في نهاية عام 2000، وزعت صناعة السينما 4025 جائزة في 564 احتفالاً، وهو ما يعني أن إجمالي الاحتفالات بلغ ما يصل إلى 1.5 احتفال يوميًا، مع منح جائزة كل ساعتين، على مدار 365 يومًا في السنة. ومن بين كل هذا الكم الغفير من الجوائز، تبرز جائزة الأوسكار التي تمنحها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأمريكية بوصفها الجائزة الأهم والأكثر تأثيرًا على الصناعة، ومن هنا جاء السؤال عن مدى سلطة تلك الجائزة على جمهور السينما العالمي؟ وهل تعتبر كل تلك الجوائز وعلى رأسها الأوسكار، مؤشرًا دالاً على الجودة الفنية والإبداع؟

عشاء الأوسكار التاريخي

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، خضعت الولايات المتحدة لثورة ثقافية وتكنولوجية هائلة كان لها عظيم الأثر على صناعة السينما. وفي يناير عام 1927، جاءت الفكرة الأولى لأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة من خلال رئيس ستوديو MGM لويس بي ماير Louis B. Mayer. وفي شهر مايو من العام نفسه، اجتمع 36 ممثلاً من كل فروع الصناعة في فندق «إمباسادور Ambassador» في لوس أنجلوس، فيما يعرف الآن بـ «العشاء التاريخي». أثناء هذا العشاء سمع رجال الصناعة الثقال مقترحًا بإنشاء أكاديمية دولية لفنون وعلوم الصور المتحركة، وبعد الكثير من المداولات وبنود اللوائح، تم انتخاب دوجلاس فيربانكس Douglas Fairbanks كأول رئيس للأكاديمية.

عرفت أول لجان الأكاديمية باسم «لجنة جوائز الاستحقاق»، وتكونت من سبعة أعضاء اقترحوا على مجلس الإدارة أن تضم الجائزة 12 تصنيفًا، وقام المصمم الفني لإستوديو MGM سيدريك جيبونز Cedric Gibbons بتصميم تمثال الجائزة في عام 1928، وهو التمثال التاريخي الذي لم يتغير حتى اليوم. 

في شهر مايو من عام 1929، أقيم أول حفل تسليم جوائز الأكاديمية بفندق روزفيلت. كان المرشحون قد تم الإعلان عنهم قبل ثلاثة أشهر. في العام التالي تصاعد الحماس للجائزة مما حفز محطة راديو لوس أنجلوس بنقل وقائع الحفل على الهواء مباشرة. في عام 1953 نقلت وقائع الحفل الكبير على التلفزيون للمرة الأولى في أمريكا وكندا، وفي عام 1966 نقل الحفل بالألوان الطبيعية للمرة الأولى، ثم أخذت الجائزة خطوة أكبر في عام 1969 بنقل الحفل لجمهور السينما في 200 دولة حول العالم. شيئًا فشيئًا تجذرت الجائزة في الثقافة الأمريكية والعالمية بالتبعية، وكلما جذبت جمهورًا أكبر، كلما تعاظم تأثيرها على جمهور السينما حول العالم.

على الرغم من الوجاهة التي تتلقاها جائزة الأوسكار فإنها حظيت على مدار تاريخها بقدر كبير من الانتقاد، وهو ما يرجعه البعض إلى التدابير الخاصة ما خلف الكواليس، والمواءمات السياسية، وحملات الدعاية، وغيرها من الأحداث التعسفية.[1] وهو ما حدا ببعض النقاد إلى تقديم اختيارات بديلة للجوائز عن تلك المسيسة التي قدمتها الأكاديمية على مدار تاريخها، وربما يكون أبرزهم الناقد الأمريكي Danny Peary الذي قدم اختياراته في كتاب تحت عنوان «الأوسكار البديلة». كما يتمثل أحد تلك البدائل في الجوائز التي تمنحها جهات مثل مجتمع النقاد الوطني (National Society of Film Critics)، ودائرة نقاد السينما في نيويورك (New York Film Critics Circle)، حتى أن الأخيرة والتي بدأت في عام 1935، قد تم تأسيسها خصيصًا لتكون مقابلاً موضوعيًا لجوائز الأوسكار «المتحيزة»، إذ رأى النقاد أن الجائزة يسيطر عليها الذوق الهوليوودي المحلي، وسياسات الإستديوهات.

