في نوفمبر عام 1948 في سينما رويال عُرض لأول مرة فيلم «فتاة من فلسطين»، حيث أنتجته «عزيزة أمير» التي كانت سبَّاقة في إنتاج أول فيلم سينمائي عربي مصري يتحدث عن القضية الفلسطينية، أخرجه زوجها «محمود ذو الفقار»، وقام ببطولته أيضًا، وباختيار جريء جدًّا منها قامت «سعاد محمد» بالبطولة لتؤدي دور «سلمى» الفتاة الفلسطينية التي تغادر من فلسطين إلى مصر بعد أن قتلت العصابات اليهودية والدها.

يبدأ الفيلم بسلمى وهي في القطار الذي كان يسير مباشرة بين البلدين في إشارة لعمق العلاقات التجارية وعلاقات النسب، حيث قال لها والدها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: «روحي لأهلك في مصر»، فسلمى كانت ابنة خالة البطل، الذي كان ضابطًا طيارًا شارك ببسالة وإخلاص في حرب فلسطين، وأصيب إصابة بالغة أقعدته، وكما تقول أجندة الدراما فلا بد من قصة حب تقع هنا بين الفتاة الفلسطينية والضابط المصري.
الفيلم تأليف «يوسف جوهر»، وأغانيه من كلمات الشاعر «بيرم التونسي» وألحان «رياض السنباطي» و«القصبجي»، الفيلم احتوى الأغنية الشهيرة والجميلة «يا مجاهد في سبيل الله».

في 2007 اختير الفيلم بعد ترميمه في المهرجان القومي للسينما المصرية ضمن مختارات الأفلام القديمة التي تُعرَض لأول مرة بعد مرور 70 عامًا على عرضها في السينما. وبالرغم من عدم نجاح الفيلم ما لبثت عزيزة أمير أن أعقبته بفيلم «نادية» عام 1949. كان «نادية» التجربة الإخراجية الأولى لفطين عبد الوهاب وسيناريو وحوار «يوسف جوهر» أيضًا، قامت «عزيزة أمير» بنفسها بالبطولة بجانب «محمود ذو الفقار» و«سليمان نجيب» و«شادية». ويبدو أن حماس الزوجين قد أزعج البوليس السياسي وقتها، فتوقفا عن صنع المزيد من الأفلام عن القضية الفلسطينية.

أفلام عن القضية الفلسطينية أم الأسلحة الفاسدة؟

فجَّر «إحسان عبد القدوس» قضية الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين على صفحات روزاليوسف في عهد الملك فاروق. وكان أول فيلم تم إنتاجه بعد 23 يوليو يتحدث عن هذه القضية فيلم «أرض الأبطال» عام 1953 من إخراج «نيازي مصطفى» وإنتاج وتأليف وبطولة «جمال فارس»، تدور أحداث الفيلم بشكل محوري حول الفدائيين المصريين وبسالتهم في الحرب، ففي مشهد من الفيلم كان العنوان الرئيسي في جريدة: «الشباب المصري يتسابق للتطوع في الجهاد».

وأنتج استوديو مصر عام 1955 فيلم «الله معنا» من تأليف «إحسان عبد القدوس» وإخراج «أحمد بدرخان»، والذي كان يدور موضوعه الأساسي عن قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت سببًا في هزيمة الجيش المصري في حرب 48. في قصة الفيلم يفقد النقيب «أحمد» -الذي قام بدوره «عماد حمدي»- ذراعه بسبب تجارة عمه الثري «عبد العزيز باشا» -الذي قام بدوره «محمود المليجي»- في الأسلحة الفاسدة، ولا بد في الخط الدرامي من قصة حب تقع بين النقيب أحمد وابنة عمه «فاتن حمامة»، كل هذا والقضية الفلسطينية صوتها خافت في خلفية الفيلم.

في عام 1957 أخرج كمال الشيخ فيلم «أرض السلام» الذي استخدمت فيه اللهجة الفلسطينية لمجموعة من الممثلين المصريين، ولم تنجح «فاتن حمامة» في إتقانها ولكن «توفيق الدقن» مثلًا كان مبدعًا فيها.

يدور الفيلم بشكل أساسي عن الفدائي المصري «أحمد» الذي يقوم بدوره «عمر الشريف» ومهمته تفجير خزانات بنزين للجيش الإسرائيلي، ويصادف بجانب موقع الخزانات حصنًا استقرت فيه عائلات فلسطينية هربت بعد مذبحة دير ياسين، كان هناك تركيز شديد على الفلسطينيين الشاكرين جدًّا للفدائي المصري، وتكرارهم طوال الوقت أنهم فداء للفدائي المصري.

ناجي العلي: الشخصيات الفلسطينية تبرز في السينما

نور الشريف يقدم فيلمًا عن الرجل الذي شتم مصر.

