منذ فترة طويلة أعلن النجم محمد هنيدي عن فيلمه الجديد «مرعي البريمو» ليبدأ منذ أيام، وذلك بعد أفلامه الأخيرة التي لم تحقق نجاحات كبيرة، أمثلة عنتر ابن ابن ابن شداد، الأنس والنمس، ودكتور نبيل أخصائي التجميل، لذا عاد للتعاون مع المخرج سعيد حامد من جديد، حيث سلسلة أفلام ناجحة بين هذا الثنائي من بينها «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، «همام في أمستردام»، «يا أنا يا خالتي»، تضمن إعلان هنيدي عن فيلمه وعدًا للجمهور واعتذارًا بأنه سيقدم عملًا مختلفًا وسينال الإعجاب.

يفتتح الفيلم بمشهد به طابع من كوميديا الفارس حيث المبالغة التي تنم عن شدة وخطورة الأمر في إطار كوميدي لشخصية الجد التي قدمها «أحمد بدير» في محاولة بحثه عن حفيده التائه منه منذ سنوات عديدة، ثم بنزول التيترات، كي تكون تلك الافتتاحية هي المؤسسة للحبكة الرئيسية للعمل، التي تدور في فلك ذلك البحث، ثم تليها مشاهد محاولة تعريف الشخصيات، يتم التعريف بالبطل هنيدي «مرعي» تاجر البطيخ، وأفراد عائلته المكونة من زوجته (غادة عادل) ووالدها (محمد محمود) وجدها (لطفي لبيب) وذلك في إطار تعريف شبكة العلاقات، أما عن التعريف بسمات الشخصيات المبدئية التي تمهد للدوافع والأفعال فيغفلها الفيلم ويستمر قرابة الربع الأول منه يلصق مشاهد منفصلة بلا أي ترتيب أو تسلسل بجانب بعضها البعض. 

قفزات إخراجية

مونتاج الربع الأول من الفيلم جاء على طريقة القطع المفاجئ والجري السريع بين المشاهد Jump Cut دون هدف من وراء ذلك أو تعريف بأي من الشخصيات هو فقط استرسال بلا جدوى ولا منطقية، بين حياة مرعي في عمله وحياة الحماة ووالده في المنزل في لقطات لا تعريفية ولا كوميدية، حيث تتصل هنا الأزمة بالإخراج والسيناريو معًا فلا شخصيات محكمة مكتوبة من قِبل الكاتب إيهاب بليبل، ولا مادة يجدها الإخراج لملء الربع الأول من الفيلم ليحدث تقديم مشاهد متقطعة لا تثري الدراما في شيء وتأتي بشكل مزعج للعين بسبب كثرة القطع والتنقل بين الفضاءات دون سبب.

ثم مشهد واحد مكثف يحكي فيه البطل كم هو مفتقد لأجواء العائلة بسبب يتمه، أي مشاهد كثيرة لا معنى لها، ثم مشهد واحد مباشر للغاية يحمل قصة وماضي الشخصية من حيث شعوره بالوحدة فقط لا أكثر، ولكن دون تأسيس لصفات البطل أيضًا، فمن بداية الفيلم لنهايته لم تتضح تأسيسات الشخصية لكونه جبانًا أو شجاعًا أو بخيلًا أو كريمًا أو ذكيًا، أو أي شيء، الصفة الوحيدة التي أراد الفيلم التأكيد عليها من حيث التأسيس -بجانب يتمه- هو كونه رجلًا يحب النساء، رغم أن تلك الصفة لم تثرِ أي أفعال بعد ذلك تخص عقدة الفيلم.

بجانب أنه تم التأكيد على طمع شخصية الزوجة في الذهب، وذلك جاء كتأسيس ممهد لدافع فعلها لبيع البطيخ الموجود في منزلها في مقابل شراء ذهب، رغم أنه لم يتم التأسيس لأي محاولة مثلها من قبل، حيث من الطبيعي استمرارية تواجد البطيخ في المنزل بسبب عمل زوجها، لكنها تدخل في إطار كوميدي لخلق عقدة الفيلم، التي تتمحور حول معرفة مرعي جده وعائلته المكونة من أختين وأزواجهما فيأمنه جده على ميراث أختيه وهو عبارة عن ألماس، فيخبئه مرعي ببطيخاته، ثم طمعًا من الزوجة في الذهب تبيعهم وتفقد البطيخ وتستمر الأزمة في البحث عنهم. 

