إن تحريك أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية أو أيًا كانت طبيعتها للبوليساريو من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي سيشكل عملًا مؤديًا إلى الحرب.
عمر هلال – سفير المغرب لدى الأمم المتحدة

توتر جديد ينشب بين المغرب والبوليساريو تزامنًا مع موعد مناقشة التقرير السنوي لبعثة المينسوري حول الوضع بالصحراء الغربية، اتهامات مغربية حادة مع مطلع أبريل/ نيسان لجبهة البوليساريو بتنفيذ تحركات وتوغلات من شأنها تغيير الوضع القائم في أقصى جنوب وشرق المنطقة العازلة.

تحذيرات وجدل مغربي واسع حول ضرورة اللجوء إلى الخيار العسكري للرد على ما تم وصفه باستفزازات البوليساريو المدعومة جزائريًا،يعقبها تعبئة وتحركات عسكرية للقوات المغربية مع سحب الست طائرات من نوع إف – 16 المشاركة في الحرب على اليمن ضمن التحالف العربي تدعيمًا للقوات الملكية المغربية في ضوء تلك التوترات.

المشهد القائم ليس بجديد على ساحة الصراع بين الرباط والبوليساريو ومن خلف الأضواء الجزائر، فالعرض شبه موسمي تزامنًا مع مناقشة تقرير المينسوري. رغم هدوء العاصفة وتراجع زخم التحذيرات والاتهامات، فإن طموح المغرب العسكري المتزايد يطرح تساؤلًا حول قدرات المغرب العسكرية إذا ما قررت الرباط شن حربٍ على جبهة البوليساريو.


الطموح العسكري لجيش مولانا

على خلاف تقاليد بعض الجيوش في المنطقة، لم يسعَ الجيش المغربي خلال تاريخه المعاصر للسيطرة على مقاليد الحكم بشكل مباشر حتى في فترات ازدهار قوته وضعف السلاطين. بل حظي الجيش بمساحة محدوة التأثير في الحياة السياسية المغربية واقتصر دوره على حماية البلاط الملكي والحفاظ على الأمن في مواجهة القوى المعارضة وعلى رأسها اليسار المغربي إلا في مناسبات معدودة باءت بالفشل محاولات بعض الضباط للانقلاب على البلاط. التطورات السياسية والإقليمية دفعت المملكة إلى إعادة هيكلة الأهداف الاستراتيجية للجيش الملكي.

بالقرب من منطقة تندوف وحاسي بيضة 1963 شهد المغرب والجزائر المواجهة العسكرية الوحيدة التي أسست لصراع سياسي طويل الأمد، لم تدم المواجهة أكثر من 72 ساعة لكنها أسست لطموح مغربي في تحديث قدرات الجيش الملكي وتوسيع نطاق مهامه في حماية الحدود المغربية خاصة مع المسيرة الخضراء التي أطلقها الراحل الحسن الثاني لاستعادة الأقاليم من الاحتلال الإسباني 1975، لتدور المملكة في فلك النزاع مع البوليساريو والجزائر حتى اليوم.

اقرأ أيضا:من دفاتر النصر: لماذا تشتري الجزائر نصف سلاح القارة؟

مع تسارع وتيرة سباق التسلح مع الجزائر وتفاقم حدة النزاع مع البوليساريو، بات الجيش الملكي في مواجهة مخاطر أخرى مع بداية التسعينات في مقدمتها المد الجهادي، خاصة على يد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب. علاقات المغرب الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج دفعته أيضًا بشكل أكبر إلى زيادة طموحه العسكري وتحديث أسلحته بتمويل خليجي، فقد شاركت قوات الرباط في عهد مبكر في حروب عدة خارج أراضيها بداءً من حرب أكتوبر إلى الحرب على حوثيي اليمن.

الاستكشافات البترولية وحماية المنطقة الاقتصادية داخل مياه البحر المتوسط، دفع أيضًا المغرب إلى تحديث ترسانته البحرية. لم يعد طموح المغرب يتوقف عند حدود أزماتها الاجتماعية والاقتصادية التي تتأجج بين الحين والآخر في الريف، فالمغرب يحتل المركز الثاني أفريقيًا والتاسع عشر عالميًا من حيث استيراد السلاح، بقيمة بلغت أكثر من 4 مليارات دولار. تسعى المغرب إلى توسيع تحالفاتها الخارجية بناءً على سوق السلاح حيث تستورد سلاحها من أمريكا وفرنسا وإيطاليا وأخيرًا الصين.


