في كل عام منذ ظهور موقع «فيس بوك» تقريباً يتداول مستخدموه من -مواليد الثمانينات تحديداً-فيديو مثل هذا وهم يتقافزون من الفرح منتظرين هذا اليوم السعيد الذي سيرون فيه الستة أصدقاء على الشاشة مرة أخرى، وكل عام يأخذ البعض على عاتقهم مهمة توضيح الأمر، وأن الفيديو لا يتعدى كونه تجميعة لأعمال متفرقة لا تمت لمسلسلهم المفضل بصلة، ولن يكون هناك فيلم من بطولتهم ولا نية أصلاً لعمل ذلك.

ثم نصحو جميعاً على خبر اتهام الجيل الجديد مواليد الألفينات لمسلسلنا المفضل «Friends» الذي شاهدوه مؤخرًا على شبكة نتفليكس بعدد من التهم التي جعلتنا نوقن أن الجنون بدأ يجتاح العالم.


UNAGI

كعالم سري لا يعرف عنه الآخرون شيئًا، كان مسلسل «فريندز» بالنسبة لنا نحن مواليد الثمانينات، الدستور الذي نستقي منه كيف سنتصرف عندما يحين الوقت الذي ستختبرنا فيه الحياة اختبارات حقيقية، كان كنافذة لمراهقين لم تختبرهم الحياة بعد يطلون منها على عالم لطيف آملين أن حيواتهم ستكون بنفس اللطف التي كانت عليه حياة الأصدقاء الستة على الشاشة.

تخيلنا معهم أن الصداقة شيء أكيد، وتمسكنا بأصدقائنا مثلهم تمامًا، تخيلنا أن الأماكن التي نتقابل فيها هي «سنترال بيرك» بشكل أو بآخر، حتى لو لم يكن «جانثر» هو من يقدم لنا المشروبات. بعضنا كان يحلم أحلامًا صعبة التحقق وهو لا يملك المؤهلات لذلك، ولكنه يؤمن أنه سوف يصل لأنه يرى «جوي» أمامه يفسد كل شيء ولا يمتلك الموهبة تمامًا ولكنه ينجح في النهاية.

بعضنا كان يستخدم الدعابة كوسيلة دفاعية، ويبالغ في التهريج معتمدًا على أن أصدقاءه سيتفهمونه وسيحبون ميزته هذه كما تقبل الستة «تشاندلر» وكانوا يشيدون ببديهته الحاضرة في الدعابات، كلنا اعتبرنا أنفسنا ذوي حظ سيئ يومًا ما، وعزينا أنفسنا أن هذا سوف يمر مثل «روس»، بعضنا كان يتمسك بغرابة أطواره ويؤمن بأشياء غريبة ولا يرى عجبًا في ذلك مثل «فيبي»، كلنا مررنا بمرحلة «رايتشل» الخفيفة التي لا تعرف ماذا تريد أن تفعل، ثم أصبحنا «مونيكا» التي تمسك بزمام كل شيء جيدًا.

كان المسلسل رفيقًا لأيام عشناها في دعة آملين أن نلحق بهم في الحياة، وأننا يومًا ما سوف نكبر ونحقق كل الأشياء التي أردناها مثلما حققها الستة أصدقاء بالتدريج على مدار عشر سنوات هي مدة عرض المسلسل، لم نر فيهم سوى شخصيات لطيفة حقيقية يواجهون مصاعب مثل التي نواجهها ويتغلبون عليها فينتصرون لنا، لم يكن المسلسل كوميديًا لجيلنا رغم أننا ضحكنا كثيرًا، ولكنه كان وسيلة اجتزنا بها أيامًا صعبة وأخرى جميلة، كان المسلسل كشفرة لا يفهمها ولا يستشعرها سوى جيلنا.


OH MY GOD

فجأة نصحو جميعًا لنجد خبرًا يغرق السوشيال ميديا أن جيل الألفية الذين شاهدوا المسلسل مؤخرًا يتهمونه بالعنصرية والسخرية من البدناء، وبأنه يعادي ذوي الميول الجنسية غير الاعتيادية ويشجع التحرش!

