في الحرب كل الأطراف خاسرة، يدفع الجميع الثمن من أرواح أبنائهم وموارد دخولهم. تَهون تلك الضريبة على الطرف الذي يخرج في النهاية منتصرًا. ويتجرع المهزوم مرار الهزيمة ومرار الثمن الباهظ الذي دفعه، إلا طرفٌ واحد هو الفائز منذ البداية؛ تاجر السلاح، والتاجر بحاجة إلى أرض يختبر فيها سلاحه، ليُظهر قوته حقيقةً لا نظريًا. من هذه الحقيقة انطلق تنافس روسي أمريكي من نوع جديد.

الدولتان تتشاركان رغبتهما في تسويق سلاحهما، وبما أن السلاح صُنع ليُستعمل، إذن كلما زادت الحروب زاد الربح. لكنهما اختلفتا في الطريقة، روسيا اختارت أن تدخل في حروب مباشرة لتجرب سلاحها بنفسها، أما الولايات المتحدة، فاختارت صناعة الحروب أولًا ثم بيع السلاح لأطرافها. لكن الدولتين عادتا ليتفقا أن أيًا كان الأسلوب فإنه يجب أن يتم في منطقة واحدة.

الشرق الأوسط سيئ الحظ هو تلك الأرض، وسوريا هي الدليل الأكبر. تدخل الثورة السورية عامها السابع. تتشابك الأحداث وتتعقد الأوضاع ويغلف الضباب مصيرها، إلا أن الحقيقة الأكيدة هنا أن روسيا استخدمت سوريا كحقل تجارب لأسلحتها التي تراكمت على مدار أربعة وعشرين عامًا كاملة، هي الفاصل بين نهاية الحرب الباردة في 1991 وإطلاق أول ضربة روسية معلنة على الأراضي السورية في 30 سبتمبر/ أيلول 2015.


نقتل السوريين للتدريب

حقيقة تفاخر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلًا إن الحرب في سوريا كانت أفضل تدريب للقوات الروسية. وأكدّها خبراء عسكريون روس قائلين إن الحرب في سوريا وفرت ساعات تدريب كافية للطيارين الروس كانوا بحاجة إليها، كما تم اختبار كفاءة قوات التدخل السريع الروسية. كما أعلن يوري بوريزوف، نائب وزير الدفاع الروسي، أن سوريا شهدت تجريب أكثر من 600 سلاح وآلية عسكرية جديدة حتى أغسطس/ آب 2017.

أكد ذلك سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، بقوله إن النظام السوري يسانده أسلحة روسية متطورة تظهر للمرة الأولى منها 162 نوعًا استخدمت في سوريا فقط. وأضاف أن سوريا ألهمت مصنعيّ الأسلحة أنواعًا جديدة صنعت في أثناء الحرب تناسب طبيعة الأراضي السورية. وهو ما لم يجد إيغور ماكوشييف، رئيس اللجنة العلمية العسكرية، حرجًا من الإقرار به. إذ قال إنه تم تغيير خط وتصاميم إنتاج أكثر من 200 نوع من الأسلحة تبعًا لنتيجة اختبارها في سوريا.

اقرأ أيضًا: الأسلحة الروسية الجديدة: بين أحلام بوتين وواقع روسيا

الصواريخ المجنحة «كاليبر» تم اختبارها للمرة الأولى على الأراضي السورية. والفئة الثانية «كروز كاليبر» التي تطلق من أسطول بحري شهدت إطلاق 4 صواريخ عبر الأسطول الروسي في بحر قزوين. لم يسقط أي منها على هدفه المنشود، مما يؤكد حقيقة أن تلك الأسلحة ما زالت في مرحلة الاختبار.

سيرغي تشيميزوف مدير شركة روستيخ للأسلحة


السلاح الروسي يتصدر

البجعة البيضاء هي الأخرى حلقت للمرة الأولى في سماء سوريا. طائرة مقاتلة تدخل ضمن أسلحة الردع النووي، أسرع من الصوت ويمكنها أن تطير 14 ألف كيلو متر دون الحاجة للتزود بالوقود. ولهيب الشمس الحارق صُنعت خصيصًا للأراضي السورية، راجمات صواريخ تطلق قذائف حرارية حارقة. يصبح أثرها أسوأ كلما كان المكان مغلقًا، لهذا تقضي على كل ما بين جبلين.

