نتابع أخبارهما وكأننا نعيش في أحداث سلسلة قصص مصورة هزلية من عالم الأبطال الخارقين، حيث معارك جديدة كل قصة بين عدوين لدودين، وكلاهما يدعيان أنهما يمثّلان جانب الخير، ولكن المُحصلة النهائية لمعاركهما يخلقان الدمار في المدينة، فلا يمكنك آنذاك أن تعرف من البطل الطيب ومن البطل الشرير لو ألقيت نظرة على خرائب ما بعد المعركة، فقط الفوضى والمباني المُدمَرة التي يتصاعد من بقاياها الدخان.

ورغم أن الدمار في التشبيه قد لا يتسق في الحقيقة مع آثار معارك إيلون ماسك ومارك زوكربيرج؛ فإن القطبية، والتنافسية –إلى حدّ الهزلية أحياناً- بينهما اليوم خرجت من ساحات التنافس التكنولوجي والتسابق إلى قمة أسواق التكنولوجيا؛ إلى إعلان تحديات القتال الفعلي باليدين، بل وحتى الضربات الرخيصة تحت الحزام بسرقة الأفكار واستنساخها في المنصات، فيقف اليوم كل من زوكربيرج وماسك على قمة الفضاء الافتراضي يصرخان في العالم أجمع: نحن سادة الأوليمب الرقمي؛ هل من صوت أهم منا اليوم؟ والعالم في أسفل الأوليمب يراقبهما يغيران العالم يميناً ويساراً.

الفتى العبقري الذي اختار لعبة النفوذ

لم يكن يتوقع طبيب الأسنان اليهودي إدوارد زوكربيرج وهو يختار أحد ضواحي نيويورك الهادئة مقراً لأسرته الصغيرة، أن هذه الضاحية «وايت بلينس» سوف تشهد أولى علامات نبوغ ولده الصغير «مارك»، الذي نجح في صنع أول برمجية له وهو لم يتخطَّ سن الثانية عشر بعد، بهدف مساعدة والده في تنظيم ملفات زبائن عيادة الأسنان الخاصة به وأسماه Zucknet بجوار تطويره مجموعة من الألعاب الإلكترونية قبل بلوغه سن العشرين، وهو ما يعني لأي أب يعرف قيمة التعليم أن الصغير لديه مواهب كبيرة يمكنه استثمارها برعايته؛ ولكن الذي لم يكن يدر بخُلد الأب آنذاك؛ أن هذا الصغير سوف يختار لنفسه لعبة أخرى تماماً، لعبة سيحتل فيها قطبية العالم الرقمي يوماً ما، وسوف تتخطى شهرته الكثيرين ممن هم ربما أكبر إنجازاً منه على أصعدة أخرى، بل وأن الصغير العبقري قد يشارك يوماً ما في صناعة المستقبل، ويدفع كل يوم بأدوات تقنية جديدة تغير العالم الرقمي، وسيفرض قوانينه وشروطه على مرتادي الإنترنت كأحد سادته بالفعل.

خرج إلى العالم خبر وقت كتابة هذا المقال يفيد بأن ميتا المملوكة لزوكربيرج تحدّت القوانين واللوائح في كندا، ورفضت ما اعتبرته «ليّ ذراعها» أو ابتزازها مادياً بأن منعت منشورات كل صفحات منصات مواقع ومحطات الأخبار في إعلام الاتجاه السائد من الظهور للمستخدمين؛ على إثر قرار الحكومة الكندية بإلزام الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي ومواقع البحث مثل فيسبوك وجوجل وإنستجرام وغيرهم بدفع مقابل مادي لقاء نشر مقالاتهم ومقاطعهم المصورة على هذه المنصات، ولكن كان رد ميتا حازماً بأن ما يجب أن يحدث هو العكس، أن تدفع مواقع وقنوات الإعلام لمنصات السوشيال ميديا مقابل «الخدمة الكبيرة» التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي في المساهمة في انتشار هذه القنوات والمواقع الإخبارية من خلال ظهورها بين تحديثات المستخدمين.

وكانت الحكومة الكندية قد أقرت هذا القانون مؤخراً بعد أن اعترضت الشركات والقنوات الإعلامية على تربّح ميتا من الإعلانات التي تُظهرها على صفحات هذه القنوات والمواقع، وطالبت ميتا بالدفع مقابل عرض الإعلانات على منشوراتها. وعليه قامت ميتا بأخذ القرار بأن هذه المواقع والقنوات سيُحجب أي منشور لها من الظهور للمستخدم، ولكن لن تُمنع آلية النشر ذاتها.

