في الرابع من مارس/ آذار المقبل، سيقام حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ90 المقدمة من أكاديمية «علوم وفنون الصور المتحركة»، وبذلك يسدل الستار على موسم الجوائز الأمريكي.

نالت الأفلام التي حظيت بالترشيح أو الفوز خلال موسم الجوائز النصيب الأكبر من المشاهدات، والاهتمام النقدي. نلقي الضوء في هذه المساحة على عدد من الأفلام تستحق المشاهدة بعيدًا عن الزخم الإعلامي لموسم الجوائز.


Wonder wheel

يستعيد المخرج الأمريكي الكبير «وودي آلن» أجواء الخمسينات في «كوني أيلاند» حيث تدور أحداث فيلمه الجديد. يتقدم «ميكي» (جاستين تيمبرلك) نحو الكاميرا ليتحدث إلينا مباشرة كعادة أبطال «آلن».

يعمل «ميكي» حارس إنقاذ على الشاطئ، ويطمح أن يصير كاتبًا مسرحيًا. يحب «ميكي» مسرحيات «يوجين أونيل»، و«بورا بورا». يحكي لنا عن تفاصيل علاقته بـ«جيني» (كيت وينسليت)، و«كارولينا» (جونو تيمبل) ابنة زوجها، والمسارات التي يفضي إليها مثلث الحب التراجيدي.

الفيلم يبدو مسرحية قد يكتبها «ميكي» يومًا ما، مسرحية تستلهم روح «يوجين أونيل» الذي طالما كتب عن بؤس الحالة الإنسانية، وعن ضرورة أن نخدع أنفسنا كي نواصل العيش في هذا العالم. فبطلة «آلن، جيني»، تمارس خداع الذات على نحو جلي.

تعاني «جيني» من زواج تعس، وتعمل كنادلة في مطعم، وابنها من زواج سابق لديه اضطرابات خطرة في شخصيته. توهم «جيني» نفسها أن ما تعيشه مجرد دور تؤديه على مسرح حياتها. تشكل علاقة الحب التي تجمعها بـ«ميكي» أملاً في الخلاص من تعاستها، وتغيير الدور الذي تلعبه. لكن دخول «كارولينا» كطرف ثالث في العلاقة يقلب الأمور رأسًا على عقب.

يبتعد الفيلم كثيرًا عن روح الفكاهة التي تميز أفلام «آلن»، ويجنح نحو التراجيديا. شريط الصورة البديع بتوقيع الإيطالي الكبير «فيتوريو ستوارو» في تجربته الثانية مع «آلن» بعد فيلم «Cafe Society». «كيت وينسلت» في أفضل أداء لها منذ سنوات، أداء تم تجاهله تمامًا في موسم الجوائز، في حين يفتقد نص «آلن» هذة المرة ديناميكية وطزاجة نصوصه الأخيرة لكنه يظل فيلمًا جديرًا بالمشاهدة.


Detroit

أحدث أفلام المخرجة الأمريكية الشهيرة «كاثرين بيجلو» (المخرجة الوحيدة الحائزة على أوسكار أفضل إخراج عن فيلمها «خزانة الألم»). فيلم صادم وقاس.

النص، الذي كتبته «بيجلو» برفقة «مارك بول» في ثالث تعاون بينهما؛ مبني على كتاب لـ«جون هيرسي» يتناول أحداث الشغب في مدينة ديترويت صيف 1967، بعد تاريخ طويل من القمع والاضطهاد العرقي تمارسه الشرطة ضد السود.

على خلفية أحداث الشغب في المدينة؛ تقتحم الشرطة «نزل الجيرز» نتيجة اشتباه في وجود مسلحين يطلقون الرصاص من داخله. تحتجز الشرطة نزلاء الفندق وتبدأ عملية استجواب لهم داخل الفندق تمارس فيه الشرطة كل ساديتها وعنصريتها المقيتة ضدهم.

تنجح «بيجلو» في خلق جو خانق ومتوتر، وإيقاع لاهث طيلة فترة احتجاز الشرطة للنزلاء داخل الفندق، بدت فيها هذه الفترة الزمنية كما لو كانت فصلًا في الجحيم بالنسبة للمحتجزين، وللمشاهد المحتجز معهم داخل كابوس حقيقي.

تنجح دائمًا «بيجلو» في أفلامها في رصد تفاصيل الواقع القاسي بكاميرا محايدة، إلى حد بعيد دون تجميل أو فجاجة. تختار دائمًا موضوعات شائكة، ذات صبغة سياسية وتثير الكثير من الجدل،من حرب العراق، واغتيال «بن لادن»، إلى «ديترويت» حيث تقدم دراما متقنة الصنع عن فصل منسي من فصول التاريخ الأمريكي حيث عنف الشرطة، العدالة الضائعة، والصراعات العرقية داخل المجتمع.


Wind River

ثالث نص سينمائي يكتبه «تايلور شريدان»، وأول عمل إخراجي له ليكتمل بذلك ما سماه «شريدان»؛ «ثلاثية الحدود». الأفلام الثلاثة تدور جميعها في مناطق حدودية، وتتناول حياة الأقليات التي تسكنها، أو مواطنو الهامش المنسيون.

نصه الأول «Sicario» الذي أخرجه الكندي «دينيس فيلينوف». أما ثاني نصوصه فهو فيلم «Hell Or High Water» أخرجه «ديفيد ماكنزي»، ونال عنه «شريدان» ترشيحًا لأوسكار أفضل نص أصلي.

يذهب «شريدان» في نصه الثالث إلى منطقة «وايومونج» حيث يقطن السكان الأصليون من الهنود، وحيث يكتشف «كوري» (جيمي رينر)، وهو محترف تعقب وصياد طرائد، جثة امرأة وسط الثلوج في محمية «ويند ريفر».

