مبانٍ كئيبة وموظفون مملون، ولا شيء يحدث على الإطلاق، مواعيد رسمية وإجازات سنوية والكثير من الأختام والدمغات و«فوت علينا بكرة»، أكواب من الشاي وأعقاب سجائر ولا جديد تحت الشمس، سجل حضور وانصراف وعلاوات ومرتبات والكثير جدا من البيروقراطية، تلك هي الصورة النمطية للمصالح الحكومية في مصر، بلد السركي والكاتب المصري الجالس القرفصاء.

حتى الهيئات والمصالح الحكومية المعنية بالثقافة لا تختلف كثيرا عن تلك الصورة النمطية، لا تنتظر منها الكثير وتتوقع الخذلان دائما، ولكن أن يبزغ من وسط كل هذا الروتين والإملال مكان تابع للدولة، ويطلق عليه هيئة حكومية بشكل أو بآخر، ويقدم منتج ثقافي حقيقي ويتعامل باحترافية ورقي، هذا ما لم يكن في الحسبان.

هذا هو ما تحاول «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مؤخرا فعله، خاصة في سلسلة «كتابات جديدة» التي تتبناها «الهيئة العامة للكتاب»، وتعنى بالنشر للمبدعين الشباب، وهذه السلسلة هي ما سنتتبعها في هذا التقرير.


الهيئة العامة للكتاب

جناح كبير جدا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، والكثير من منافذ البيع الدائمة في أماكن حيوية في المحافظات المختلفة، «الهيئة العامة للكتاب» هي فرع حيوي ومهم في السوق الثقافي المصري رغم انفتاح المجتمع ورغم وجود العديد من دور النشر الخاصة التي ينشر معها كبار الكتاب وصغارهم أيضا.

نشاط «الهيئة العامة للكتاب» ملحوظ في الوسط الثقافي للمهتمين حتى لو كانت للقارئ العادي غير ذات أهمية، فالحقيقة أن الهيئة تهتم بسوق معين لا يلتفت له أصحاب دور النشر العادية، فمثلا «سلسلة الجوائز» التي تبذل فيها الهيئة مجهودا جبارا لتقدم للقارئ المصري وجبات دسمة جدا من كتابات كبار الكتاب في العالم والحائزين على أرفع الجوائز الادبية بأسعار لا تتعدى العشرين جنيها في الأغلب، والتي إذا حاولت شراء ما يعرض ضمنها من مؤلفات مترجمة فسوف تكلفك ثروة.

هناك ترجمات الأعمال الكاملة لأكبر الكتاب، مثل الأعمال الكاملة لدوستويفسكي، أو كتاب «الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني» في نسخته الأصلية بأجزائه كاملة بسعر لا يتخطى مائتي جنيه، أو الموسوعات الفنية والإسلامية، كنوز حقيقية تقدمها الهيئة للسوق الثقافي المصري.

بالطبع هناك عيوب، كأن تشتري كتابا مترجما، ثم تجبرك الترجمة على تركه فورا لركاكتها، أو كعيوب الطباعة وبالطبع مشاكل التسويق التي لا تنتهي، ولكن في النهاية يجب أن نعترف أن لدى الهيئة مشاريع قوية يجب أن تحظى باهتمام أكبر حتى تحقق المرجو منها، كمشروع سلسلة «كتابات جديدة» الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم.


سلسلة كتابات جديدة

ضمن مشاريع «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مشروع يحمل اسم «كتابات جديدة»، وعندما تحدثنا في «إضاءات» إلى الأستاذ «منير عتيبة» رئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة» قال إنه مسئول عن رئاسة تحرير السلسلة منذ سبتمبر/أيلول 2016 ويسعى أن يكون المشروع دعما حقيقيا للكتاب الشباب، حيث إنه يتعامل مع المشروع بنفسية الكاتب ويرى أنه يتعامل مع زملائه، فيجب أن يكون التعامل لائقا بمكانة الكاتب.

وعن شروط النشر في سلسلة «كتابات جديدة» يقول «عتيبة» إن الكاتب يجب أن تكون سنه تحت الأربعين، وأن يحصل العمل المقدم على موافقة بنسبة 80% من قبل لجنة الفحص التي تقوم بقراءة العمل وكتابة تقرير بمميزاته وعيوبه وتقييمه بشكل عام، وبالطبع ألا يكون العمل قد نشر من قبل.

أما عن طبيعة التعامل مع الكاتب فقد صرح «عتيبة» لإضاءات بأنه عندما أصبح مسئولا عن رئاسة تحرير السلسلة فقد تقدم للهيئة العامة للكتاب بعرض تفصيلي للنظام الذي يرغب في العمل به، بدءا من توليه المنصب، وقد وضع نظاما يجعل الكاتب يشعر وكأنه يتعامل مع دار نشر خاصة كبيرة، فلا تتولى إدارة السلسلة إخراج الكتاب وحدها دون الأخذ برأي الكاتب، ولكن أصبح هناك مرونة في التعامل، وربما يتداول الكتاب بين الهيئة وبين الكاتب أكثر من مرة للتأكيد على رضا الكاتب عن مستوى الإخراج الفني وتصحيح الكتاب لغويا.

