ضربة أمنية جديدة قاسية، تلقتها جماعة الإخوان المسلمين، إثر القبض على الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، رئيس اللجنة الإدارية العليا، ورأس التنظيم الحقيقي بمصر؛ بعد أقل من أربعة أشهر، على مقتل الدكتور محمد كمال رئيس اللجنة الإدارية العليا الأولى، في ظل تناقض الرؤى حول مصير الدكتور محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الجماعة، والذي تتناثر الروايات حول المكان القابع فيه حاليا، وإن كان قادرًا على ممارسة مهامه أم لا.

الإرباك الذي خلفه القبض على المرسي أحدث ثقبا في السياج الإخواني الحاكم للجماعة في مصر، خاصة أنها لم تكن الضربة الأولى للإخوان، خلال شهرين من عمر العام الجديد، بل سبقه القبض على 8 قيادات كبيرة من كل محافظات مصر، وعلى رأسهم القيادي البارز بالشرقية عمر عبد الغني، وعوض الضوي القيادي بالإسماعيلية.

كما تم القبض على حاتم راشد موسى، مستشار وزير التموين السابق، ومحمد فياض، عضو البرلمان السابق عن حزب الحرية والعدالة المنحل، بالإضافة إلى قيادات أخرى، ضُبطت أثناء عقد اجتماع تنظيمي بـ«عقار تحت الإنشاء» في منطقة كفر طهرمس بالجيزة، ما يطرح بقوة إعادة الإخوان تكتيك «الاسم الحركي» على مستوى قيادة التنظيم لأول مرة في تاريخها، في ظل فراغ الصورة التنظيمية من أي كوادر، تستطيع قيادة الجماعة من داخل مصر.


تجربة محمد منتصر

في الذكرى الرابعة لثورة 25 من يناير عُين محمد منتصر «اسم حركي» متحدثا إعلاميا للجماعة، وعلى مدى توليه المنصب لم يعرف عنه أي شخص أدنى معلومة، أكثر من اسمه الذي صدره لوسائل الإعلام، ولم يكن له نافذة للتواصل مع العالم الخارجي، إلا حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، والمدونة باسمه.

المثير في تجربة منتصر أنه كان يتحرك بحرية شديدة، دون أن يعرف له الأمن طرفة عين، بالرغم من تواصله الدائم مع وكالة الأناضول، وكل المواقع والفضائيات المقربة من جماعة الإخوان، وربما أكثر ما ساهم في نجاح تجربة «الاسم الحركي» في الجماعة، أن الغالبية العظمى من المهتمين بشئون الجماعات الإسلامية أو المنتمين لها، وفي القلب منهم الصف الإخواني نفسه، لا يعرفون حتى الآن، من هو محمد منتصر، الشاب المنتمي لتيار العنف داخل الجماعة، والذي يتبنى علانية استهداف رءوس النظام المصري.

ولم يقتصر دور منتصر على الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام عن موقف اللجنة الإدارية العليا الأولى، التي رأسها الدكتور محمد كمال، وتوفي في نزال مع الأمن، حسب رواية الداخلية الرسمية، في أكتوبر من العام الماضي، وهي الرواية التي كذبتها الجماعة في بيان رسمي، وأكدت أنه تم اغتياله بعمل مدبر، ولكنه خاض أيضا حرب الجبهات داخل الإخوان، وشارك في التصدي للقيادات التاريخية خلال الأزمة التي أسفرت عن انقسام الجماعة إلى جبهتين، تعادي كل منهما الأخرى في الأفكار والتوجهات، ما جعله كثير الظهور على الشاشات، الأمر الذي كان يسهل من رصده وتتبعه أمنيًا.

وحتى الآن، ورغم خروج محمد منتصر من المعترك الإعلامي والسياسي، بعد إجراءات مفاجئة، هدفت لإجبار جبهة عزت للتخلي عن القيادة، إثر تعيين ما يسمى بالمكتب العام للإخوان المسلمين، تبعا لتولية مجلس شورى جديد، لكن قصة تصدره للمشهد العام في الجماعة طوال مدة اقتربت من عامين، ثم تبخره وكأنه شيئا لم يكن، جديرة بالبحث والدراسة، في لعبة الصراع بين الجماعات الإسلامية والأنظمة الحاكمة في مصر.


