أثارت الخطوة المفاجئة التي قام بها حزب الله بدعوته وكالات الأنباء المحلية والدولية لجولة صحفية على الحدود مع إسرائيل , والتي أظهرت تمركزا لقواته في مناطق حدودية ومراقبته للتطورات العسكرية والإجراءات الدفاعية ومنظومات المراقبة والتجسس التي تنشرها الدولة العبرية ردود فعل مختلفة، حيث وصفت أطراف سياسية لبنانية ما حدث بالخطأ الإستراتيجي وحملت الحكومة مسئولية التصرف.

الجيش وحده المكلف بحماية الحدود ويدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها
سعد الحريري – رئيس الحكومة اللبنانية

في المقابل لم يتأخر رئيس الحكومة سعد الحريري بالرد، حيث قام في اليوم التالي بإلغاء برنامجه والتوجه إلى نفس الحدود رفقة وزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش جوزيف عون للقيام بجولة زار خلالها قوات حفظ السلام (اليونيفيل)، مؤكدا أن الدولة وحدها هي المسئولة عن حفظ الحدود والمحافظة على الأمن، وأن لبنان ملتزم بالقرار الأممي رقم 1701 الذي يمنع تواجد قوات حزب الله في تلك المنطقة.

وينص القرار 1701 على:

تبني مجلس الأمن الدولي بالإجماع في أغسطس/آب من العام 2006 القرار 1701 الذي يدعو إلي وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان، ويطالب حزب الله بالوقف الفوري لهجماته وإسرائيل بوقف عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من جنوب لبنان. كما يطالب القرار الحكومة اللبنانية بنشر قواتها المسلحة في جنوب البلاد بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل)، وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق (الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان من جهة أخرى).

أي رسائل أرادها حزب الله من تلك الجولة؟

حزب الله
مقاتلون من «حزب الله» اللبناني

يري المحللون أنه ثمة رسائل عدة داخلية وخارجية أراد حزب الله إيصالها من تلك الجولة غير المعتادة، الرسالة المقروءة مباشرة هي لإسرائيل ومفادها ما جاء على لسان مسئول الإعلام المركزي بالحزب محمد عفيف أنه رغم استبعاد حدوث حرب وشيكة فإن حزب الله على أتم استعداد للمواجهة، وأنه يرصد جيدا ما يتم على الجبهة المقابلة.

لكن ثمة رسائل أخرى لا يمكن تجاهلها، منها ما ذهب إليه المحلل السياسي طوني فرنسيس أنه لا يمكن عزل خطوة الحزب عما يجري في المنطقة من تصعيد سياسي متبادل بين الولايات المتحدة وإيران، معتبرا أن الحزب أراد -نيابة عن إيران- توجيه رسالة عبر الخاصرة الرخوة التي توجع أمريكا في المنطقة وهي إسرائيل.

كما أن ثمة رسالة بالغة الأهمية يحاول الحزب توجيهها للداخل اللبناني ولجمهوره تحمل عدة مضامين تتمثل في أن الانغماس في الأزمة السورية ليس بديلا عن الصراع الإسرائيلي الذي يستمد حزب الله شرعية سلاحه منه باعتباره الهم الأساسي له.

كذلك يريد الحزب تحدي القرار الأممي 1701 بدعوى خرق إسرائيل له مرارا، محاولا من خلال ذلك إيصال رسالة مفادها أن الحزب هو المتحكم في الضاحية الجنوبية، وبإمكانه في ظل رئاسة عون التحرك كما يحلو له دون تنسيق مع حكومة الحريري التي على ما يبدو رفضت الظهور بموقف ضعيف أمام تلك الخطوة الاستفزازية، وأعلنت قولا وفعلا الوقوف ضدها.


هل سلم الحريري لبنان لحزب الله بتوافقه مع عون؟

سعد الحريري – رئيس الحكومة اللبنانية

بهذه الكلمات حاول الحريري في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تبرير استسلامه لصالح فرض حزب الله حليفه الماروني العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، حيث لم ينجح تيار المستقبل في ترجيح كفة سمير جعجع أو أمين الجميل أو حتي التوافق على سليمان فرنجية أمام تحلي الطرف المقابل بالتحدي والجمود على خيار واحد هو رجل التوازنات ميشال عون، الذي أجبر الجميع على القبول به حلا للشغور الرئاسي الذي امتد لعامين ونصف.

تخلي الحريري عن الخصومة السياسية مع عون الذي لطالما وصف من قبل تيار المستقبل بكونه أداة إيرانية حتى أن وزير العدل السابق أشرف ريفي تمسك برفض هذه الخطوة، معلنا أن من شأنها تسليم البلاد لطهران.

