ما إن يقترب التاسع من أكتوبر في كل عام حتى تصعد الترشيحات والرهانات وتتردد الكثير من الأسماء لأدباء عالميين يرى القراء والنقاد والصحفيون استحقاقهم للجائزة الكبرى في الأدب عالميًا، وهي جائزة نوبل، فيظهر الروائيان الياباني هاروكي موراكامي، والفرنسي ميلان كونديرا.

هذا العام على وجه التحديد كانت الترشيحات تتجه بقوة للروائية الكندية (مارجريت أتوود)  أو الأمريكية (جويس كارول)، ولكن النتيجة النهائية جاءت بعيدة كل البعد عن هذه الأسماء حيث فاز بها النمساوي (بيتر هاندكه) لهذا العام، والبولنديه (أولغا توكارتشوك) لعام 2018 التي كانت قد حجبت في العام الماضي.

هاندكه وتوكارتشوك

https://www.youtube.com/watch?v=k-2-mkl4IJ4

عرف القارئ العربي بيتر هاندكه من خلال عدد من الأعمال المهمة التي ترجمت إلى العربية مثل (الشقاء العادي) التي ترجمها بسام حجار وصدرت عن دار الفارابي عام 1991، وكذلك رواية (خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء) الصادرة عن دار الجمل بترجمة أحمد فاروق، وغيرهما من الروايات.

للرجل أيضاً مشاركات سينمائية، منها مشاركته في كتابته سيناريو فيلم Wings of desire للمخرج الألماني (فيم فيندرز) وهو الفيلم الفائز بجائزة مهرجان كان السينمائي الدولي لأفضل مخرج في عام 1987، بالإضافة لذلك فقد حول فيندرز أيضاً رواية هاندكه (خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء) إلى فيلم في عام 1972.

أما بعيداً عن السياسة فقد عرف عن بيتر هاندكه إثارة الجدل لا سيما فيما يخص مناصرته لحرب الصرب على البوسنة والهرسك، وقد أثارت كلمته التي ألقاها عام 2006 في جنازة مجرم الحرب الصربي  ( سلوبودان ميلوسوفيتش) الكثير من الانتقادات.

ربما يختلف الأمر قليلاً مع أولغا توكارتشوك إذ باستثناء حصولها على جائزة  المان بوكر الدولية في العام الماضي 2018 لم يكن القارئ العربي ليعرف عنها شيئًا، ومن المنتظر أن تصدر روايتها Flights أو (رحلات)  قريبًا عن دار التنوير، وهي روائية غزيرة الإنتاج صدر لها من قبل أكثر من ثمانية أعمال روائية بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين، كما تشرف على مهرجان أدبي في جنوب بولندا، يضاف لذلك أنها قد اشتهرت في الأساس بكتاباتها النسوية، مما يجعلها مرشحة مثالية للجائزة في هذا العام عقب الاتهامات التي تم توجيهها للأكاديمية في العام الماضي بالتحديد فيما يخص تحيزها الذكوري.

جائزة بين السياسة والأدب

ليست المرة الأولى التي يكون فيها للفائز بنوبل توجهات سياسية  خاصة، ربما تكون أحد دوافع ترشيحه للجائزة، فإذا عدنا إلى عام 1997 سنجد أن البعض اعتبر  فوز داريو فو المسرحي الإيطالي قد حدث لأسباب سياسية، فقد اعتبروا أنه كاتب خفيف إلى حد ما، لكنه مُنح الجائزة لمناقشته لقضايا ساخنة سياسية في أعماله كقضايا العمال وحرب فيتنام والصراع العربي الإسرائيلي.

يوسا كذلك الفائز بنوبل 2010 كان ممارساً للسياسة ربما أكثر مما مارس الأدب، حقيقة هي إشكالية أين تنتهي السياسة وأين يبدأ الأدب، هل هناك بالفعل حدود فاصلة؟ إن كل كاتب هو سياسي شاء أم أبى حتى ولو مارس الحياد على الأرض، فكل كتابة هي موقف من العالم وكل موقف هو سياسة، إلا أن يوسا وإلى حد كبير كان سياسياً قبل أن يكون كاتباً، بدأ ثائراً يسارياً ضد الديكتاتوريات وانتهى ليبرالياً في تحول مثير وكتاباته جميعها تصدح بذلك.

أحد الأمثلة كذلك على تأثير السياسة على أعضاء الأكاديمية حدث عندما استقال اثنان من الأعضاء احتجاجاً على رفض الأكاديمية دعم سالمان رشدي ضد فتوى الخوميني  بهدر دمه.

مواقف الكتاب الفكرية قد تؤثر في توجهات الأكاديمية كذلك سواء كانت سياسية أو فلسفية، في عام 2004 وعلى خلفية إعلان الأكاديمية فوز إلفريدي يلينيك المعروفة بموقفها النسوي ودعمها لقضايا المرأة استقال كنوت أهنلوند أحد أعضاء الأكاديمية احتجاجاً على ذلك الاختيار الذي جانبه الصواب ولم يكن اختياراً أدبياً بل لأسباب أخرى بحسبه، وصف أهنولد كتابتها قائلاً (صورة إباحية منتحبة غير ممتعة)، قال أيضاً واصفاً ما تكتب (كتل نصية جرى جرفها معاً، بلا أي بناء فني) أضاف واصفاً فوزها بالجائزة: (إن اختيارها لم يسبب دماراً لا يمكن إصلاحه للقوى التقدمية فقط بل بلبل كذلك الرؤية العامة للأدب كفن).

