بدأ العد التنازلي لبداية الدورة الأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (20-29 نوفمبر الجاري)، ففي غضون أيام تُعد على أصابع اليد الواحدة تبدأ الدورة التي نستطيع أن نصفها بالدورة الاستثنائية، وذلك للعديد من الأسباب قد يكون أبرزها أن هذه الدورة تشهد تغييرًا على صعيد رئاسة المهرجان، وذلك بعد تولي السيناريست والمنتج محمد حفظي رئاسة المهرجان.

قوبل القرار بترحيب من قبل الكثيرين من محبي مهرجان القاهرة ومتابعيه نظرًا لما يتمتع به حفظي من سمعة طيبة كمنتج يميل لدعم وإنتاج مشروعات سينمائية مغايرة وغير تقليدية، لا تهدف بالأساس إلى مسايرة السائد والتقليدي في مجال صناعة السينما لتحقيق أرباح مالية وفقط، بقدر ما يهدف مشروعه السينمائي إلى الموازنة بين صناعة أفلام جيدة على المستوى الفني والتقني يمكنها تمثيل مصر في المحافل السينمائية الدولية، إلى جانب تحقيق نوع من التواصل بين هذا النوع من السينما المغايرة وبين الجمهور المصري.

يضاف إلى ذلك اطلاعه على الجديد في مجال صناعة السينما ومشهد المهرجانات السينمائية الدولية بشكل عام، وهو ما خلق حالة من الترقب والانتظار أيضًا لمتابعة ما سيُسفر عنه هذا التغيير من تطوير للمهرجان الذي يبلغ هذا العام دورته الأربعين منذ انطلاقه عام 1976. فما الجديد الذي سيقدمه المهرجان لعشاق ومحبي السينما بعد أن بلغ كل هذه الدورات، خصوصًا في ظل منافسة قوية بعد انطلاق مهرجان الجونة السينمائي؟ وللإجابة على معظم هذه التساؤلات وغيرها عن السينما في مصر بشكل عام كان لنا مع رئيس المهرجان الحوار التالي.

ما هو أول شيء أو فلنقل أول تحدٍ خطر على بالك بعد توليك منصب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

أولًا كان التحدي المالي الذي له علاقة بضعف ميزانية المهرجان، والأمر الثاني هو عدم ثقتي في إمكانية التأقلم مع إدارة كيان تابع للحكومة أو وزارة الثقافة، وكل ما يتعلق بالأمور الإدارية والمالية التي ليس لي بها خبرة كافية.

حتى بعد تجربتك الإدارية مع مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة؟

نعم، ففي تجربتي مع مهرجان الإسماعيلية كنت مديرًا للمهرجان ولم أكن رئيسًا له، إلى جانب أنه مقارنة بمهرجان القاهرة فتفاصيله كانت أقل كثيرًا من تفاصيل مهرجان القاهرة، بالفعل حصلت على بعض من الخبرة من خلال عملي به، وهو ما شجعني على إدارة مهرجان القاهرة، ولكن حجم المسئولية التي أشعر بها لكوني رئيسًا لمهرجان القاهرة كبيرة جدًّا، بالإضافة إلى أنه كان عليَّ الإلمام بطبيعة العمل الإداري المتعلق بالحكومة والمال العام، وإذا ما كانت هذه الأمور ستعرقل ما أود عمله بالطريقة التي أريدها أم أنني سأضطر للخضوع للنظام الإداري الذي من الممكن أن يكون معجزًا في بعض الأحيان.

وهل هذا يعتبر اختلافًا جوهريًّا بين تجربة مهرجان الإسماعيلية وتجربة مهرجان القاهرة؟

بالطبع، بالفعل واجهتني في تجربة مهرجان الإسماعيلية المشكلة نفسها، ولكن الإمكانيات المادية لمهرجان الإسماعيلية كانت إمكانيات محدودة بالأساس، فلم يكن الأمر يحتاج أو يتطلب الكثير من الإنفاق، على عكس مهرجان القاهرة، خاصة مع التصور الذي نحاول تحقيقه في هذه الدورة، والذي أعتبره شيئًا طموحًا جدًّا.

قبل توليك رئاسة المهرجان كنت أحد أعضاء اللجنة الاستشارية العليا له، فما هو أكثر شيء كنت تأخذه على المهرجان وكنت تضعه في بالك عند توليك رئاسة المهرجان؟

اجتماعات اللجنة الاستشارية العليا كانت تتم مرة كل شهر تقريبًا، وكانت أدوارنا كأعضاء للجنة الاستشارية تنحصر في الاستماع إلى المقترحات وعمل بعض الترشيحات، فلم يكن لأي من أعضاء اللجنة دور إداري أو تنفيذي، وكنا نرى الصورة من بعيد جدًّا، ولكن عند دخولي إلى كواليس المهرجان اختلفت الرؤية تمامًا، فأدركت أنه في أحيان يمكن للمرء انتقاد أشياء لعدم معرفته بمدى صعوبتها والمشكلات التي من الممكن أن تعوق تنفيذها بصورة أفضل.

