لدى بعض المصريين تعبير شائع لوصف مدى روعة منتج فني ما خاصة في السينما والتلفزيون، إذا كان ذلك المنتج مبهرًا أو على درجة عالية من الإتقان التقني فإنه يوصف بـ «العالمية»، وتشير تلك العالمية غالبًا إلى جزء ضئيل من العالم الفسيح لكنه مسيطر ومتوغل بثقافته وهو أمريكا أو هوليوود إذا أردنا الحديث عن صناعة الأفلام تحديدًا.

في أحدث أفلامه «موسى» يبحث المخرج والمؤلف بيتر ميمي عن تلك العالمية، عن صناعة فيلم يضاهي تلك الأفلام الضخمة التي تنتجها هوليوود والتي ينتظرها الجميع حول العالم من أعمار وثقافات مختلفة، لذلك أعلن ميمي عن طريق منشور على الفيسبوك أنه في خضم عملية صنع سلسلة من الأفلام أو عالم سينمائي أسماه “المستضعفون” يضاهي عالم مارفل الشهير، به تتضافر الشخصيات وتتوسع تفاعلاتها وتصبح لها قاعدة جماهيرية تفاضل بين الشخصيات والخطوط القصصية المختلفة، موسى هو بداية ذلك العالم.

فيلم عن بطل خارق مصري وهو أيضًا أول تجربة درامية تحوي إنسانًا آليًا بعد مسلسل النهاية، يجعل الفيلم من القاهرة مسرحًا لأحداثه بدلاً من نيويورك أو غيرها من المدن الأمريكية الكبرى ويحكي قصة تملك أبطال وأشرار وتحوي بدايات للخطوط المختلفة التي ستتبعه بعد ذلك، فهل نجح موسى في تقديم تجربة عالمية؟

لماذا العالمية؟

يحكي موسى قصة يحيى (كريم محمود عبد العزيز)، فتى خجول يتيم الأم يدرس في كلية الهندسة، يتعرض للعنف من زملائه نظرًا لضعف مهاراته الاجتماعية، يحيى معجب بفتاة جميلة تدعى مريم (سارة الشامي) ويملك صديقة واحدة هي ريكا (أسماء أبو اليزيد) تشاركه شغفه بالهندسة، يقضي يحيى أوقاته مع أبيه (صلاح عبد الله) في كوخ ناءٍ حيث يصنع أبوه الساعات بينما يعمل يحيى على اختراعاته ودراساته، تنطلق شرارة أحداث الفيلم حين يتعرض الكوخ لهجوم من قبل حفنة من الرجال الذين نعرف باقتضاب أن أحدهم في علاقة نسب مع يحيى ويتضح أنه هنالك مشكلات بينه وبين حماه -والد يحيى- وبعدما يرتكب هؤلاء الرجال أعمال عنف مروعة تترك يحيى غير قادر على الدفاع عن نفسه أو عن والده يبدأ في صناعة “موسى”،  إنسان آلي ضخم يشبه الرجل الحديدي يتحكم فيه من خلال أفكاره الشخصية يبث فيه غضبه ورغبته في الانتقام لنفسه وللعالم كله من الشرور.

كريم محمود عبد العزيز في دور يحيى
كريم محمود عبد العزيز في دور يحيى

يمكن لمشاهد الفيلم أن يلتقط تأثر ميمي بأفلام الأبطال الخارقين الأمريكية لكنه ليس تأثرًا أسلوبيًا أو تقديم تحيات إلى النسخ القديمة من تلك الأفلام، هو مجرد إعادة تدوير لسمات وشخصيات تلك الأفلام، يصنع ميمي عدة شخصيات وأحداثًا نمطية مستوحاة من تلك الأنواع السينمائية: الشاب الوحيد ضعيف المهارات الاجتماعية، الفتاة الجميلة بعيدة المنال، الصديقة الأفلاطونية، فقدان الأهل، التعرض للعنف في المدرسة أو في تلك الحالة الجامعة، تمثل الشخصيات جميعها أنماطًا لا تملك أي خصوصية تميزها عن أخرى تشابهها في أفلام سابقة. فعلى سبيل المثال لا يعطينا الفيلم أية معلومات عن الفتاة موضع إعجاب يحيى سوى أنها جميلة ذات عيون ملونة وتعيش في قصر فاره ذي مساحة هائلة مع أبيها الذي نعرف من جملة واحدة عابرة أنه ينوي الشر وأنه يملك سلطة ضخمة نظرًا لثرائه الفاحش، لا يوجد تبرير حقيقي لكونه أحد أشرار الفيلم، الهدف الوحيد هو ملء أحد أنماط أفلام الأبطال الخارقين ألا وهو كون والد الفتاة المرغوبة هو عدو البطل مما يمثل مفارقة تراجيدية ونقطة ضعف كبرى للطرفين.