كما شهدت سوريا ولادة صواريخ جو-أرض «KH-101» البالغ مداها 4500 كيلو متر. كذلك لم تجد آلات القتل الفتاكة «سوخوي 34» مكانًا مناسبًا للظهور لأول مرة سوى سوريا. وفي يونيو/ حزيران 2017 ظهرت مركبة الدعم الناري «BMPT-72» لأول مرة خارج روسيا. وفي نفس الشهر أعلنت وزارة الدفاع الروسية تطوير المقاتلة التمساح «كا-52» بعد تجربتها في سوريا. كما تحدث الروس عن تجربة بزة جندي المستقبل «راتنيك». كذلك استخدام مروحيات الصياد الليلي و«مي-24 ومي-8».

تشيمزيوف قال في مقابلة له إن الطلب على السلاح الروسي زاد بنسبة 7.2% في 2017، ليصبح الفارق بين روسيا صاحبة المركز الثاني والولايات المتحدة صاحبة المركزة الأول طفيفًا جدًا. لكن الحرب على سوريا يمكنها أن تجعل روسيا تسيطر على 27% من مبيعات الطائرات المقاتلة في العالم.

اقرأ أيضًا: محمد عثمانلي يكتب: في فلسفة الجرائم الروسية

وأظهرت الوثائق الروسية أن روسيا باعت سلاحًا بـ 15 مليار دولار في 2017 فقط. ستعرف أن الرقم ضخم إذا علمت أن روسيا لم تبع في 2013 و2014 مجتمعين سوى ما قيمته 10.3 مليار دولار، كما لم تبع في بدايات 2015، قبل الضربة المعلنة، سوى ما قيمته 14.5 مليار دولار. وبفضل الكفاءة التي أظهرتها الأسلحة الروسية في سوريا فإن روسيا وقعت عقودًا تقارب الـ50 مليار دولار للسنوات القادمة.


نحو حرب لا تنتهي

العملية العسكرية في سوريا دعاية مجانية للصواريخ والطائرات والسفن الحربية الروسية.

أما الولايات المتحدة، فتتجنب الحروب المباشرة لكنها تحرص على أن يحتوي الشرق الأوسط دائمًا بؤر صراع لا تهدأ. تمضي في ذلك مدفوعة بلوبيات السلاح التي تفرض سيطرتها على مراكز صنع القرار الأمريكي. خاصةً وأنه في الخمس سنوات الماضية استورد الشرق الأوسط 32% من جميع صادرات السلاح في العالم. السعودية هي الثانية عالميًا والأولى عربيًا في استيراد السلاح بما يقارب الـ80 مليار دولار للعام الماضي فقط، تتبعها الإمارات ثم مصر.

إسرائيل هي الأخرى تستخدم حربها على غزة لتقديم سلاحها للعالم. في إسرائيل يضيق السكان بنقص الأموال المخصصة للمؤسسات الأخرى غير وزارة الدفاع، لذا ارتفعت المطالبات بتقليص ميزانية الإنتاج الحربي. زادت المطالبات بعد حرب لبنان 2006، لكن من حينها نجد أن إسرائيل تتبع نمطًا معينًا في الهجوم على غزة بمعدل مرة كل عام، أو مرة كل عامين. هذه الاستراتيجية تمكنت من إخراس المطالبين بتقليص الميزانية، كما رفعت شركات الأسلحة أرباحها.

تصدر إسرائيل ما قيمته 7 مليارات دولار سنويًا لكل تقنية جديدة تظهرها في حربها على غزة. ومع كل حرب على غزة تتحدث الصحف الاقتصادية الإسرائيلية عن عقود السلاح الضخمة التي تُوقعها شركات السلاح الإسرائيلة وأبرز نجوم العروض الإسرائيلية هي القبة الفولاذية، فأي دولة لا ترغب في منظومة دفاعية تمكنها من فعل ما تشاء في أعدائها وفي نفس الوقت يحيا مواطنوها في أمان من أي هجوم انتقامي. تدرك حماس تلك النقطة لذا دائمًا ما تضع القبة تحت اختبارات متتابعة.

في النهاية يتبقى سؤال، إذا كانت روسيا تعتمد في اقتصادها على السلاح، وإذا كانت شركات السلاح الأمريكية هي التي تأتي بالرؤساء وأعضاء الكونجرس، وإذا كانت مبيعات السلاح الإسرائيلية هي التي تساعد الحكومة على منح ناخبيهم الحياة المترفة، فهل من المنطقي أن نتفاءل بقرب انتهاء الأزمة السورية أو نحلم بشرقٍ أوسط بلا حروب أو نظن أن إسرائيل ستقبل بحل سلمي للقضية الفلسطينية؟