من شابه أباه فما ظلم. فكما تورث الأموال في مجتمعاتنا العربية؛ كذلك تورث الأفكار، هكذا هو الحال بالنسبة لمأمون الهضيبي؛ فقد ولد لأب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وعين مرشدا لها، فقد كان من الطبيعي أن يسير على منهاج والده وخصوصا إذا كان ذلك يتعلق بالعقيدة.

محمد مأمون الهضيبي، نجل المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين من مواليد محافظة سوهاج قرية الشواولة في عام 1921م، لأسرة يمتد أصلها إلى محافظة القليوبية بقرية عرب الصوالحة لأب يعمل محاميًا. تدرج مأمون في المراحل التعلىمية المختلفة إلى أن التحق بكلية الحقوق مثل والده بجامعة القاهرة _ الملك فؤاد قديما _ وعُين وكيلا للنيابة وبعدها أخذ في التدرج حتى تم تعيينه قاضيا، ولكنه استقال من منصبه ليتفرغ للعمل في جماعة الإخوان المسلمين.

التحق مأمون الهضيبي بالإخوان المسلمين في عام 1956م _ كان والده آنذاك المرشد العام للجماعة _ وذلك عقب العدوان الثلاثي على مصر، مشاركا في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.


الاعتقال فى إسرائيل ومصر

منذ ذلك الوقت أخذ مأمون ينخرط في العمل داخل الإخوان المسلمين، وكان اعتقاله الأول على يد الجيش الإسرائيلي في تلك الأوقات ثم أفرج عنه في عام 1965م، وتم اعتقاله مجددا في عهد الرئيس عبد الناصر وسُجن في السجن الحربي وسجن طرة إلى إن تم الإفراج عنه في عهد الرئيس السادات في عام 1971م. ويحكي مأمون قصة اعتقاله فيقول:

حدث أمر جعل الأمن يشتبه في أنني أخفي شيئًا في بيتي، والذي حدث هو أن زوجتي عندما علمت من الإذاعة بقضية الشهيد سيد قطب قامت بإخفاء كتبه التي كانت بمكتبتي؛ أخفتها في حوش المنزل، في تلك الآونة كان الأمن يرصد البيت فاشتبهوا في أن “أسلحة” كان يتم إخفاؤها، فداهموا البيت وفتشوه أكثر من مرة، وعسكروا في البيت أكثر من يوم فلم يجدوا إلا الكتب. اقتادوني إلى إدارة المباحث ثم نقلوني إلى سجن أبي زعبل، وهناك مارسوا عملياتهم التي كانوا يمارسونها مع المعتقلين: التعلىق والضرب والمحمصة وغيره، ثم نقلوني إلى طرة ثم السجن الحربي حتى أنهوا التحقيقات، وأصدروا الحكم بالسجن ثم نقلوني مرة أخرى إلى سجن أبي زعبل حتى عام 1967 م، ثم نقلونا إلى سجن طرة ومكثنا به حتى مات جمال عبد الناصر، وفي عهد السادات بدأت الإفراجات وخرجت مع الدفعات التي خرجت من طرة

طُلب منه أثناء اعتقاله أن يقدم استقالته من منصبه كقاضٍ وبالفعل قدمها، وبعد أن خرج من السجن سافر إلى السعودية في عام 1971م وعمل بوزارة الداخلية السعودية بقسم الحقوق العامة والخاصة حيث يقول:

