يصف نفسه بأنه مسيحي، محافظ، وجمهوري،ويؤكد أن تلك الصفات لا بد أن تُذكر بهذا الترتيب. يعلن بفخر مواقفه الصارمة تجاه العديد من القضايا الاجتماعية التي تثار مثل الإجهاض الذي يناهضه، وزواج الشواذ الذي يريد منعه.

لعل ذلك جاء تأثرًا بنشأته في كولومبس بإنديانا لأبوين ينحدران من أصول أيرلندية، وهي أوساط مسيحية محافظة. حصل بنس على شهادة التاريخ عام 1981 من جامعة هانوفر، ثم حصل على الدكتوراه في القانون عام 1986. بعد ذلك بدأ بنس حياته العملية بما يبدأ به جميع المشاهير: الفشل.

أراد الدخول إلى غمار السياسة بالترشح للكونجرس عن ولاية إنديانا لدورة 1988 لكنه لم ينجح، ثم ترشح عام 1990 لكن لم يحالفه الحظ أيضًا. حينها أيقن أن السياسة لا تريده، فعمل كمذيع في أحد البرامج المحافظة حتى عام 1999. لكن بعد 12 عامًا من الفشل، قرر القدر أن يمنحه الجزء الثاني من صفقة الشهرة، لذا تم انتخابه نائبًا في الكونجرس عن ولاية إنديانا بدايةً من عام 2000، واستمر في ذلك المنصب لمدة 12 عامًا أخرى. في فترة الكونجرس انتقل من عضو عادي إلى قيادة لجنة الدراسة الجمهورية من 2005 حتى 2007، ثم انتقل إلى رئيس مؤتمر الحزب الجمهوري من 2009 إلى 2011.

اقرأ أيضًا: ترامب يرقص العرضة السعودية، والبيت الأبيض يبحث إجراءات عزله

في العام 2015، يُحوّل بنس أفكاره بخصوص المثليين إلى قانون يمنح أصحاب المؤسسات والأماكن التجارية في إنديانا الحق في عدم المشاركة في ترتيبات زواج المثليين. وفي أوائل 2016، وقع بنس قانونًا من أشد قوانين الإجهاض صرامة في الولايات المتحدة، لتصبح إنديانا ثاني ولاية تمنع الإجهاض إذا كان الجنين مصابًا بإعاقة. شبّهه الإنجيليون بعد هذه القرارات بنبي جاء ليستعيد أمجاد المسيحية المسلوبة.


موقف الديموقراطيين

لا يرى الديموقراطيون فرقًا كبيرًا بين ترامب وبين بنس، فكلاهما متطرف بالنسبة لهم. وبنس موالٍ جيد لترامب. في أحد اجتماعات مستشاري ترامب، مدحه بنس بـ14 صيغة مختلفة في أقل من 3 دقائق. لكن حين بدأت الأمور تتجه إلى صالح تولي بنس في أي لحظة، بدأ الديموقراطيون في المفاضلة بين الاثنين.

فبنس بالنبسة لهم شخص غير مُرحب به، لكنه على الأقل لن يلعب كرة قدم بالأسلحة النووية حين تتأزم الأمور مثلما يهدد ترامب في كل أزمة. بينما يرى أوماروزا نيومان، مساعد البيت الأبيض السابق، أن بنس سيجعل الأمريكيين يتمنون عودة ترامب.

ما يغفله نيومان أن الشعب الأمريكي ينظر إلى بنس كمسيحي نقي حقًا. فالرجل لم يرد اسمه حتى الآن في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ولم تستطع تحقيقات مولر أن تدينه بأي شيء. فهو لم يكن متورطًا، ولم يكذب على المحققين بشأن أي معلومة. والأرجح أنه كان خارج اللعبة منذ البداية.

