لماذا هيَ سرية؟

ربما لأن السبيل الأخصرَ للتعبير عما تضمرُهُ السرائر هوَ الكلام، ولذلك قد اختير الكلامُ اللغةُ المشاعُ للتواصلِ السهلِ بين البشر دونًا عن سائر اللغاتِ، كلغةِ الرسمِ مثلًا

والقلمُ أبرعُ ما يخطُ الكلامَ الذي يجثمُ على الصدرِ بثقلهِ أو برهافته!

وما أصدقَ ما يكونُ الفؤادُ -حين يصدُقُ- وهو في الخفاءِ! يجلسُ القرفصاءَ، متواريًا عن أي عينٍ تباريهُ في مدى ضمور العلل من خلْجاتِها، فيعترفُ بعللهِ هو ويبوحُ بآلامه هوَ متجردًا مما تتزينُ به الأفئدةُ عادةً من أنفةٍ أو كبرياءٍ، أو استنكافٍ من الاعترافِ بالتوجُّعِ.

والتجردُ من الزوائدِ في أي شيءٍ يؤدي غالبًا إلى ظهورهِ في صورتهِ الخالصة النقية، والتي هي بمثابةِ ظاهرةِ تعرٍّ محمودٍ، ومفتاحُ تعري المشاعرِ التي تحتضنها القلوب حد الاختناقِ هو القلمُ وذُروةُ القلمِ في الظلام.

وأما بعدُ

أكتبُ الآن وأنا لا أستطيعُ تمييز الحروف التي ينثرها القلم برنينٍ متهدِّجٍ؛ فهو في طورِ الاحتضارِ، والانكفاءات المتكررة المصحوبةُ بأنينهِ المكتومِ مرجعها غالبًا إلى قلبٍ قد اهترأت جدرانُهُ وتنتنت حتّما فاحت منها رائحةُ الموتِ.

وإن الذكرى موتٌ!

وإنه حين لم يعُدْ لكَ بدٌ من النسيانِ حينها فقط، سوفَ تتذكرُ كل شيءٍ!

وما العمل الآن؟!

لا شيء

فالأمرُ بسيطٌ جدًا، رُغم حجمِ تعقيدِه.

ألم يخلق اللهُ -تعالى- الواحد منا نطفةً في رحم أم ترعاها وتحسنُ في رعايتها دون أن يسريَ فيها نبضٌ، حتى يسري؟ فترعاها دون أن ترى قسماتِها، حتى ترى؟ فترعاها دون أن تعرفَ ما إذا كانت ستبرُ بهذه الرعاية أم لا، حتى لا تبرُ؟! ولا ينقصُ ذلكَ قيدَ أنملةٍ من لهفتها.

والحبُ هو الفسيلةُ التي تنغرسُ بالقلبِ قسرًا، فيرعاها بلا ضيرٍ أو ملالٍ إلى أن تتضافرَ داخلهُ في غصونٍ لا يدرك أنها منبثقةٌ من تربةٍ من أسى، لا يرى فيها سوى وهَجِ الهوى. ولا يشهدُ منها سوى وحشةِ الجوى، وفيضٍ من تعَبٍ ينضحُ من نفسِهِ، وحينها إما أن يموتَ الحبُ فيهِ، أو يموتَ هوَ.

لا بد من موتٍ في نهايةِ كلِ شيءٍ!

الأشياءُ الصغيرةُ التي اندست بالقلبِ على حينِ فراغٍ منهُ بها، فسهرَ على رعايتها عامًا فالآخرَ رُغمَ اللغوب الذي مسَّه، لا بدَ لها من يومٍ تشيخُ فيهِ من بعدِ شبابها، ولا بد لها من يومٍ تموتُ فيهِ من بعدِ شيبِها.

هكذا تدورُ الحياةُ أيُّ حياةٍ، تدورُ في دائرةِ الموتِ!

وهكذا يموتُ الحبُ

وما الحبُ؟

هل هو مصطلَحٌ كـ”العنقاء” نجدهُ بالمعاجمِ ولا وجودَ لهُ بالواقع؟ أم هو مصطلحٌ من نسجِ دهاءِ الحكوماتِ -بكل الأزمان- لإلهاءِ الشعوب عن كرشها الذي يتضاخمُ بقدرِ البؤسِ المرتسمِ على وجوه الشعوبِ؟!