غير أن الثابت تاريخيًا أن كل هذه الانتقادات التي تكاد تتجدد كل عام مع إعلان ترشيحات الجائزة، لم تؤثر بشكل لافت على جماهيرية الحفل الأسطوري الذي ينتظره الملايين حول العالم، فيما اعتادت الأكاديمية أن تدعي لسنوات أن عدد مشاهدي حفل الأوسكار يتجاوز المليار مشاهد حول العالم، وهي الادعاءات التي ثبت زيفها. وفقًا لموقع Statista بلغ عدد مشاهدي حفل الأوسكار عام 2019، من خلال التلفاز داخل الولايات المتحدة 29.6 مليون مشاهد، بينما قدرت مجلة The Hollywood Reporter عدد مشاهدي الحفل في عام 2016 على مستوى العالم بما يتجاوز بقليل 65 مليون مشاهد. ولكن على الرغم من ذلك، فإنه يظل هذا الرقم ضخمًا للغاية، ويظل حفل الأوسكار هو البث التلفزيوني الأكثر مشاهدة على الإطلاق على مستوى العالم، وهذا الرقم تحديدًا هو ما يمنح تلك الجائزة تأثيرًا عظيمًا على مشاهد السينما العالمي في العصر الحالي.

أثبتت العديد من الأبحاث مدى أهمية جائزة الأوسكار وتأثيرها على إيرادات الأفلام، فيكفي أن نعرف أن من بين 20 فيلمًا فازوا بالجائزة الكبرى (أوسكار أفضل فيلم) على مدار العقدين الأخيرين، 16 فيلمًا تخطت إيرادات كل منهم 100 مليون دولار، و11 فيلمًا تخطت إيراداتها 200 مليون دولار، وهي أرقام كبيرة بلا شك، خاصة مع الوضع في الاعتبار أن غالبية هذه الأفلام لا تنتمي إلى إنتاجات هوليوود الضخمة إذ إن 14 فيلمًا منها لم تتجاوز ميزانيته 30 مليون دولار فقط. هذه الأرقام تؤكد على سعي الجمهور لمشاهدة هذه الأفلام التي ما كانوا ليقرروا مشاهدتها إلا بسبب فوزها بجائزة الأوسكار المرموقة، وهو ما يؤكده تقرير سابق لجريدة الإكونومست، قدرت الأرباح الإضافية التي قد يحظى بها الفيلم بعد الفوز بجائزة الأوسكار بما قيمته 25 مليون دولار.

السينما كسلعة تجريبية

أما في عالم صناعة السينما، فإن المشاهد عليه أن يتخذ قراره بالاختيار ما بين البدائل المعروضة قبل التعرض للسلعة نفسها، ولهذا تكتسب مؤشرات الجودة أهمية إضافية في هذا المجال، إذ إن المستهلك/المشاهد يبحث عن أي أمارة على الجودة تساعده على الاختيار من بين البدائل المعروضة، خاصة وأن الأفلام هي سلعة تجريبية. إن المشاهدين يقررون جودة الفيلم بناء على حجم المتعة وليس المنفعة التي يخرجون بها من الفيلم، ولذلك فإن المعرفة المسبقة لمدى تحقق هذه المنفعة قبل مشاهدة الفيلم هي أمر صعب للغاية،[3] ولذلك يبحث المشاهدون عن مؤشرات وأمارات على الجودة.

منذ نشأتها الأولى، جمعت السينما بين الفن والصناعة والتجارة بشكل يصعب معه الفصل بين أي منها. واليوم بعد أكثر من قرن على ميلاد هذا الفن الحديث، لا تزال العلاقة بين هذه الأعمدة الثلاثة تمثل معضلة كبيرة في تناول السينما، خاصة بعد تغول التكنولوجيا الحديثة، وتعملق الصناعة الأمريكية وسيطرتها التجارية والثقافية على هذا الفن على مستوى العالم. إذا ما نظرنا إلى الشق التجاري في السينما، سنجد أن لها سوقًا ولها مستهلكًا وتتأثر بكل قواعد الاقتصاد الحديث شأنها شأن أي سلعة تجارية.

اعتمدت جيردا جيمزر، أستاذ الاقتصاد بجامعة RMIT، في دراستها المعنونة «لماذا تعتبر بعض الجوائز أكثر فعالية كمؤشر للجودة من غيرها؟»، على نظرية «نظام الاختيار» والتي تتألف من ثلاثة أنواع مثالية لاختيار المنتجات وهي: السوق، والخبراء، والأقران. تشير جيمزر إلى أن اختيار المستهلك من بين المتاح من السلع يقوم بالأساس على ذوقه وتقديره الشخصي، أو على ما يوفره السوق كأفضل المعروض، وفي حالات قليلة يقوم على أساس تقدير الخبراء[2]، ومن أشهر الأمثلة على ذلك مجال الفنون التشكيلية، حيث يأخذ المشتري قراره بشراء لوحة ما اعتمادًا على آراء الخبراء والنقاد المتخصصين أو مدراء المتاحف وأصحاب المعارض الفنية، ومدى تقييمهم لقيمة اللوحة وتقديرهم لسعرها المفترض.

