في الأوقات التي يغمرنا فيها الكسل ونبتعد بسببها عن مشاهدة الأفلام لوقتٍ طويل لا نستطيع أن نكسر جبل الجليد بيننا وبينها مرةً أخرى إلا من خلال الأفلام القصيرة نسبيًّا، والتي نعتبرها سُلمًا للانصهار مع العادة القديمة ثانيةً، لكن ليس هذا فقط ما يجعلنا نبحث عن الأفلام القصيرة، فأحيانًا لا يتسع الوقت لفيلم طويل، ولأن مشاهدة الأفلام على مراحل متعددة أمر غير محبب فاللجوء حينها لمشاهدة الأفلام القصيرة أمر منطقي.

كان هذا هو الهدف من هذه القائمة، أن تشاهد فيلمًا جيدًا حتى في الأوقات التي قد لا تسمح بذلك، ولكننا بعد ذلك قررنا أن نرشح بعض الأفلام التي يجب مشاهدتها وقطع السبل إليها لجودتها، لا للوقت ولا للكسل، لذا نعتبر أن كل فيلم من الأفلام التي سنذكرها من الأفلام المهمة في تاريخ السينما، ومن النوافذ التي تطل على عالم أوسع، والتي بالطبع تضمن لك الحصول على جرعة مكثفة من المتعة، والكثير من الأسئلة الفلسفية المهمة.

1. Persona

يحمل الفنان العديد من الهموم التي تؤرقه، فيحاول التعبير عنها من خلال فنه، لعل فضح ما يقض مضجعه أمامنا يخفف عن عاتقه، ويبدو أن الهموم التي حملها برجمان أثناء كتابة هذا الفيلم وهو يتعافى من الالتهاب الرئوي كانت كثيرة للغاية، يبدأ الفيلم معنا بمشاهد متتالية عنيفة، ثم يظهر طفل صغير أمامه شاشة وتبدأ حينها الأحداث الرئيسية للفيلم، تدور الأحداث حول الممثلة الشهيرة إليزابيث فوجلر التي تذهب طواعيةً لحرم الصمت، والممرضة الصغيرة قليلة الخبرة إلما؛ في أحد الأيام كانت الممثلة إليزابيث تقف على المسرح، بلا مقدمات توقفت عن الكلام، كانت ترى أن كل الأشياء كذب فصمتت حتى لا تكذب، صمتت اعتراضًا، وصمتت لأنها لا تريد أن تشارك في الحياة حتى بالكلمة، بعد هذه الحادثة تنقل الممثلة إلى مشفى تتعرف فيه على إلما الممرضة صاحبة الخامسة والعشرين عامًا، وينصح الطبيب الممثلة أن تذهب إلى منزل على شاطئ البحر لأنه سيساهم في رحلة علاجها.

في منزل البحر نعيش قصة إليزابيث التي قررت أن تصمت لا لمشكلة عقلية ولكن كردة فعل فلسفية تجاه الحياة، ونرى إلما المُمرضة التي تجد الممثلة أمامها صامتة فتلجأ هي للكلام، تتكلم حتى تفضح أكثر أمورها سرية، وتتقدم الأحداث حتى نرى كل واحدة فيهما تذوب في الأخرى، ومن خلال هذه الأحداث يبدأ برجمان مناقشة الكثير من الأمور، بعضها فلسفات كبرى عن الحياة والوجود، والبعض الآخر عن حياتنا اليومية، فنجده يتحدث عن الأمومة، وعن المرأة، وعن الحروب، وغيرها، للفيلم مستويات عديدة، ويمكن أن نتابع مستوى واحدًا عند كل مشاهدة، وفي كل مرة سنخرج بأشياء لم نخرج بها في المرة الأولى.

تم إصدار الفيلم السويدي عام 1966، والفيلم من إخراج وكتابة إنجمار برجمان، ومن بطولة ليف أولمان، وبيبي أندرسون، كتب برجمان الفيلم أثناء تعافيه من الالتهاب الرئوي، استمرت كتابة الفيلم 9 أسابيع، وبعد وضوح خطوط الفيلم وفلسفته، تحدث برجمان مع المخرج «كين فانت» طالبًا منه تمويل هذا الفيلم، وبالفعل لم يجد فانت أن الفيلم يحتاج إلى ميزانية كبيرة فوافق، ويرى برجمان أن هذا الفيلم قد أنقذ حياته، وذلك لأنه ذهب فيه إلى أكثر مما يريد، ولم يضع أي اعتبارات تجارية في حسابه، ومع هذه الحرية التامة التي جعلت الفيلم مشحونًا بالفلسفة فإن الفيلم يعتبر من أشهر وأنجح أفلام برجمان إلى الآن.

