في الوقت الذي تفتتح فيه المملكة العربية السعودية أول دار عرض سينمائي بعد حظر دام أكثر من 35 عامًا، قامت الإمارات العربية المتحدة بالإعلان عن تأجيل مهرجان دبي السينمائي الدولي، فيما بدا وكأنه التواءة (تويست) درامية كبيرة.أعلنت اللجنة التنظيمية لمهرجان دبي السينمائي الدولي أمس الأربعاء 18 أبريل/نيسان عن تبني استراتيجية جديدة للمهرجان وإدخال بعض التعديلات على آليات عمله؛ إذ تقرر أن يتم تنظيم المهرجان بصفة دورية كل عامين، وليس بصفة سنوية كما كان عليه الحال منذ انطلاقه في العام 2004. وهو ما يعني تأجيل الدورة الخامسة عشرة التي كان من المقرر عقدها في شهر ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، إلى العام المقبل 2019.وفي حين أن مهرجان دبي السينمائي الدولي ليس الأقدم تاريخيًا على المستوي الإقليمي (أيام قرطاج السينمائية تأسس في عام 1966، ومهرجان القاهرة السينمائي تأسس في 1976) إﻻ أنه أصبح من أكثر المهرجانات المرموقة في المنطقة، وحظي باحترام كبير من خلال قدرته على جذب الأفلام العالمية الكبيرة إلى جانب الأفلام العربية الرائدة. كما أنه يقدم سوقًا للإنتاج المشترك يعد الأكثر نجاحًا في المنطقة، ويسعى من خلاله لتسليط الضوء على السينمائيين العرب، وتحفيز الإنتاج المشترك بين العالمين العربي والغربي.فما هي ملابسات هذا القرار المفاجئ؟ وما هو تأثيره على صناعة السينما العربية وعلى غيره من المهرجانات والمحافل السينمائية العربية؟ هذا ما نحاول رصده في هذا التقرير.


هل يحمل القرار أبعادًا سياسية؟

كانت مخاوف سابقة بشأن المهرجان قد تصاعدت بعد نشر تقارير إعلامية تفيد بأنه لم يعلن عن موعد الدورة الخامسة عشرة حتى الآن، كما نقل موقع «Screen Daily» عن مصادر فرنسية أن مهرجان دبي لم يحتفظ بموقعه المعتاد في فندق كارلتون في مدينة كان، حيث اعتاد مهرجان دبي أن يقيم «عشاء عمل» وهو عبارة عن فعالية للتواصل بين صناع السينما العرب خلال المهرجان الفرنسي.فيما توصلت مجلة «The Hollywood Reporter» من خلال أحد مصادرها إلى أن معظم الموظفين بالمهرجان قد تم إنهاء خدمتهم في السابع عشر من أبريل/نيسان الجاري، مع بقاء الإدارة العليا حتى الأول من مايو/آيار القادم، وأن جميع الموظفين قد تلقوا خطابات تفيد بأن المهرجان سيتم إلغاؤه.وذكرت مصادر أخرى لموقع Screen Daily أن عبد الحميد جمعة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة المنظمة للمهرجان ﻻ يزال في منصبه، لكن الإدارة في شركة تيكوم جروب، الشركة الاستثمارية لمجموعة دبي القابضة والتي تسيطر علي الحدث بالكامل، قد تم تغييرها، وأن الإدارة الجديدة هي التي دعت إلى إجراء إصلاح شامل، بينما أشار موقع The National نقلًا عن مصادر خاصة إلى أن الإدارة الجديدة ترى أن المهرجان «ينفق أكثر من اللازم».وبينما تتبادل وسائل الإعلام التكهن بالأسباب الحقيقية وراء القرار المفاجئ، فإن البيان الصادر عن اللجنة المنظمة ﻻ يقدم إجابة شافية، بل يفرض العديد من الأسئلة. ففي حين يؤكد البيان أن «الاستراتيجية الجديدة تأتي استجابة للمتغيرات الجارية في مجال صناعة الأفلام […] حيث رُعي في التصور الجديد لآليات عمل المهرجان أن تكون مواكبة بصورة واقعية لتلك المتغيرات» إﻻ أنه ﻻ يأتي على ذكر هذه المتغيرات، كما أن قرار تنظيم المهرجان كل عامين يتنافى مع توجه جميع المهرجانات الدولية والإقليمية والتي يتم تنظيمها سنويًا.وبسؤاله عن رأيه في هذا القرار وما إذا كان له بعد سياسي، قال المخرج أمير رمسيس لـ«إضاءات»: «لا أستطيع الجزم بذلك، فالتصريحات الرسمية عن المهرجان حتى الآن تؤكد أنه أمر تنظيمي، وإلى أن تصدر تصريحات أخرى ﻻ يمكنني الجزم بذلك». أما أندرو محسن، المدير الفني لمهرجان الإسماعيلية، فيرجح أن هناك بعدًا سياسيًا في القرار، ويستبعد أن تكون الأزمة مالية بالأساس، فعلى حد قوله: «أشك أن السبب مالي، لأن المهرجان ناجح ولديه العديد من الرعاة، ويعتمد على بيع تذاكر الحضور، كما أن السبب المعلن هو سبب غير مفهوم على الإطلاق»، وأضاف محسن أن هناك وجهًا آخر لغرابة القرار حيث إن «مدينة دبي تهتم بالأنشطة الجاذبة للسياحة، وتوقف المهرجان، أو تأجيله، سيؤثر على السياحة بكل تأكيد»


