مسلمون يتعرضون لحملة تطهير عرقي. أقليةٌ مسلمة تنزح عن موطنها هروبًا من القمع. لا شيء جديد في الجُمل التي قرأتها لتوِّك، لكن مسلمي «مورو» قرروا ألا يلعبوا دور الضحية في قصتهم إلى الأبد، ليضيفوا بذلك جملةً جديدةً تُردف بها الجُمل السابقة؛ السلاح. سبعينيات القرن الماضي أنشئوا «جبهة تحرير مورو الإسلامية» القائمة على حمل السلاح دفاعًا عن النفس.

أربعون عامًا هى مدة الصراع، 120 ألفًا هو رقم الضحايا، مليونان هم النازحون عن الإقليم منذ بداية الصراع المُسلح حتى مرحلة المفاوضات. عام 1997 بدأ الطرفان في اللجوء إلى المفاوضات. ثم بعد 15 عامًا، في عام 2012، تم الاتفاق أخيرًا على وقف إطلاق النار في مقابل تنازل جبهة تحرير مورو عن الاستقلال التام والقبول بمنطقة حكم ذاتي تُدعى «بانغسامورو». وبعد سبعٍ عجاف أخرى استطاعت الجبهة أن تحصل على تصديق البرلمان الفلبيني على الصيغة النهائية للقانون.

الوصول للحظة الراهنة لم يكن ليحدث لولا استماتة الجبهة في الصراع المسلح والسلمي، وأيضًا لولا وجود رودريغو دوتيرتي الرئيس الفلبيني الحالي. الرجل ركز في وعوده الانتخابية منذ البداية على أن فترة حكمه ستشهد حل هذه الأزمة المزمنة، وقد كان. بموجب هذا القانون سيترك 30% من أبناء جبهة التحرير السلاح ويعودون إلى الحياة المدنية. ثم في عام 2022 سيلحق بهم كامل أعضاء الجبهة. وتتحول الجبهة إلى كيان سياسي خاضع لقانون الأحزاب السياسية.


من هم؟

ننطلق الآن من الصورة الكبيرة إلى الصورة الأصغر، من هم الـ «مورو»؟ وأين هم؟ مورو لقب يُطلق على مسلمي الفلبين القاطنين جزر مينداناو، وبالاوان، وأرخبيل سولو، وعدة جزر جنوبية أخرى. الكلمة تعني «مغربي»، وهى تحريف إسباني للكلمة التي استُخدمت لوصف سكان ما كان يُطلق عليه «ولاية موريتانيا» إبان الإمبراطورية الرومانية، والتي تضم حاليًا الجزائر، وموريتانيا، والمغرب. اعتاد «مورو» الفلبين الحياة في دولة خاصة بهم، لكن بعد إلحاقهم بالفلبين من قبل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية صاروا أقليةً مختلفة عن نسيج الفلبين، فلفظتهم الدولة وكرهوها.

الحركة شهدت انقسامات عدة أدت بها إلى صورتها الحالية. التأسيس كان تحت اسم «جبهة تحرير مورو الوطنية» عام 1972، ثم انشق عنها «سلامات هاشم» مؤسس جبهة مورو الإسلامية عام 1977. المنشقون قالوا إن الجبهة الوطنية بدأت تتقارب بصورة مبالغ فيها مع الحكومة الفلبينية. ثم من رحم الجبهة الإسلامية وُلدت جماعة عبد الرزاق جان جيلاني، المعروف باسم أبو سياف. الجماعة الناشئة جهادية التوجه، وتضعها واشنطن على قمة قوائم الإرهاب.

اقرأ أيضًا: تفاصيل مثيرة: هكذا حاولت داعش إنشاء «ولاية» في جنوب الفلبين

والاتفاقية هى الأخرى شهدت مراحل تطور مختلفة كي تصل إلى بنودها الراهنة. عام 1975 في جدة كان اللقاء الأول، تلاه لقاء في طرابلس نتج عنه أول اتفاق للحكم الذاتي عام 1976. لكن ظل الاتفاق حبيس الأدراج طوال عشرين عامًا، حتى وقعت الجبهة في عام 1996 اتفاق طرابلس الثاني، وينص على منح الحكم الذاتي لثلاث مناطق في بانغسامور بدلًا من ثلاث عشرة. منح الاتفاق الجبهة ثلاث سنوات لتحقيق مشاريع تنموية بمفردها لكي يكتمل تنفيذ باقي البنود، لكن الجبهة عجزت، فتم إلغاء الاتفاق.