بنس يجيد مغازلة العامة على اختلاف توجهاتهم. على سبيل المثال،صرّح بنس في 2002 بأنه لن يتناول الطعام مع أي امرأة غير زوجته. وفي تصريح آخر، قال إنه لا يذهب إلى الحفلات التي يُقدّم فيها الكحول. وفي إحدى المباريات التي حضرها بنس كحاكم لولاية إنديانا، انحنى لاعبان من الفريق الخصم لولايته أثناء عزف النشيد الوطني، لحظتها انسحب بنس فورًا. أثار الانسحاب عديدًا من عبارات الثناء عن كونه رجلًا لن يسمح لأي شيء أن يقلل من احترام جنودنا أو علمنا.


المُهمش الوفي

شهدت الشهور القليلة من حكم ترامب صدور عديد من الكتب التي تتحدث عن الأوضاع السياسية والأحداث الداخلية للبيت الأبيض. اتفقت تلك الكتب على الإساءة لحكم ترامب، لكن كان لها موقف مغاير من نائبه. كتاب «العام الأول لترامب» يرى أن بنس كان أفضل حلقة وصل بين ترامب وبين الديموقراطيين، وأن ترشيحاته ساهمت في وضع عديد من أصدقائه في مناصب تنفيذية.

يلفت مايكل نيلسون، مؤلف الكتاب، النظر إلى أن بنس قام بتكوين جهات تدعم رحلاته الخارجية وتدعم مرشحي الكونجرس باسمه، وهو ما لم يفعله أي نائب رئاسي قبل ذلك.

أما كتاب «الأمر أسوأ مما تعتقد: ما تفعله إدارة ترامب للولايات المتحدة»، فيقول إن بنس كان في الظل طول الفترة الماضية. ديفيد جونستون، مؤلف الكتاب والحاصل على بوليترز، يرى هذا أمرًا جيدًا، فمعناه أن بنس نظيف ووفي حتى النهاية. على النقيض، يرى مؤلف «نار وغضب» أن هذا الظل يعني أن بنس كان مجرد موظف صامت في البيت الأبيض، أي أنه لم يفعل أي شيء ليمنع ترامب من ارتكاب أي حماقة من الحماقات الكثيرة التي فعلها.

اقرأ أيضًا:«نار وغضب»: أسرار البيت الأبيض على الهواء مباشرة


أسوأ من ترامب

بنس أشد صرامةً فيما يتعلق بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس. في 6 سبتمبر/أيلول 2018، هدّد بنس رئيس باراجواي بأنه سيتأكد من إغلاق الولايات المتحدة سفارتها في باراجواي حال لم تنقل باراجواي سفارتها في إسرائيل إلى القدس.

وفي 18 يوليو/تموز 2017، أكد بنس وقوفه بشكل دائم وغير مشروط بجانب حلفائه في إسرائيل. كما أعلن أن من حق إسرائيل استخدام القوة المفرطة تجاه أعدائها في حماس، ويحق لها أيضًا امتلاك أسلحة نووية لتواجه خطر إيران.

أما موقفه من الأوضاع في سوريا فلا يختلف كثيرًا عن موقف ترامب، فهو يضع الأسلحة الكيماوية خطًا أحمر لا يجوز للنظام السوري تجاوزه، أما ما دون ذلك فلا بأس به. وعارض بنس بشكل قاطع أي محاولة لتوطين اللاجئين السوريين في ولاية إنديانا إبان فترة حكمه لها. يذهب بنس بعيدًا في هذا الصدد ويعلن معارضته لقانون منح الجنسية آليًا للأطفال الذين يولدون على أراضٍ أمريكية.

لذا لا يبدو الداخل الأمريكي متحمسًا لعزل ترامب أو لتولية بنس بديلًا له. كل ما يدور هنالك هو رغبةٌ قوية بأن تستطيع الولايات المتحدة عبر مؤسساتها وجماعات الضغط أن تصمد إلى نهاية الفترة الرئاسية الراهنة، حتى يتسنى للناخبين الاختيار بين اختياراتٍ تتراوح بين الجيد والسيئ، لا بين السيئ والأسوأ.