ما الأدب؟

إلا أن الأمر ربما خرج مؤخراً جداً عن سؤال (ما المثالي؟) إلى سؤال (ما الأدب؟)، هكذا بدأت الأكاديمية تحاول أن توسع من دائرة المعنى الكلاسيكي لما يمكن أن يطلق عليه أدب.

فقد مثل فوز بوب ديلان بالجائزة عام 2016 علامة استفهام كبيرة، فديلان معروف كموسيقي ربما أكثر مما هو كاتب أغان بالإضافة إلى أنه أول كاتب أغان في العالم يفوز بهذه الجائزة، اعتبر الكثيرون ذلك جنوحاً عن تقاليد الجائزة التي تمنح لشعراء وروائيين ومسرحيين وكتاب مقالات وفلاسفة، لكن أن تذهب لكاتب أغان شعبية فهذا غريب، اعتبر البعض ما حدث حرماناً للأدب (بحسب تعريفنا التقليدي له) من التعريف به، حرماناً لكاتب أديب من نشر أعماله وتكريم منجزه.

حتى إن البعض اعتبرها جريمة في حق الأدب في حين اعتبر البعض ما حدث توسيعاً للدائرة وفهماً أعمق لمفهوم الأدب. في العام التالي 2017 أعلنت الأكاديمية فوز الإنجليزي من أصول يابانية كازو إيشيجورو في عودة للرواية ولروائي تمت ترجمته ومعروف إلى حد ما فلا يثار إلا أقل القليل من الجدل.

الجائزة السابقة لتلك التي كانت لبوب ديلان منحت للبيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش عام 2015. سفيتلانا تكتب الرواية التوثيقية، تصنع كولاج من حوارات أجرتها مع أشخاص ذوي أصوات متعددة ومختلفة، لتنتقل ما بين التقرير والخيال صانعة نصباً شامخاً تخلد به المعاناة والشجاعة في زماننا.

يمكننا أن نرصد عددًا من الكتاب غير الأدباء الذين حصلوا بالفعل على جائزة نوبل في الآداب، من خلال كتاباتهم التاريخية  أو الفلسفية، وإن كان ذلك ليس عرفًا سائدًا في الجائزة،ففي عام  1902 منحت الجائزة لتيودور مومسن لكتاباته التاريخية المميزة وبالأخص كتابه «التاريخ الروماني»، حصل رودولف كريستوف يوكين على نوبل عام ١٩٠٨ لكتاباته في الفلسفة بحثاً عن الحقيقة مطوراً فلسفة مثالية للحياة، كما حصل أيضا هنري برجسون عام ١٩٢٧ على الجائزة نظير عرضه اللامع لفلسفته الثرية والمفعمة بالحيوية.

أما عن الحدث الأهم في هذا المجال فيرجع إلى عام 1950 حينما وقع اختيار الأكاديمية على برتراند راسل لتمنحه الجائزة نظير كتاباته التي تتسم بالخفة والدعابة ومساهماته الرائدة في الكتابة في فرع من الفلسفة يختص بالمنطق والرياضيات، هكذا اختارته الأكاديمية لأنه بكتاباته المميزة وأسلوبه الخاص قد استطاع أن يصل لدوائر أوسع من القراء، بل كان من الغريب أيضًا أن يحصل على الجائزة عام 1953 رئيس وزراء بريطانيا  ونستون تشرشل، وقد بررت الأكاديمية ذلك بتميزه في الكتابة التاريخية والكتابة عن السير ولإجادته فنون الخطابة مدافعاً ومفخماً من القيم الإنسانية.

أين نحن من نوبل؟

غني عن الذكر أن الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ  كان العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب عام 1988، ورغم استحقاقه الكبير للجائزة العالمية فإن الشائعات ظلت تطارده وبالخصوص حول أسباب حصوله عليها، ومحاولة ربطها بأسباب غير أدبية مثل موقفه من إسرائيل أو ما اتهم به من تجرؤ على الدين الإسلامي، وهو ما يفنده بكثير من التحليل وعرض الآراء المختلفة محمد شعير في كتابه أولاد حارتنا حكاية الرواية المحرمة.

لا شك أن قائمة الأدباء العرب تتسع لتشمل الكثير من الأدباء المميزين المستحقين لهذه الجائزة بل إن ما كشفت عنه أوراق الجائزة أن عميد الأدب العربي طه حسين كان قد رشّح للجائزة أربع عشرة مرة، وهناك العديد من الأسماء التي تظهر كل عام على سطح ترشيحات وبل منهم الشاعر السوري أدونيس والروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني وغيرهما.

اقرأ أيضًا: لماذا لم يفز طه حسين بجائزة نوبل

يحسب للجائزة في النهاية أنها عادت هذه المرة إلى الأدب بتعريفه العادي، حينما تمنحها إلى روائيين في النهاية، لتبقى جائزة نوبل للآداب أهم حدث أدبي عالمي ينتظره الناس من العام للعام، ويتعرّف القراء من خلاله على المزيد من الكتاب والأدباء، وتنتعش على أثره ولا شك حركة الترجمة لا سيما في الوطن العربي الذي يبدو بعيدًا عامًا بعد عام عن الأدب العالمي وما يجري فيه.

أخيراً يجدر الإشارة أن العديد من المعلومات التي تم ذكرها في هذا المقال تم الاستناد فيها لموقع الأكاديمية السويدية، بالإضافة لكتاب (جائزة نوبل تاريخ المجد والجدل) للكاتب «أحمد سمير سعد»ـ، والذي تم نشره ضمن إصدارات دار الكتب.