بداية يجب أن نتفق على أن الاسم الرسمي للجائزة ليس «البوكر العربية» بل هو «الجائزة العالمية للرواية العربية»، أيضًا فإن الجائزة العالمية لا تُسمى البوكر بل هي «بوكر مان». والحقيقة أن الجائزة العالمية للرواية العربية تتم بالتنسيق مع جائزة «بوكر مان» البريطانية لكن كلًا منهما له شخصية مستقلة و تدعمها مؤسستان منفصلتان.

مجازًا – كما حدث في العنوان – سنسميها البوكر العربية لأننا، شئنا أم أبينا، أصبحنا أمام مسمًّى يفرض نفسه على الوسط الثقافي والأدبي كله و من الصعب تعديله.


الجدل حول الترشيحات

منذ أيام أُعلنت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، و التي ضمت ستة عشر عنوانًا من ثمان دولٍ عربية، حظيت خلالها مصر و فلسطين بأكبر عدد من الترشيحات حيث رشحت كل دولة ثلاثة أعمال لجائزة هذا العام.

ضمت جائزة هذا العام كاتبيْن سبق لهما الوصول إلى القائمة القصيرة في سنوات سابقة وهما محمد المنسي قنديل و ربعي المدهون، بالإضافة إلى الكثير من الروايات لكتاب شباب، بعض منها يعدّ العمل الأول للكاتب، وهو أحد الأمور التي دائمًا ما تثير جدلاً ما إن تخرج علينا القائمة الطويلة للترشيحات.

فجائزة العام الماضي مثلاً، ذهبت لرواية «الطلياني» والتي تعد العمل الأول لكاتبها شكري المبخوت، بالرغم من أن كثيرًا من التوقعات كانت تذهب إلى دعم «شوق الدرويش» لحمور زيادة.


الجدل حول لجنة التحكيم

لكن لم يكن هذا هو الجدل الوحيد الذي أثير حول جائزة البوكر في دورتها الماضية – الدورة الثامنة -، فقد كانت لجنة التحكيم أيضًا واحدة من أسباب الجدال و علامات التعجب التي أطلقت وقتها، فكيف للجنةٍ يترأسها شاعر «مُريد الرغوثي» و تضم شاعرة أخرى «بروين حبيب» وأكاديمية يابانية أن تصنف و تنقد و تحكم على جائزة خاصة بالرواية بمصداقية تامة و تجنب للأحكام و الآراء الشخصية، خاصة بعد ما أشيع منذ دورة البوكر الثالثة بأنه لا توجد معايير واضحة للحكم على الأعمال المقدمة وأن الحكم يعتمد بشكل كبير عى أهواء لجنة الحكام و آرائهم الشخصية، فهذا كان السبب الذي أبدته شيرين أبو النجا لدى استقالتها من لجنة التحكيم آنذاك.

ومن الملاحظ أن مجلس أمناء الجائزة يعمد في السنوات الأخيرة إلى اختيار أسماء حكام ليس لهم علاقة مباشرة بالأدب الروائي، بل تتنوع مجالات خبراتهم بعيدًا عن الوسط الثقافي مما يطرح تساؤلًا كبيرًا: هل يساعد هذا على إثراء طريقة التحكيم على الأعمال عن طريق إدخال دماء جديدة لم تمسّها الصراعات الجارية في الوسط الثقافي و المحيطة بالجائزة، أم أن هذه الاختيارات تعمل بطريقة غير مباشرة على إتاحة مجال أكبر لتحكيم الأهواء الشخصية و الآراء التي تفتقر لخبرة النقد الأدبي، مما يجعلها أسهل في التوجيه والإدارة؟.

دعونا لا ننسى أن الجائزة وبعد دورتها الثالثة و التي كان من المؤكد أن تفوز بها رواية «يوم غائم في البر الغربي» للمنسي قنديل، بعد أن تم إعلان رواية عبده خال «ترمي بشرر» الرواية الفائزة، الجائزة تتعرض للكثير من الانتقاد فيما يخص حيادها و مصداقيتها. فلا يخطر على بال أحد هذه الدورة إلا و يقفز إلى عقله السبب الرئيسي لعدم إعلان المنسي قنديل فائزًا، ألا وهو أن الدورتين السابقتين فازت بهما أعمال مصرية، مما جعل لجنة الحكام لهذا السبب – ولهذا السبب فقط – تتجه إلى عمل غير مصري حتى و إن كان باعترافها، ليس أفضل أعمال عبده خال.