في الصناعة الثقافية، تكتسب الجوايز أهمية كبيرة لأنها تعتبر مؤشرًا على الجودة بالنسبة للمستهلك، ودليلاً للاختيار من بين السلع/الإنتاجات الثقافية المختلفة. في عالم السينما، لا تزال جائزة الأوسكار هي الأكثر أهمية بين الجوائز المختلفة، ولهذا فإن العديد من الإستوديوهات يعولون على أهميتها كمؤشر على الجودة، ومحفز للنجاح في شباك التذاكر.

في دراسة زوليو بيمنتيل، الباحث في معهد روتشيستر للتكنولوجيا في نيويورك، يناقش تأثير جائزة الأوسكار على تلقي الجمهور للأفلام من خلال مفهوم «مصداقية المصدر»، ويعرفه بأنه الخصائص الإيجابية للمرسل التي تؤثر على قبول المستقبل للرسالة. [4]

إن المكانة المميزة للجوائز تعتبر مؤشرًا هامًا لمصداقية المصدر لدى المشاهد، فالمشاهد يمنح تلك الجوائز درجات متفاوتة من المصداقية، ولهذا فإن قناعته بمدى أهمية الجائزة كمؤشر على الجودة تتوقف على تلك المصداقية والتي ترتبط بدورها بعاملين رئيسيين هما الثقة والخبرة. ويمكن تعريف الخبرة بأنها مدى قدرة المصدر على تقديم أطروحات صالحة ومقنعة للمتلقي، أما الثقة فهي مدى اقتناع المتلقي بصحة الأطروحات التي يقدمها المصدر.

يتابع بيمنتيل من هذه النقطة دراسته لمدى تأثير ترشيحات وجوائز الأوسكار على تلقي المشاهدين للأفلام، من خلال دراسة استجابة العينة لثلاثة عوامل هي: 1) مدى اهتمام المشارك بالفيلم، و2) مدى تقديره لجودة الفيلم، و3) احتمالية إقباله على مشاهدة الفيلم. وجدت الدراسة أن استجابة الجمهور للأفلام التي يحمل ملصقها شعار الأوسكار، تكتسب مصداقية أكبر في مدى جودة الفيلم من غيرها من الأفلام التي لا تحمل ذلك الشعار. كما أن هذا الشعار يدفع المشاهد للاهتمام بمشاهدة الفيلم أكثر من غيره، أما على مستوى فعل المشاهدة نفسه، فقد وجدت الدراسة أن هناك علاقة طردية بين ترشح الفيلم أو فوزه بجائزة الأوسكار، وبين احتمالية إقبال المشاهد على مشاهدة الفيلم بالفعل، بيد أنها أكدت أن العكس غير صحيح، إذ إن احتمالية إقبال المشاهد على مشاهدة الأفلام لا تتأثر في حالة الأفلام التي لا تحمل شعار الأوسكار على ملصقها.[5]

العلاقة بين العوامل الثلاثة متفاوتة، إذ إن الاهتمام بالفيلم حتى وإن لم يكن مرتبطًا بكون الفيلم مرشحًا أو فائزًا بجائزة الأوسكار، يرفع بالضرورة من احتمالية إقبال الجمهور على مشاهدته، ومن ناحية أخرى فإن مدى مصداقية جائزة الأوسكار كمؤشر على الجودة لا تؤثر بالضرورة على مدى اهتمام الجمهور بالفيلم، وبالتبعية مدى إقباله على مشاهدته، وهو ما يعني أن الجمهور قد يبدي اهتمامًا أكبر بالأفلام التجارية غير المرشحة أو الفائزة بالأوسكار بصرف النظر عن مدى مصداقية الجائزة كمعيار للجودة، إذ إن معيار الجودة هنا يتوقف بشكل كبير على مدى المتعة المتوقعة من مشاهدة الفيلم.