في 2008 أعلنت الحكومة، تحت رئاسة غلوريا أرويو آنذاك، أنها توصلت لاتفاق مع الجبهة يُحدد بوضوح حدود منطقة الحكم الذاتي. لكن المحكمة العليا اعتبرت الأمر منافيًا للدستور، فاندلع العنف مجددًا بجانب المفاوضات السياسية المدعومة بمظاهرات حاشدة كانت الجبهة تدعو إليها بين حين وآخر لكي تُثبت لمفاوضيها أنها لم تفقد زخمها بعد، وأن جلوسها للمفاوضات ليس من ضعفٍ لكن لمصلحة الطرفين.


الإسلام هو داعش

التصويت الذي جرى في 21 يناير/ كانون الثاني 2019 دُعي إليه 2.8 مليون فلبيني ليقرروا إذا ما كانوا يريدون الحكم الذاتي أم لا. استكمال الاستفتاء سيجري في 6 فبراير/ شباط 2019 في عدة مناطق صغيرة لم تشارك في المرحلة الأولى لمشاكل إدارية. تستغرق عملية الفرز 4 أيام، تنتهي في 25 يناير/ كانون الثاني، لكن النتيجة تبدو محسومةً بشدة. الحكم الذاتي هو الهدف المنشود منذ 50 عامًا، فلا يُتخيل أن يتخلى عنه شعب المورو وهو في أشد لحظاتهم حماسةً بهذا النصر.

لكن ما يمنع «اليقين» من نتائج الاستفتاء أنه من ضمن المناطق المشاركة 6 بلديات و39 قرية يزيد فيهم عدد المسيحيين الكاثوليك عن المسلمين بسبب نزوح المسلمين وهجرة الكاثوليك من الشمال.المسيحيون أعلنوا في الأشهر الماضية رفضهم أن يتم ضمهم لمناطق الحكم الذاتي دون استفتائهم أولًا، لكنهم لم يعلنوا قبولًا أو رفضًا. كذلك يجري الاستفتاء في مدينة مارواي الحيوية، لكنها ذاقت 7 أشهر من سيطرة مجموعة ترفع لواء «داعش»، فخاض الجيش معها قتالًا ضاريًا. فالمدينة تبدو متحسسةً من الجبهة الإسلامية.

اقرأ أيضًا:الحرب الباردة في شرق آسيا: من في مواجهة من؟

إذا قالت الصناديق للاستقلال نعم، فإن الحكومة المركزية سوف تقوم بتعيين سلطة انتقالية حتى تجري انتخابات في 2022. الانتخابات ستختار مجلسًا مكونًا من 80 عضوًا، يختارون بدورهم رئيس وزراء الإقليم البالغة مساحته 12 كيلومترًا، ويقطنه 11% من سكان الفلبين. سيكون لإقليم بانغسامورو مجلسه التشريعي الخاص وسلطات تنفيذية ومالية، إلا أن الحكومة المركزية تبقى مسيطرةً على الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والسياسة النقدية.


الانفصال قد يأتي بخير؟

تكبيرات الجموع المحتشدة أمام مراكز الاقتراع تنقل تفاؤلًا عاليًا وحماسًا شديدًا تجاه هذه الخطوة. هي في رأيهم نهاية لحقبة من الصراع الدموي، وتمنح الضوء الأخضر لإنشاء محاكم تطبق الشريعة الإسلامية بحرية. متوقعين أن يجلب لهم الاستقرار المُرتقب استثمارات داخلية وخارجية، ما يرفع من جودة التعليم والصحة والأمن. خاصةً أن 50% من سكان الإقليم يعيشون تحت خط الفقر، ويُعرف بأنه صاحب أكثر معدل تسرب من التعليم في كامل الفلبين.

إلا أن واقع العديد من الدول والأقاليم التي شهدت انفصالًا عن الدولة الأكبر يقول إن المعركة لن تنتهي عند هذا الحد، إذ ستولد إماراتٌ أصغر تطالب باستقلالها، كما أن الحكومة الفيدرالية احتفظت لنفسها بنصيب الأسد في تقرير موقف الإقليم السياسي الخارجي وتتحكم في مفصل الأمن والعملة، لذا فليس من المتوقع أن يتخذ الإقليم موقفًا مناقضًا للحكومة المركزية كما يحلم بذلك الناخبون.

هذا التماهي المحتمل بين الدولة والإقليم قد يُثير غضب الناخبين أو من ضحوا بدماء أهلهم من أجل حلم إنشاء إقليم إسلامي مستقل. ما يعني أن هذا الانتقال في الحكم يُعلن بداية مرحلة صعبة من الكفاح، يمكن أن تكون أصعب من معارك الخمسين عامًا الماضية، إذ إن العدو هنا سيكون شعب مورو نفسه.