كيف سيؤثر القرار على صناعة السينما العربية؟

علي مدار دوراته السابقة وخلال 14 عامًا،احتفي مهرجان دبي بالسينما العربية والعالمية من خلال ما يقرب من 2000 عرض، بما في ذلك 500 فيلم من العالم العربي، ساعد أكثر من 300 فيلم عربي على الانتهاء من مرحلة ما بعد الإنتاج، وسهل التمويل والشراكة لـ140 فيلمًا آخر، وقدم الدعم لأكثر من 200 من صانعي الأفلام الموهوبين في الوطن العربي من خلال جوائز المهرجان المختلفة. ومن أشهر الأفلام التي قام المهرجان بدعمها؛ فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وفيلم «آخر أيام المدينة» للمخرج المصري تامر السعيد.

وبالنظر لهذا الدور الكبير الذي لعبه المهرجان لسنوات، جاء وقع القرار المفاجئ صادمًا بالنسبة لصناع السينما المستقلة العرب، خاصة وأن البيان الصادر عن اللجنة التنظيمية لم يشر إلى أي من المبادرات التي يتبناها المهرجان على مستوى دعم الصناعة مثل؛ «ملتقى دبي السينمائي»، وبرنامج «إنجاز» للدعم في مراحل ما بعد الإنتاج، وبرنامج «دبي للتوزيع»، وما إذا كانت هذه البرامج ستتابع عملها خلال العام الذي يتوقف فيه المهرجان أم سيتم تجميدها هي الأخرى؟«ﻻ يمكن وصف الخبر إﻻ بكونه خبرًا محزنًا» هكذا علق الناقد «محمد عاطف» على القرار، وعن سؤاله عن تأثير هذا القرار على صناعة السينما العربية قال؛ «ﻻ شك أن عددًا كبيرًا من صناع الأفلام العرب سيتأثرون بهذا القرار، وسيمثل غيابه مشكلة كبيرة لهم، فقد كانت منح «إنجاز»، و«سوق دبي» كلمة السر وراء ظهور عدد من أهم إنتاجات السينما العربية خلال السنوات الأخيرة، وتنافسها في أهم المهرجانات الدولية»يتفق أندرو محسن مع هذا الرأي ويضيف «هذا بالإضافة إلى التأثير المعنوي، فإغلاق واحد من أكثر المهرجانات العربية استقرارًا ونجاحًا هو شيء مقلق للغاية لكل العاملين في هذه الصناعة».أحد الجوانب الأخرى لغياب مهرجان دبي السينمائي يتمثل في أثر هذا الغياب علي المهرجانات العربية ودورها في دعم صناعة السينما العربية. يجيب المخرج أمير رمسيس، والذي يشغل منصب المدير الفني لمهرجان الجونة السينمائي، عن هذا السؤال بقوله؛ «ﻻ أعتقد أن إغلاق أو تأجيل أحد المهرجانات قد يكون له تأثير إيجابي علي مهرجان آخر، فوجود أكثر من مهرجان بالتأكيد يصب في مصلحة السينما العربية»أما الناقد محمد عاطف فيرى أن هناك تأثيرًا سلبيًا لغياب مهرجان دبي؛ «مهرجان دبي خلق حالة من التنافسية المحمودة بين المهرجانات العربية» وعن طبيعة هذا التأثير يقول «عام 2018 سيشهد ضغطًا كبيرًا جدًا على مهرجانات القاهرة، والجونة، وقرطاج، في استيعاب كم هائل من الأفلام، وبالطبع ستكون هناك أفلام متميزة، لكن لن يسعف الحظ بعضًا منها بسبب التنافسية الشديدة بينها من جهة، وبسبب عدم قدرة برامج المسابقات الرسمية علي ضم كل هذا العدد من جهة أخرى».

وأخيرًا فإن خبر تأجيل مهرجان دبي السينمائي أو إغلاقه هو بالتأكيد خبر صادم لصناع السينما المستقلة، فالمهرجان يساهم بقوة في دفع صناعة السينما العربية من خلال إتاحة فرصة العرض العالمي الأول لصانعي الأفلام العرب، كما أن عمله الدؤوب مع شركاء دوليين مثل مهرجاني دبلن ومالمو للسينما العربية يساعد في نشر السينما العربية في جميع أنحاء العالم. كل ذلك يؤكد أن غياب مهرجان دبي، سواء كان غيابًا مؤقتًا أو دائمًا، سيكون من الصعب تعويضه في المستقبل القريب.