تعود الطفلة منة من المدرسة إلى منزلها باكية، نتيجة تعرضها للتنمر من زملائها، بسبب عمل والدتها كراقصة شرقية، هذه كانت ربما المرة الأخيرة التي ستقبل فيها الطفلة بابتزاز المجتمع، والبقاء داخل حدوده الآمنة. ترى منة منذ طفولتها أن كونها أنثى يقيد حركتها، لذا كانت أميل إلى أن تكون «ولد» على حد تعبيرها، مرواغة بدأت ربما للحصول على وقت أكبر خارج المنزل، وحرية في ارتداء ما تريده، لكنها حوت رغبة أكبر في الاستمتاع بالحياة قدر المستطاع.

كانت منة تمارس لعب «الكرة الشراب» برفقة الصبية في الشارع، وهي اللعبة الذكورية للغاية، لكنها عندما تحكي تلك الذكريات لا تحكيها بوصفها فتاة تمردت على أنوثتها أو على قيود المجتمع؛ إنها لا تحاول فلسفة الأمر، لأنها أبسط من ذلك، إنها ترى ببساطة أن كونها «ولد» يمنحها حرية، بلا ديباجات أكبر.

في مجمل حواراتها لا تميل منة إلى تعقيد الأمور وإعطائها أبعادًا أكبر من حجمها، لا تغريها الكاميرا أو رغبة محاوريها في انتزاع تصريحات غير مألوفة، تحكي عن لقائها الأول بيوسف شاهين، تخبره في أول لقاء به أنها شاهدت أغلب أفلامه، لكنها لم تفهم منها أي شيء، «عشان حمارة» يخبرها جو، ترد ببساطة مازحة لستُ الوحيدةَ إذن، «أنا معايا كام وسبعين مليون ما بيفهموش أفلامك». 

تسترسل منة في الحكي عن ماضيها وذكرياتها كطفلة، تحكي عن فترة مراهقتها، ومعاناتها مع السمنة، الأمر الذي لم يلفت أنظارها إلى أنوثتها، وحرمها من ساحات اللعب طويلًا، لتكتفي بجمع الكرات للآخرين لاستكمال لعبهم. تحكي عن التصاق حاجبيها، وضيقها من الأمر لثلاث سنوات؛ سرد حكاياتها بهذه الأريحية يفصح عن تصالحها التام مع ذاتها، أو مع ما كانت عليه تحديدًا. تقول منة إن التمثيل هو ما منحها القدرة على التصالح مع أنوثتها، لم تكن تعرف منة شلبي المراهقة أن طلتها الأولى على الشاشة ستحولها إلى فتاة أحلام المراهقين، التي سترمز للأنوثة عند جيل بأكمله.

لا تسمح للآخرين بإغرائها، تخبرها المحاورة: «اشتغلتي مع محمد خان ويوسف شاهين ورضوان الكاشف وهالة خليل، العلامات دي كلها المفروض تقولك إنك ممثلة مهمة قد إيه»، لكن منة لا تقع في فخ إطراء كهذا، تخبرها أنها بالتأكيد تفعل شيئًا مهمًّا، لكنه ليس بالأهمية الكافية والمرضية بالنسبة لها، تدرك منة أنها في اللحظة التي ستشعر فيها أنها حققت ما يكفي سينتهي إخلاصها لما تفعله.

موهبة لم تكن بحاجة لأكثر من صدفة

رغبت منة في الالتحاق بالمجال السينمائي، قدمت أوراقها في المعهد، ثم باتت تدور على شركات الإنتاج بحثًا عن فرصة، وتقدم تجارب أداء لتحصل على أدوار صغيرة، في عام 2000 حصلت على دور ثانوي في فيلم العاصفة، لتحظى بفرصة إلقاء جملتها الأولى أمام الكاميرا «ده جواب يا طنط»؛ في العام نفسه تلعب الصدفة دورًا أكبر في مسيرتها الناشئة، في حفل زفاف عمرو محمود ياسين، وقعت عينا محمود عبد العزيز على منة الفتاة، توجه لوالدتها وسألها عن مدى قبول منة للعمل في السينما، وهو ما وافقت عليه على الفور، لتحصل على بطولة فيلم الساحر.

قد توحي الطريقة التي صعدت بها منة شلبي إلى عالم السينما، أن للواسطة دورًا كبيرًا، لكن في الحقيقة لم يرافق صعود منة شلبي أي حديث عن والدتها، لأن موهبتها فرضت نفسها سريعًا، الحديث عن الواسطة بخصوص أحد أبناء الفنانين هو كناية عن انعدام الموهبة أكثر من أي شيء آخر، وهو ما لم يحدث تقريبًا في مسيرة منة شلبي، ولا يدل اسمها على أي رابطة بنجم معروف، لذا انشغل الكثيرون بأدائها وبات تقييمها مرتبطًا فقط بما تقدمه، وهي بذكائها وأدائها الجيد نجحت سريعًا في إنهاء هذا الجدل حتى قبل بدايته، وحظيت بجائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي من المركز القومي عن بطولتها الأولى في فيلم الساحر.

