إننا نؤمن بالتدرج في الإصلاح وأن ذلك لا يتم إلا بأسلوبٍ سلميّ ونضالٍ دستوريّ قائمٍ على الإقناع والحوار وعدم الإكراه، لذلك نرفض العنف وندينه بكل أشكاله، سواء من جانب الحكومات أو الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات

بهذه الكلمات استهلّ المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، توليه منصب رئاسة مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين في السادس عشر من يناير من العام 2010 خلفًا للمرشد السابع محمد مهدي عاكف، كرسالة طمأنةٍ منه ومن الجماعة للشعب المصري والنظام، ولكن بعد عامٍ من تولي بديع المنصب جاءت ثورة يناير ليتغير المشهد السياسي في مصر عامة، وتحدث العديد من التغيرات داخل الجماعة نفسها.


تلميذ قطب مرشدًا

ولد محمد بديع عبد المجيد سامي المرشد الثامن للجماعة في السابع من أغسطس من العام 1943 بمدينة المحلة بمحافظة الغربية، درس في كلية الطب البيطري جامعة القاهرة وعُيّن بعد ذلك معيدًا بطب بيطري أسيوط، وبعدما حصل على الدكتوراه من جامعة الزقازيق في العام 1979 عيّن أستاذًا مساعدًا بها في العام 1983، تدرّج حتى وصل وكيلًا لكلية الطب البيطري لشئون الدراسات العليا والبحوث بجماعة بني سويف سنة 1993.

بدأ بديع يرتبط بالجماعة عن طريق كتب وأطروحات سيد قطب عندما كان طالبًا بكلية الطب البيطري، في العام 1965 تم اعتقال محمد بديع على خلفية القضية التي عرفت باسم تنظيم 65، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا آنذاك قضى منها تسع سنواتٍ بالسجن ليخرج في العام 1974 ويعاود العمل بجامعة أسيوط، أثناء توليه منصب جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف عام 1998 اعتقل بديع للمرة الثانية لمدة 75 يومًا فقط فيما عُرف إعلاميًّا بـقضية جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف.

في العام 1999 حُكم على بديع بالسجن لمدة خمس سنواتٍ بتهمة محاولة نشر أفكار الجماعة المحظورة، ومحاولة السيطرة على النقابات المهنية، والمساس بالأمن العام، فيما عُرف إعلاميًّا بقضية «النقابيين»، قضى منها قرابة الأربع سنواتٍ بالسجن ليخرج في عام 2003.


مرشد الخلافات والانشقاقات

ظروف انتخاب بديع كانت غير مسبوقةٍ في تاريخ الجماعة؛ فالمرشد السابق تنحّى عن المنصب بعد قضاء فترة ولايته، فيما عزى بعض المقرّبين من مكتب الإرشاد أن عزوف عاكف عن الاستمرار لم يكن غلا بسبب الخلاف بين تيار الإخوان المحافظين والإصلاحيين، ذلك الخلاف الذي بلغت ذروته باستبعاد كلّ من محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد عام 2009، ولكن عاكف كثيرًا ما نفى ذلك.

قوبلت نتائج الانتخابات بالعديد من الاعتراضات؛ حيث رأى محمد حبيب أن التصويت يخالف القواعد الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، ومن ناحيةٍ أخرى قدم كلٌّ من خالد داوود وحامد الدفراوي أعضاء مجلس شورى الجماعة مذكرةً احتجاجية ضد نتيجة الانتخابات إلى المرشد العام، وقال داوود في ذلك: {سوف نلتقي عاكف رسميًّا لإبلاغه احتجاجنا على نتيجة هذه الانتخابات وتقديم كافة الأدلة على عدم شفافيتها، ونحن بصدد جمع توقيعاتٍ لعددٍ كبيرٍ من الرافضين لهذه النتيجة}.

ولم ينحصر الخلاف على انتخابات بديع داخل إخوان مصر وفقط بل أيضًا امتد للتنظيم الدوليّ؛ فالمرشد الثامن للجماعة كان يتنافس مع رشاد بيومي، وجمعة أمين، والمنافسة الفعلية كانت ما بين بديع والأول، وبتفوق بديع أوجد لأول مرة في تاريخ الجماعة اعتراضٌ من قبل إخوان الخارج على اختيارات إخوان مصر، حيث كان التنظيم العالمي للجماعة يرغب في تولي بيومي المنصب.


