مع أفول العام وفي ختامه، سيذكر عام 2017 في التاريخ كعامنا الأول في حقبة جديدة، حقبة الموجات الجذبوية والأوطان البديلة المحتملة لسلالتنا. هنا نلقي نظرة عامة على ما أحرزه العلماء من اكتشافات واختراعات خلال العام حيث يتسنى لنا مشاهدة العلم يتراكم وينضج ثم يثور على ذاته ليفسح المجال لأفكار جديدة بالنمو.

في هذا التقرير نستعرض أهم منجزات الفيزياء لعام 2017. بالطبع لن يتسع الأمر لذكر كل الاكتشافات والاختراعات الرائعة التي قدمها لنا العلماء في مختلف فروع الفيزياء طوال السنة، إلا أننا سنتحدث عن الاكتشافات الأكثر تأثيرًا في منظورنا للكون وللعلم والمستقبل.

نبدأ الجولة إذن من القمر.


قمر قديم جدًا

فلك، فضاء، سماء، رصد فلكي
فلك، فضاء، سماء، رصد فلكي

في يناير 2017 ظهر دليل جديد على قدم عمر القمر، الأمر الذي ما زال النزاع حوله حادًا حتى الآن. أظهر البحث الجديد الذي أجرته ميلاني باربوني وفريقها بجامعة كاليفورنيا أن عمر القمر يزيد بمائة مليون عام على العمر المقدر حاليًا في علم الفلك.

اعتمدت باربوني على فحص الصخور القمرية التي كانت مهمة أبوللو 14 كانت قد أحضرتها. بعد تطبيق القياسات الإشعاعية على عنصري اليورانيوم واللوتيتيوم، اتضح أن عمر القمر يعود لأقدم مما كنا نظن. استغل الفريق البحثي انحلال العناصر الإشعاعية فيما يسمى بالاضمحلال الإشعاعي لتقدير الزمن الذي مر على الصخرة وبالتالي تقدير عمرها. ينحل اليورانيوم إلى رصاص واللوتيتيوم إلى هافنيوم وبالتالي بتقدير كميات الرصاص والهافنيوم يصبح بالإمكان تقدير كميات اليورانيوم واللوتيتيوم الأصلية في الصخرة عند تكونها قديمًا.

يمثل البحث الجديد نقطة نظام في الصراع الدائر حول عمر القمر بين معسكرات العلماء.


نوبل الفيزياء تؤكد الاكتشاف

ثلاثة علماء أمريكيون هم «باري باريش» و«كيب ثورن» و«راينر فايس»، فازوا بجائزة نوبل للفيزياء للعام 2017

في تتويج مؤثر لمسيرة راينر وايس، تم منحه جائزة نوبل الفيزياء بالمشاركة مع كيب ثورن وباري باريش. قد كان هذا اعترافًا واضحًا بأن ما رصده ليجو LIGO كان بالفعل وبما لا يدع مجالًا للشك هو بالفعل موجات أينشتين الثقالية.

كانت المطاردة للحصول على تسجيل لهذه الموجات مطاردة استمرت لقرن تقريبًا منذ أن تنبأ بها أينشتين حتى استطاع راينر وايس تصميم الطريقة التي سيتم التقاط إشارات الموجة بها. تنشأ الموجات الثقالية عن حدث مهول في القوة كاصطدام ثقبين أسودين أو نجمين نيوترونيين. ما أن تتولد هذه الموجة حتى تسير في طريقها غير متفاعلة أبدًا مع المواد من أي نوع.

استخدم وايس وثورن فكرة التداخل الليزري لصنع المقياس – المصنوع على شكل حرف L- الذي سيقوم بعمله حتى قبل تشغيله الرسمي. التقط المقياس الجديد موجات ثقالية عدة ما بين سبتمبر وديسمبر ويناير 2017 ليبدو دون أدنى مجال للشك أن ما تم تسجيله ليس مجرد ذبذبات عابرة وإنما الموجات الثقالية ذاتها.

وهكذا منحت نوبل الفيزياء إلى مستحقيها الثلاثة عن جدارة. وايس المصمم وثورن المطور وباريش المدير.


وحدات بناء الحياة على كوكب قزم

في فبراير أعلنت ناسا أن مهمة دون Dawn استطاعت إيجاد مواد عضوية على سطح النصف الشمالي من الكوكب القزم سيريس Ceres. يعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه في حزام الكويكبات الواقع بين مداري المريخ وزحل. تمكنت دون في اكتشاف المواد العضوية في مسطح ناشئ حول فوهة بركان Crater. مع الماء المتجمد وأملاح الأمونيا والكربونات – والتي تك اكتشافها على ظهر سيريس أيضًا – يعد اكتشاف المواد العضوية خطوة محورية في اكتشاف الطريق إلى ظهور الحياة في الفضاء وعلى كوكبنا.

