قسمًا للتراب ألا نخون الشهداء آجلًا أو عاجلًا وستعلمون صدق قسمنا.

هتافات ترددها جماعات الألتراس في شتى المناسبات للتأكيد على القصاص لقتلى أحداث إستاد بورسعيد 2012 والتي راح ضحيتها 72 قتيلًا.

المتتبع لتاريخ جماعات الألتراس في مصر يجد أنها – ومنذ نشأتها – لم تتسم بالطابع السياسي حيث كان ظهورها الأول في عام 2007، حينما احتفل النادي الأهلي المصري بمئويته الأولى، وظهرت مع هذه الاحتفالات مجموعة من المشجعين المتحمسين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم – ألتراس – متأثرين بفرق التشجيع في أوروبا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يقصد به في اللاتينية الشيء الزائد عن الحد، في إشارة إلى الانتماء والولاء الشديديْن اللذين تدين بهما هذه المجموعات لفرقها .

وتكونت في مصر عدة رابطات للألتراس منها ألتراس «ريد ديفيلز» النادي الأهلي، وألتراس «الفرسان البيضاء» نادي الزمالك، ثم «التنانين الصفراء» النادي الإسماعيلي، و«السحر الأخضر» نادي الاتحاد السكندري، و«النسور الخضراء» النادي المصري.


خصوصية العقيدة

http://gty.im/138081137

لكل حركة مجتمعية السمات الخاصة بها التي تميزها عن غيرها من الحركات، والناظر إلى الألتراس يجد أن الخصوصية سمة بارزة بها، حيث إن تكوينها كجماعة رياضية دفعها إلى كسب عدد كبير من المؤيدين الشباب تجمعهم لغة مشتركة ومصطلحات لا يفهمها غيرهم، ومنها «الكابو» وهو قائد التشجيع والمسئول عن اختيار الأغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الأيدي والتشكيلات.

و«موكب» حيث يتم تنظيم مسيرة تضم أفراد المجموعة يستعرضون فيها قوتهم و عددهم، «الباش Bache» وهو يافطة تحمل اسم و شعار المجموعة، وهي شرف المجموعة وضياعها يعنى انتهاءها.

«التيفو Tifo» أو ما يطلقون عليه «الدخلة»، وهي لوحات تشكل رسمًا معينًا لتوجيه رسالة معينة وتكون أول المباراة.

كذلك يغيب عن مثل هذه التنظيمات البنية الهرمية التي تعيق في كثير من الأحيان نشاط الحركات المجتعية، حيث يتحرك الألتراس عبر مستوييْن أولهما «الكابوهات» ثم قادة السكاش.

كما تختص مجموعات عمل صغيرة« Top Boys »بتصميم وتنفيذ اللوحات الفنية، وقيادة التشجيع داخل المدرجات، وتنظيم الرحلات، والإشراف على مصادر تمويل المجموعة.


تمرد ومخاطرة وسطحية واغتراب

http://gty.im/138607853

التمرد سمة أساسية مسيطرة على جماعات الألتراس؛ وذلك لتكوينها من طلاب الثانوية العامة أو طلاب الفرق الأولى من الجماعات، أي الشباب في العقدين الثاني والثالث عمريًّا، وهذا ما يتجلى بوضوح في تلك التنظيمات حيث التمرد على سلطة إدارة النادي الذي يقومون بتشجيعه والخروج على القواعد التي يرون فيها قيدًا على الإبداع.

على خلاف الجماعات والتنظيمات التقليدية التي تهدر الكثير في النقاشات والاختلافات الأيديولوجية، تخطت جماعات الألتراس تلك النقاط وأصبح المحرك الأساسي لها هو القصاص دون الخوض في مثل هذه الجدالات، مثلما يحدث داخل أروقة غيرها من التنظيمات.

من ناحية أخرى، في الغالب يتم تشكيل ثقافة أعضاء مثل هذه المجموعات من المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، مما ينم عن ثقافة سطحية ومحدودة شيئًا ما.

