تدرك الدول الكبرى أن عودة ظهور حركة طالبان في أفغانستان هو أمر مفروغ منه سواء أرادت ذلك أو قاومته، ومن هنا تسعى إلى تقبل الاعتراف بتنظيم طالبان، وتدرك أنه من الأفضل لها جعل عودة الحركة أقل ضررًا على الساحة الدولية، وأنه من الأفضل توظيفها في محاربة العدو المشترك وهو تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان. لذلك دعت تلك القوى إلى انضمام طالبان لمفاوضات سلام بينها وبين حكومة كابول. ولكن هل تنجح هذه المساعي الدولية في إقناع طالبان بالتفاوض؟، وما هي فرص نجاحها؟، وبدورها هل تستطيع طالبان هزيمة داعش؟.


أعداء الأمس، حلفاء اليوم

ما بين صعود وأفول تيارات الإسلام السياسي الجهادي والمعتدل منذ السنوات الأولى للألفية الجديدة، مثّل صعود تنظيم الدولة الإسلامية على الساحة الدولية أهم المتغيرات التي غيرت من هيكل ونسق العلاقات الدولية ليس بين الوحدات الدولية الرسمية فقط، ولكن أيضًا على صعيد تعامل وتفاعل الدول كوحدات رسمية دولية و جماعات دولية ومحلية متطرفة.

فقد رصدت تقارير عن مخططات روسيا، العدو القديم لطالبان، في التحالف والتعاون الاستخباراتي معه، وذلك لمواجهة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية باعتباره العدو الأول لروسيا وطالبان. وبالرغم من نفي طالبان لكنها في بيان لها أكدت أنها على اتصال بدول المنطقة ولكنها لم تناقش الحصول على دعم ضد تنظيم الدولة.

ترجع مخاوف روسيا من تمدد داعش والقاعدة لما مرت به من إرث جهادي في الشيشان، فتغير سياسة روسيا بتوجيه ضربات عسكرية للجهاديين في سوريا إنما هو انعكاس لتخوفها من تمدد تلك التنظيمات.

وعلى نفس خطى روسيا تسير السياسة الصينية بثبات حول مواجهة تمدد داعش في المنطقة، وذلك يرجع لتخوفها من تمددها في منطقة شرق تركستان والتي تطالب بالانفصال عن الصين. ولهذا تدفع الصين ضمن التحالف الدولي الرباعي (أفغانستان، باكستان، الصين، الولايات المتحدة) إلى إنجاح العمليات التفاوضية المتعثرة بين حكومة كابول وحركة طالبان.

كما يشير (كيم سنجوبتا) في مقال له تحت عنوان « قوى عالمية تسعى للتحالف مع طالبان في المعركة ضد عدو واحد» بأن إيران تأخذ نفس منحنى روسيا والصين وذلك لمواجهة داعش، فيما سعت الهند إلى تحسين علاقاتها الفاترة بسبب علاقتها القوية بجهاز الاستخبارات الباكستاني. وقد أكدت الهند، في وقت مبكر من عام 2009، على تأييدها عزم الحكومة الأفغانية على دمج الراغبين في التخلي عن العنف في إطار ثوابت الدستور الأفغاني.


مسار المفاوضات: هل ينهي عقدًا ونصف من الحرب الأهلية؟

في الوقت الذي تسعى فيه جهود الوساطة الدولية لاستئناف جهود السلام بين الأطراف المتنازعة، تسعى طالبان إلى استعراض قوتها وقدراتها العسكرية والتنظيمية على أرض الميدان؛ حتى تحقق أكبر مكاسب سياسية لها في المفاوضات المزعومة.

