يبدو أن «إثارة الجدل» أصبحت سمة لازمة لجائزة الرواية العربية «بوكر» في دوراتها المختلفة، إذ لم تكد تنتهي من الجدل الدائر حول استبعاد منظميها، الذي بدا مقصودًا، للروايات «السورية» (نظرًا لوجود أحد أعضاء لجنة التحكيم المنحاز للنظام السوري) حتى فوجئ المتابعون برئيسة اللجنة هذا العام، الروائية الفلسطينية «سحر خليفة»، تعلن عن الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة لهذا العام عبر صفحتها على فيسبوك صباح الخميس 16 فبراير/شباط وذلك قبل الإعلان الرسمي الذي كان منتظرًا أن يكون مساء نفس اليوم؛ مما دفع البعض إلى الظن أنه ربما يكون هناك محاولة للضغط على رأي لجنة التحكيم في الأعمال المختارة للقائمة؛ مما جعلها تسارع بنشرها قبل الموعد، إلا أن رئيسة اللجنة لم تعلق على هذا الأمر، ولم يخرج الإعلان الرسمي في النهاية عمّا أعلنته، وأصبحنا في النهاية أمام القائمة القصيرة التي لوحظ أنها موزعة «جغرافيًا» بحيث تشمل ست بلدان عربية من الشرق إلى الغرب يمكن ترتيبهم على هذا النحو:

من الكويت رواية «السبيليات» للكاتب إسماعيل فهد إسماعيل عن دار نوفا بلس للنشر والتوزيع.

من العراق رواية «مقتل بائع الكتب» للكاتب سعد محمد رحيم عن دار ومكتبة سطور.

من السعودية رواية «موت صغير» للكاتب محمد حسن علوان عن دار الساقي.

ومن لبنان تأتي رواية «أولاد الغيتو – اسمي آدم» للكاتب إلياس خورى عن دار الآداب.

ومن مصر رواية «في غرفة العنكبوت» للكاتب محمد عبد النبي عن دار العين.

انتهاءً بليبيا ورواية «زرايب العبيد» للكاتبة نجوى بن شتوان عن دار الساقي للنشر.

وإذا نظرنا إلى «مضمون» هذه الروايات فسيكون أول ما نلاحظه هو أن ما يجمع بين أكثر هذه الروايات هو أن كتّابها اهتموا بسرد وقائع أو أحداث مسكوت عنها ترتبط بتاريخ البلدان التي انطلقت منها حكاياتهم، فهذا ما نجده عند الروائي الكويتي الكبير «إسماعيل فهد إسماعيل» في «السبيليات» التي يسرد فيها حكاية تهجير عائلة من عائلات قرية «السبيليات» في البصرة أيام الحرب الإيرانية على العراق في ثمانينات القرن الماضي. توثق الرواية تلك الأحداث وما جرّت على أهل القرية من ويلات من خلال حكاية «أم قاسم» التي راحت تبحث عن رفات زوجها الذي راح ضحية تلك الحرب.

ونحو ذلك أيضًا ما يفعله الروائي العراقي «محمد سعد رحيم» في روايته «مقتل بائع الكتب»، إذ يتتبع صحفي عراقي قصة حياة بائع الكتب والرسام «محمود المرزوق» الذي قتل في ظروف غامضة والذي يكشف من خلال تتبع سيرة حياته فصولاً من تاريخ العراق أثناء الغزو الأمريكي الغاشم، وكأن الروايتين سرد لآثار الحرب في هاتين البلدين المتجاورتين كلاً من جهة.

وإلى فلسطين ينتقل بنا الروائي اللبناني «إلياس خوري» ليحكي مأساة أخرى عند «أولاد الغيتو» في مدينة اللد الفلسطينية وهم «عرب 48» كما يسمون إعلاميًا، وهم الفلسطينيون الباقون في الأراضي التي تم احتلالها من قبل إسرائيل، يحكي في الرواية وقائع ما جرى في مذبحة «مدينة اللد» وما نتج عنها من عمليات جمع جثث ضحايا احتلال المدينة وإحراقها، التي أوكلها الصهاينة «أبناء الغيتو» في ما يشبه السُّخرة. كما يحكي عن منع جيش الاحتلال لفريق جمع الجثث من البكاء على الضحايا، وغير ذلك من خلال الحكايات التي يرويها «آدم» ويسمع تفاصيلها من أصدقائه ليقدم من خلال شهادته تلك وثيقة جديدة في تاريخ فلسطين الذي يتم تحريفه وتزوير وقائعه باستمرار!.