2. Run Lola Run

في بداية الفيلم يرن هاتف لولا، ترفع السماعة، فتجد حبيبها ماني خائفًا ومتوترًا، يتحدث عن كارثة حدثت له، وحينما تُلح لولا عليه لتفهم ما حدث، يخبرها ماني أنه أضاع حقيبة بها 100 ألف مارك ألماني، وأمام لولا 20 دقيقة حتى تجد هذا المبلغ الضخم من المال وتساعد حبيبها، قبل أن يقتله تاجر المخدرات روني لإضاعته المال، تتوالى أحداث الفيلم بالطريقة المألوفة المعتادة، لكن عند نهاية أحداث القصة نذهب لمشهد الهاتف مرة ثانية وتبدأ الأحداث من جديد، وهذه المرة تحدث تغيرات طفيفة للغاية لكن هذه التغيرات تحدث تغيرات كبيرة في القصة وفي حياة الناس الذين قابلتهم لولا في هذا اليوم، ومع نهاية الأحداث هذه المرة بشكل مختلف، يبدأ الفيلم لثالث مرة بتغيرات طفيفة ونهاية مختلفة كليًّا.

تم إصدار الفيلم الألماني عام 1998، والفيلم من إخراج وكتابة توم تيكوير، ومن بطولة فرانكا بوتينتي، وموريتز بلايبتروي. قدم المخرج توم تيكوير في هذا الفيلم أقصى ما يستطيع المخرج أن يقدمه لأفلامه، نرى أثر الفراش، وكيف يمكن لرفرفة بسيطة أن تسبب إعصارًا في مكان آخر، وعلى الرغم من أن الفيلم من أفلام الجريمة والإثارة، إلى أننا يمكن أن نذهب به إلى أكثر من ذلك فلسفيًّا، بل يمكن اعتبار أن لولا هي الحياة، وأثناء ركضها تتغير الأشياء حولها، أحيانًا بطريقة جيدة، وأحيانًا بطريقة سيئة، بناءً على متغيرات طفيفة والكثير من الصدف؛ ومع أن الفيلم يقوم بتكرار بعض الأحداث إلا أن هذا لم يسمح للملل بالتسلل إلى أحداثه أبدًا، فإخراج الفيلم وطريقة عمل المونتاج كانا على درجة كبيرة من التميز والتفرد، وساهما وحدهما في خلق إثارة ومتعة كبيرة.

3. Following

تم إصدار الفيلم عام 1998، والفيلم هو أول أفلام المخرج كريستوفر نولان، تم إصداره  في كندا ثم انتقل به المخرج إلى أمريكا بعد ذلك لينتشر على نطاق أوسع، الفيلم من بطولة جون نولان، وجيريمي ثيوبالد، وآلكس هاو، ولوسي راسل؛ لم تتخطَّ ميزانية الفيلم ستة آلاف دولار، وهي تكلفة مُعدات وأدوات التصوير، وعلى الرغم من عملية الإنتاج البسيطة، إلا أن الفيلم شهد نجاحًا كبيرًا، وساهم في تشكل حياة صاحبه المهنية والفنية، والعناصر الرئيسية فيه هي التي نراها في أفلام نولان بعد ذلك.