تصنيف تلك المجموعات أيديولوجيًّا من الصعب بمكان؛ فتارة ترى مثل هذه المجموعة أقرب إلى اليسارية ومع ذلك هم من محبي ومستخدمي المنتجات الغربية في مجال التكنولوجيا والاتصالات وأنماط السلوك الجمعي، إلى جانب أنها تلجأ إلى العنف بخلاف الحركات اليسارية التقليدية التي شهدها المجتمع المصري والتي تؤكد بصورة كبيرة على المطالب السياسية والاجتماعية دون الانخراط في العنف.


النادي ثم الوطن

يرفع أعضاء الألتراس من شأن ناديهم ويعطون الأولوية للانتماء له على حساب الوطن، حيث يرى أعضاء تلك المجموعات من ناديهم الوطن الأول لهم وربما يعود ذلك إلى حالة الاغتراب التي عانى منها الشباب العربي جراء تهميش الحكومات بصورة كبيرة لهم، إلى جانب الخلل في العلاقة ما بين الفرد والدولة، وعليه يكون النادي هو الوسيلة التي يشبع بها هؤلاء حالة الاغتراب التي يعانون منها.

ويظهر هذا الانتماء في هتافات الألتراس التي لا تخلو من حب النادي والاستعداد للتضحية بالنفس في سبيله، ونذكر في هذا الإطار أمثلة لهذه الهتافات «النادي الأهلي مش عزبة حد، اللي بيهتف أبناؤه بجد»، «النادي الأهلي، حبه في قلبي لآخر عمري»، «تفضل أمجادك قدام عيني، تفضل عالي في السما».


تسييس المشجعين

ثورة 25 يناير/كانون الثاني

ساهمت ثورة 25 يناير بصورة كبيرة في تحول الألتراس من ظاهرة رياضية إلى حركة سياسية، حيث أوجدت لها دورًا فعالًا واعتبرت إحدى القوى الفاعلة في أحداثها، واكتسبت المنافسات الرياضية نكهة سياسية واضحة، ليس فقط بين الجماهير بعضها البعض، بل بين مجموعات الألتراس المختلفة من ناحية، وقوات الشرطة من ناحية أخرى.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن أول ظهور للألتراس كان في أمريكا اللاتينية وأوروبا، إلا أن تجربة الألتراس في مصر تختلف عنها في بلاد المنشأ، فسلوك الألتراس في الغرب لم يصطبغ بالطابع السياسي عكس التجربة المصرية، وإنما ارتبط بشكل لصيق بتشجيع الفرق الرياضية دون التطرق إلى أي اتجاه سياسي.


صراعٌ دامٍ

http://gty.im/481505714

منذ نشأة مجموعات الألتراس في عام 2007 كان العداء هو السمة الرئيسية التى اتسمت بها علاقة هذه المجموعات مع الشرطة.

من جانبها، اعتبرت قوات الأمن جماعات الألتراس أنها تسعى إلى زرع روح التعصب الأعمى ونشر عمليات العنف والشغب داخل الملاعب، الأمر الذي انعكس في تعامل الأمن العنيف وتمثل في إخضاع جماهير الألتراس للتفتيش بطريقة مهينة، إلى جانب منع إدخال أدوات التشجيع، كل ذلك دفع مجموعات الألتراس إلى اعتبار الأمن عدوهم الأول وإطلاق لقب ACAB) All Cops Are Bastards) على الأمن.

وتطور هذا الشعور بالعداء إلى مرحلة المواجهات وتحديدًا خلال المباراة الودية بين الأهلي وكفر الشيخ مطلع 2010، بعد أن نشبت اشتباكات بين ألتراس أهلاوي والشرطة إثر منع دخول الشماريخ، وتم القبض على 7 من الألتراس بتهمة الإتلاف العمدي للمال العام وإثارة الفوضى.

ونتيجة للعلاقة السيئة مع وزارة الداخلية وتصاعد وتيرة مظاهرات 25 يناير/كانون الثاني، تخلى الألتراس عن حيادهم السياسي وتقدموا صفوف المتظاهرين نظرًا لخبرتهم في التعامل مع الشرطة.

ومنذ ذلك الحين، بدأ الصراع بين الأمن والألتراس يأخذ منحًى آخر، ففي سبتمبر/أيلول 2011 أصيب أكثر من 150 شخصًا واحترقت أكثر من 18 سيارة على خلفية اشتباكات دامية بين الشرطة و«ألتراس أهلاوي» فى مباراة الأهلي وكيما أسوان.

