لملم عباس ذخيرته والمتراس، ومضى يصقل سيفه. عبر اللص إليه، وحل ببيته، أصبح ضيفه، قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه

هل امتلك الشاعر العراقي «أحمد مطر» من الفطنة ما مكّنه من توصيف الواقع السياسي الفلسطيني بدقة عندما صاغ هذه الأبيات من قصيدته «حكاية عباس»؟ أم أنها مجرد أبيات تعبر عن أفكار قومية تجاوزها الواقع العربي المتصالح مع إسرائيل منذ عقود؟

يتوافق اليوم، 15 يناير/كانون الثاني، مع ذكرى أداء «محمود عباس» (أبو مازن) لليمين الدستوري، كرئيس للسلطة الفلسطينية، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2005م.

واليوم، وبعد أحد عشر عامًا، ترأس خلالهم أبو مازن السلطة الفلسطينية، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وقيادة حركة فتح، يجد نفسه مُحاصرًا بعددٍ من الأزمات، خلّفتها القرارات والمواقف التي اتخذها في الآونة الأخيرة، ونتجت كذلك عن الصراعات الداخلية المحتدمة التي تشهدها هيئات السلطة، مما يشكّل خطرًا على مستقبله السياسي ومستقبل السلطة الفلسطينية، بل وعلى مستقبل القضية برمتها.


شرعية مفقودة

عمل عباس بكل طاقته على تنفيذ شروط الاتفاق الأمني، وضرب بعرض الحائط قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل

لقد فقد عباس شرعيته كرئيس لسلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود منذ عام 2009م، أي منذ انتهاء فترة رئاسته، ولكن بسبب الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضًا بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع، التي شُنت في نهاية عام 2008م، وبداية عام 2009م؛ فإن عباس جدّد لنفسه فترات رئاسية غير شرعية، مازالت مستمرة إلى وقتنا هذا، علمًا بأنه بحسب القانون الأساسي الفلسطيني تؤول الرئاسة في حال خلو المنصب أو فقدان الأهلية القانونية إلى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، إلى أن تتم الانتخابات لاختيار الرئيس الجديد.

وتؤكد استطلاعات الرأي، أنه بعد مرور أحد عشر عامًا قضاها عباس في الحكم، انخفضت شعبيته إلى أدنى مستوياتها. ففي الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر/كانون الأول 2015م، ظهر بأن قرابة ثلثي الفلسطينيين (65%) يريدون من محمود عباس أن يستقيل. وأشار الاستطلاع نفسه إلى تراجع الرضا عن أداء عباس في منصب الرئاسة من 44% قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الاستطلاع إلى 38%.

وهو ما يعود بشكل أساسي إلى فشله في تأسيس دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم قدرته على تحقيق تقدم في مفاوضاته المزعومة مع «إسرائيل»، وهو ما رأى الفلسطينيون أنه أضاع معه أي أمل في الحديث عن حق العودة. كما أنه عمل على تفكيك البنية العسكرية للمقاومة في الضفة الغربية، وقمع أية محاولة للانتفاضة ضد الاحتلال، ناهيك عن استمرار استشراء الاستيطان وتهويد القدس، خاصة في ظل أحداث الانتفاضة التي تشهدها الضفة الغربية والقدس حاليًا. وفي الوقت ذاته، عمل عباس بكل طاقته على تنفيذ شروط الاتفاق الأمني، وضرب بعرض الحائط قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.


استقالة عباس

قدَّم عباس، بشكل مفاجئ، استقالته من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي تعتبر أعلى هيئة قيادية في منظمة التحرير الفلسطينية. كما استقال أكثر من نصف أعضاء اللجنة، التي تتشكل من 18 عضو.

ووفقًا لمنظمة التحرير، فقد أحدثت هذه الاستقالات فراغًا قانونيًا، وهو ما تطلب دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد، بدورة طارئة، بهدف انتخاب قيادة جديدة للجنة. وقبيل إعلان هذه الاستقالات، قام عباس ببعض الإجراءات التي تؤكد أنه يريد أن يصنع خليفته على عينه، فقد قام بإبعاد من يشاء، وقرّب من يريد، كي يطمئن أن القيادة لن تخرج من بين أنصاره ومقربيه.


إقالة ياسر عبد ربه

قام عباس بإقالة «ياسر عبد ربه» أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بشكل مُفاجئ، وهو ما تم اعتباره قرارا أحاديا من قِبل الرئيس، فهذا من اختصاص اللجنة التنفيذية بكامل أعضائها، كما أن عبد ربه لم يُبَلّغ بهذا القرار، وإنما علم به من وسائل الإعلام. وترجع أسباب إقالة عباس لعبد ربه، إلى علاقة عبد ربه القوية بالنائب «محمد دحلان»، حيث التقيا الاثنان مؤخرًا في الإمارات، مع عدد من المسئولين الإماراتيين، مما أغضب أبو مازن.

كما كان لعلاقة عبد ربه مع رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض، والذي ساءت علاقته مع محمود عباس مؤخرًا أثر كبير في اتخاذ هذا القرار. بعد أن أوعز عباس للجهات المختصة بملاحقة مؤسسة «فلسطين الغد» التي كان يرأسها فياض باتهامه بـ «غسيل الأموال» من خلالها.