ولكن ما هو أكثر شيء كنت تنتقده ثم غيرت فكرتك عنه عند دخولك إلى كواليس صناعة المهرجان؟

لم يكن انتقادًا بقدر ما كنت أرى أن هناك بعض الأمور كان من الممكن تنفيذها بشكل مختلف، مثل أن يكون للمهرجان شقًّا أو جانبًا خاصًّا بصناعة السينما، وأن يتواصل المهرجان مع العالم بشكل أكبر من خلال حضور وتغطية الصحافة الأجنبية ووسائل الإعلام المختصة بالسينما في العالم كله لتغطية فعاليات المهرجان عالميًا، إلى جانب برمجة أفضل للأفلام، وأن يُروج للمهرجان وللأفلام بشكل أفضل. كما كنت أرى أنه كان يجب على إدارة المهرجان أن تعمل على تطوير تقنيات عرض الأفلام على صعيد الصوت والصورة من خلال توفير شاشات وأنظمة صوت أفضل والالتزام بمواعيد بدء عروض الأفلام والندوات، ولكنه كما ذكرت لم يكن انتقادًا بقدر ما كان رغبة مني في أن يكون كل شيء أفضل، وتأكدت من صعوبة تنفيذ كل هذه الأمور على أرض الواقع، بالإضافة إلى أن كل هذه الأمور تحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها.

بنسبة كم بالمائة ترى أن رؤيتك هذه ستتحقق في الدورة الأربعين من عمر المهرجان؟

كنت أعلم منذ البداية أن رؤيتي هذه سوف تتحقق، ولكن على مدى عامين أو ثلاثة أعوام، ولم يكن لديَّ أي توقع أن يتم تحقيقها أو تنفيذها خلال عام واحد فقط، وأعتقد أنه لو استطعنا تحقيق نسبة تصل إلى ستين أو سبعين بالمائة من هذا التصور الذي نأمل أن نحققه على مدى ثلاث سنوات، فأعتقد أن هذا سيكون إنجازًا كبيرًا جدًّا.

أين تضع مهرجان القاهرة هذا العام بين المهرجانات المصرية الأخرى، خاصة في ظل وجود منافس جديد وقوي مثل مهرجان الجونة؟

لا يزال مهرجان القاهرة محتفظًا بعراقته وبانتمائه لمدينة القاهرة عاصمة الثقافة والسينما والفن، وأجوائه حيث جمهور المدينة والنيل والأوبرا، وهي الأجواء التي لا أجدها تتكرر مع أي مهرجان آخر، ولكن وبدون شك مهرجان الجونة منافس قوي، وهذا ليس فقط بسبب ميزانية المهرجان الكبيرة، ولكن أيضًا بسبب الفريق الذي يدير المهرجان، والذي استطاع أن يثبت أن المهرجان هو مهرجان جاد وكبير، وهو ما تأكد من خلال الدورة الثانية للمهرجان.

بالطبع توجد منافسة على الأفلام، وعلى الرعاة، وحتى على صعيد التسويق للمهرجان فكل مهرجان يهتم بأن تكون له الريادة، وأن يكون أهم مهرجان بالمنطقة، ولكنني أجدها منافسة صحية، وأرى أن كلا المهرجانين سينالان القدر الكافي من الاهتمام والاحتفاء. ولكنني أرى أن مهرجان القاهرة لا يميزه تاريخه فقط، ولكن يميزه أيضًا وجوده في هذه المدينة، تلك المدينة الكبيرة، وذلك الجمهور العريض، على عكس مهرجان الجونة الذي يعتمد على الضيوف الذين يدعوهم فتُعرض أفلامه لضيوف المهرجان فقط، ولكن لا يوجد جمهور، وهذا ليس انتقادًا، ولكني فقط أقول إن طبيعة مهرجان الجونة تختلف عن طبيعة مهرجان القاهرة.

من خلال سفرك واطلاعك على معظم المهرجانات الدولية، أي مهرجان من هذه المهرجانات العالمية تعتبره نموذجًا أو تجربة تود أن تنقلها أو حتى تنقل بعض عناصرها لمهرجان القاهرة؟

أعتقد أن النموذج الأقرب لمهرجان القاهرة هو نموذج مهرجان برلين، ولو عقدنا مقارنة فمن الممكن أن تكون تجربة مهرجان الجونة شبيهة بنموذج مهرجان كان حيث إن الجونة منتجع سياحي مثل كان، ولكن مهرجان القاهرة يشبه أكثر مهرجانات، مثل برلين وتورنتو: تلك المهرجات التي تُقام في عواصم أو مدن رئيسية كبرى لها دور ثقافي.

على ذكر المدينة العاصمة والقاهرة، هل تتوقع أن يشهد المهرجان هذا العام توافدًا وإقبالًا جماهيريًّا أكثر من ذلك الإقبال الذي شهدته دورات السنوات القليلة الماضية؟

نعم أتوقع هذا، شهد المهرجان بالفعل إقبالًا جماهيريًا في دورة عام 2014، والتي كان يرأس المهرجان فيها الناقد الراحل سمير فريد، ولكني أتمنى أن تشهد هذه الدورة إقبالًا أكبر.