أما «زرايب العبيد» لليبية «نجوى بن شتوان» فتخوض في المسكوت عنه من تاريخ ليبيا أيام العثمانيين والتي تصوّر فيها مأساة العبيد (أصحاب البشرة السوداء) الذين تلقوا معاملة قاسية وتعرضوا لمآسٍ جمّة حيث تم استخدامهم كعمال وخدم لأصحاب البشرة البيضاء، وعاشوا حياةً من الفقر والحرمان داخل تلك «الزرايب» التي سمت باسمهم، كل ذلك من خلال حكاية «عتيقة» بطلة الرواية التي تحكي طرفًا من أيام طفولتها ثم تحكي سيرة عائلتها وكيف كانت معاملة الناس لهم، وتصل الرواية ذروتها في لحظة «حرق الزرايب» وكأنها علامة على انتهاء عصر العبيد. حصلت نجوى بن شتوان على جائزة الرواية العربية في الخرطوم عن روايتها «وبر الأحصنة» عام 2005.

وربما يلجأ بعضهم إلى التاريخ المسكوت عنه أيضًا ليسرد الجانب الإنساني في سيرة أحد الأعلام العرب الكبار مثلما فعل «محمد حسن علوان» في روايته «موت صغير» حيث يسرد قصة حياة الإمام الأكبر «ابن عربي» بالتقاطع مع عدد من الأحداث المأساوية التي مر بها العالم الإسلامي عبر تاريخه الطويل في محطاتٍ مختلفة، وقدّم رواية جمعت بين السرد التاريخي والمنحى الصوفي الشاعري بشكل محترف في آنٍ معًا.

اقرأ أيضا:موت صغير: عن حياة إمام المتصوفة «ابن عربي»

أمّا الرواية الواقعية التي تتناول أحداثًا معاصرة في هذه القائمة وتتحدث بشكلٍ مباشر عن قضية شائكة مسكوت عنها أيضًا في المجتمعات العربية هي رواية المصري «محمد عبد النبي»، «في غرفة العنكبوت» الصادرة عن دار العين، والذي تحسب له جرأته فيها لتناول قضية «المثليين» في مصر، من خلال سرد حياة بطل الرواية «هاني محفوظ» الذي يكتشف ميوله المثلية، ويعيش حياته في عالم سري يكشف عنه «عبد النبي» ببساطة ويحكي تفاصيل بطله وانهزاماته وانكساراته ومحاولته التماشي مع المجتمع، كل ذلك يتم التعبير عنه بدقة ومن خلال سرد أدبي محكم.

تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة من المرشحين في القائمة سبق أن وصلوا إلى القائمة الطويلة لبوكر في أعوامٍ سابقة وهم «إسماعيل فهد إسماعيل»، و«إلياس خوري»، و«محمد عبد النبي»، كما وصل «محمد حسن علوان» إلى القائمة القصيرة من قبل عام 2013 عن روايته «القندس». كما سبق أن حاز ممثلٌ عن الدول الخمسة (الكويت، والعراق، والسعودية، لبنان، ومصر) على جائزة بوكر في أعوام سابقة وهم (سعود السنعوسي، وأحمد سعداوي، وعبده خال/رجاء عالم، وربيع جابر، وبهاء طاهر/يوسف زيدان) على التوالي.

فيما يعد الوصول الأول لليبيا في القائمة القصيرة الذي تمثله الروائية «نجوى بن شتوان»، ويكاد يكون وصول امرأة واحدة في القائمة القصيرة تقليدًا راسخًا في قوائم البوكر على مدار عشرة أعوام، وصلت منهم إلى الجائزة الكبرى السعودية «رجاء عالم» مناصفةً مع «الأشعري» عام 2011.

من المقرر إعلان اسم الفائز بالجائزة في 25 أبريل/نيسان القادم خلال احتفال يقام في أبوظبي تزامنًا مع افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.