تمثل الشخصية الرئيسية نفسها أحد أشهر أنماط الأبطال الخارقين فهو على غرار سبايدر مان شاب خجول ذكي يضاهي ذكاؤه أساتذته ويملك قدرة على الابتكار والخلق لكنه لا يملك القدرة على التحدث مع من اختارها قلبه، ويتعرض بسبب خجله لعنف يصعب تصديقه أو التأثر به كونه يدور في جامعة وليس مدرسة ثانوية على مرأى من الجميع وفي عالم معاصر وليس زمنًا ماضيًا. وعلى الرغم من عدم منطقية ذلك يبني الفيلم تطور شخصية يحيى كله على حوادث العنف تلك فقط لكي يملأ نمطًا آخر وهو مشهد القتال في ساحة “المدرسة” بينما تشهد الحبيبة ذلك مما يعمق شعور البطل بالحرج والخذلان، لكنه يأتي مشهدًا قديمًا لا يصلح للعالم الذي نعيش فيه ولا في سياق الجامعات، كما أنه لا يحقق التطهير المنطقي وهو عودة البطل بعد ما أصبح يمتلك اليد العليا فينتقم من هؤلاء المتنمرين على مرأى ومسمع من الجميع.

يدرك الفيلم ضعف الحادثة الأولى فيصنع حادثة أكبر تستحق الانتقام وهي العنف ضد الأب وعجز يحيى عن التصرف وقتها، يعود يحيى بالفعل بانتقام دموي بصحبة صديقه الجديد موسى أو ذاته العليا الذي يحقق أفكاره ويعطيه قوة لم يكن يتصور أن يملكها يومًا، يصبح موسى بطلاً شعبيًا وراءه صانع مجهول ويبدأ الأطفال والكبار في تشجيعه، تظهر أخباره في التليفزيون ويصنع وجوده ردود أفعال متناقضة بين مشجع لأفعاله نظرًا لكونها في جانب الحق وبين رافض لها لأنها خارجة عن القانون مثيرة للفوضى.

في بداية الفيلم يبدو أنه هناك نية لجعل القاهرة بطلاً ومسرحًا للأحداث على غرار نيويورك بمبانيها الضخمة التي يتأرجح بينها سبايدر مان أو حتى المدينة المتخيلة جوثام التي تحتضن باتمان بظلمتها وغموضها، لكن يتراجع دورها ووجودها سريعًا فتختفي خصوصية المكان وازدحامه وإمكانياته في صنع صور خالدة لذلك البطل المصري موسى في وسط ميدان مكتظ بالسكان أو وسط مبان وسط البلد أو غيرها من المناطق التي يسهل التعرف عليها.

نرى شوارع القاهرة خاوية من السكان يتنقل فيها يحيى بدراجته في مشاهد منفصلة معدومة السياق، أما أغلب أحداث الفيلم الكبرى فتقع في مناطق مجردة لا تبدو مثل القاهرة أو أي منطقة أخرى في مصر، كوخ خيالي يبدو كارتونيًا يشبه المنازل الأمريكية وأسفله قبو غامض يحتفظ به يحيى بالمخلوق الضخم الذي صنعه على طراز البيوت الأمريكية كذلك، تجعل تلك الخيارات من الفيلم مجرد نقل لبعض السمات والأنماط التي شاهدناها عشرات المرات للغة العربية حتى دون تغيير حقيقي في طبيعة الشخصيات أو المكان، حتى الصراعات أو ثنائيات الخير ضد الشر يتم تشتيتها فلا يملك الفيلم شريرًا متميزًا أو يملك دوافع حقيقية لما يفعله.