في رحلة البحث التي تقودها «جيني» محققة مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI»بمساعدة كوري والشرطة المحلية، يضع «شريدان» قسوة الطبيعة الإنسانية في مواجهة مع قسوة الطبيعة الممثلة في الطقس القارس، والطرائد المفترسة.

في كادرات واسعة تظهر المفارقة بين شساعة المساحات وضآلة أبطاله، وكأنهم في قبضة الطبيعة وقوانينها القاسية. يمكن أيضًا اعتبار نصوص «شريدان» الثلاثة كإعادة أحياء لنمط الفيلم الغربي «نيو وسترن» حيث تتشارك مع الويسترن التقليدي في تيمات؛ مثل غياب القانون، حيث تفرض الشخصيات قانونها الخاص، وكذلك تيمة البحث عن العدالة.


Last Flag Flying

أحدث أفلام المخرج الأمريكي «ريتشارد لينكلاتر» صاحب ثلاثية («قبل الشروق»، و«قبل الغروب»، و«قبل منتصف الليل») كوميديا بنكهة ساخرة عن اجتماع ثلاثة من جنود البحرية القدامي الذين خاضوا معًا حرب فيتنام بعد 30 عامًا، من أجل جنازة ابن أحدهم. لاري (ستيف كاريل ) الذي فقد ابنه في حرب العراق. الآخران سال (براين كرانستون) مالك بار، ومويلر (لورنس فشبورن ) كاهن كنيسة.

النص الذي كتبه «لينكلاتر» مع «داريل بونسكان» عن رواية للأخير، كان من المفترض أن يكون تتمة لفيلم «The Last Detail» لهال آشبي (الفيلم مبني أيضًا عن رواية لبونسكان)، لكن «لينكلاتر» غير كثيرًا في النص، غير أسماء الشخصيات، وخلفياتها العسكرية، وتفاصيل حياتها حتى صار من الصعب ايجاد تشابه بين الفيلمين أكثر من الفكرة العامة.

يكشف لنا «لينكلاتر» أنه لا شيء تغير خلال الـ30 عامًا الماضية. فأكاذيب الساسة التي ورطت الآباء في حرب خاسرة؛ هي ذات الأكاذيب التي يدفع الأبناء ثمنها الآن. يمكن اعتبار الفيلم أيضًا دراما طريق تكشف عبر الرحلة ماضي الشخصيات، وأن ما يحمعهم معًا ليست الذكريات وحسب، بل إحساس عميق بالذنب يعود إلى حادث ما جرى أثناء خدمتهم في فيتنام وكان له أثر كبير في تشكيل مسار شخصياتهم. رحلة تطهر تختلط فيها الضحكات، والدموع، والذكريات.


Lucky

يستعرض «جون كارول لينش» في فيلمه «Lucky»الروتين اليومي لبطله التسعيني «لاكي» الذي يؤدي دوره الممثل الأمريكي الكبير «دين هاري ستانتون»؛ تمارين اليوجا في الصباح، مروره بالمقهي لاحتساء القهوة، مشاهدة برامج المسابقات في التلفاز، وجلوسه ليلًا في بار مع بعض الأصدقاء غريبي الأطوار.

إغماءة قصيرة ذات صباح تضع «لاكي» في مواجهة مع الموت. «لاكي» غير المؤمن بالروح يواجه احتمالات فنائه النهائي. ربما تكون هذه الإغماءة الحدث الوحيد في الفيلم، ربما إذا استثنينا اختفاء سلحفاة صديقه هوارد المعمرة المسماة الرئيس روزفلت (يقوم بدور هذا الصديق المخرج الكبير ديفيد لينش).

إيقاع الفيلم هادئ كخطى بطله التسعيني المتمهلة. فيلم بسيط وشاعري يتأمل الحياة والموت، رحلة داخلية نحو تقبل المجهول والتصالح مع الموت. يمكن اعتبار الفيلم مثل أغنية أخيرة لـ«دين هاري ستانتون»، فالفيلم يعد آخر ظهور سينمائي له حيث توفي عقب انتهاء تصوير الفيلم.


Thelma

أحدث أفلام المخرج النرويجي «يواكيم ترير» صاحب فيلم «Oslo, August 31st». يفتتح «ترير» فيلمه بصورة مربكة، ففي رحلة صيد لـ«ثيلما» الطفلة مع والدها على شاطئ بحيرة متجمدة، يصوب الأب بندقيته صوب ابنته ثم يقطع بعد ذلك إلى مرحلة الجامعة.

في أوسلو بعيدًا لأول مرة عن أسرتها المتدينة والمحافظة، يحدث نوع من الانجذاب والتوتر الجنسي بين «ثيلما» الخجولة والمتدينة، وزميلتها «آنيا». تعاني «ثيلما» من نوبات صرع عنيفة ونكتشف مع تقدم السرد أنها تمتلك نوعًا من القدرات الخارقة.

بالإمكان اعتبار «ثيلما» نسخة أكثر قتامة وتعقيدًا من تحفة دي بالما «Carrie»، المأخوذة عن رواية لـ«ستيفن كينج». يمكننا أن نرى في صور الفيلم الغريبة، وقدرات «ثيلما» غير العادية، اندفاع الرغبات المكبوتة عبر وعي ممزق بأفكار الخطيئة والشعور بالذنب، وعي يجعل من مشاعر كالانجذاب أو الوقوع في الحب انفعالات هائلة ومخيفة.

ثيلما فتاة تواجه نفسها ورغباتها المظلمة لأول مرة وقدراتها غير العادية هي غضبها المكبوب، ألم فتاة غير قادرة على أن تكون نفسها. فيلم جدير بالمشاهدة من مخرج ننتظر منه الكثير.