ما زالت القضيةُ محلَّ بحثٍ؛ حيث إن مثل هذه الألفاظِ تتباينُ دِلالاتها باختلافِ الناسِ والأزمانِ والعقدِ النفسية.


قالوا قديمًا بأن الحبَ هو الجليُّ الخفيُّ، الذي نستطيعُ التعرف عليه ونعجزُ دومًا عن معرفتِهِ.

قالوا بأن خفقته اللطيفةَ الشرسةَ، والساكنة الصاخبة، هيَ ما يغلبُ القلبَ بالدجى الساجي، بعد أن غالبه بالنهار العاجي، وأن العطرَ الذي يخترقُ قلبكَ ويطاردهُ حيثما سكنت آلامه؛ لينكِّسَها ثانيةً، هو إحدى مدلهمات العشق.

وهل يكون الحبُ سوى عينين يستحضرهما الخاطر حين التيهِ، فيتوهُ فيهما، وعند تذريةِ غاياتِهِ في اللا شيءِ، فيتثبتُ بهما؟!

حينَ يقعُ الحبُ، تتسعُ الأحلامُ، وتضيقُ الأطماحُ، وتنسلخُ أماني القلبِ من القلبِ إلا عينَ الحبيبِ، يغيبُ الماضي عن عينِ الذاكرة، ويظلُّ الحاضرُ متشبثًا بذيلِ مستقبلٍ ضبابيٍّ بكل ما أوتيَ من خبَلٍ.

حينَ يقعُ الحبُ تتجلى الأنانيةُ، ليستْ أنانيةَ المحبِ معَ صاحبه، بقدرِ كونها أنانيته عليهِ. أليس ثمةَ فرقٌ بين قولكَ: “أرغبُ في أن تكون معي”، وقولك: “أرغبُ في أن أكونَ معك؟”

فإذا وقعَ الحبُ، تمنى المحبُ لو أغلقَ على صاحبه ألف باب من حصونِ قلبه! حتى لا تَقرَّ أعينٌ برؤيتهِ سوى عينيهِ، ولا تطربُ أذنٌ لصوتِهِ سوى أذنيهِ. بل تمنى لو اختبأ داخلَ صدرِ صاحبهِ لا يتتعتعُ عنهُ، قاصدًا بذلكَ غايةَ “أن أكونَ معكَ”.

وإذا حضرَ الحبُ، غابت التفاصيلُ عن مجملِهِ، وبرزَ المجملُ في تفاصيلِهِ الحرّى وهل يُفجِعُ القلبَ غير التفاصيل؟!

كلُ شيءٍ في الحبِ مباحٌ، إذا ما أغفلنا أنفسنا عن أنه أرضُ المحالِ، ولولا الترياقُ الذي يقطرُ من عينِ المعشوقِ، ما بقيَ القلبُ على قيدِ الألمِ!


وتأتي الآلامُ منهُ تترى، وكلما أظهرَ القلبُ جسارتَهُ بوجهها انبرتْ عليهِ ثانيةً برحى أكثرَ ضراوةً وأسى، كأنها الجحيمُ؛ إذ يستعرُ قيظها أكثر كلما انهالت على أنضاءِ قومٍ لجؤوا إلى سراديبِ الشيطانِ فطنَّتْ على رؤوسهم بطنينٍ من عذابٍ.

وأيُّ عذابٍ!

ما العشقُ إلا أحد مرادفاتِ العذاب، وما الفِراقُ -أكثرَ توابعهِ بداهةً- إلا أحدُ مرادفاتِ اليتمِ، ألا يبدو أن تطابقَ حروفِ كلمتي “يتمٍ” و “تيمٍ” ليس مجردَ صدفة؟!

ربما لا، فالعاشقُ في إدِّ حالهِ بعد الفِراقِ كالطفلِ تركتهُ أمهُ لأحضانِ البراري، كلما أجهش بكاءً وحنينًا لا يهدهدهُ سوى صوتِ خبوعِه، كضريرٍ في الفلاةِ ائتمنَ غريبًا دافئًا على نفسِهِ، واستدفأ دفءَ راحتِه، وعندَ المفترقِ انتبهَ الضريرُ فجأة إلى أنّهُ يرتجفُ بردًا.