موسى يخلق الفوضى في شوارع المدينة
موسى يخلق الفوضى في شوارع المدينة

من يمثل الشر؟

يقدم الفيلم حوالي ثلاثة أشرار أولهما شخصية (محمد جمعة) النسيب الموتور، ثم الشرير الرئيسي أو العائق أمام البطل فارس نصار (إياد نصار) أستاذ في كلية الهندسة، ثم رجل الأعمال (صبري فواز) الشرير الثري والد الفتاة، لا يعلم صناع الفيلم ماذا يفعلون بكل تلك الشخصيات فينهزم الأول ويختفي دوره، ثم يتعمق الفيلم في سرد قصة الدكتور فارس نصار حتى ينسى قصة الفيلم الأساسية وأبطاله، يقدم الفيلم عدة تبريرات ودوافع لعنف الدكتور وكرهه الشديد ليحيى وموسى لكن يصعب الاقتناع بأي منها لعدة أسباب، أولها عدم منطقية عمل نصار مع الشرطة بذلك التعمق، فبينما يقدم ميمي كعادته الداخلية بشكل سينمائي خيالي يكرر ضباطها على مسامع المتهمين أنهم لا يستخدمون العنف وأنهم في غاية المهنية والنظام، فإنه يستعيض عن ذلك بعمل الأستاذ الجامعي كمحقق عنيف بمباركة الداخلية، لكنهم لا يعلمون بالطبع مدى وحشيته أو تحيزه ضد المتهم، يحتجز الأستاذ تلميذه في مبنى مهجور يضربه ويعذبه ويؤذيه لفظيًا وبدنيًا، فقط لكي يخلق ميمي مشهدًا موازيًا لمشاهد التحقيقات في الأفلام الأمريكية لكن دون أن يورط الداخلية في أي أعمال عنف.

إياد نصار في دور فارس نصار

في مبرر آخر لأفعال نصار كشرير يخلق الفيلم معضلة تتعلق بحزنه الشديد بسبب مرض ابنه، يعاني أستاذ
الجامعة أرقًا شديدًا بسبب قلقه الدائم وبحثه عن علاج لمرض غير مسمى، يريد أن يجني أموالاً كافية لكي يسافر مع طفله للخارج فيحصل على العلاج الأنسب، إذن ربما الأموال هي سبب ذلك الثأر والعنف، تنفي القصة ذلك حينما تضيف بعدًا شخصيًا آخر، يذكر نصار أن والده استشهد في عملية إرهابية وأنه لطالما أراد أن يصبح ضابط شرطة لكنه جبن واختار التدريس، فمن ضمن دوافعه تجنب مصير والده والانتقام من الإرهاب بأثر رجعي وممارسة دور الشرطة بشكل غير قانوني، يقحم الفيلم سببًا آخر لتلك القسوة وهي أن يحيى يتعالى على أستاذه نظرًا لذكائه وقدرته على حل المسائل الرياضية بشكل أكثر تطورًا، يطرده الأستاذ بعنف ويحمل في داخله غلاً حقيقيًا يصعب تحديد سببه، لكن كل تلك التفاصيل لا تجعل من شخصية فارس نصار شريرًا جيدًا ولا تجعل مبرراته كافية لتصرفاته أو حتى تملك الحد الأدنى من المنطق.

يزداد تشابك جانب الشر في الفيلم دون طائل حينما يظهر الشرير الثالث رجل الأعمال الشهير والذي يملك نوايا مجهولة تتعلق بموسى فهو يريد أن يصل إليه قبل الشرطة، ربما لاستخدامه كسلاح أو الاستفادة منه ماديًا، لكن دوره يتراجع ولا نرى مخططاته أو أي خيط قصصي متعلق به حتى يقرر فارس نصار أن يخون الداخلية ويتعاون معه ثم يخونه هو أيضًا.

تصبح ثنائية الخير والشر في الفيلم فوضوية لأبعد حد لأنه يريد أن يجرب كل أنماط الأشرار في فيلم واحد ثم ينهي مخططاتهم بسذاجة دون حتى صراع حقيقي مع البطل أو مواجهة بين موسى وبين تلك القوى المختلفة، المواجهات الوحيدة التي تحدث تكون مع قوات الشرطة ويتم تصويرها بشكل منظم ودرامي يوضح احتجاز بيتر ميمي لنفسه في تجربة مسلسل الاختيار، خاصة في طريقة محاربة قوات الشرطة لإرهاب لا يتواجد من الأساس في أحداث وفي إقحام خط قصصي يتعلق بالاستشهاد لا يضيف أي تطور في أحداث الفيلم.