وهنا قد يبدو خبراً عادياً في عالم أصبحت فيه اليوم الكلمة العُليا في الإعلام الرقمي لمنصات التواصل الاجتماعي، ولكن بتأمل قصير تدرك أننا اليوم أمام نوع غير بسيط من ممارسات القوة والنفوذ الإعلامي إلى حد تقزّم مؤسسات دولة بأكملها ومؤسسات إعلام الاتجاه السائد فيها أمام الفتى المشاغب الثري الذي مدّ يده وأغلق بكل بساطة قابس توصيل المستخدم الكندي بمصادر أخباره التي تشكل معارفه اليومية وتحديثاته وحتى تشكيل أفكاره، أو ليس في هذا المثال تحدٍ صارخ لسطوة الإعلام والدولة في كندا؟ بلى، ولكن كما يقول التعبير الدارج في ثقافة السيد الغربي الأبيض في بلاد الأمريكان: «هذه ليست أول منازلة في حلبة الثيران».

لا يسار ولا حقوق.. المال فقط!

استغرب بعض المحللين ومتابعي الوسط التقني السياسي هذا الإجراء وتفاجأ به آخرون واعتبروه كارثة بحق الديمقراطية، وتفسير هذا ببساطة يعود إلى اعتياد نظر الإعلام السياسي الغربي إلى فيسبوك – أكبر منصات ميتا وأشهرها – باعتباره منصة ذات توجه يساري ليبرالي حقوقي بخاصة في العقد الأخير، بل وأصبح من الثوابت أن يشارك فيسبوك في الحياة السياسية ويدعم بعض التوجهات والآراء علانية حتى ولو بإجراءات تعسفية تكاد تكون ديكتاتورية، بل وصار من السهل اليوم أن يخبرك المستخدم العادي عن «سياسات وشروط وأحكام» فيسبوك التي تحجب أي منشورات تخالف سياستها، بداية من التنمر وما سموه خطاب الكراهية؛ إلى أي منشورات تدعم قضايا تتعمد دفنها التي لا تشكل أولوية للغرب أو يتفق تجاهلها مع أجندتها مثل معاناة المسلمين في الصين والعنصرية ضدهم في الهند والإبادة المتعمدة للاحتلال الإسرائيلي لأي شيء فلسطيني بجوار الانحياز التام للاحتلال الإسرائيلي بشكل تلقائي أعمى.

الآن الغرب – وكندا تحديداً باعتبارها الابنة المدللة للنُظم اليسارية وقبلة الليبرالية الحقوقية اليوم – يذوقان من نفس الكأس الذي عانى منه عالمنا العربي والإسلامي، فبيد أنه عندما نقترب من الأرباح والأموال؛ يكشرّ السيد زوكربيرج عن أنيابه ومخالبه حتى في وجه من دعمهم ودعموه سياسياً في آخر 12 عاماً أو أكثر، منذ أن انتشى زوكربيرج بأن موقعه فيسبوك كان عاملاً مساعداً مهماً في إشعال شرارة «الرغبة في الديمقراطية» التي ولدّت ثورات الربيع العربي ، وأسهم في إنجاح حملة «باراك أوباما» الديمقراطية الثانية عام 2012، نهاية بدعم الفصائل الأوكرانية القومية العنصرية المتشددة المعروفة باسم ميليشيات «آزوف» لمجرد أنها تقاتل بجوار الرئيس الأوكراني زيلينسكي ضد «شرير العالم» الحالي فلاديمير بوتين.

إذاً زوكربيرج اختار معسكر اليسار الديمقراطي ليس من أجل قناعات بأيديولوجية اليسار الحقوقي الداعم للأقليات والمدافع عن ضحايا العنصرية في كل زمان ومكان وبميزان أعمى يزن الحقوق كافة بذات الثقل؛ فعندما بدأت المؤسسات الإعلامية في بلد يساري بالكامل تقريباً في محاولة مشاركته جزءاً من أرباحه الخيالية، أغلق في وجوههم الأبواب بكل صلابة يملكها، وبكل شراسة يشبه وحشاً جائعاً للمال لا يوقفه شيء، وكما ذكرنا من قبل، ليست هذه منازلة مارك زوكربيرج الأولى في حلبة النفوذ وعبادة المال على حساب الجميع، فما زال الجميع يذكر وصمات زوكربيرج بداية من فضائح الاتجار في بيانات مستخدميه للتربح؛ إلى زوابع الإقالات وطرد الموظفين التعسفي.