في دراسة دين كينيث سيمونتون التي شملت 7 جوائز كبيرة في مجال السينما هي جائزة الأوسكار، وجائزة الجولدن جلوب، وجائزة البافتا البريطانية، وجائزة دائرة نقاد نيويورك، وجائزة المجلس الوطني للنقد (National Board of Review)، وجائزة مجتمع نقاد السينما الوطني (National Society of Film Critics)، وجائزة جمعية لوس أنجلوس للنقاد (Los Angeles Film Critics Association)، وجدت الدراسة أن هناك إجماعًا واضحًا على محورية جائزة الأوسكار كمؤشر على التوافق بين مختلف مانحي الجوائز على مدى الإسهام الفني للأفلام الفائزة. وأن الجوائز مرتبطة بشكل إيجابي بالتقييمات اللاحقة للأفلام، وتكون الارتباطات كبيرة بشكل خاص في فئات الجوائز لأفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل تمثيل.[6]

في دراستهم المعنونة «من أجل مجد الأوسكار أم المال؟»، يذهب كل من إيفا دوتشر، وكوسي أدجاما، وفلوريان بولي، إلى أن جائزة الأوسكار هي الأكثر أهمية كمؤشر على الجودة لدى الجمهور، فبالإضافة إلى الزخم الإعلامي الكبير الذي يصاحب كل مراحل الجائزة، فإن الدراسة تعتبر أن عملية التصويت التي تتم من قبل أكثر من 7 آلاف من أعضاء الأكاديمية العاملين في مجال الصناعة تجعلها أكثر مصداقية من غيرها من الجوائز التي تعتمد على لجان تحكيم من الخبراء، أو تصويت أعضاء أقل في العدد.[7]

ما بين مؤشر الجودة، ومؤشر الإبداع

كل هذه الدراسات أكدت على محورية جائزة الأوسكار من بين مئات الجوائز التي يتم تقديمها سنويًا للعاملين في صناعة السينما ومدى أثرها على المشاهد، ولكنها لا تنفك تتساءل عن مدى دلالة هذا الاستحقاق فيما يتعلق بالإبداع الفني الحقيقي. في حالة الجوائز، يختلف الوزن النسبي للجائزة كمؤشر على الجودة بناء على الجهة المانحة أو المصوتين على ذلك الاستحقاق، ومن ثم فإن الجمهور لا يقبل المؤشرات إلا بوضع المصدر ومدى مصداقيته في الاعتبار، فالجوائز الممنوحة من لجنة تحكيم أو لجنة اختيار تضم أعضاءً فاعلين في الصناعة ولهم مصداقيتهم لدى الجمهور (مصداقية المصدر)، يكون لها الوزن الأثقل في عملية الاختيار، والعكس صحيح.

تصنف دراسة جيمزر جائزة الأوسكار كأحد مؤشرات الأقران، إذ إن اختيار الجائزة يتم من قبل أكثر من 7 آلاف عضو من أعضاء الأكاديمية، وكلهم من العاملين في صناعة السينما بأقسامها المختلفة، بيد أن الدراسة في الوقت نفسه أكدت على أن تأثير جائزة الأوسكار يكاد يتطابق مع تأثير الجوائز التي تعتمد على تقديرات الجمهور نفسه وليس الخبراء أو الأقران، مثل جائزة MTV.

ترى جيمزر أن الجوائز التي يختارها الخبراء هي الأكثر فعالية ودلالة على الجودة الفنية في حالة الأفلام المستقلة، في حين أن جمهور السينما يستقي مصداقية الجوائز في حالة الأفلام السائدة من اختيارات الأقران سواء المستهلكين (فيما يعرف بظاهرة تناقل الألسنة)، أو العاملين في الصناعة. [8]

ولهذا نجد أنه في حالة الأفلام السائدة التي تنتجها الإستوديوهات الكبيرة، فإن قرار المشاهد يتأثر بشكل كبير بحجم الدعاية وتناقل الألسن من الأصدقاء وغيرهم ممن شاهد الفيلم بالفعل، أما في حالة الأفلام المستقلة تتراجع أهمية هذه المؤشرات لصالح المراجعات النقدية من المتخصصين التي يعتمد عليها المشاهد في اتخاذ قراره.

تسعى كبرى الشركات والإستوديوهات بهوليوود إلى الفوز بجائزة الأوسكار، لا من أجل التقدير الفني لعمل إبداعي، ولكن سعيًا وراء المزيد من الأموال في شباك التذاكر، ومن أجل ذلك تشن مجموعة من الحملات مع اقتراب الموسم من كل عام، والتي تتضمن مختلف الممارسات من الإعلانات والدعاية الإعلامية سواء على شاشة العرض التلفزيونية والفضائية، أو الملصقات الإلكترونية، أو أغلفة وصفحات أشهر الصحف والمجلات الفنية، أو حتى على اللافتات الإعلانية بشوارع لوس أنجلوس ونيويورك. كما تتضمن الحملات أيضًا نشاطات جماعات الضغط والتأثير أو ما يطلق عليه «اللوبي»، والعروض الخاصة التي تعقبها مناقشات مع نجوم وصناع الفيلم، بل وأحيانًا تعتمد على إثارة بعض الحقائق التاريخية الخاصة بالمسابقة كحقيقة ندرة ترشح المخرجات النساء إلى الجائزة.