وكذلك تخلي عون عن اتهاماته السابقة للحريري بالفساد فيما بدا انقلابا في مواقف الطرفين وتحالف اضطراري لإخراج البلاد من وضعية اقتصادية صعبة وانسداد سياسي بلا أفق، ليبادر الحريري ومعه سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية بالتنازل عن موقفيهما أمام ما سماه جعجع مسارا إجباريا للخروج من الوضع الذي كانت تمر به لبنان.

لم يعبر موقف الريفي عن استثناء، بل جاء منسجما مع تخوف الشارع السني من هذه المغامرة التي قام بها زعيم تيار المستقبل، حيث كان لفؤاد السنيورة رئيس الكتلة النيابية لتيار المستقبل موقفا مشابها بإعلانه الوقوف ضد ترشيح عون.

لم يكن رفض ترشيح عون موقفا سنيا فقط، فقد أعلن زعيم حركة أمل الشيعية ورئيس مجلس النواب نبيه بري عن تأكيد رفضه لترشيح العماد عون رغم كونه جزءا من التحالف الذي يضم عون وحزب الله، وهو ما أملى على الحزب القيام بمحاولات لتقريب المسافات بينهما.

إلا أنه مع تلك الصعوبات نجح التنازل الذي قدمه الحريري وجعجع ثم لاحقا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تمرير انتخاب الميشال عون ووصوله إلي قصر بعبدا ليكون الرئيس رقم 13 في تاريخ الجمهورية اللبنانية، حيث حصد أصوات 83 نائبا مقابل 36 ورقة بيضاء و7 ورقات ملغاة في الجلسة رقم 46 لانتخاب رئيس منذ العام 2014.

لم يكن استسلام الحريري بلا مقابل، حيث سرعان ما عاد لتولى رئاسة الحكومة، بالإضافة إلى تعهد الرئيس عون بالالتزام بحياد الدولة من الأزمة السورية رغم تأييده للنظام السوري، إلا أن هذا التنازل من تيار المستقبل دون اتفاقات واضحة حول القضايا الشائكة والتي يعترف الحريري باختلاف جذري في وجهات النظر حولها فتح الباب أمام صراعات سرعان ما بدأت تلوح في الأفق داخل منظومة الحكم كونها لا تتمتع بالتجانس المطلوب.


سلاح حزب الله: أجندة وطنية أم أداة إيرانية؟

الوضع اليوم أخطر بكثير مما هو ظاهر وعدنا نسمع خطابا يمكن أن يؤدي لحرب أهلية.
طالما في أرض محتلة من إسرائيل وطالما الجيش اللبناني ليس قويا كفاية ليحارب إسرائيل ليقف بوجهها، أكيد نحن نشعر بضرورة وجوده، وهو مكمل للجيش اللبناني وليس يتناقض معه.
الرئيس ميشال عون عن حزب الله – حوار مع قناة CBC المصرية

كرر الرئيس عون التعبير عن موقفه الداعم لحزب الله، معتبرًا أنه يمثل سكان الجنوب الذين يواجهون الخطر الإسرائيلي إذا تكرر اجتياح الضاحية الجنوبية من لبنان، ومرجعا الفضل في الانسحاب الإسرائيلي إلى قواته، معتبرا أنه لا يناقض مشروع الدولة الوطنية، بل هو جزء منها.

في المقابل لم يفوت الحريري الفرصة ليؤكد من القاهرة أيضا أن تيار المستقبل يرفض سلاح حزب الله، ويعتبره موضوعا خلافيا بين أطراف الحكومة، طارحا إياه للنقاش المجتمعي والسياسي.

سلاح حزب الله هو محل تباين وخلاف في وجهات النظر بين اللبنانيين، وهو مع الأسف يشكل عنصرا أساسيا من عناصر الانقسام الوطني وضعف الدولة.
سعد الحريري – الأهرام المصرية

هكذا يحاول حزب الله، وبضوء أخضر من الرئيس ميشال عون، فرض أجندته على الحكومة فيما تبدو مساعي رئيس الحكومة الحريري كردود فعل غير كافية لتحقيق ما يقول عنه بناء الدولة وسيادة النظام.

ويبدو المشهد السياسي في لبنان بعد أشهر قليلة من النجاح بصعوبة بالغة في انتخاب رئيس وملء الشغور الحكومي مرشحا لمزيد من التجاذبات بين مكونات التحالف الحكومي التي تحمل وجهات نظر متناقضة وتعبر عن مصالح متضاربة.