وجهان وعملة واحدة… من اليسار إلى اليمين والعكس

ولكن كل ما ذُكر قد لا ينزع بالدرامية المناسبة قناع رائد التكنولوجيا/ الملياردير/ المؤثر عن وجه مارك زوكربيرج؛ بقَدر ما مزقت حواف القناع من على وجهه بالفعل اللكمات الافتراضية التي يستمر في تلقيها من غريمه اللدود، «إيلون ماسك» الذي لم يكن راغباً في الأساس في الدخول إلى أي صراعات مع زوكربيرج، بل كان بعيداً في عالمه الخاص يسخر من أقطاب التكنولوجيا ويوجه الإهانات المازحة عبر تغريداته التي تنتشر كالنار في الهشيم، وتغير قِيم مالية بل وتقلب أحياناً أسواق التداول جميعها بمجرد بضع كلمات يغردها، إلى أن جاء دور فتى ميتا الذهبي ليصعد إلى الحلبة أمام السيد ماسك، الذي قفز إلى «اليمين» وأشاح بذراعيه للعالم في تحدٍ علني، ممسكاً بجثة الطائر الأزرق الضئيل (تويتر) في تلويح رمزي بأنه رجل إنجاز وإدارة وليس رجل مشاعر يراعي حقوقية المنصة الأشهر في العالم.

لفترات طويلة ما قبل 2015 كان ماسك سيد السيارات الكهربائية (تسلا) ومُحرك أساطيل مركبات الفضاء (سبيس إكس) بعيداً بعض الشيء عن عوالم إعلام الديجيتال، وكان منتشياً عندما سماه بعض دراويش التكنولوجيا أنه هو «توني ستارك» الحقيقي بطل قصص Iron Man المصورة من عالم مارفل بملياراته وابتكاراته التكنولوجية المتقدمة، وكان يرى أن منافسيه الأقرب آنذاك هم ريتشارد برانسون صاحب Virgin العملاقة في مجال المركبات الطائرة والنقل الجوي، و«جيف بيزوس» باعتباره الأقرب إلى قمة هرم المال في العالم.

ولكن ماسك قدم للعالم مثالاً عجيباً على وجود شخصية الفتى الثري المدلل الذي افتتن بلعبة تويتر البرّاقة وحجم تأثيرها الكبير في عالم صناعة الرأي والتوجه الفكري السائد، بل وكان يصرح علانية بعض الأوقات أن تويتر واحد من مواقعه المفضلة وأنه قد يفكر يوماً ما في امتلاك هذه المنصة المؤثرة، بعدما وجد نجاحاً كبيراً لصيته كمؤثر بمجرد تغريدة بضع كلمات.

وبينما كان ماسك واحداً من النشطاء – على استحياء – في عالم السياسات الديمقراطية في عالم ما قبل حكم ترامب؛ لمح العالم تدريجياً تحول ماسك بنمط ثابت من اليسار الديمقراطي إلى اليمين المحافظ، بعدما تجرأ علانية وبدأ في انتقاد استعمار النشطاء الحقوقيين اليساريين لمنصة تويتر واستخدامها في ما يعرف باسم ثقافة الإلغاء Cancel Culture وتعرف أيضاً بثقافة «الصحوة» الراديكالية الآتية من مظلة «الصوابية السياسية»، التي تحولت إلى ذراع سياسي يطوح سيفاً يمزّق به بلا رحمة أي معارض لا يتفق معهم، أو أي شخص تعرض لمجرد اتهام بالإساءة إلى الأقليات أو النساء، وكانت مقولته الشهيرة في هذا الصدد أن رغبته في شراء تويتر قد يكون «سياسيًّا» بحتًا، وهو ما دلّ – من معاركه السابقة مع اليسار الحقوقي – على أن ماسك كان يرغب وبشدة في تغيير هذا الوضع السياسي اليساري، وتفكيك إحدى أبرز أدوات اليسار الرقمي ذات التأثير، وكان هذا يتزامن تصاعدياً مع دخوله عالم المنافسة في الإعلام الرقمي مع أحد أبرز أقطابها والداعمين ليسارها الديمقراطي: السيد زوكربيرج.