هل يمكن أن نجد الحياة البدائية يومًا في أعماق الكوكب القزم؟ وهل يستطيع سيريس إرشادنا للخطوات والمكونات التي أدت لظهور الحياة على أرضنا؟ لن تخفى علينا إجابة هذه الأسئلة لزمن طويل.


أسرار الهرم

تسير الأشعة الكونية سابرة في طريقها أغوار الفضاء وأجسامه ولا يعد كوكبنا استثناء. بينما تخترق الأشعة الكونية كل ما على الأرض، بدا أنه من الممكن استغلال هذا السلوك في رؤية ما لا يقبع أمام أعيينا مباشرة. كانت تلك هي فكرة مشروع سكان بيراميدز Scan Pyramids الذي اكتشف في 2017 سرًا جديدًا من أسرار الهرم الأكبر.

بواسطة دراسة تصرف سير الأشعة الكونية في خلال صخور الهرم وتصوير مسلكها، يصبح لدى العلماء فكرة عما يمكن خلف الجدران. تم تثبيت مجسات في الفراغات المكتشفة داخل الهرم الأكبر كالبهو الكبير وغرفتي دفن الملك والملكة بحيث يتم قياس الأشعة وتحديد ما امتص منها وما تغير مساره. من خلال معرفة كثافة الأشعة في كل منطقة في الهرم يمكن بسهولة الاستدلال على وجود غرف غير مكتشفة بعد. وهو ما حدث بالضبط.

بالطبع لا يمكن الجزم بعد بماهية الفراغ المكتشف وهل هو غرفة أم ممر أو مخبأ. سيتطلب ذلك المزيد من البحث والروبوتات والتصوير. إلا أن المشروع استطاع إثبات فعالية الفكرة التي يقوم عليها مثبتا الجسر بين علوم الطبيعة وعلوم الإنسان.


صلب وسائل وغازي بنفس الوقت

جائزة نوبلو الفيزياء, 2017, ليجو, موجات الجاذبية, آينشتاين
جائزة نوبلو الفيزياء, 2017, ليجو, موجات الجاذبية, آينشتاين

في تحدٍ جديد لعقولنا وقدرتنا على التصور، استطاع علماء أمريكيون من معهد ماساتشوستس واّخرون سويسريين من جامعة زيوريخ ETH – كل على حدة –تصنيع مادة تتواجد في حالات المادة الفيزيائية الثلاثة في وقت واحد. لقد تمكن كلا الفريقين من صنع مادة فوق صلبة supersolid بطريقة مختلفة.

قام الفريقان بتوليد غاز مبرد بشدة يعرف فيزيائيا باسم Bose-Einstein condensate وكان التحدي هو أن يعطياه هيكلاً متصلبًا مع الحفاظ على تبادل الذرات بداخله حرًا دون أي مقاومة. المثير في الأمر أن التصلب المذكور هنا لا يعني تصلبًا يمكن أن تلمسه أو تراه بعينيك بل إنه تصلب أعمق من ذلك. تصلب يمكن في توزيع ذرات المادة الجديدة.

هذا التصلب الذي حققه الفريق الأمريكي بواسطة ليزر والفريق السويسري بواسطة تشتيت الضوء داخل ذرات الغاز المبرد. يهدف هذا البحث في أثبات ما يمكن للعلماء الوصول إليه عند محاولة تصنيع مواد جديدة بخواص غريبة. قد تحتاج هذه المادة إلى فراغ عالٍ لتصنيعها ولكن من يعلم؟ أليس من الممكن أن نرى أشباهها في البيئة الطبيعية أو داخل حواسيبنا الكمومية المستقبلية؟

كانت تلك نظرة عامة على بعض إسهامات العلماء التي أجريت على حافة معرفتنا وتحدت مفاهيمنا الطبيعية عن الكون والطبيعة. يمكن القول إن العام الحالي قد شهد انتقالًا حاسمًا إلى مرحلة نعلم فيها جيدًا أن كل الأفكار التي كانت تعتبر حديثة حتى وقت قريب أصبحت في طريقها إلى الانضواء تحت ما يكتشف كل يوم من ظواهر ومواد وممكنات متطرفة.