى في ما يرى المخرج أن مهران هو أجدر شخص لكتابة سيناريو وحوار المسلسل الذي تفتق ذهن زوجته عن فكرته. لماذا؟ ألم ير هذا الممثل الشاب أن هذا الكلام مثير للسخرية بشكل مبالغ فيه؟ ألم يشعر بأي شيء، وهو يقول إنه سوف يدين لمحمد سامي بما تبقى من عمره لأنه هو من علمه كيف يكتب مشهداً من البداية للنهاية؟ لم يخبره أحد من المحيطين به أن هذا ليس منطقياً ولا يفيد العمل، ولا يفيد مسيرته الفنية، ولا يفيد الفنانة مي عمر، ولا يفيد قطة شرودنجر بأي شيء؟

ثم تداول الجمهور كلام محمد مهران ساخراً منه سخرية شديدة، ولم يمنعه هذا من أن يكتب بعد انتهاء المسلسل أنه سوف يحتفظ بقلم حبر يوني بول، حيث إنه كان أول قلم من أربعة عشر قلماً استخدمها لكتابة سيناريو وحوار المسلسل، وأن هذا القلم هو أول قلم يستخدمه في حياته وينفد حبره، هل العالم الموازي الذي يعيش فيه محمد مهران ليس به لاب توب؟ هل في هذا العالم الموازي لا يمتلكون إنترنت، فلم يتمكن من متابعة رد فعل الجمهور على حديثه الأول عن كتابته للسيناريو، فقرر أن يتمادى في رواية تجربته الملهمة؟

ألم يفكر أي شخص من القائمين على صناعة المسلسل كم أن- المشرف على المسلسل- المخرج محمد سامي مخطئ في أن يتكتم تماماً على شخصية المغنية الحقيقية التي غنت بدلاً من زوجته؟ إنكار أحقية المطربة نور عبد السلام التي أخفى سامي اسمها من على التترات وتجاهل مسئولو السوشيال ميديا الرد على استفسارات المشاهدين، وقد تعرض المسلسل لهجوم كبير من الجمهور بسبب هذا الأمر، وتجاهل صناع المسلسل الموضوع تماماً، بل خرجت الفنانة مي عمر لتضحك ملء شدقيها وتخبر المذيعة المتأثرة بنجاح مسلسل «لؤلؤ» الكبير أن الجميع كان يتخيل أنها هي من تغني، لماذا؟ لماذا هذا التكتم؟ لماذا تخيل سامي أن هذا يفيد المسلسل؟ ولماذا ظن أن مسلسله عظيم لدرجة أن هذا التعتيم واجب؟ هل يعيش سامي ومي عمر في عالم مواز فعلاً؟ عالم فيه لؤلؤ إنسانة حقيقية؟

تستمر شطحات محمد سامي فيركب صورة «لؤلؤ» على فيديو من مسرح تومورو لاند لن يكتشف الجمهور، وحتى عندما غرقت السوشيال ميديا في الضحك جراء هذا المشهد لم يردعهم هذا عن استكمال الخدع الذكية جداً، فالشرنوبي يقتل مخدة باستخدام زجاجة فانيليا والجمهور يسخر، وأبطال العمل مستمرون في الاحتفاء بالنجاح الساحق، يذكرني الأمر بما حدث عندما عرض مسلسل فرصة تانية للفنانة ياسمين صبري والذي كان بداية اكتشافنا العوالم الموازية، فقد احتفل صانعوه بالنجاح الساحق للعمل، بينما كان الجمهور منقسماً لفريقين، فريق لا يستطيع التقاط أنفاسه من فرط الضحك من سذاجة ما يحدث على الشاشة، وفريق يعاني من تعليق حساباته على السوشيال ميديا، لأنه كسر الكود الأخلاقي واستخدم السباب الجارح في منشوراته التي علق بها على المسلسل.

هل إتقان المسلسل ضرورة؟

بالطبع لا، لا يجب أن تكون كل الأعمال الدرامية متقنة، هناك حول العالم وفي كل الثقافات مسلسلات رخيصة وساذجة ومليئة بالأخطاء، أحياناً يتابعها الجمهور وتحقق نسب مشاهدات عالية، وأحياناً تفشل حتى في اجتذاب انتباه الجمهور للسخرية منها، هذا معتاد ويحدث، لا يجب أن يكون كل شيء مثالياً، الشيء الوحيد المختلف أن صانعي هذه الأعمال لا يجب أن يخرجوا على الجمهور متحدثين عن مدى الروعة والإتقان في مسلسلاتهم تلك، لا يجب أن تستضيف البرامج الحوارية أبطال هذه المسلسلات ليتحدثوا عن المسلسل الناجح جداً والذي جعل الجمهور يتوحدون معه، ولا يجب أن تصرح نجمة العمل بأنها بكت عندما هدموا ديكور منزل لؤلؤ لأنها تشعر أنه بيتها، ولا يجب أن تنظر للكاميرا بجرأة وتقول إن الغرض من المسلسل كان ينافس الأعمال العالمية.

إتقان المسلسل ليس ضرورة، لكل شيء جمهوره، وما دامت نسبة المشاهدات جيدة فلا بأس بأي شيء، لن يبحث أحد وراء سبب المشاهدة، الضرورة الوحيدة هنا هي احترام عقلية المشاهد وعدم التعامل معه على أنه ساذج ويعيش في عالم مغلق ويرضيه أي شيء ويقبل بكل هذه الركاكة.

الضرورة الوحيدة هنا أن يشعر صناع العمل أنهم يعيشون في نفس العالم الذي يعيش فيه الجمهور، ألا يحيا في عالم مواز ينجح فيه نجاحاً ساحقاً ويطور فيه صناعة الدراما ويسهم فيه في إثراء ذائقة الجمهور، رغم أن هذا الجمهور يسخر من المسلسل ومن كل تفاصيله.

نحن كجمهور نعيش مع صناع الدراما في عالم واحد، حيث يوجد للأشياء المادية حقيقة واحدة، ونظرية الأكوان الموازية وتجربة قطة شرودنجر رغم أنها منحث صاحبها جائزة نوبل فإنها تجربة غير قابلة للتطبيق العملي، وعلى صناع الدراما أن يدركوا هذه الحقيقة، فلا يمكن للمسلسل أن يكون جيداً وسيئاً في نفس الوقت، مسلسل «لؤلؤ» مسلسل سيئ، ولن يستطيع صناعه أن يغيروا هذه الحقيقة ليس بالأرقام ونسب المشاهدة، ولا حتى بالحديث عن كواليس صناعته، ولا بالظهور في برنامج «معكم» منى الشاذلي، مسلسل «لؤلؤ» يشبه مسلسل «فرصة تانية» تماماً، وآراء الجمهور في المسلسلين متطابقة، مسلسلات ركيكة، مليئة بالأخطاء، سيئة الكتابة، وبطلتا المسلسلين لا تجيدان التمثيل، ولتذهب قطة شرودنجر للجحيم.