والبردُ أقسى ما يسيّجُ لهيبَ العاشق إذا ما سها عنه صاحبُه، وسلاهُ هو. وهوَ في انعدامِ منطقيةِ تناغمِ النقيضين، جمرةٌ متقدةٌ وسطَ أكوامٍ من جليدٍ، لا هيَ تنطفئُ ولا هيَ تذيبُهُ، حتى إذا بلغ الذروةَ لهيبُها، تفتأتْ وانفجرتْ وأحرقَ فتاتُها كل ما يحوّطها، لا يُسمعُ حينها سوى لصمتٍ هو أصخبُ ما في لغةِ العشقِ وأعقدُها. ويظلُ حديثٌ طويلٌ في النفسِ موجهًا منها إلى صاحبِها، وحديثٌ أكثرُ ثرثرةً موجهًا منها إليها، حديثٌ يطولُ بطولِ السكوتِ الذي يعتري المتيّمَ عند وصالٍ بعد هجرٍ طويلٍ وإن قصُرَ.

العشقُ كالحياةِ، منعجنٌ من فرَحٍ وترَحٍ، لم تكد تأتِ الأولى حتى ترتدفها الثانية، والعاشقُ بينهما مرتحلٌ من شجوٍ إلى شجنٍ يتجورُ خِباءُ الليلِ، وفي الليل ذكرى تخبطُ أواصلَهُ خَبطَ عشواء، فحينًا تصيبُ منهُ أوتارَ الحنينِ، وحينًا تثيرُ فيهِ بركانَ الأنينِ.

ولا بأسَ

غير أن أحدا لن يُنصتَ لتنهداتِ حنينهِ، أو يفزعَ لبركانِ أنينِهِ سواهُ وبسْ!

والحائطُ هوَ أفضلُ ملجأٍ لدماغِهِ!

وبعدها تجري أيامُهُ القهقرى، وهوَ في قافلتها لاهثٌ إثرَ وعثاءِ الرحيلِ، يحاولُ عبثًا أن يفرَّ منها مقاومًا اجتذاباتِها، وكلما اشتدت مقاومتُه لها ازدادت هيَ تشبثًا بهِ، وشمرت لهُ عن إيلامِها تريدُ أن تمررَ أمام خوالجِهِ كل ما ذابت لهُ لتذبَّهُ! العينينِ الكراملتينِ، العطرَ الملتصقَ بالجاكيت، عروقَ اليدِ النافرة، والأصابعَ التي تعتصرُ أخرى مستسلمةً للقشعريرةِ المترتبةِ على عمليةِ الاعتصارِ، فإذا مرَّ على صفِّ القشعريرةِ بالتحديدِ، حاربها بكل ما لم يؤتَ من جلَدٍ وقوةٍ، حتى إذا خارَ ضعفهُ انكفأ على أشواكها ليكمل فرارَهُ الساذَجَ حبوًا، والذكرى حولهُ تلعنهُ من كل صوبٍ حتى وإن كان المكان لم يعصفهُ أيُّ ريحٍ من ذكرى.

ألا يقاسُ هولُ العذابِ بمدى عظم الخطيئة؟ فأيُّ خطيئةٍ أعظمُ من خطيئةِ العشقِ؟!

لا شيءَ؟! خطأ.

إنهُ الزواجُ!