يحكي الفيلم قصة كاتب شاب يعيش في زحام لندن يقرر أن يتتبع أفراد بعينهم في هذا الزحام، لعل هؤلاء الأفراد يصبحون مادة جيدة للكتابة عنها بعد ذلك، يضع الشاب لنفسه عدة قواعد حتى لا يلحقه الضرر من عملية متابعة الغرباء، لكننا نجد أن هذه القواعد تُكسر بسرعة، وسرعان ما يجد نفسه مع غريب من الغرباء على وجه الخصوص، هذا الغريب هو كوب، وقد لاحظ كوب أن الكاتب يتابعه، فذهب إليه مباشرة ليحدثه في الأمر، مع تتابع الأحداث نعرف أن كوب لص، لكنه لا يسرق بالشكل التقليدي، يمكن اعتباره سارقًا صاحب نظرة فلسفية، يسرق أشياء معينة، بعضها للتسلية، وبعضها للبيع، وبعض الأشياء يسرقها حتى يشعر أصحابها بأهميتها، عرض كوب على الكاتب أن يذهب معه، وبالفعل وافق الكاتب، فهو في المقام الأول يريد رؤية حياة الناس وتفاصيلها عن قرب، وهذا ما نجده خلال الفيلم، الدخول في حيوات الغرباء، وتستمر الأحداث هكذا حتى يجد الشاب الكاتب نفسه يحب امرأة كان يسرق منزلها من عدة أيام، وبسبب اهتمامه بها وحبه لها، تخبره أنها تحتاج إلى صورٍ لها من مكتب رجل مهم حتى لا يبتزها، يقرر الشاب استخدام ما تعلمه من السرقة وجلب الصور، لكن تأخذ الأحداث منحى غير متوقع تمامًا، وتأتي حبكة من الحبكات الصادمة التي يتميز بها نولان منذ دخوله عالم السينما.

4. Children of Heaven 

الفيلم من إنتاج عام 1997، ومن إخراج وكتابة مجيد مجيدي، ومن بطولة أمير فاروق هاشميان، ومحمد أمير ناجي، وبهاري صدقي، والفيلم إيراني ناطق بالفارسية، وقد فاز الفيلم بجائزة فينكس كريستال في مهرجان الفجر السينمائي الدولي، كما ترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، ورُشح أيضًا لجائزة مهرجان كان.

وتدور أحداثه مع علي وأخته زهرة، في بداية الفيلم يذهب علي لشراء حاجات المنزل، ولإصلاح حذاء أخته زهرة، ولكن نرى بعد ذلك أن علي يفقد حذاء أخته، ولا يعود للمنزل حتى بخُفي حُنين، ضاع الحذاء الوحيد الذي تمتلكه زهرة، وشراء حذاء في هذا المنزل أمر جلل، فالأب لا يملك المال، وإذا عرف ما حدث فسيضرب علي، لذلك نجد علي، وهو يحاول إقناع أخته بعدم مصارحة والدها بما حدث.

عند هذه النقطة يقع الطفلان في مشكلة كبيرة، وهي أن عدم الإفصاح بما حدث لا يترك أمامهما إلى أن يواجها الحياة بحذاء واحد فقط، وهو الحذاء المُهترئ الذي ينتعله علي، وبالفعل تبدأ معنا رحلة الفيلم من هنا، من حياة الطفلين اللذان يواجهان الحياة بحذاء واحد، وهذا الحذاء يُلخص به الفيلم مشكلة الفقر المُدقع الذي تعيشه هذه العائلة، حتى إن مشهد ظهور الأبنية الضخمة والسيارات في منتصف الفيلم، مشهد كافٍ لتنفس الصعداء وتنسم الراحة، فالتنقل من الأزقة للواجهات الحديثة قال كل شيء عن حياة هذه المدينة. مع تطور الأحداث نجد انتباه زهرة المتزايد تجاه الأحذية، كما نجد علي وهو يحاول التخفيف عنها قدر المستطاع، وعلى الرغم من قسوة الفيلم، إلا أن سرده السوداوي يتخلله الكثير من اللطف والحياة، ففي النهاية أبطال الفيلم أطفال، وفي أحلك الظروف يُمكن استخدامهم لتخفيف حدة المشهد وتغير إيقاعه، وهذا ما حدث بالفعل، باستخدام بعض النباتات والأسماك والابتسامات البريئة، تخللت اللاحياة، حياة.

5. A Short Film About Love

الفيلم من إنتاج عام 1988، ومن إخراج كرزيستوف كيسلوفسكي، وقد شاركه في كتابة الفيلم كريستوفر بيسيفيتش، والفيلم من بطولة أولاف لوبازينكو، وجرازينا زابولوسكا.