تنامي صعود الحركة عام 2015

نشأت حركة طالبان الأفغانية في عام 1994 على يد مؤسسها الروحي الملا عمر واتخذت من السلفية الحنبلية مذهبًا لها، وتأثرت الحركة بالظروف التي نشأت بها من تفشٍّ للفساد الأخلاقي وانعدام الأمن والنظام، فيما عملت الولايات المتحدة وباكستان على دعم الحركة لتحقيق أهداف سياسية للدولتين أثناء الحرب الأفغانية السوفييتية.اتجهت طالبان في 1996 إلى تطوير أيديولوجيتها ومرجعيتها، فبعد أن كانت تسعى إلى حفظ الأمن وضبط النظام في أفغانستان، نادت بإقامة الإمارة الإسلامية، واعتماد الشريعة الإسلامية كقانون أساسي للبلاد. واستطاعت طالبان السيطرة على أفغانستان خلال منتصف التسعينات وكان أول اعتراف بحكومة طالبان من باكستان والسعودية والإمارات.كانت لأحداث سبتمر 2001 نتائج سلبية على حكومة طالبان بعد ست سنوات من الحكم السياسي، حيث اتهمتها الولايات المتحدة الأمريكية بدعمها واحتضانها لتنظيم القاعدة، مما دفع بالولايات المتحدة لشن حرب دولية على أفغانستان، مما أدى إلى سقوطها بعد شهرين من الغزو.اتخذت طالبان فيما بعد سقوطها منحنى آخر وهو مقاومة الاحتلال في أفغانستان، ورفض الحكومة الأفغانية التي شكلت عقب إسقاط حكومتها. وكانت المقاومة المسلحة التي تجيدها طالبان هي أهم أدواتها في إعادة بسط نفوذها التقليدي في البلاد، فقد أشارت بعض التقارير إلى أن طالبان سيطرت على 30% من الأراضي الأفغانية بحلول عام 2012، وأن هناك ما يقرب من 7000 قتيل بين القوات الأفغانية في 2015، فيما يعني زيادة 26% مقارنة بضحايا 2014.وسعت طالبان إلى فرض نفوذها بشكل متسارع يبرز قدرتها العسكرية متجاهلة بذلك فصل الشتاء، حيث تقل فيه الهجمات الانتحارية بسبب برودة الجو القارصة. ويرى محللون أن ذلك يرجع إلى رغبة الحركة في توطيد موقفها التفاوضي مع كابول، فيما يرى البعض أن تزايد حدة عمليات طالبان بسبب محاولتها التصدي للانشقاقات الداخلية وحتى لا تتفاقم أزماتها الداخلية.

هل تنجح جهود وساطة الرباعي الدولي؟

اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لخسائرها البشرية والعسكرية في أفغانستان إلى التوصل لاتفاق مع طالبان، وكانت أولى تلك المحاولات في أواخر عام 2010 عندما تم عقد وساطة بين الحكومة الأمريكية وممثلين من الحركة، وكان هدفها قبول الاعتراف بالدستور الأفغاني وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة. كانت أول محادثات رسمية للسلام بين طالبان وكابول في عام 2015، ولكنها تعطلت بسبب الإعلان عن وفاة الملا عمر، ثم جاء الملا اختر منصور خليفًا له بطريقة سريعة؛ الأمر الذي سبب كثيرًا من التصدع داخل الحركة وانشقاقات عدة، ولكنه يحاول إثبات قدرته من خلال توسعه الميداني وإبداء استعداده للمفاوضات.مع ذلك يسعى الرباعي الدولي من أجل استئناف عمليات السلام بين الطرفين. ومع بداية العام الحالي يسرع الرباعي الدولي في خطوات عقد مائدة المفاوضات بين الطرفين حيث عقد اجتماع أول في باكستان، وعقدت الجولة الثانية في كابول للرباعي الدولي وذلك لدراسة خارطة طريق للسلام في أفغانستان. كما أنه من المقرر عقد جولة أخرى في 6 فبراير من العام الجاري في إسلام أباد، ولكن هناك غموض حول إمكانية حضور الحركة وممثليها.