وظل هذا الوضع فترة طويلة حتى قضت محكمة النقض ببطلان الاستقالة وعودتي للعمل، وكانت درجتي قد وصلت إلى نائب رئيس محكمة استئناف، وبعد صدور الحكم عدت إلى مصر واستكملت عملي لفترة بسيطة، ولم تكن السلطات مرحبة بعملي في القاهرة؛ فصدرت تعلىمات بانتدابي إلى السعودية حيث عدت مرة أخرى إلى هناك حتى أوشك سني على بلوغ الستين، وجاء دوري لأكون رئيس محكمة استئناف القاهرة. وقبلها أصبحت خلال السفر في درجة رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، وصدر قرار جمهوري بالفعل من الرئيس مبارك بتعييني رئيسًا لمحكمة استئناف القاهرة بناءً على قرار مجلس القضاء الأعلى، وعلى اعتبار أنني منتدب في الخارج، فقطعت سفري وعدت وتسلمت عملي لأيام ثم صدر قرار إحالتي للتقاعد. لكن وزير العدل في ذلك الوقت أراد أن يعبر عن أحاسيسه فحاول أن يكتب في قرار الإحالة بأنني رئيس محكمة استئناف الإسكندرية بدرجة رئيس محكمة استئناف القاهرة (استئناف القاهرة أعلى درجات محاكم الاستئناف)، لكن عندما قدمت القرار الجمهوري اضطروا لتعديل البيانات، عدت مرة أخرى إلى السعودية لمواصلة عملي حتى زار الأستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان في ذلك الوقت السعودية للحج في منتصف الثمانينيات وقابلته وطلب مني النزول إلى القاهرة

وفي خوض الإخوان الانتخابات البرلمانية بالتحالف مع حزب العمل وحزب الأحرار في عهد المرشد الرابع حامد أبو النصر تم ترشيح مأمون عن دائرة الدقي الجيزة ونجح بالفعل من ضمن عدد 36 عضو وكان هو المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للإخوان في تلك الدورة.


الهضيبي وتحول الإخوان لحزب

عندما كثر الحديث عن اتجاه الإخوان إلى عمل حزب سياسي تحت اسم “حزب الوسط”؛ تولى مأمون الهضيبي مهمة إنكار ذلك ونفي وجود أي نية لإنشاء حزب سياسي، ولكن على النقيض يذكر عصام العريان أن مأمون الهضيبي كان يحبذ إنشاء حزب الوسط حيث قال:

وقد أعلن الهضيبي منذ عام 1995 م -بل قبل ذلكأن الإخوان مستعدون للتحول إلى حزب سياسي، وأن كلَّ الاستعدادات قائمة، وأن ذلك يمكن أن يتمَّ خلال 24 ساعة، وكان ردُّ الحكومة الدائم هو التحذير الشديد من اتخاذ خطوات جادة في هذا الصدد، إلى درجة محاكمة وكيل حزب (الوسط) و13 من كبار الإخوان أمام محكمة عسكرية، ثمَّ رفض الحزب، وتم الحكم على 7 من الإخوان بـ 3 سنوات أشغال شاقة، وحتى عندما اختلف المهندس “أبو العلا ماضي”وكيل المؤسسين
مع الإخوان وقيادتهم خلافًا حقيقيًّا حول السير في إجراءات التأسيس، والمضي قدمًا، سارع إلى إعادة التقدم بطلب حزب جديد (الوسط المصري)، تم رفضه أيضًا، ولم يتم السماح له إلا بجمعية ثقافية ينشط من خلالها؛ وهو ما يعني أن ذلك خطًّا أحمر، وهو في الحقيقة ليس قاصرًا على الإخوان، بل هو خط أحمر لكل المجتمع المصري؛ حيث يحتكر الحزب الحاكم صلاحية السماح لأي حزب معارض، وهذا خلل رهيب في بنية النظام السياسي المصري؛ حيث يتحول الخصم إلى حكم يسمح بالوجود القانوني، ثم يراقب، ثم يحظر أو يحل الأحزاب المعارضة


الهضيبي مرشدا

شغل مأمون الهضيبي منصب المتحدث الإعلامي باسم الجماعة في حياة المرشد الرابع حامد أبو النصر، ثم تم انتخابه نائبا للمرشد في عهد مصطفي مشهور وذلك في عام 1995م وبعد أن توفي مشهور تولى مأمون الهضيبي الإرشاد خلفا له وذلك في عام 2002 م.

كانت الجماعة في عهد مأمون الهضيبي يغلب علىها سمة أساسية وهي مناهضة النظام السابق والتحدث عن الأوضاع الداخلية والخارجية ومنها انتقاد الفساد المتربع في جميع مؤسسات الدولة، كما أنه كان له موقف من تصريحات شيخ الأزهر طنطاوي حول قانون حظر الحجاب في فرنسا وعمل على إقالة شيخ الأزهر وتولية شيخ جديد، وظهر ذلك في طلب الإحاطة الذي قدمه نائب الإخوان حمدي حسن في البرلمان إلى عاطف عبيد يطلب فيه إقالة شيخ الأزهر.