رهانات البوليساريو المعقدة

امتلاك سلاح متطور ليس كافيًا لكسب الحرب، فربما لا يمكنك استخدامه. فتحديد نوع سلاحك يتوقف على سلاح وماهية عدوك. الحرب النظامية لم تعد أكثر ضررًا مقارنة مع الحروب شبه النظامية – الجيوش والجماعات المسلحة – فالقواعد هنا تختلف والموازين تتطلب حسابات أكثر دقة.

قدرات عسكرية ومادية محدودة يمتلكها جيش البوليساريو تفقده القدرة على امتلاك خيار الحرب مع المملكة، مع ذلك لم تهدأ لغة التلويح المستمر باللجوء إلى الكفاح المسلح من قبل قيادات الجبهة. رهانات عدة ترتكز عليها البوليساريو منها تقلبات المواقف الدولية من أزمة الصحراء وحقها في تقرير المصير ودعم دول الجوار لها وعلى رأسها الجزائر. دعم الجزائر لا يتوقف على الدعم السياسي فقط، ولكنه ربما يتعدى ذلك إلى التدريب العسكري وما يؤكده وجود 26 من جبهة البوليساريو بالطائرة العسكرية الجزائرية التي تحطمت في منتصف الشهر الحالي.

حالة من التكتم الشديد عن حجم القدرات العسكرية للبوليساريو، لم تمنع البعض من الذهاب إلى كون قوة الجبهة باتت أكثر هشاشة وتفككًا . ترسانة برية قديمة محدودة القدرات التدميرية من دبابات ومدرعات سوفيتية وراجمات صواريخ ومضادات للدبابات، وافتقاد كامل للقوة جوية، تجعل من قواعد المواجهة أكثر تفوقًا نوعيًا وكميًا للمغرب إذا ما اعتمدت فقط على الضربات الجوية دون الدخول في حرب برية طويلة الأمد لاتساع الصحراء.


قدرات جوية متقدمة

القوات الجوية المغربية ليست الأكبر في القارة، لكنها واحدة من أبرز القوات التي تضم أسلحة ذات تقنية أكثر تقدمًا. تستطيع الرباط تحقيق تفوقها النوعي عبر أنظمة قدراتها الجوية المتطورة، فالرباط تمتلك أكثر من ثلاث حلقات مختلفة من المقاتلات الجوية قادرة على ضرب أهداف بعيدة بعناية.

النسخة المغربية من F-16 هي واحدة من أقوى الإصدارات في العالم، قادرة على تحقيق التفوق والتوازن الجوي في محيط جيرانها، فإلى جانب وصول 24 طائرة من طراز + F-16 Block 5 2 كانت السعودية والإمارات قد عملتا على تمويل المغرب لشراء 20 طائرة من طراز F-16A / B، تكمل القوة الجوية الملكية المغربية عملية تحديث 27 طائرة من طراز Mirage F-1 ، وإضافةً إلى ذلك تدخل 24 مقاتلة من نوع F-5E النمر الخدمة ضمن صفوف القوات الجوية الملكية.

القدرات الاستخباراتية تستحوذ بشكل أكبر على اهتمام القوات الجوية المغربية، فبجانب 6 أقمار صناعية يمكن استخدامها لأعمال المراقبة والاستطلاع حصلت الرباط في 2013 على ثلاث طائرات بدون طيار من نوع Harfang والتي سبق وتم استخدامها للاستطلاع على الأراضي الليبية والأفغانية.

طائرات Harfang ليست الوحيدة حيث يضم سلاح الطيران المغربي في منظومته ثلاث طائرات من نوع MQ-1 وكذلك ثلاث طائرات استطلاع من نوع I-GNAT ER. فيما تتبادر الأنباء عن صفقة مغربية أمريكية لشراء أربع طائرات من نوع GULFSTREAM، بتمويل سعودي إماراتي.

التفوق النوعي والكمي يظل لصالح المغرب إذا ما واجهت البوليساريو منفردة، لكن الرهان على تحول أي مواجهة عسكرية قادمة بين الجانبين إلى حرب بين الرباط والجزائر – وإن كان ذلك غير محتمل في الوقت الراهن – يعيد تشكيل قواعد اللعبة حسب القدرات الدفاعية والهجومية للدولتين.