تتناول قصة الفيلم الحب العذري من منظور فلسفي، تحاول الأحداث أن تطرح علينا أسئلة بخصوص الحب، متى يبدأ؟ ومتى ينتهي؟ وما الذي يريده الحبيب بعد أن يعرف أنه وقع ضحية للحب؟ هل ما يريده هو الجنس وجسد من أمامه؟ أم يريد أن يظل الحب هكذا طاهرًا، وبريئًا وملائكيًّا، وهل تُفسد الشهوة نقاء الحب في المقام الأول وتنتزع منه جوهره أم أنها تكمله ليس إلا؟ 

من خلال توميك وماجدة تُعالج هذه الأسئلة في الفيلم. يعمل توميك في مكتب بريد، ويعيش مع والدة صديقه الذي جُنِّدَ في سوريا، ونجد في بداية الأحداث أن توميك يُراقب جارته ماجدة التي تبعد عنه عدة بنايات من خلال تلسكوب صغير استطاع أن يسرقه، مع مرور الوقت نعرف أن هذه المراقبة ليست بغرض الفضول، أو التلصص، وإنما لأنه يحب ماجدة، وهذا الحب الذي يبدأ صغيرًا في هذه الغرفة، يستفحل مع الوقت ويدخل في تفاصيل حياة ماجدة من بعيد، ودون أن يترك لها فرصة لتلاحظه، على الجانب الآخر من القصة نجد ماجدة التي لا تعترف بالحب من الأساس، ولا تعرف غير شهوة الجسد، وترى أن الإنسان لا يريد أن يصل من الحب لشيء غير شهوته، وفي أحد المشاهد تقول ماجدة صراحة أن الحب هو الشهوة وبزوالها يزول الحب، فماذا سيحدث إذا اجتمع النقيضان معًا؟

6. Toy Story

الفيلم الكرتوني من إنتاج شركة ديزني عام 1995، ومن تصميم شركة بيكسار، ويعتبر هذا الفيلم من الأفلام الثورية في عالم الرسوم المتحركة لأنه الفيلم الأول الذي استطاع الإنسان أن يصنعه بأكمله على الحاسوب، لكن لم أضع هذا الفيلم في هذه القائمة بسبب التفاصيل التقنية، ولكن لجودته من الناحية الفنية. تتناول قصة الفيلم حياة الطفل أندي وألعابه، فتارة نعيش مع أندي، وتارةً أخرى نعيش في عالم الألعاب الزاخر بالحركة والألوان، والألعاب في هذا الفيلم تعيش وتفكر وتتحرك كالبشر، غير أن هدفها الذي تعيش من أجله مختلف عن الأسباب التي نعيش من أجلها.

ترى الألعاب أن أهم ما قد يحدث هو أن يلعب بها أندي، وأن يكون سعيدًا بذلك، لكن هذا الهدف لا يكتمل إلا إذا لعب أندي بالألعاب التي يمتلكها نفسها، فهدف كل لعبة أن تكون هي محط الاهتمام، ومصدر السعادة لصاحبها، فإذا فقدت هذه الميزة، أو فقد الطفل الشغف بها أصبحت بلا قيمة، وقد تُلقى في المهملات، أو تخزن مع الأشياء القديمة، لذلك تحاول كل لعبة أن تحافظ على مكانتها، ولا يعد هذا الأمر صعبًا إلا في أيام أعياد الميلاد، ففيها يُهادى الطفل بعشرات الهدايا والألعاب، وفيهم ما قد يشغله عن ألعابه القديمة، وهذا بالفعل ما يحدث في بداية الفيلم، حينما يظهر في حياة أندي «Buzz Lightyear»، وهي اللعبة التي سيحبها كثيرًا، وهذه اللعبة نفسها لا تعيش بفلسفة باقي الألعاب، بل لا تعتقد أنها لعبة من الأساس، بل يعتقد باظ أنه رائد فضاء، ومن خلال تقدم الوقت تتضافر الأحداث بين اللعبة الجديدة باظ، وبين الألعاب القديمة، وبين أندي نفسه، لتصنع لنا واحدة من أجمل المغامرات الكرتونية وألطفها.

وهكذا نكون قد انتهينا من عرض أفلام هذه القائمة، التي وكما قلنا، حرصنا فيها أن تكون منوعة قدر الإمكان، وأن تشمل أفلامًا مختلفة، ومهمة، بل لاحظنا عند الانتهاء منها أن كل فيلم ينتمي لدولة مختلفة ولم نكن نقصد ذلك أثناء الاختيار، لكن على أي حال فهذا يخدم التنوع المنشود.