وهنا يمكننا أن نتوقف لوهلة لنتأمل القفزات العجيبة التي ذُكرت هنا؛ مارك زوكربيرج الذي يقفز من كرسي اليسار الحقوقي ودعم الديمقراطية وحقوق الأقليات إلى كرسي اليمين المانع لإظهار تحديثات منصات الإعلام الكندي الليبرالي عندما أتى ذكر مشاركة الأرباح؛ و إيلون ماسك الذي قفز من كرسي اليسار الديمقراطي إلى كرسيّ اليمين الذي يريد إخراس ضجيج النشطاء حيال أي شخص لا يتفق مع أجندتهم، ومحاولات إلغائه، ثم عرض -كما تابعنا وتابع العالم – على المشتركين الدفع مقابل الحصول على مزايا أكثر في تويتر مثل علامة التعريف الزرقاء، أو نشر مقاطع طويلة أو حتى رؤية تغريدات أكثر، وهنا كان المال يطل برأسه في خلفية المشهد أيضاً كما أطل في مشهد مارك زوكربيرج ذي القناع «الديكتاتوري» الأشبه بـ أيديولوجيات اليمين الراديكالي، فهل لمحت الوجهين على عملة واحدة؟ الأمر لا يحتاج إلى تمحيص.

اشتعال الحلبة.. من ثريدز إلى القتال بالأيدي

أما المناوشات بين القطبين فكانت قد بدأت قبل بضع سنوات ومرّت بجولات لم تُسمِع العالم أي قعقعات مدوّية، فعندما فشل إقلاع أحد صواريخ سبيس إكس المملوكة لماسك عام 2016 وتسبب هذا في تدمير أحد أقمار فيسبوك الصناعية -ما قبل دمج ميتا- وكان رد زوكربيرج آنذاك رسمياً لا يخلو من سكب ملح على الجرح بأن أعرب عن خيبة أمله من «فشل سبيس إكس» وأن القمر الصناعي الذي تدمّر كان سيوفر قدرة توصيلية كبيرة للعديد من الشركات الناشئة ورواد الأعمال، ولم يرد إيلون إلا بعد عامين عبر تغريدة ساخرة على طريقته الشهيرة: نعم كان هذا خطئي لكوني أحمق، فقد أعطيناهم إقلاعاً مجانياً، وأعتقد أنه كان لديهم تأمين.

وفي 2017 على إثر انتقاد ماسك للذكاء الاصطناعي وتحذير العالم منه وأنه يجب على العالم أن يضع محاذير وقيوداً على الذكاء الاصطناعي، وأنه سيمثل تهديداً وجوديًا للبشرية؛ رد زوكربيرج في بث مباشر على فيسبوك وقال ما مُلخصه أنه متفائل، ويعتقد أن الرافضين للذكاء الاصطناعي يحاولون «تضخيم سيناريو نهاية العالم» وأن هذا أمر سلبي بل وغير مسؤول، وجاء رد ماسك في لكمة افتراضية عبر تويتر: «لقد تحدثت مع مارك حول الأمر، فهمه للأمر محدود».

ثم ارتفعت حرارة الصدام بعد هذا تدريجياً بداية من انتقاد إيلون ماسك لفيسبوك ومالكه في أعقاب فضيحة بيع البيانات التي عرفت باسم كمبريدج أناليتيكا وقام بحذف صفحات شركاته تسلا وسبيس إكس من فيسبوك، وكعادته فعلها بأكبر قدر من التحقير من شأن فيسبوك عندما انتشر هاشتاج امسح فيسبوك وغرّده مؤسس واتساب السابق براين أكتون؛ رد ماسك: ما هو فيسبوك؟ فرد أحد متابعيه بسؤال إذا ما كان قد مسح صفحات مشروعاته من فيسبوك فأجاب: لم أدرك أنه هناك صفحات لي هناك من الأساس، ولكنني سأفعل.

وبعد هذه اللكمات الافتراضية، وإتمام صفقة تويتر الشهيرة، وتوالي التغيرات الضخمة التي وصفها البعض في المعسكر الليبرالي اليساري بأنها قتل وتدمير متعمد من ماسك لمنصة تويتر محاربة متعمدة منه للديمقراطية والليبرالية، وبدأت أغلب منصات الإعلام الغربي المحسوب على الأجندة الديمقراطية اليسارية في تمزيق سمعة ماسك وتركيز كل النقد الممكن لمحاربة هذه الخسارة الفادحة للـ«حريات» في العالم أجمع.