يقول عتيبة أيضا إنه حتى مستوى الأغلفة قد تطور كثيرا، فالدكتورة «إيمان صلاح» التي تقوم بتصميم الأغلفة للسلسلة، والحاصلة على جائزة الدولة، تلاقي الأمرين من رئاسة تحرير السلسلة ومن الكاتب ومن كم التعديلات التي تطلب منها حتى يخرج الكتاب على أكمل وجه يرضي الكاتب، وفي النهاية فإن البروفة النهائية للكتاب تذهب مرة أخيرة للكاتب حتى لا تفوته فائتة، حتى لو كان إهداء يحب الكاتب أن يضيفه، أو تعديلا لجملة أو جزءا من النص، وعن هذه المرونة الشديدة التي لا تتسم بها الهيئات الثقافية عموما يقول عتيبة:

أما عن التوزيع والتسويق للأعمال المنشورة ضمن السلسلة فقد قال «عتيبة» إنه سوف تطرح الأعمال في منافذ بيع الهيئة المصرية العامة للكتاب وسوف تكون متوفرة أيضا في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام سنويا. وبالنسبة لحفلات التوقيع فإنه سوف يكون الروتين السنوي هو إقامة حفلتي توقيع واحدة في نهاية الموسم للأعمال المنشورة بعد معرض الكتاب وسوف تقام في منفذ الهيئة الكائن بمحطة «الإسعاف» بالقاهرة، وواحدة في معرض الكتاب نفسه للأعمال المنشورة منذ نهاية الموسم وحتى المعرض، والحفلتان سوف تكونان حفلتي توقيع مجمعتين لجميع الكتاب المشاركين بأعمالهم في السلسلة.


هل تكون السلسلة بديلا حقيقيا؟

طالما مدخلناش مطبعة يبقى لسة كل حاجة في إيدينا ولازم الكاتب يكون راضي تماما عن كتابه لإني كاتب وفاهم وبتعامل مع زمايلي فلازم أكون فاهمهم وأريحهم

تحدثنا في إضاءات مع الكاتبة الشابة «هبة خميس» التي من المقرر صدور مجموعتها القصصية «زار» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة «كتابات جديدة»، ومجموعة «زار» هي المجموعة الثانية لهبة خميس بعد مجموعتها الأولى من «نافذة تطل على ميدان» التي فازت بالمركز الأول بالمسابقة الأدبية المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة.

تقول «هبة» في حديثها عن تجربتها إنها فضلت نشر مجموعتها «زار» مع «الهيئة العامة للكتاب»، حيث إنها جربت التعامل مع دور النشر الخاصة، ولم يكن تعاملا مثمرا بحال، فإما أن الكاتب مطالب بدفع مبالغ طائلة لنشر عمله، وإما أن يكون مطالبا بأن ينتظر سنوات حتى تتم الموافقة على نشر عمله، هذا إن اهتموا بالرد أصلا مع دفع مبلغ من المال أيضا، أو لديه الاختيار الأخير أن يتعامل مع دار نشر غير معروفة ويدفع مبلغا قليلا ويجازف بالتعامل مع دار نشر لا يعرفها أحد ولا تمتلك مطابع خاصة.

أما عن تعاملها مع سلسلة «كتابات جديدة»، فتقول «هبة» لإضاءات إن التعامل كان مريحا لدرجة كبيرة، فقد تطلب منها الأمر أن ترسل مجموعتها لتدخل لجنة القراءة، وفي خلال شهرين فقط كانت قد تلقت الرد بقبول المجموعة دون أي مصاريف عليها دفعها للهيئة، وتلقت موعدا محددا لنشر مجموعتها حوالي ستة أشهر من تلقيها للموافقة، بل حتى التأخير في النشر كان موضوعا في الحسبان، فقد أبلغها الأستاذ «منير عتيبة» رئيس تحرير السلسلة أنه لو تأخر النشر فسوف يتأخر بحد أقصى شهرين عن الموعد المحدد.

وقد عبرت الكاتبة عن سعادتها بالتعامل مع السلسلة ومع المسئول عنها، وقالت إنه كان هناك قدر من المرونة، حيث إن غلاف مجموعتها قد تعاون معها فيه صديقها المصور «أحمد فؤاد سراج»، وعندما عرضت على اللجنة الصورة التي قام بتصويرها وافقت اللجنة على تضمينها في الغلاف الذي سيقومون بتصميمه للمجموعة، مما أشعرها أنها تتعامل مع كيان يحترمها ويقدر رؤيتها الفنية.


سلسلة «كتابات جديدة» بنظامها الجديد وحرصها على القارئ والكاتب معا تبدو شيئا مبشرا جدا وسط كل الإحباط الذي يعاني منه السوق الثقافي المصري، فهل تكون فعلا أملا حقيقيا يمكنه أن يساعد في انتشال السوق من وعكته الكبيرة، وهل سيلتفت إليها الكتاب والصحافة لدعمها ووضعها على الطريق الصحيح أم لا، هذا ما سوف يجيب عنه السوق بوضوح في الأعوام القليلة الماضية.