الجدل حول التنوع الجغرافي

بعد تلك الدورة أيضًا بدا من الصعب تجاهل محدودية التنوع الجغرافي للأعمال، فمن بين 22 دولة عربية يتم ترشيح الأعمال من 18 دولة هذا العام – 15 العام الماضي – بعضها بنصيب ضعيف جدًا ولا يكاد يذكر كالسودان مثلاً، في حين أن دولاً أخرى تحظى بنصيب الأسد من عدد الترشيحات كمصر و لبنان.

قبل إعلان قائمة الدورة الثالثة أيضًا تعالت الكثير من أصوات الأدباء – أدباء الستينات تحديدًا – بضرورة مقاطعة هذه الجائزة، لا لأنها تفتقد إلى المصداقية فقط، لكن لأن كثيرين منهم اعتبروها لا تبدي احترامًا لأدبهم و تاريخهم الأدبي.

فمثلًا ومن البداية رفضت رضوى عاشور ترشيح أعمالها لهذه الجائزة و تكرر هذا الرفض عدة مرات دون أن تصرح الكاتبة الراحلة بأسباب هذا الرفض، لكنها أعلنت هذا الرفض ضمن تصريح لها لجريدة اليوم السابع.

فيما دعا جمال الغيطاني إلى مقاطعة الجائزة صراحة، وطلب من الشروق عدم ترشيح أعماله حينها، و انضم إليه الكاتب إبراهيم عبد المجيد في هذه الدعوة.

مما يستدعي التوقف قليلًا هو تصريح «جمال الغيطاني» بأسباب رفضه للترشح حينها. يقول الغيطاني: «ميصحش الكتّاب يعرضوا نفسهم بالشكل غير اللائق ده، وفي الآخر يلاقوا نفسهم بيتهزأوا، وأنا شخصيًا مش عاوز أتهزأ»، مضيفاً أنه لا يصح للكتاب الذين بلغوا درجة معينة من النضج أن يدخلوا في هذا المزاد ليتم تقييمهم بهذه الطريقة، خصوصًا بعدما .انكشفت طبيعة لجان التحكيم والطرق التي يحكّمون بها

http://gty.im/174100373

الحقيقة يبدو تفسير الغيطاني لخط سير الجائزة غريبًا بعض الشيء، فـالمفترض أن يحدث في أي جائزة هو أن يتم تقييم الأعمال المقدمة مهما كان تاريخ أصحابها الأدبي و يتم الحكم على كلّ منها واختيار الأفضل. وليس بالضرورة أبدًا أن يكون العمل الأفضل للكاتب الأقدم أو الأكثر إنتاجًا، لكن عندما نربط تصريح الغيطاني بما حدث في الدورة الثانية حيث منحت الجائزة في تلك الدورة لـ «يوسف زيدان» – الذي لم يصدر له آنذاك سوى عملين أدبيين – و تجاوزت محمد البساطي الكاتب الستيني المخضرم ذا الإنتاج الأدبي الغزير، عندما نربط ما حدث مع ما صرح به الغيطاني، تتضح ملامح صدمة جيل من الأدباء اعتاد على أن يتم الاحتفاء به لأنه الأسبق أو الأغزر في الإنتاج، وفجأة أصبح في الساحة من يمكن أن ينافسه، و أن يسحب الأضواء قليلاً منه. ربما لهذا ظهرت دعوات الكثير من الأسماء الكبيرة لمقاطعة هذه الجائزة، لكن في نفس الوقت أصبح إقبال الكتاب الشباب عليها في تزايد مستمر؛ فهي تمنحهم ظهورًا إعلاميًّا لا بأس به في الوسط الأدبي، تمنحهم فرصة مميزة لترجمة أعمالهم الفائزة للغات أخرى وطرق أبواب قراء غير تقليديين، وبالطبع مقابلًا ماديًّا ممتازًا يساعد الكثيرين ممن لديهم مشروع كتابي على مواصلته.


وأخيرًا

ربما بسبب هذا التضادّ بين موقف كبار الكتاب و شباب الكتاب، لا زالت البوكر مستمرة، ولا زالت تحظى بكل هذا الاهتمام و المتابعة بالرغم من كل ما يُطرق حولها من تكهنات و اتهامات و مشاعر شائكة أحيانًا.

سيتم الإعلان عن القائمة القصيرة للبوكر والتي ستضم 6 روايات يوم الأربعاء 9 فبراير، فما هي توقعاتكم لهذه القائمة؟.