هكذا كان مضمون عنوانين ومقالات الصحف المصرية عام 1992 عند الإعلان عن فيلم «ناجي العلي»، رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي قام بدوره «نور الشريف» وأخرجه «عاطف الطيب» وألّفه «بشير الديك».

يبدأ الفيلم باغتيال «ناجي العلي» في لندن، ثم يسرد بطريقة الفلاش باك قصة طفولته وشبابه وانتقالاته بين البلدان. تجاهل الفيلم حرب 73 ودور مصر في لبنان، وطرح موقف ناجي العلي من الحكَّام العرب وأولهم أنور السادات، مما جعل الصحفي المصري «إبراهيم سعدة» يتولى الهجوم عليه، واتهم الفيلم بالحصول على 3 ملايين دولار من منظمة التحرير الفلسطينية مما دفع الرئيس «ياسر عرفات» لمنع عرضه لينفي التهمة عن المنظمة أو لأن الفيلم لمَّح إلى تورط المنظمة في اغتيال «ناجي العلي». الفيلم شكَّل أزمة شديدة في حياة ومسيرة «نور الشريف» وظل ممنوعًا من العرض 22 عامًا.

التفجيرات الاستشهادية تظهر في السينما المصرية

في 2001 وأثناء اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، منذ سبتمبر 2000، واستشهاد «محمد الدرة»، أطل علينا «محمد العدل» بإنتاج تجربة سينمائية جديدة وفريدة في فيلم «أصحاب ولا بيزنس» الذي قام ببطولته «مصطفى قمر» بدور «كريم»، و«هاني سلامة» بدور «طارق»، وهما مذيعان شابان في قناة «نت وورك ألفين» يقدمان برامج مسابقات ترفيهية.

يقرر مدير القناة «أدهم» الذي قام بدوره «مدحت العدل» أن يرسلهما إلى فلسطين لتقديم حلقة ترفيهية من هناك، فيقابلان «جهاد» الذي قام بدوره «عمرو واكد»، والذي أتقن بشكل مبدع اللهجة الفلسطينية، يقوم جهاد بعملية تفجيرية استشهادية ويطلب من كريم أن يذيع العملية في برنامجه، يُظهر الفيلم محاربة مدير القناة لإذاعة العملية، وفي نفس الوقت دعم الداخلية التي ترفض التدخل لوقف العرض.

وفي عام 2005 قدّم «عادل إمام» الفيلم الكوميدي الساخر «السفارة في العمارة»، إخراج «عمرو عرفة» وتأليف «يوسف معاطي»، سلط الفيلم الضوء أيضًا على الطفل ابن صديق «شريف خيري» الذي قتلته رصاصات الاحتلال الفلسطيني، وفي نفس الوقت جعل الفيلم السلطة العليا للقانون الذي لجأ إليه البطل لإخراج السفارة الإسرائيلية من العمارة التي يقطن فيها.

وفي 2009 كانت تجربة جديدة وفريدة لأبطال الشباك الأول «شريف منير» و«كريم عبد العزيز» و«منى زكي» في فيلم «ولاد العم» الذي قام بتأليفه «سمير عاطف» وأخرجه «شريف عرفة»، والذي اختُتم بالجملة الشهيرة لضابط المخابرات المصري وهو ينظر إلى الأراضي الفلسطينية قبل رحيله «هنرجع بس مش دلوقتي».

سينما غسان كنفاني

أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.

تنتسب هذه الجملة الشهيرة إلى «سعيد» بطل رواية «عائد إلى حيفا» التي صدرت طبعتها الأولى عام 1969، والتي يبدو أنها كُتبت لتصبح مادة مفضلة ووجبة شهية لكل سينمائي يريد أن يصنع فيلمًا عن فلسطين، سواء أن يتكأ على الرواية نفسها أو يقتبس منها أو يعود إليها كمرجع عن روح الهوية والنضال والاختيار.

في عام 1981 أنتجت «مؤسسة الأرض للإنتاج السينمائي» التابعة «للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أول فيلم فليسطيني خالص بأموال وجهود فلسطينية يحمل نفس اسم الرواية، أخرجه العراقي «قاسم حول» الذي كان صديقًا مقربًا لغسان كنفاني، وكان من بطولة «حنان الحاج علي» و«بول مطر»، وظهر فيه لأول مرة «جمال سليمان» الذي سيلعب دور البطولة فيما بعد في فيلم «المتبقي».

في عام 1995 قام المخرج الإيراني «سيف الله داد» بإخراج وإنتاج فيلم «المتبقي» الذي لم يلتزم بنص الرواية الأصلية «عائد إلى حيفا»، بل اقتبس منها فقط، أدى «جمال سليمان» بطولة الفيلم مع «غسان مسعود» و«سلمى المصري» التي أصبحت هي الشخصية الرئيسية في الحكاية، مع أنها لم تكن موجودة في النص الأصلي.