بديع أبو النصر

{هتفرج هتفرج باذن الإله، ونخرج وننعم بنور الحيـاة، يا قاعد لوحدك وكلّك همـــوم، وساهر في ليلك تعد النجـوم، ما تطرد شيطانك وحارب هواه}.

بصوته الرقيق الهادىء وسمته المُسالم، انتشر ذلك المقطع لبديع ينشد فيه كلماتٍ منتشرةً بين أبناء التيار الإسلامي، خاصة لمن يتعرضون منهم لظروف اعتقالٍ أو تعذيب، وبكلماتٍ دعويّةٍ رقراقةٍ جعلت بديع يترقّى في المسئوليات داخل الجماعة من الناحية الشكلية كمسئولٍ لمكاتب إداريةٍ مختلفة، والخط الآخر كمسئولٍ للتربية على أكثر من مستوى وصلت لمستوى الجماعة كلها عام 96.

هذه المقومات جعلت من اختيار بيدع لمنصب المرشد مثار جدل، وتم تشبيهه بالمرشد الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر الذي كان مجرد ستارٍ للإرشاد ومن يحكم فعليًّا كان مصطفى مشهور، حيث كان من المتداول داخل الجماعة فترة بديع أنه ما هو إلا وجه إعلامي لمرشدٍ حقيقي هو محمود عزت، ومما دلل على ضعف شخصية بديع في أول فترته كان القرار الذي صدر آنذاك بمنع المرشد من الإدلاء بتصريحاتٍ للإعلام لمدة شهر، وكذلك تشكيل مكتبٍ إعلامي ينوب عن المرشد في التصريحات التي تصدر منه.

هكذا بدأ بديع توليه مكتب الإرشاد، تبع ذلك العديد من الانشقاقات والإقالات داخل الجماعة على رأسها استقالة محمد حبيب، و كمال الهلباوي، وشباب حزب التيار المصري، و هيثم أبو خليل، و محمد سعيد عبد البر، و إبراهيم الزعفراني في ظروفٍ ومواقف مختلفة.


ماذ قال المنشقون عن الجماعة في عهده؟

شاركت الجماعة في بداية عهد بديع بصورةٍ بارزةٍ في قضايا كبرى منذ صار بديع مرشدًا عامًّا للجماعة، بداية من المشاركة في يونيو من العام 2010 في مظاهراتٍ واسعةٍ تندد بتعامل القوات الإسرائيلية مع قافلة أسطول الحرية، تبعها في إطلاق حملةٍ إلكترونية في السابع من يوليو 2010 للتوقيع على مطالب سبعة بالتوافق مع الجمعية الوطنية للتغيير، تبعها فيما بعد إعلانهم مقاطعة الانتخابات في بداية ديسمبر من نفس العام.

من ناحيةٍ أخرى أوضح المنشقون عن صفوف الجماعة في عهد بديع العديد من السلبيات التي عانت منها الجماعة في عهده، والتي جاء على رأسها التأكيد على انحراف الجماعة عن منهاج البنا، إلى جانب التأكيد على عدم شرعية الانتخابات الداخلية لمكتب الإرشاد والتي جاء على إثرها بديع.

كما انتقدوا الاستمرار في ممارسة الديكتاتورية الداخلية في الجماعة، واستعمال القسوة، والتعنت ضد أعضاء الجماعة والتضييق عليهم، خاصة فيما يتعلق بمنع أي فرد داخل الإخوان المسلمين من الدخول أو عمل أي حزب آخر غير حزب الحرية والعدالة، وذلك وفقا ًلتصريحات إبراهيم الزعفراني الذي قال نصًّا، بعد تأسيس حزب «الحرية والعدالة» واختيار وكيل مؤسسيه بالتعيين لا الانتخاب، وإصدار القرارات بمنع أفراد الإخوان من الاشتراك في أحزابٍ أخرى: {إنه بعد ثورة 25 يناير هذا العام لم أر تغييرًا حقيقيًّا، وظهرت دلائل هي في نظري لا توحي بأن هناك ثمة تغيير}.

كما أشارت بعض القيادات التربوية المستقيلة من الجماعة في هذه الفترة إلى وجود تشويهاتٍ دينيةٍ وأخلاقيةٍ وتعليميةٍ لدى الكثير داخل الجماعة، منهم أبناء القيادات، وذلك ما قال فيه محمد سعيد عبد البر: {السطحية وغياب الثقافة الفكرية، بعض نقباء الأسر ومسئولي التربية لم يقرؤوا رسائل الأستاذ البنا أصلاً بل ويفاجَؤون أحيانًا بما فيها وينكرونه إذا سمعوه فكيف يكونون مسئولين عن توصيل فكرها للناس؟}.