أخيرًا وفيما يخص مهرجان القاهرة، كيف تغلبت على الميزانية الضعيفة جدًّا للمهرجان؟ وهل استطعت تكوين شراكات وجلب رعاة لتعويض هذا النقص التمويلي، سواء من جهات حكومية أو غير حكومية؟

نعم، هناك دعم من جهات حكومية وغير حكومية، على سبيل المثال فقد حصل المهرجان على دعم من هيئة تنشيط السياحة، بالإضافة إلى دعم قنوات dmc، وشركة بالم هيلز، وهناك أنواع أخرى من الدعم مثل الدعم اللوجيستي الذي توفره الشركة التي تتولى مهمة الترويج والدعاية للمهرجان وإدارة السوشيال ميديا، بالإضافة إلى رعاة أيام القاهرة لصناعة السينما، وهم عدد كبير من الشركات القائمة على تقديم عدد من الجوائز وإقامة الكثير من الورش.

لا يمكن أن نغفل الحديث عن السينما المصرية ورؤيتك للوضع الحالي للسينما المصرية، فما رؤيتك للوضع الحالي للسينما المصرية؟ وهل ترى أن 48 أو 50 فيلمًا في العام رقم مناسب لحجم صناعة زاد عمرها عن 100 عام؟

المشكلة ليست في عدد الأفلام، ولكن المشكلة هي وجود ما يقرب من عشرين من مجمل هذا الرقم كان من الأفضل ألا يتم إنتاجها من الأساس، ثم نجد أن عدد الأفلام التي يمكن أن نطلق عليها أفلامًا جيدة يتراوح بين عشرين وثلاثين فيلمًا، وهو بالطبع رقم قليل جدًّا، ولكن لو قدمنا هذا الرقم – الخمسين فيلمًا – ولكن كلها أفلام حقيقية ذات قيمة فنية فسيكون الحال أفضل بكثير.

من وجهة نظرك، لماذا تغيب السينما المصرية عن خريطة المهرجانات والجوائز العالمية مقارنة بدول عربية لا تمتلك نفس منظومة الصناعة التي تمتلكها السينما المصرية، وفي المقابل معروفة عالميًا، وحصلت على جوائز مهرجانات مرموقة مثل برلين وكان وفينيسيا؟ متى سيحصل الفيلم المصري على سعفة كان أو دب برلين أو أسد فينيسيا؟

هناك دول عربية بالفعل وصلت لهذه الجوائز مثل لبنان وفلسطين وتونس، وحتمًا هذا سيحدث مع مصر يومًا ما، وأعتقد أن عدم حدوثه حتى الآن نتيجة لاتجاه السينما المصرية في الثلاثين عامًا الماضية إلى المحلية، كما أنه جاء أيضًا نتيجة للفجوة التي حدثت بين الثقافة وتحديدًا السينما وبين الناس، ولكن مؤخرًا ظهر ما يمكن أن نطلق عليه تيار السينما الجديدة أو السينما المستقلة، والذي تمثل أفلامه مصر في المحافل الدولية، حيث شارك فيلم مصري هذا العام بمهرجان كان، وليس بعيدًا أن يحصل فيلم مصري على جائزة في المرة القادمة.

ما هو تقييمك لوضع السينما المستقلة في مصر حاليًا، على سبيل المثال هل كنت تتوقع الاستقبال الجماهيري الجيد لفيلم «يوم الدين»؟ ومن وجهة نظرك ما أهم الاختلافات بين فيلم مثل «يوم الدين» جعلته يحقق هذا التواصل مع الجمهور لم تحققه أفلام أخرى تنتمي لنفس التيار السينمائي مثل «علي معزة وإبراهيم»، و«أخضر يابس»؟

أرى أن مشاركة فيلم «يوم الدين» بمهرجان كان في دورته الماضية ثم طرحه للعرض التجاري في نفس توقيت عرضه من خلال مهرجان الجونة، وردود الفعل الإيجابية التي حصل عليها الفيلم بعد عرضه في المهرجان على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه الفيلم المصري الذي عُرض بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان، كلها عوامل أفادت الفيلم كثيرًا بالإضافة إلى أنني أرى في الفيلم الكثير من عناصر الجذب على الرغم من أن موضوعه يبدو غير جاذب للكثيرين، ولكن طريقة تناول الفيلم للموضوع جعلته يقترب من الجمهور، بينما لم يحظ فيلم مثل «علي معزة وإبراهيم» بالشهرة نفسها، حيث إنه لم يشارك في مهرجان دولي بحجم مهرجان كان، كما هو الأمر بالنسبة لفيلم «أخضر يابس» الذي يخلو من عناصر الجذب الموجودة في فيلمي «يوم الدين» و«علي معزة وإبراهيم»، إلا أنه على الرغم من ذلك حقق نفس إيرادات فيلم «علي معزة وإبراهيم».