والواضح من اتخاذ هذه القرارات، سواء قرار إقالة عبد ربه، أو ملاحقة سلام فياض، أن عباس يريد أن يسيطر على كل دوائر صنع القرار، ويستبعد أي شخص يوجه انتقادات لسياسته في قيادة المنظمة والسلطة.


صائب عريقات أمينًا للسر

ما زاد الأمر تعقيدًا، هو قرار عباس بتعيين «صائب عريقات» أمين سر اللجنة التنفيذية، فبعد طرح هذا القرار للتصويت، رفضه عضوان من اللجنة المركزية وهما «جبريل الرجوب»، و«توفيق الطيراوي»، ووافق عليه أربعة عشر عضوا، وهي النسبة المطلوبة لإقرار قرارات اللجنة، مع العلم أنه لم يحضر الاجتماع سوى 16 عضوًا والرئيس، من بين أعضاء اللجنة الذين يبلغ عددهم 23 عضوا.

وبحسب المصادر فإنه وبعد التصويت على القرار، أعلن جبريل الرجوب اعتراضه على الطريقة التي تم بها طرح القرار والتصويت عليه، وقد سانده في ذلك توفيق الطيراوي، إلا أن الرئيس أبو مازن أعلن فورًا فض الجلسة وانتهاء الاجتماع.


هل يحل «المجلس الوطني» الموقف؟

يمثل المجلس الوطني الفلسطيني السلطة العليا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير الفلسطينية ويرسم برامجها، ولم يجتمع المجلس الوطني الفلسطيني رسميًا منذ عام 1996م.

وجاءت خطوة استقالة عباس، وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، كما سبق أن ذكرنا، لتحتم عقد جلسة طارئة للمجلس. لكن تحول موانع عدة دون عقد دورة عادية للمجلس الوطني، منها عدم اكتمال النصاب في ظل عدم حيازة بعض الأعضاء لتصاريح مرور إسرائيلية، لحضور الجلسة في حال كانت في الضفة الغربية، بالإضافة لاحتمال مقاطعة بعضهم للجلسة، إذا تمت من دون حضور كافة الفصائل.

وتزداد الشكوك حول نية عباس من وراء إقدامه على خطوة الاستقالة، فالبعض يُرجّح أنه يهدف من ذلك إلى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، لتشكيل لجنة تنفيذية جديدة، يتم من خلالها استبدال أعضاء غير مرغوب فيهم في اللجنة التنفيذية الحالية، بآخرين موالين لسياساته. كما يرغب عباس في تجديد شرعيته التي انتهى مفعولها منذ سنوات، كما ذكرنا آنفًا.

وقد تباينت ردود فعل الفصائل الفلسطينية تجاه هذا الإعلان (أي عقد دورة استثنائية للمجلس) فاعتبرت حركة حماس الدعوة لانعقاد المجلس الوطني باطلة بسبب عدم شمولها لكافة قوى المقاومة، ورفضتها فصائل أخرى لأسباب إجرائية ولانعقاده في رام الله، فيما دعت حركة الجهاد الإسلامي إلى تأجيله.

وقد اتخذت عدة فصائل مواقف جريئة تجاه هذا القرار، فجاء موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أعلنت مقاطعتها لهذه الدورة وطالبت بتأجيلها، مما أفسح المجال أمام سلسلة المواقف الرافضة لعقد الدورة.

ونظرًا لأن مقاطعة فصيل أساسي في منظمة التحرير، للدورة سيثير علامات استفهام حول شرعيتها، فكان أن وقعت حوالي 1000 شخصية وطنية فلسطينية من مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية والفكرية تطالب بتأجيل عقد الدورة، حتى أعلنت اللجنة المركزية لحركة فتح المطالبة بالتأجيل هي الأخرى، مما جعل اللجنة التنفيذية تخاطب رئيس المجلس الوطني، لتأجيل عقد الدورة.


من يخلف عباس؟

تزداد الشكوك حول نية عباس من وراء إقدامه على خطوة الاستقالة، فالبعض يُرجّح أنه يهدف من ذلك إلى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني

من المتوقع أن تشهد حركة فتح في اليوم التالي لخروج أبو مازن من السلطة فوضى وصراعات شديدة على المواقع القيادية التي يشغلها أبو مازن، في حركة فتح والسلطة والمنظمة، فهناك بعض الأشخاص تنافِس بقوة على خلافة عباس.

فرغم أن دحلان لم يعلن حتى اللحظة رغبته في المنافسة على خلافة أبو مازن، إلا أنه يُعتبر من أقوى المنافسين على خلافته، إذ يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، داخل قطاع غزة والضفة الغربية، كما أن هناك تأييدًا لدحلان ضمن أعضاء اللجنة المركزية لفتح، ومجلسها الثوري.