هل تغيرت أيديولوجية طالبان؟

وفي ظل سعي الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد مخرج للأزمة الأفغانية، استضافت الدوحة مؤتمرًا تحت رعاية منظمة مؤتمر بواغوش للعلوم والشئون الدولية لعدد من ممثلي طالبان، ولم تحضره كابول، وفيه ا شترطت طالبان إنهاء الاحتلال الأجنبي في أفغانستان، وشطب عدد من كوادرها من القوائم السوداء، والإفراج عن السجناء السياسيين، وحذف طالبان من قوائم الإرهاب، والاعتراف الرسمي بمكتبها السياسي كأساس للتفاوض.كما حمل خطابها في المؤتمر كثيرًا من معالم التغير في سياستها ورؤيتها، فقد أكدت على مبدأ « لا احتكار للسلطة» مما يعني توجه الحركة نحو القبول بالتعددية، كذلك دعت الحركة إلى تطوير البلاد اقتصاديًا بالتعاون مع الدول المجاورة، وكذلك تحدثت عن التزامها بالقيام بالخدمات المدنية وحماية الحقوق والحريات مثل حرية الرأي وحقوق المرأة.ويبدو أن الحركة تريد أن تظهر بالتيار المعتدل مما يكسبها تعاطفًا دوليًّا وشعبيًّا، فقد أكدت على أن الجهاد إنما هدفه إنهاء الاحتلال وإقامة النظام الإسلامي، فيما حمل خطابها ما يمكن تسميته بثوابت سياستها الخارجية، فقد أكدت على عدم تدخلها في شئون الآخرين على أن لا يتدخل الآخرون في شئون بلادها، مؤكدة عدم استخدام أراضيها ضد الأخرى، مع ضمان احترام القوانين الدولية طالما لا تتعارض مع الأصول الإسلامية والمصالح والقيم الوطنية .يحمل خطاب الحركة وممارستها الميدانية في طياته عوامل نجاح أو فشل الجهود الدولية في تحقيق السلام بالبلاد؛ فالموقف الدولي الجاد الداعم لعملية السلام في أفغانستان خاصة باكستان والصين، و جدّية الحكومة الأفغانية في إنهاء الصراع الدائر في البلاد منذ 15 عامًا، بل وضعت حكومة أشرف غاني المفاوضات كأولوية لحكومته تصب في مصلحة إتمام السلام.ولكن تعترض طريق المفاوضات بعض العراقيل حيث ستكون لتزايد نشاط طالبان العسكري في أفغانستان وباكستان على السواء آثار سلبية على العملية التفاوضية، كما أن الانشقاقات الداخلية بقيادة الملا محمد رسول سيولد فصيلًا رافضًا للمفاوضات وقد لا يعترف بها.


هل تنجح طالبان في هزيمة داعش؟

تعتبر نشأة تنظيم داعش في أفغانستان والممثلة في ولاية خرسان متأخرة، حيث ظهرت في 2015 وذلك بعد الانشقاقات التي حدثت بطالبان وعلى رأسهم الملا عبدالرؤوف ومبايعته البغدادي، وشهد خلال هذا العام اشتباكات ومواجهات واسعة بين الطرفين للسيطرة على مناطق النفوذ خاصة في معاقل حركة طالبان في هلمند وإقليم زابل وإقليم لوجر.الصراع المسلح الدائر بين طالبان وداعش لا يعود إلى الاختلاف العقائدي فقط، فعناصر داعش هم المنشقون عن طالبان، ولكن يدور الصراع حول السيطرة على خطوط التجارة وتهريب الهيروين، والتي تمثل مصادر تمويلية هائلة للتنظيمات الجهادية.الصراع المسلح بين التنظيمين سيعمل على إهدار القدرات العسكرية والموارد البشرية لهما، وسيعمل على تشتيت أهدافهما، وهو ما سيؤثر على مسار المفاوضات حيث سيعمل الصراع على إضعاف موقف طالبان التفاوضي، كما أنه سيعمق من تصدع طالبان في الداخل مستغلة رفض بعض قيادات طالبان للمفاوضات مما يشجعهم على الانشقاق والانضمام لداعش. وبالرغم من نفوذ داعش في أفغانستان فإن ميزان القوى يصب في صالح طالبان؛ وذلك لخبرتها العسكرية والبشرية والسياسية التي اكتسبتها خلال فترة حكمها للبلاد، بالإضافة إلى أن القوى البشرية لطالبان تفوق أضعاف أعداد داعش وقدرتها على جذب تمويل هائل للحركة من خلال تجارة الهيروين، كما أن الاعتراف بطالبان وبدخولها مفاوضات سلام قد يمنحها تمويلًا عسكريًا دوليًا لمواجهة التنظيم، بالإضافة إلى التقارب بينها وبين تنظيم القاعدة الذي يحارب داعش وهو ما يعجّل بنهاية نفوذ داعش بالمنطقة، أو بالأحرى يوقف تمددها.