السينما النظيفة والتمرد بلا عداء

برزت موجة المضحكين الجدد في نهاية التسعينيات، وصعد معها ما أطلق عليه السينما النظيفة، أي سينما بلا عري أو إغراء، سواء تطلبت طبيعة الفيلم ذلك أو لم تتطلب، ومع سطوة المجتمع المحافظ تراجعت الكثير من النجمات الصاعدات في ذلك الوقت عن قبول الأدوار التي تحوي مشاهد جنسية أو تطلب قدرًا من الإغراء، ممثلتان فقط لم تعبئا بالأمر برمته، وقبلتا ضمن أدوار البطولة الأولى لهما على شاشة السينما أدوارًا مليئة بتلك المشاهد التي لم تعد محببة، هما منة شلبي وهند صبري، قد يبدو إغراء اللحظة أقوى من أن نعتبر الأمر كان تمردًا واعيًا من الفتاة اليافعة وقتها منة شلبي وتحديًا مقصودًا لتناقضات المجتمع، لكنه تصرف متسق تمامًا مع شخصية منة شلبي، إنها تفعل الأمر الذي تحبه بلا تفكير أو تحميله معاني أكبر منه.

تعرضت منة وقتها لهجوم وانتقادات واسعة بسبب جرأتها في فيلم الساحر، وهو ما يبدو أنها لم تعبأ به أيضًا، وقبلت بعده المشاركة في فيلم «بحب السيما» والظهور بملابس البحر.

منذ لحظة ظهورها في الساحر صارت منة شلبي رمزًا للأنوثة عند جيل كامل، واعتقد الكثيرون أنها في غضون أعوام قليلة ستصبح نجمة الإغراء الأولى، لكنها سريعًا ما تمردت بعفوية على محاولة القولبة تلك، وأصرت على إضفاء تنوع أكبر على مسيرتها، وإيضاح أن معايير الاختيار بالنسبة لها هي جودة الدور واسم المخرج، الأمر الذي يحسب لها في كل الأحوال، سواء كان اختيارًا واعيًا أو عفويًّا، وهي بعد فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها.

الذكاء والموهبة

تحمل منة شلبي في مسيرتها ما يزيد عن الـ 55 عملًا، ما بين السينما والتلفزيون والإذاعة، حرصت على التنوع بين الأعمال التجارية والفنية القيمة، والأعمال المستقلة، وتنوعت أدوارها بين الكوميدي والتراجيدي والاجتماعي. بعد انطلاقتها السينمائية في فيلم الساحر حققت انتشارًا كبيرًا، ساعدها على تثبيت أقدامها في الساحة الفنية، فمنذ عام 2000 وهي لم تغب عن الساحة الفنية على مدى ثمانية عشر عامًا، بلغت أوج مشاركاتها بين عامي 2001 وحتى عام 2007، وهي الفترة التي شاركت فيها في عشرين فيلمًا، وستة مسلسلات تلفزيونية، ومسلسلين إذاعيين، عُرض لها في العام 2005 ستة أفلام، لتصبح أكثر فنانات جيلها انتشارًا في تلك الفترة.

لا يملك أي فنان حرية اختياره بشكل كبير في فترة انتشاره، لأنه يريد تحقيق انتشار كافٍ لدى الجمهور حتى ينجح في تذكر اسمه، ويلفت أنظار صناع السينما والدراما؛ لذا لا يهتم الكثيرون بمعيار الجودة في هذه الفترة، على العكس من ذلك اهتمت منة إلى جانب أعمالها التجارية، بتقديم أدوار مهمة في مسيرتها مع مخرجين كبار. خلال تلك الفترة مثلًا قدمت الساحر رفقة رضوان الكاشف، وبحب السيما رفقة أسامة فوزي عام 2004، وأحلى الأوقات 2004 مع هالة خليل، وبنات وسط البلد 2005 مع محمد خان، وعن العشق والهوى 2006 مع كاملة أبو ذكري، وهي فوضى يوسف شاهين 2007، هذا التنوع الكبير في الأدوار بين الكوميدي والتراجيدي والميلودراما رفقة مجموعة من أهم مخرجي السينما المصرية يعود لذكاء منة شلبي في الاختيار، وبالتأكيد لموهبتها التي جذبت أسماء المخرجين الكبار. 

بداية من العام 2008 كانت قد نجحت منة في فرض نفسها كإحدى الممثلات المهمات لجيلها، فأصبحت تشارك في عمل سينمائي واحد كل عام – باستثناء العام 2014 – حافظت في هذه الفترة بشكل أكبر على تنوع أدوارها، واستمرارها في العمل مع مخرجين كبار، مثل يسري نصر الله في «بعد الموقعة 2012،» والماء والخضرة والوجه الحسن 2016، وكاملة أبو ذكري في نوارة 2015 دُرة أعمالها، ومروان حامد في الأصليين 2017، وتراب الماس 2018، كما خاضت تجربة السينما المستقلة مع المخرج أحمد عبد الله السيد في فيلم ميكرفون.

قد يبدو للوهلة الأولى أنها باتت تبحث عن الأدوار المعقدة والمركبة كوسيلة لجذب الانتباه، لكن منة شلبي تمتاز بالخفة بتعبير كونديرا، فقد صرحت بوضوح أنها «تخاف من الأدوار الصعبة»، إنها لا تترك أي فرصة لإضفاء عليها أي صورة مهما بدت براقة طالما لم تكن حقيقية، إنها فقط تستمتع.

*تنويه: تم كتابة المقال ضمن فعاليات مهرجان أسوان لسينما المرأة