إلا أن دحلان ليس وحده من ينافس أبو مازن. فاستطلاعات الرأي العام تمنح «مروان البرغوثي» الأفضلية ضمن جميع المرشحين المحتملين لرئاسة السلطة في حال إجراء انتخابات جديدة، ففضلًا عن تمتعه بجماهيرية شعبية، يعتبر أحد أبرز أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بعدما تم انتخابه غيابيًا، في انتخابات حركة فتح الداخلية في عام 2008م، كما أن سمعته غير ملوثة بالفساد. ومن المتوقع أن يُرشح نفسه مجددًا لأية انتخابات رئاسية قادمة، غير أن البرغوثي يقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية، ومن المُستبعَد أن تُفرِج عنه إسرائيل في حال فوزه في أية انتخابات قادمة.

وضمن دائرة المقربين من أبو مازن، يطمح كل من «صائب عريقات»، و«جبريل الرجوب»، واللواء «ماجد فرج»، للوصول إلى كرسي الرئاسة، وتزداد فرص عريقات في خلافة أبو مازن بعد ترقيته لأمين سر منظمة التحرير، وإمكانية قبوله إسرائيليًا وإقليميًا ودوليًا. لكنه يفتقد إلى قاعدة دعم شعبية داخل حركة فتح، وخاصة ضمن الأجهزة الأمنية. وفي المقابل، فإن كلًا من الرجوب، مدير الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية، واللواء ماجد فرج، رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية، يتمتع بنفوذ واسع داخل هذه الأجهزة، وخاصة الأخير.

ورغم أن الرجوب يتمتع بدعم جيد بين نشطاء حركة فتح، إلا أن صورته قد اهتزت في الشارع الفلسطيني مؤخرًا بعد سحبه اقتراحًا يهدف إلى معاقبة إسرائيل من طرف منظمة الفيفا في مايو/أيار 2014م، وهو ما يُضعف فرصته في نيل ثقة الشعب الفلسطيني.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن الموافقة الإسرائيلية والدولية تعتبر من العوامل الحاسمة في اختيار رئيس السلطة القادم، ورغم أن إسرائيل لم تُعلن تأييدها العلني لأي من المرشحين المحتملين للرئاسة؛ إلا أنها ستكون حريصة على وصول الشخص المناسب لهذا المنصب، وهو الشخص الذي لن يخرج عن النص أو الطريق التي رسمته هي لتحقيق أهدافها.

وبعد، فعلى الرغم من إقدام عباس على خطوة الاستقالة، بحثًا عن تجديد شرعيته، أو لتصفية بعض معارضيه، إلا أن الأزمات التي يمر بها حاليًا، قد تجبره على تفعيل هذه الاستقالة، والتخلي عن كافة المناصب التي يتقلدها.

ومضى اللص بعدما قضى لديها وطره وصوت عباس يدوي خلفه فلتسقط المؤامرة فلتسقط المؤامرة عباس: والخنجر ما حاجته؟ ينفعنا عند الظروف القاهرة وغارة اللص؟
قطعت دابره ألم تشاهدوني وقد غافلته واجتزتُ خط الدائرة! واجتزتُ خط الدائرة! فما أكثر اليوم عباس!

وإذا كان لنا أن نحاور الشاعر العراقي أحمد مطر الآن، فنسأله: هل تجاوز عباس الدائرة بالفعل؟ فاللص مازال بالمنزل.

المراجع
  1. منير شفيق، المجلس الوطني للتجديد لمحمود عباس، موقع نون بوست، 6 سبتمبر 2015.
  2. تقدير استراتيجي (81): مستقبل انتفاضة القدس، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أكتوبر2015.
  3. شرعية رئيس السلطة الفلسطينية بعد انتهاء ولايته، موقع الجزيرة نت، 6 أكتوبر 2008.
  4. استقالة عباس وآخرين من اللجنة التنفيذية، موقع الجزيرة نت، 23 أغسطس 2015.
  5. ياسر عبد ربه يرفض قرار إعفائه، موقع الجزيرة نت، 1يوليو 2015.
  6. ما هي الأسباب التي دفعت عباس لإقالة ياسر عبد ربه؟، موقع I24 نيوز،2 يوليو 2015.
  7. قصة الصراع داخل مركزية فتح على تعيين صائب عريقات، موقع وكالة فلسطين برس، 25 يوليو 2015.
  8. خلاف بشأن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، موقع روسيا اليوم، 26 أغسطس 2015.
  9. علاء أبو صالح، جلسة المجلس الوطني الفلسطيني… نزاع على كراسي سلطة وهمية لا قوام لها إلا برضا الاحتلال وإذنه، موقع الراية، 9 سبتمبر 2015.
  10. عليان عليان، تأجيل دورة المجلس الوطني الفلسطيني استجابة للضغوط الفصائلية والشعبية، موقع الحوار المتمدن، 15 سبتمبر 2015.
  11. حركة فتح أمام مفترق طرق في مؤتمرها السابع، موقع محيط، 14 يناير 2015.
  12. نادر الصفدي، عباس يفشل في تحديد موعد مؤتمر فتح السابع، موقع الرسالة نت، 8 فبراير 2015.
  13. منى عوض، الصراع داخل فتح: الماضي والحاضر والمستقبل، موقع إضاءات، 9 سبتمبر 2015.