وهنا كان السيد زوكربيرج يبتسم لنفسه في انتصار عندما بزغت في رأسه الفكرة التي وضعت الصراع في ذروته: ابتكار منصة بديلة لتويتر الذي دمره ماسك أو بالأحرى استنساخ تويتر؛ وهو ما أثار حنق رجل الفضاء الحديد، وغرّد: «أنا متأكد أن كوكب الأرض لا يستطيع الانتظار للوقوع تحت رحمة زوكربيرج بلا أي خيار آخر».

ثم وصف الأمر على أنه سرقة وتقليد للموقع الأصلي الأكبر تأثيراً في العالم، وتخلل هذا الغضب عديد من التهديدات بالمقاضاة والتعبيرات النابية والسخرية البذيئة وصلت إلى حد دعوة إيلون ماسك غريمه لمسابقة لقياس طول أعضائهم التناسلية في رمزية بدائية لإثبات التفوق في العالم الذكوري.

وبينما أطلق زوكربيرج منصته الجديدة ثريدز والذي كان بالفعل إطلاقاً مدوياً خطف أبصار العالم حتى ممن هم غير مهتمين بالمعارك «التكنو-سياسية»، وحصد بالفعل منذ إطلاقه في 6 يوليو الماضي قرابة 120 مليون مستخدم حتى اليوم، وهو ما كان بدا كصوت الصفعة المدوية على وجه الغريم ولكن؛ يبدو أن صوت هذه الصفعة ذاب سريعاً وتحول فجأة إلى صوت آخر يشبه المؤثرات الصوتية الساخرة التي تنم عن الفشل، فبحسب آخر تحديث حول موقع ثريدز المستنسخ عن تويتر فأعداد مستخدميه تنخفض سريعاً وبشكل لا يبدو إلا كوميدياً، واستناداً إلى ما نشرته عديد من منصات التكنولوجيا في 5 أغسطس 2023 فقد انخفض معدل استخدام المنصة الجديدة بنسبة بلغت 82%.

وهو تسبب بالفعل الآن وأثناء كتابة هذه المقالة في توالي ظهور عديد من التحليلات التي تحاول جاهدة استقراء الأوضاع ومؤشرات الأداء للمنصة الوليدة التي احتفى بها كثيرون من أنصار الديمقراطية ورأوا فيها بديلاً لتويتر المأسوف عليه، و انتصاراً لحرية الرأي والتعبير، وعودة مأمولة لحملات الصياح الحقوقي الصوابي، وصفعة معنوية في وجه إيلون ماسك الذي أصبح تقريباً واحداً من أكثر الأشخاص الذي يتم الهجوم عليهم وتشويههم في المنصات الإعلامية ومواقع الأخبار الكبرى ذات التوجه السائد في الغرب اليوم، إلى أن شهد العالم كله التحدي القتالي الذي أعلنه إيلون ماسك وقَبله زوكربيرج، والذي لا نعلم حتى اليوم هل سنشهد فعالياته الحقيقية أم لا.

ولكن تساؤلاً تسلسياً متعدداً أخيراً بدا من المنطقي طرحه الآن للتأمل؛ هل كانت فكرة إنشاء موقع ثريدز مجرد جزء أو جولة جديدة في حرب «زوكربيرج-ماسك» تهدف للفوز لمجرد الفوز؟ صفعة معنوية يحاول بها مارك زوكربيرج الانتصار لليبرالية والحريات وحقوق الأقليات لتوفير بديل سياسي لتويتر؟ أم ذراعاً جديداً للأخطبوط الرقمي المُهيمن الذي يرتدي قناعاً يسارياً جديداً يخفي خلفه مزيداً من الأرباح ومزيداً من المستخدمين الذين لا يراهم زوكربيرج إلا مجرد علامات دولار تتكوم في خزانته بينما يحاول إقناع العالم أن أجندته الليبرالية الحقوقية هي انتصار للديمقراطية وحرية الرأي؛ ولكنه في الخفاء يشيح بذراعيه متحكماً في أصوات كل من يعارض سياسته المبنية على أعمدة من ازدواجية المعايير، لا يأبه إلا لمزيد من النفوذ والمال على قمة الأوليمب الرقمي، تماماً كما يحاول غريمه إيلون ماسك أن يفعل، الفارق الوحيد بين القطبين المتناحرين هو أن الأخير لم يتاجر في خصوصية البشر مثلما فعل غريمه لكنه بدلاً عن هذا فقط، يأخذ أموالهم طواعية.