من ناحيةٍ أخرى انتقد البعض انتشار الكذب بين القيادات خاصة فيما يتعلق بكون الجماعة ترعى مشروعًا إصلاحيًّا وذلك كما جاء في استقالة هيثم أبو خليل نصًّا: {أستقيل اليوم لأني أمقت الكذب، خصوصًا عندما يتحدثون باسم جماعةٍ ترعى مشروعًا إسلاميًّا ذات نهجٍ أخلاقيّ}،وكان ذلك تعليقًا على أزمة مؤتمر شباب الإخوان.

اتسمت الجماعة أيضا في عهد بديع بغياب معايير الكفاءة في اختيار أعضاء مكتب الإرشاد، كنوعٍ من أنواع الديكتاتورية الداخلية التي تتحلى بها الجماعة، وذلك كما قال فيه عبد البر نصًّا:

ما نشر من ملابسات ضم الأستاذ صبري ع. (أحد قيادات الدقهلية) لمكتب الإرشاد، فإنه لم يوفّق في الانتخابات الداخلية التصعيدية وفي الصباح تم اختياره لشورى محافظته و من ثم للشورى العام، وحينما تساءل الإخوان الذين حضروا الانتخابات عما حدث قيل لهم: من الثقة في إخوانكم ألا تسألوا ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ولم تقدم القيادة أي توضيح للأفراد

الرجل المريض

هل يشبه محمد بديع السلطان عبد الحميد الثاني آخر خلفاء الدولة العثمانية التي أطلق عليها في آخر أيامها الرجل المريض؟، بديع المريض جسديًّا والذي أجرى عملية (الفتاق) في الثانى عشر من الشهر الجاري، والضعيف حاليًا بسجنه الذي أدى إلى التناحر على خلافته بين أكثر من تيارٍ داخل الجماعة، حيث تتراشق الجهات بين الجين والآخر بالبيانات والقرارات.

المشهد الذي انتهى إليه بديع قد يكون لا يد له فيه، فجُحر الضبّ الذي دخله الإخوان كانت بدايته من إعلانهم الدخول للسباق الرئاسي، ذلك القرار الذي يبدو أن بديع أيضًا لم يكن خلفه.

نحن لن نختار واحدًا من الإخوان المسلمين، ولن ندعم، وكنت أتمنى ألا يترشح أحدٌ في التيار الإسلامي، يعني محسوب على تيار إسلامي مش مسلم، حرصًا على مصلحة مصر التي الآن يعني تحت المجهر لو تقدم واحد من هذا الصنف، بالذات الآن مشكلة في استهداف مصر ينتظر لها في المستقبل، نحن أعلنا رئيس توافقي، وزارة توافقية، لابد أن يحدث هذا الآن

كانت هذه التصريحات في حوارٍ لبديع مع وائل الإبراشي في يناير 2012؛ ولكن الجماعة خالفت تلك القاعدة التي وضعها بديع وأعلنت ترشيح الشاطر ثم مرسي، مما يشكّك في تلك الأصوات التي هتفت في الميادين: (يسقط يسقط حكم المرشد)، ففعليًّا يبدو أن المرشد قد حُكم ولم يحكم. بديع يقبع الآن فى زنزانته بطرة، وربما لا يملك اللحظة من أمره أي شيء، بل ربما لا يملك أن يعتذر أو أن يستقيل هو نفسه، احتمالاتٌ همس بها بعض المقربين من قيادات الإخوان في السجون، تم رفضها على الفور بحجة تثبيت الصف من قبل قيادات الإخوان الحالية بالخارج.

مستقبلٌ غامضٌ وواقعٌ مفكّك، جماعةٌ تم نبذها من شرائح اجتماعيةٍ عريضة، وتم التواطؤ على قضمها من جهاتٍ سياديةٍ وأطرافٍ خارجيةٍ جنبًا إلى جنب. هل يحمل بديع كفلاً مما وصلت إليه الجماعة، أم أنه براءٌ من كل ذلك؟ وسواء أحمل ذلك الكفل أم لم يتحمله، فهل تنتهي الجماعة، ويكون المرشد الثامن هو الثامن والأخير؟