عقدة خاوية 

تعتبر عقدة الفيلم هي رحلة البحث المذكورة والتي لم تكن متجددة على الإطلاق، ولم يكمن الأمر في تجددها من عدمه وحده، بل يكمن في اختيارها لصناعة فيلم كوميدي به من كوميديا الموقف والمفارقات ما يجعله محتملًا أثناء المُشاهدة.

لم ينضبط حال الإخراج طوال الفيلم وليس في ربعه الأول فقط فربما هو الأكثر هلهلة، لكنه استمر على إقحام مشاهد لا سبب لوجودها سوى إطالة مدة الفيلم لأنه خالٍ من الأحداث، وعلى ذكر إقحام المشاهد فجاءت نصف شخصيات الفيلم أيضًا مُقحمة، حيث إذا تم حذف الشخصيات الآتية لن تتأثر الحبكة بشيء: (محمد محمود، لطفي لبيب، علاء مرسي، إنجي علي، نانسي صلاح) فيكفي أن تظهر للبطل أخت واحدة، وأن يعرقل طريقه ويقف خصمًا أمامه زوج أخت واحد، ولا يوجد محل من الإعراب لوجود والد زوجته ووالده (جد الزوجة) سوى أنها محاولة استثمار نجاح لمحمد محمود معه من قبل في فيلم (أمير البحار) وتكريمًا لـ لطفي لبيب عن مشواره الفني داخل الفيلم باعتباره مهرجانًا ربما، وكذلك الأمر بالنسبة لإنجي علي، الأمر كله حشد لمجموعة من الأسماء كحشد مشاهد لا تثري الحبكة الرئيسية، بل تزيدها عبثًا.

كما أن عقدة الفيلم جميع خيوطها غير منضبطة كتابيًا وتم حلها بدهاء من شخصية بطل غير مُمهد له ولا تم التعريف به، كما أنه حل جاء لإنهاء الفيلم نهاية سعيدة وليس بشكل تم تأسيسه على أحداث مترابطة.

أسماء للتسويق لا للتمثيل

اعتمد الفيلم في التسويق على الأسماء وذلك الوعد الذي صرح به نجم الفيلم، وكذلك اعتمدت الكوميديا على وجودهم دون كتابتها بشكل واعٍ بمدى أهميتها، ورسم مواقف تؤدي لها، فاستخدم في كثير من الأحيان مبالغة بلا معنى، ليست كالمشهد الافتتاحي، بل جاءت في صورة مشاهد متفرقة بين ضرب مرعي لبعض الشخصيات ضربًا لا ينم عن شجاعة أو دهاء بل لإثارة الضحك غير المتوفر، وكذلك الاعتماد على إفيهات مُقحمة قديمة بينه وبين غادة عادل في فيلمه (صعيدي في الجامعة الأمريكية) كتحقيق نوع من أنواع النوستالجيا في الكوميديا التي لم تتحقق أيضًا، لأنها في غير مسارها، وعلى الذكر، فما قدمه هنيدي من أداء لشخصية الصعيدي من قبل، وخصوصًا على مستوى اللكنة والنطق هو ما قدمه متطابقًا اليوم، فلا اختلاف من حيث اللهجة أو مناطق الصعيد الآتية منها شخصياته منذ عام 1998 وحتى وقتنا الحالي!

أين الشخصيات؟

انتهى الفيلم دون أن نتعرف على الشخصيات بقدر كافٍ، لو تم حذف أكثر من نصف مشاهد الفيلم فلن يتضرر في شيء وكذلك الحال مع شخصياته، ليكون فيلمًا خاويًا يفتقد الحس الكوميدي ويفتقد أساسياته الفنية، وأفضل ما فيه اختيار بعض مواقع التصوير التي تتناسب مع الأجواء الصيفية وكذلك ألوان الملابس ومشاهد البطيخ، فجميعها عناصر متوافقة كليًا مع موسم طرح الفيلم (موسم الصيف) واختيار الأغنيات بين شارموفرز وعبدالباسط حمودة وأحمد شيبة، نظرًا لتوافقها مع الأحداث لتأتي لتهدِّئ من وطأة الهلهلة وتعين المتفرج على الاستمرار في المشاهدة مرة واحدة فقط، فهو فيلم لم يدخل حتى دائرة الأفلام التي تثير الضحك دون وجود منطقية وحبكة، بل يفتقد بديهيات مقومات الفيلم الأساسية، ويحتاج محمد هنيدي حقًا إعادة النظر في اختيار أعماله وكتّاب أفلامه، وكذلك المخرجين، فمن نجح في حقبة ما قديمًا، لا يعني بالضرورة استمرارية نجاحه، خاصة إذا كان الاستسهال هو سيد الموقف.