حمل العام 2016 العديد من الأخبار السيئة لتنظيم «داعش» وأنصاره؛ فالخلافة التي لطالما ردد أنصارها أنها باقية وتتمدد لم تعد تتمدد بل أصبحت تنحسر، وأصبح هناك تساؤلات كثيرة عن مستقبلها، عقب الهزائم المتتالية التي مُني بها التنظيم على مدى العام الذي شارف على الانتهاء.


من تدمر كانت البداية

http://gty.im/478691057

أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، نجحت قوات النظام السوري، مدعومة من روسيا وإيران وعدد من الميليشيات، في انتزاع مدينة تدمر الأثرية من قبضة تنظيم داعش، بعد معارك استمرت ثلاثة أسابيع، قاتل خلالها التنظيم بشراسة، ولم يتنازل عن المدينة إلا بعد أن تكبد خسائر بشرية كبيرة،قدرها المرصدالسوري لحقوق الإنسان بـ400 قتيل.

اعتبرت هزيمة «داعش» في تدمر أكبر هزيمة يُمنى بها التنظيم منذ نشأته، كما اعتبرت دليلا على قدرة روسيا على إحداث تغيير في المعادلة في سوريا، بعدما قررت الدخول بكامل ثِقلها العسكري إلى ساحة الحرب لمساندة نظام الأسد. وقد كان اختيار روسيا لتدمر لتكون محطتها الكبرى الأولى في التدخل في الحرب السورية، اختيارًا له دلالته؛ فالرئيس الروسي بوتين أراد أن يسوق تدخله العسكري في سوريا بأنه تدخل لإنقاذ الآثار والتراث البشري وللقضاء على الإرهاب والمتطرفين ، وليس تدخلًا لدعم نظام الأسد.

حاولت «داعش» خلال الأسابيع الماضية استعادة تدمر مرة أخرى، مستغلة انشغال النظام السوري وداعميه بمعركة حلب، وقد نجحت بالفعل في السيطرة على عدة أحياء شمال وشمال غرب المدينة ، وسط انسحاب قوات النظام، لكن رمزية السيطرة على المدينة بالنسبة لروسيا والنظام السوري، تجعل إمكانية السماح باحتفاظ «داعش» بها، حال نجاحها في السيطرة عليها، أمرًا محل شك.


الطريق إلى الموصل يبدأ بتحرير الفلوجة

خسر «داعش» مدينة الفلوجة، في يونيو/ حزيران الماضي، بعد معارك استمرت لما يقرب من 25 يومًا، مع الجيش العراقي المدعوم بميليشيات الحشد الشعبي وطائرات التحالف الدولي.

خسارة الفلوجة، التي كانت أول مدينة سيطر داعش عليها، ومن قبلها خسارة الرمادي، جعلت من الموصل الوجهة التالية لهزيمة التنظيم في العراق، وهو ما حدث بالفعل حيث تدور هناك الآن معارك طاحنة، يشارك فيها الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي وقوات كردية بالإضافة إلى دعم جوي من التحالف الدولي، ضد داعٍ.

معركة الموصل لم تحسم إلى الآن، وبحسب خبراء فقد تستمر لشهور قبل أن تحسم، فالموصل ليست مدينة عادية بل هي عاصمة «الخلافة» وثاني أكبر المدن العراقية وبها أكبر تجمع للسنة في العراق، وداعش أعد العدة لمعركتها جيدًا، لأن سقوطها يعني انتهاء وجوده في العراق تقريبًا.


منبج : فقدان همزة الوصل مع العالم

خسر داعش مدينة منبج ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة، بعد معارك شرسة استمرت أكثر من 70 يومًا، مع «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أمريكيًا، والتي يشكل الأكراد عمادها، في أغسطس/ آب الماضي.

المدينة الصغيرة كانت حلقة وصل هامة للتنظيم في الرقة في سوريا وعنتاب التركية، وكانت محورًا مركزيًا لخطوط إمداد داعش حيث تدخل من خلالها البضائع والمقاتلين من العالم الخارجي ويخرج الإرهابيون من خلالها إلى أوروبا.

بفقدان المدينة، فقدت داعش نقطة اتصال حيوية دخلية؛ بين نقاط تجمع التنظيم في سوريا والعراق، وخارجية؛ بين التنظيم في الداخل وعناصره في تركيا وأوربا، هذا بالإضافة إلى خسارة 2500 مقاتل من العناصر الأكثر خبرة من الشيشان وشرق أوروبا، خلال المعارك التي انتهت بخسارة المدينة.