قالوا إنهم بعد مشاهدتهم المتأخرة للمسلسل لم يكونوا مرتاحين تمامًا لبعض المواقف، كخوف تشاندلر من أن يظنه البعض مثليًا أو معاداته لأبيه المثلي وخجله من ملابسه النسائية، أو عندما رفض روس أن يعين مربيًا لابنته هو وريتشل وسمى الوظيفة بأنها لا تصلح للرجال، وكان متخوفًا جدًا من أن يكون هذا المربي مثليًا، أيضًا تحدثوا عن تعيين رايتشل لموظف غير كفء لمجرد أنها منجذبة له، وأنها كانت تستغله جنسيًا وتتحرش به في العمل.

وكانت مونيكا أيضًا موقع انتقاد منهم، حيث إنها كانت تكره بدانتها السابقة كما فعلت كل الشخصيات في المسلسل والذين سخروا أكثر من مرة من نسختها البدينة عندما كانت مراهقة، غير أنها أقامت علاقة مع ريتشارد الذي كان صديقًا لوالدها، الشيء الذي وجدوه غير مريح على الإطلاق، وحصد جوي أيضًا الكثير من الانتقادات تبعًا لطريقة تصرفه مع النساء وطريقته بشكل عام، هذا إلى جانب أن المسلسل كانت شخصياته كلها تقريبًا بيضاء البشرة مما عرضه لتهمة التمييز العرقي.

كل هذه التهم واجهت المسلسل الذي لم نلاحظ به أي عيوب على مدى عشر سنوات عندما كان يعرض، أو في المرات التي أعدنا فيها مشاهدته مستعينين بالإنترنت بعد ذلك أكثر من مرة وإلى هذا اليوم.


Welcome to real life, it sucks, you’ll love it

عرض المسلسل بداية من 1994 وحتى 2004، وفي الحقيقة فقد كان العالم أكثر بساطة من الآن، والدليل على ذلك أن أحدنا لم يلحظ أي شيء مما لاحظه الجيل الأحدث عندما شاهدوا المسلسل، بالطبع اختلف كل شيء، وأصبح الانفتاح الثقافي أوسع، وأخبار العالم تأتينا الآن ربما قبل أن تحدث أصلاً مما عمق معرفتنا بكل شيء، وعرض أمامنا مساوئ العالم قبل مميزاته وأصبحنا مثقلين بالمعرفة.

جيلنا نحن رأي تشاندلر مظلومًا لأنه وضع في معركة بين والديه هو ليس طرفًا فيها فأصبح مذعورًا من أن يعيدها مرة أخرى، ولب المشكلة أن أباه كان مثليًا؛ ولذلك كان متخوفًا من ذلك طوال الوقت، فقط بمثل هذه البساطة، نحن لم نفكر في الهوموفوبيا ولم نرفع شعارات ولم نحمل الموضوع أكثر مما استحقه، كذلك الحال مع مونيكا، نحن لم نر نسختها البدينة مثيرة للضحك الشرير، فقط رأيناها نجحت في تحد بالغ الصعوبة هو أن تفقد وزنها وتصبح بكل هذه الجاذبية، لم نر المشاكل كما رآها الجيل الجديد، ربما لأننا كنا أبسط وربما لأن العالم كان أقل تعقيدًا.

الجيل الجديد الذي استطاع أن يرى كل هذه العيوب في أصدقائنا الستة المفضلين، جيل رأي العالم على حقيقته، قاسيًا وموحشًا، يقتات على الأخطاء ويؤول كل التصرفات إلى نزعات شريرة، جيل كبر في عالم يتصيد الأخطاء ويبروزها ويعلن عنها فلم يمكنه أن يستمتع بعمل حميمي بدا لهم الآن عند مشاهدته مغرق في السذاجة ومليء بالأخطاء التي تستوجب عقاباً.

نحن أبناء الثمانينات فزعنا عندما اتهموا مسلسلنا المفضل بكل هذا وقررنا أن نرفض الأمر وندافع عن أصدقائنا الستة الطيبين، رفضنا أن نشارك في وصم المسلسل رغم أنه بإمكاننا أن نرى ما يتحدثون عنه، ولكننا فضلنا أن نرفض المشاركة فيه أو كما قالت فيبي يوماً «I wish I could, but I don’t want to».