وفي 1 فبراير/شباط 2012 كانت أكبر حادثة في تاريخ الألتراس وقوات الأمن – أو ما أطلق عليه مجزرة بورسعيد – عقب مباراة بين فريقي المصري والأهلي، وانتهت بسقوط 74 شهيدًا، وإصابة أكثر من 1000 آخرين.

ولم تخلُ أية فاعلية للألتراس من ترديد هتافات معادية للأمن منها «الطوارئ يعني إيه، يعني سجون مفتوحة للبيه»، « أنا مش جبان أنا مش جبان، أنا ميت ميت في الميدان»، « هم معاهم ضرب النار، واحنا معانا عزيز جبار».

على خلفية ذلك، أصبحت كل مواجهات الأمن والألتراس تدور حول القصاص لشهداء بورسعيد بعد اتهام الشرطة بالتخاذل عن حماية الجماهير، فنجد أن الاشتباكات تجددت إثر محاولة الألتراس اقتحام وزارة الداخلية، ثم محاصرة مديريات أمن الإسكندرية والجيزة والغربية. وفي بورسعيد، حاصر ألتراس النادي المصري سجن بورسعيد لتهريب متهمي (مجزرة بورسعيد) بعد تلقيهم أحكامًا مشددة وصلت إلى الإعدام، وأسفرت الاحتجاجات التي امتدت لعدة أيام عن أكثر من خمسين قتيلًا.

كذلك عندما قطع ألتراس أهلاوي طريق مطار القاهرة وأشعلوا النيران في إطارات السيارات، مما تسبب في تأخر جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، والوفد المرافق له، عن الوصول إلى المطار للمغادرة عقب زيارته للقاهرة.

وفي 9 مارس/آذار 2013 أحرق عدد من أعضاء ألتراس أهلاوي نادي الشرطة واتحاد الكرة بالجزيرة، ثم اشتباكات فبراير/شباط 2014 التي وقعت عقب انتهاء مباراة السوبر الإفريقي بين الأهلي والصفاقسي التونسي، أقيمت في إستاد القاهرة وأسفرت عن إصابة 10 ضباط و15 مجندًا.


سيناريوهات البقاء

أصبح للألتراس دور سياسيّ، ولكن الاختلاف ينشأ حول مستقبل الجماعات وإمكانية الاستفادة منها، فاستمرار سياسة التخوين تجاه هؤلاء الشباب قد تدفعهم إلى التحول من جماعة لها مطالب محددة تتعلق بالقصاص أو مؤازرة فرقهم إلى تنظيمات عنف منظمة يتم اختراقها داخليًّا وخارجيًّا لزعزعة استقرار الدولة. وهو ما حدث فعليًّا على غرار تحالف بعض مجموعات الألتراس مع مؤيدي حازم أبو إسماعيل، ومحاولة جماعة الإخوان المسلمين استقطاب عناصر الألتراس.

كما أنه عقب عزل الرئيس محمد مرسي عمدت الجماعات الإسلامية المختلفة تكوين حركات مثل ألتراس نهضاوي وحركة أحرار، تتبع في تظاهراتها أساليب مجموعات الألتراس من أناشيد مناهضة للدولة واستخدام الطبول والشماريخ والاشتباك العنيف مع الشرطة.

على جانب آخر، تظهر أهمية الإبقاء على الألتراس واستغلالها لتحقيق توازن سياسي في مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي، لما لها من قاعدة شبابية تمكنها من فرض قوتها على الساحة، فجماعات الألتراس أقرب ما تكون إلى القوى الليبرالية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جماعات الألتراس تؤكد دائمًا على بعدها عن الحياة السياسية وعدم وجود أيديولوجية معينة وراء مواجهاتها مع الأمن، فهذه الفئات ترى نفسها مدافعًا عن الرياضة والجمهور في وجه أي قوى تسعى لفرض هيمنتها على الملاعب.

لذا فجماعات الألتراس إن كانت – بحكم فلسفتها السابقة – غير قادرة على التحول إلى كيان سياسي قائم بذاته، إلا أنها ذات منفعة للقوى السياسية الموجودة، التي تستطيع استيعاب المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشارع، والتعبير عنه بشكل حقيقي.