دابق : معركة القيامة التي لم تأتِ

سيطرت فصائل من المعارضة السورية مدعومة من تركيا على قرية دابق الواقعة بريف محافظة حلب شمالي سوريا، بعد انسحاب تنظيم «داعش» منها، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

لكن لماذا يأخذ خبر السيطرة على «قرية» اهتمامًا كبيرًا للغاية من وسائل الإعلام المحلية والعالمية؟

لأنها ليست مجرد قرية عادية، بل هي القرية التي تكتسب أهمية رمزية كبيرة لدى «داعش» لدرجة إطلاق اسمها على أبرز مجلة صادرة عن التنظيم، وهذه الأهمية مستمدة من كون «دابق» هي المكان الذي ستقع فيه معركة آخر الزمان، وفق النبوءة التي يروجها التنظيم.

الهزيمة هنا إذًا هزيمة معنوية وعقيدية، لأن دابق ليست موقعًا إستراتيجيًا من الناحية الجغرافية، ولكنها تحتل موقعًا إستراتيجيًا من الناحية العقائدية للتنظيم، وانهزام داعش على أرضها وفرارهم منها يعني أنهم ليسوا أهل الحق الذين سيهزمون أعداء الدين، والذين ذكروا في الحديث المنسوب إلى النبي محمد.


سرت: سقوط «عاصمة الخلافة» في شمال إفريقيا

مُني تنظيم داعش بهزيمة ثقيلة في مدينة سرت الليبية، خلال ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد أن نجحت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، في طرد عناصر التنظيم من المدينة بعد معارك استمرت لما يقرب من 8 أشهر، بدعم جوي من الولايات المتحدة الأميركية.

أهمية سرت مستمدة من موقعها الجغرافي المتميز، فهي قريبة من حقول النفط ومطلة على البحر الأبيض المتوسط وبالتالي قريبة من السواحل الإيطالية، بالإضافة إلى أنها تقع في منتصف المسافة بين بنغازي وطرابلس، أهم مدينتين في ليبيا، ما يعني أنها تستطيع شن هجمات على كلا الجانبين دون الحاجة إلى قطع مسافات طويلة.

وبتحرر المدينة قُضي على آمال داعش في إقامة عاصمة لدولتها في شمال أفريقيا، بعد أن فقد عدد كبير من عناصره في المعارك، وصل بحسب متوسط التقديرات إلى 2500 قتيل. كما أصبح عودة التنظيم بشكله القديم؛ المتمثل في السيطرة على مدن بأكملها، أمرًا مستبعدًا، وإن كان وجوده في ليبيا لم ينتهِ بشكل نهائي.


والقيادات أيضًا لم تسلم

شهد عام 2016 مقتل عدد من أبرز قيادات داعش، على رأسهم المتحدث باسم التنظيم أبي محمد العدناني، الذي قال التنظيم أنه قتل في حلب أثناء تفقده العمليات العسكرية هناك، في أغسطس/ آب الماضي، لكن وزارة الدفاع الأميركية قالت أنها قتلت العدناني في ضربة جوية بمحافظة الرقة السورية.

أمير ديوان الإعلام المركزي والمشرف على إنتاج شرائط الفيديو التي تتضمن مشاهد إعدامات وتعذيب،أبو محمدالفرقان، لقي حتفه هو الآخر، في ضربة جوية للولايات المتحدة في محافظة الرقة السورية، في سبتمبر/ أيلول الماضي.

القياديان البارزان عمر الشيشاني، الذي تقول واشنطن أنه وزير حرب داعش، وماهر البيلاوي، قائد داعش في الفلوجة، قُتلا أيضًا في غارات جوية للولايات المتحدةفي العراق. بالإضافة إلى قيادات أخرى أقل شهرة.

هكذا يدخل تنظيم داعش عام 2017 محملًا بهزائم ثقيلة، أفقدته عددًا من مدنه الهامة وقياداته البارزة، فضلا عن عدد كبير من المقاتلين، بالإضافة إلى معارك أخرى ما زالت مستمرة في العراق وسوريا، ما يجعل العام الجديد عامًا حاسمًا لمستقبل التنظيم.