أخرج «يحيى البشتاوي» مونودراما عام 1998 لنفس الرواية، وقُدمت كمسحرية من إخراج لينا أبيض عام 2010، ومسلسل لباسل الخطيب عام 2004.

حولت المؤسسة العامة للسينما في سوريا روايته «ما تبقى لكم» إلى فيلم بعنوان «السكين» عام 1974 إخراج «خالد حمامة»، وروايته «رجال في الشمس» حُولت إلى فيلم «المخدوعون» للمخرج المصري «توفيق صالح» عام 1972، كما حولها أيضًا المخرج «فجر يعقوب» إلى فيلم روائي قصير عام 2003 بعنوان «صورة شمسية».

أما قصته «كعك على الرصيف» فلقد حُولت إلى عدة أفلام قصيرة لعدة مخرجين كأمثال «إسماعيل هباش» و«سامي الحو» و«محيي الجيوشي».

السينما الفلسطينية الآن

منذ سنوات غير بعيدة تهطل علينا أفلام عن القضية الفلسطينية ذات موسيقى عذبة تدغدغ المجتمع الآخر وحفلات الجوائز العالمية، مخرجون من أصول فلسطينية وجنسيات متعددة يصنعون أفلامًا على مقاس الأوسكار والجولدن جلوب وكان، ففي عام 2005 حاز فيلم «الجنة الآن» للمخرج فلسطيني الأصل «هاني أبو أسعد» على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أخرى.

الفيلم كان مثيرًا للجدل جدًّا، لم يعجب المقاومة الفلسطينية التي رأت أنه يشوهها ويسيئ إليها، لم يعجب الفلسطينيين أيضًا، وحاربه إسرائيليون يرون أنه يُظهر جانبًا إنسانيًّا للمقاومة غير حقيقي، فيلم يحظى بالرضا من لجان الجوائز العالمية ويُهاجم من أطراف عدة ربما عليك مشاهدته لتحكم عليه من وجهة نظرك الخاصة.

وفي 2013 وصل نفس المخرج أيضًا إلى ترشيحات الأوسكار بفيلمه الفلسطيني «عمر»، الذي يحكي عن الفلسطيني والحب والفتنة بين أبناء المقاومة والأصدقاء!

وفي 2014 خاضت «نجوى نجار» تجربتها الإخراجية الثانية في فيلم «عيون الحرامية»، الذي قام بالبطولة فيه الفنان «خالد أبو النجا» والفنانة «سعاد ماسي». اقتُبس الفيلم عن قصة حقيقية وهي عملية «عيون الحرامية» ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي والتي حدثت في عام 2002. الفيلم أيضًا وصل إلى صالات الأوسكار.

وفي 2001 صنع «إيليا سليمان» فيلمًا كوميديًّا ساخرًا ممتلئًا بالفانتازيا والرموز والإشارات «يد إلهية»، والذي حاز على جائزتين عالميتين واحدة في مهرجان كان والأخرى في مهرجان السينما الأوروربية. وتتعدد الأفلام والمحاولات المستميتة للوصول بالقضية عالميًّا، سواء كان بجهود فلسطينية حقيقية أو جهود متعاونة ومشتركة غربيًّا.

ولكن هل تلك المحاولات والجهود خالصة فعلًا؟ هل تُظهر الوجه الحقيقي لمعاناة الفلسطينيين ومقاومتهم وجهادهم للحصول على الحرية؟ هل هناك تناول حقيقي للقضية كقضية دون إقحامها تحت مظلات أخرى؟
دون أن نستخدمها لتلميع سلطات عربية أخرى أو الهتاف باسم مكاتب ومنظمات، أو طلب الرضا من جمهور آخر غريب لا يعي ولا يدرك شيئًا حقيقيًّا عن القضية ويريد فقط أن يرى ما يعجبه؟

هل هناك فرق واضح بين ما حاولت عزيزة أمير تقديمه وما يقدمه الآن «هاني أبو أسعد» وزملاؤه؟ هل هناك اختلاف بين ما قالته نادية عام 1949: «ماكنش ممكن نتخلى عن فلسطين ونسيبها تحارب لوحدها، مش من أخلاق العربي إنه يسكت عن الظلم». و«سهى» ابنة الشهيد «أبو عزام» في فيلم «الجنة الآن» وهي تحاول أن تقنع البطل أن العمليات الاستشهادية لا مكسب من ورائها سوى المزيد من العداء وتصرخ به: «مفيش جنَّة، طلّع الجنِّي اللي في دماغك»!

هل تختزل القضية الفلسطينية في الأسلحة الفاسدة والإشارات السياسية إلى عصور سابقة وتمجيد عصور لاحقة؟ هل الأنظمة حقًّا مع القضية؟!

ما كانت حقيقة القضية في السينما سابقًا وما مصيرها الآن؟