«الكماليين».. مدرسة إخوانية في التخفي

من التجارب المثيرة للانتباه في التخفي داخل جماعة الإخوان نفسها تكتيكات تيار «الكماليين» ــ أتباع الدكتور محمد كمال الذين اعتمدوا مبدأ السرية والتخفي وخلط الأوراق التنظيمية منهجا لهم، منذ أن أعلنوا نهاية ديسمبر/ كانون الأول، من العام الماضي، مجموعة إجراءات كانت حديث الساعة، أهمها إقصاء القيادات التاريخية، وعلى رأسها محمود عزت، ومعه رئيس اللجنة الإدارية العليا المحتجز حاليا، محمد عبد الرحمن، حسب قرارات مجلس الشورى، بعد أن زعموا انعقاده لتعديل المسار الإخواني.

واختارت الجبهة مجلس شورى جديد، ومكتب عام لإدارة الإخوان، دون أن يعرف أحد أسماءهم ولا هوياتهم، في تقليد يحاكي نفس الطريقة التي اعتمدت بها الإدارية العليا الأولى مسوغات تعيين محمد منتصر، لتولي الواجهة الإعلامية لها.

ويعتبر أغلب المراقبين لشئون الحركات الإسلامية انعقاد «شورى الإخوان الجديد» – إذا ما صحت أنباؤه- استفزازا جديدا من نوعه للأمن، لاسيما وأن جبهة محمد كمال، كانت تُشير قبلها بفترات طويلة إلى قدرتها على مناطحة النظام الحاكم، ومبادلته اعتداء باعتداء.


تقليد عالمي

لم تكن تجربة اللجنة الإدارية العليا الأولى في تولية اسم حركي مسئولية الواجهة الإعلامية لها، أو إخفاء الكماليين لأسماء قياداتهم، التي تولت استكمال مسيرة زعيمهم الروحي محمد كمال، فكرة مبتكرة في مواجهة الحصار القائم على الجماعة من النظام المصري، ولكنه تقليد تم محاكاته كثيرا، إلا أنه برز بشدة في الثورة البلشفية، التي اندلعت في روسيا عام 1917 تحت قيادة فلاديمير لينين.

وكان «لينين» يستعين بنشطاء سريين، بسبب المصاعب المتعلقة بالتواصل والمراسلات مع النشطاء الروس، المرصودين من الشرطة، ولم يحصر قائد الثورة البلشفية خياراته في أسماء محدوة، بل وظف الكثير من الأسماء المستعارة المشفرة، في كل المتطلبات اللازمة لإنجاح الثورة البلشفية، بداية من طلب حصولهم على جوازات سفر للخارج، نهاية بتبديل أسماء الرجال بأسماء نساء، والعكس، للهروب من الحصار الأمني الخانق المفروض عليهم.


الأسماء المستعارة والأدب النسوي

ولم تستأثر الأدبيات السياسية وحدها بفكرة التخفي والاستعانة بأسماء مستعارة لإنجاز مهام تتصادم مع الواقع، بل حفل الأدب النسوي العالمي بمثل هذه الآليات، واتبعتها أديبات عالميات قدمنَّ أنفسهن إلى القرّاء بأسماء ذكورية وهمية، خوفا من رفض المجتمع لعمل أدبي تكتبه امرأة.

ومن هنا لجأن لتبني أسماء أدبية، تكون حاجز الأمان بينهن وبين المجتمع، وعلى رأسهن الأمريكية، لويزا ماي ألكوت، أشهر أديبات القرن التاسع عشر.

كما اتجهت لنفس المسلك الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانس، أحد أشهر الكتّاب والأدباء في العصر الفكتوري، بالإضافة إلى الروائية والشاعرة الإنجليزية تشارلوت برونتي، مؤلفة «جين آيير»، وواحدة من أكثر الروائيات شهرة في التاريخ، والروائية الفرنسية أمانتين أورو لوسيل دوبين، التي امتد نشاطها بجانب الروايات إلى كتابة المقالات النقدية والسياسية، والمساهمة في مجال الحركات النسائية.

المراجع
  1. لينين وبناء الحزب
  2. أشهر الأسماء المستعارة في الأدب النسوي العالمي
  3. مجلس شورى الإخوان يزيح المرشد عن إدارة الجماعة
  4. «الإخوان» تقلب الموازين وتحسم مصير قيادتها قبل نهاية 2016.