وكان نهج الهضيبي يتمثل في إقرار التعددية الحزبية في المجتمع المسلم وفي ظل حكومة إسلامية والقبول بتداول السلطة بين الأحزاب في الدولة الإسلامية واستمرار القبول بنظام الحكم الدستوري النيابي كأفضل نظم الحكم، والتأكيد على المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والحريات، والواجبات العامة في التعلىم والعمل، والتصويت والترشيح للمجالس النيابة، وتولي الوظائف العامة في إطار الشريعة الإسلامية وكذلك القبول بالمشاركة في حكومات ائتلافية في حال الضرورة أو حال تحقق مصلحة مؤكدة.


ماذا لو كان الهضيبي مرشدًا إلى الآن؟

لم تختلف علاقة الجماعة بالنظام فترة الهضيبي عما هي عليه الآن إلا من ناحية الوسيلة، فقد عمل الهضيبي كما أشرنا على مناهضة النظام القائم وانتقاد الأوضاع وهذا ما عليه الجماعة الآن، ولكن الفارق هو اللجوء إلى العنف بعض الأحيان وإن كان السبب في لجوء الجماعة للعنف الآن لا يرتبط بالجماعة نفسها بصورة كاملة إلا أننا نرى أنه لو كان الهضيبي مرشدا لما اتجه أي فرد من أفراد الجماعة للعنف وهذا ما يدلل عليه تاريخ الجماعة في الفترة من 2002 إلى 2004.

من ناحية الانشقاقات ربما موقف الهضيبي سيكون مختلفا؛ ففي حواره مع الجزيرة نت في تلك القضية قائلا: “أي دعوة تضم الملايين من البشر تستمر على مدى نحو خمس وسبعين سنة لابد وأن يظهر في أثناء مسيرتها بعض الاختلافات بين أنصارها، ويحدث أن يترك بعض تلك الجماعة ويجعل لنفسه منهجًا خاصًا يدعو هو إليه، وهذه هي طبيعة الأشياء وطبيعة البشر، ومحاولة تجسيم ما حدث في جماعة الإخوان المسلمين والزعم بأنها انشقاقات والزعم بأن تجربة الترابي أو غيره هو انشقاق خطير في جسد الجماعة زعم واضح عدم صحته”.

أما عن علاقة الجماعة بتركيا فقد كان للهضيبي موقف مغاير من ذلك، مشيرا إلى أنه لا وجود فعليٌ للإخوان في تركيا وهذا ما قال فيه نصا: “أما عن تركيا فلم تكن فيها يوما حركة تسمى حركة الإخوان المسلمين، ولم يكن لها يوما رابطة عضوية بالإخوان المسلمين، ولتركيا أوضاعها وظروفها، وأهل مكة أدرى بشعابها” وحتى وإن كان هناك فإنه لو كان الهضيبي مرشدا كما نتوقع أن علاقة الإخوان بتركيا لم تظهر كما هي عليه الآن.


خلافة الإخوان وخلافة داعش

لم يتجاهل الهضيبي، كغيره من مرشدي الإخوان، الحديث عن إقامة الخلافة الإسلامية ولكنها خلافة تختلف عن تلك التي يسعى إليها تنظيم الدولة الآن، فقد رأى الهضيبي أن السعي لإقامة خلافة إسلامية يتمثل في السعي للتقريب بين الشعوب الإسلامية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا حتى يتسني ذلك، ولكن الأمر مختلف الآن شيئا ما؛ فبتغير نهج الجماعة عن خُطى الهضيبي؛ بدأ بعض أفراد الجماعة يرون إقامة الخلافة بالطريقة الداعشية وسيلة لابد منها، وهذا ما يفسره تحول العديد من الشباب المعتدلين إلى السلفية الجهادية.

المراجع
  1. محمد مختار قنديل، الإخوان المرتدون، دار أكتب للنشر والتوزيع.