اقرأ أيضًا: حملات الأوسكار: الجانب المظلم للجائزة الأشهر على الإطلاق

من أجل الفوز بتمثال الأوسكار الذهبي تتكالب الإستوديوهات بشكل جنوني في مضمار الدعاية لأفلامها، وتستثمر أموالًا طائلة تتجاوز في بعض الأحيان ميزانيات أفلام مستقلة متواضعة الإنتاج، فعلى سبيل المثال، أنفق ستوديو يونيفرسال 15 مليون دولار على الدعاية لفيلم A Beautiful Mind الذي فاز بالجائزة عام 2002، أي ما يزيد بقليل عن ربع ميزانية إنتاج الفيلم نفسه.

كل ما سبق لا يشكك فقط في مدى مصداقية جائزة الأوسكار كمؤشر حقيقي ودال على الإبداع الفني، ولكنه يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنها جائزة للتفوق الرأسمالي، وتعبير عن طغيان الجانب التجاري على الفني والصناعي في هذا الوسيط الحديث، وليس أدل على ذلك من استبعاد فيلم The Lighthouse، أحد أفضل الأعمال السينمائية الأمريكية في عام 2019، من ترشيحات الأوسكار، والذي لم يحصل سوى على ترشيح وحيد في فئة التصوير السينمائي. فمثل هذا الفيلم الذي بلغت ميزانية إنتاجه 4 ملايين دولار فقط، كان عليه أن ينفق ثلاثة أضعاف ميزانيته في الدعاية الإعلامية حتى تتسنى له الفرصة للاعتراف به مرشحًا للجائزة، دون أن تشفع له 15 جائزة من كبرى المهرجانات السينمائية في العالم، من بينها جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما بمهرجان كان الفرنسي، فمثل هذه الجوائز لا يعيرها المشاهد العالمي انتباهًا، ولا يأخذ بها كمؤشر على الجودة.

لا تزال هوليوود، بما لها من هيمنة ثقافية وإعلامية على شعوب العالم أجمع، هي الفاعل الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العالمية، وما دامت تمتلك كل أدوات التأثير في الثقافة السينمائية العالمية، ستبقى جائزة الأوسكار هي الأكثر تأثيرًا، وسيظل حفل الأوسكار هو أكثر البرامج التلفزيونية مشاهدة على مستوى العالم، وسيظل صناع السينما يتبارون من أجل الفوز بجائزة الإنجاز التجاري لا الفني، وستبقى أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة تمنح استحقاقًا إبداعيًا لا تملك منحه، لمن تدعمه كبرى الإستديوهات بحملاتها لا لمن يستحقه.

المراجع
  1. Dean Keith Simonton, Film awards as indicators of cinematic creativity and achievement, Creativity Research Journal, Vol. 16, University of California, 2004, p 164.
  2. Gerda Gemser, Why Some Awards Are More Effective Signals of Quality Than Others, Journal of Management, Vol. 34 No. 1, February 2008, p 26.
  3. Morris A. Cohen, Jehoshua Eliashberg, Teck H. Ho, An Anatomy of a Decision-Support System for Developing and Launching Line Extensions, Journal of Marketing Research, Vol. 34, No. 1, USA, 1997, p 117.
  4. Zoilo Pimentel, How the Academy Awards Influence Audience Perception of a Film, The Rochester Institute of Technology, USA, 2016, p 12.
  5. Zoilo Pimentel, How the Academy Awards Influence Audience Perception of a Film, The Rochester Institute of Technology, USA, 2016, p 23.
  6. Dean Keith Simonton, Film awards as indicators of cinematic creativity and achievement, Creativity Research Journal, Vol. 16, University of California, 2004, p 163.
  7. Eva Deuchert, Kossi Adjamah and Florian Pauly, For Oscar Glory or Oscar Money?, Journal of Cultural Economics 29, Institute for Economic Research, Germany, 2005, p 160.
  8. Gerda Gemser, Why Some Awards Are More Effective Signals of Quality Than Others, Journal of Management, Vol. 34 No. 1, February 2008, p 44.