مارفل أم بيكسار؟

يكمن الهدف الرئيسي من وجود فيلم موسى في تدشين نظير مصري لسلاسل الأبطال الخارقين، لذلك يبدو التأثر بسمات تلك الأفلام بارزًا ومتكررًا في الحبكات الرئيسية أو في طبيعة الشخصيات، لكن الفيلم يتعامل مع كل تلك المواد الخام التي يستقي منها أفكاره بسطحية شديدة تجعله أقرب لأفلام ديزني وبيكسار الموجهة لجمهور أصغر سنًا منه لأفلام مارفل أو حتى دي سي الأكثر قتامة التي يستعير منها الفيلم المناخ الموسيقي والإضاءة الخافتة، يشترك الفيلم مع أفلام مثل big hero 6 على سبيل المثال أكثر منه مع سبايدر مان أو باتمان، فيأتي دافع البطل لصناعة كيان خارق بسيط بل وطفولي، ففي حين أن big hero 6 استخدم الفقد والوحدة لكي يجعل بطله والكائن الذي صنعه ذوي ثقل عاطفي حقيقي، فإن دوافع يحيى لصناعة موسى لم تكن مكتملة، أخذت فرضية الفقد وفرغتها من تأثيرها، يفسر الفيلم اسم موسى بأن أم يحيى فقدت أخًا له بينما كان رضيعًا أو أثناء ولادته وكانت نيتها أن تسميه موسى، لا يملك يحيى رابطًا حقيقيًا مع هذا الأخ ولم يفقده أصلاً لأنه لم يعاصره لذلك لم تملك شخصية موسى ذلك التأثير كأخ بديل.

شخصية موسى الرجل الآلي

من العناصر المشابهة لأفلام الأطفال كذلك هي مواقع التصوير غير الواقعية وغير الملائمة لبيئة وطبيعة مكان مثل القاهرة، الكوخ المضاء بأنوار أشبه بالشموع في تأثيرها الذي يشبه كوخ ساعات والد بينوكيو Pinocchio أو منزل اختراعات والد الجميلة بيل في فيلم الجميلة والوحش beauty and the beast، بل إن علاقة يحيى بأبيه جاءت كارتونية كذلك، مماثلة لعلاقة بيل بأبيها وانعزالهما عن العالم لاختلافهما عن الآخرين الذين يرون ذكاءهما جنونًا، لا تضيف تلك التشابهات غنى للقصة أو تجعل الفيلم متعدد المصادر والمرجعيات بل تجعله أشبه بكولاج ضخم من الأنماط والأشكال تفقده تماسكه وصراعه الرئيسي وخصوصيته كأول فيلم أبطال خارقين مصري.

موسى تجربة سينمائية بسيطة على الرغم مما تدعيه من تعقيد، يملك لحظات جيدة قليلة خاصة فيما يتعلق ببعض التجارب الموسيقية للمؤلف خالد الكمار، لكن تغرقها الفوضوية وفقدان الاتجاه أو المعنى، يمكن للجمهور الأصغر سنًا التفاعل معه بشكل أكبر، لكن بيتر ميمي يملك الوقت والإمكانيات والدعم المادي الملائم لصناعة عالمه السينمائي المنتظر فربما إذا خف هوسه بالعالمية وركز على صناعة قصص نابعة من داخله سوف نرى إضافات أفضل للسلسلة.

موسى تجربة سينمائية بسيطة على الرغم مما تدعيه من تعقيد، يملك لحظات جيدة قليلة خاصة فيما يتعلق ببعض التجارب الموسيقية للمؤلف خالد الكمار، لكن تغرقها الفوضوية وفقدان الاتجاه أو المعنى، يمكن للجمهور الأصغر سنًا التفاعل معه بشكل أكبر، لكن بيتر ميمي يملك الوقت والإمكانيات والدعم المادي الملائم لصناعة عالمه السينمائي المنتظر فربما إذا خف هوسه بالعالمية وركز على صناعة قصص نابعة من داخله سوف نرى إضافات أفضل للسلسلة.