ليستِ الحياةُ -كما يظلمها الأعمُّ- بهذا التعقيدِ، بل همُ البشرُ وتركيباتهم السيكولوجية والسوشيالية المتعفنة، مَن هم أعقدُ بكثيرٍ مِن أن تأتلِفَ كلُّ القوى الكونيةِ كي تجمع بين عاشقٍ ومعشوقِه في إطارِ الزواجِ، تجمعهما رُغمَ أنفِ الصعابِ التي زُرِعَت بين طريقيهما، وربما -كما هوَ مدوّنٌ في أساطيرِ الهنودِ- رُغم أنفِ المعشوقِ المتمنّعِ نفسهِ؛ حيث إنهم يعشقون بطريقةِ “الزن ع الودان أمرّ م السحر”، فتجدُ بطلَ الفيلم وقد اعترف أخيرًا بحبه للبطلةِ بعد أن “طلعت عين أبو اللي جابوا أمه” إثرَ إصرارِها العجيبِ على أنهما مقدّرَين لبعضيهما، ورُغم أنّهُ أبدًا ما رأى ذلك، إلا أنّهُ يفوّضُ أمرَهُ لله المنتقمِ، ويعترفُ بحبِّهِ ليتخلصَ من “زنّ أمها”، وإن حدثَ واجتمعا عن عشقٍ خالصٍ، فيكونُ زواجهما ذلك على اعتقادٍ ساذَجٍ جدًا، هوَ أنهُ شفاء من آلامِ العشقِ “العارضة” على فؤاديهما، فحَيفٌ حيْفٌ عليهما! لا يدركان أنهما قد فقعتهما الفواقعُ، ونزلتْ عليهما النوازلُ، وكثرت حولهما الغوائلُ بفعلهما تلك الحماقة، وأنهما يستبدلان أمراضَ المفاصلِ والعظامِ ووجعَ الرأسِ بألمِ الفراقِ البسيطِ العارضِ هذا، وأنهما بزواجهما ذلكَ يجلبان فقعَ المرارةِ، ليس على نفسَيهما فقط، بل على إخوانهما وأخواتهما وجميعِ أقربائهما وجيرانهما وحتى سكان المشترى.

وأيُّ ألمٍ يدومُ أبدًا؟ ولأكون أكثر دقةً: أيّ ألمٍ يدومُ أبدًا سُوى الزواج؟! يخملُ الألمُ إما باعتيادِهِ، وإما بموتِ المتوجِّع، ألمْ يكُن يحسُن لهما أن يعتادا ألمَ الفِراقِ “العارض” هذا عن أن يتزوّجا ويجتمعُ عليهما كلّ هذا القرف، فيصير ضربُ النعالِ هو اللغة الرسميّة بينهما أو بين نفسيهما ودماغيهما صباح مساء؟ وحقٌ أن الزواجَ شطرُ الدين، ولكنَّ ذلكَ كانَ حاصلًا في زمانٍ ولّى واندثرَ، وكما قالت الست: قول للزمان ارجع يا زمان!

أصبحَ الزواجُ الآنَ -عندَ العربِ- غايةً في ذاتهِ، يكبُر الولد على أنهُ يتعلمُ (جهلًا) كي يحصلَ على إجازةِ (الجهلِ) ليستجدي وظيفةً بها فيتزوجَ، وتنتهي بعدها حياتُه، وأصبحَ وسيلةً لقطْمِ الظهرِ و “طلوعِ الروحِ”، بدايةً من مناهج اختيارِ الشريكِ وحتى الشروط المادية لتتمةِ الزيجة، من شبكةٍ ما أنزلَ الله بها من سلطانٍ، وصالون وسفرة وكلِّ ما يتكالبُ الجمُ الغفير من الناسِ على وضعهِ لعرقلةِ الزواج، لا لرفعِ قيمته، فتهاوشت قيمُهُ وغاياتُه، وما الغايةُ منهُ؟ قلما وجدتَ من يعرفُ الجواب، الكلُ يتزوجُ وحسب، وإن لم يتزوج فلعجزه الماديّ، أو لأنهُ لم يجد من “يبص ف وشه”، لا لاعترافهِ بأنهُ زوج/ ة فاشل/ ة، وبأنهُ لن يستطيعَ تربيةَ عياله، وأن عيالَهُ عندما يشبّون سوفَ يصبحونَ إما “عيال ضايعة” ليس لهم أيّ تسعين لازِمةً، ويترعرعونَ في نفسِ الدوّامة التي كبرَ فيها أبواهم دونَ إدراكٍ بعفنِ حياتهم ونتانتِها، أو إدراكٍ بأن ثمةَ غاياتٍ كثيرةً أخرى لخلقِ البشر ليس من أساسِها الزواج، وبذلك فإنهم لا يفعلونَ شيئًا سوى أنهم يمدّون العالمَ بكائناتٍ مثلهم كي ينتشروا فيهِ ويخربونَه أكثر.

والاحتمالُ الثاني هو أنهم سيغدونَ على وعيٍ بكل هذا العفنِ، وأن حياةً كهذه هي أكثرُ عبثًا من حياةِ البهائمِ في الزرائب. سيعون بِخنا الدهرِ وبؤسِ الحياةِ، وبؤسِ الزواجِ مع بؤسِها، فهم إذًا عيالٌ تعِسة أيُّما تعْسٍ بالمقارنةِ معَ سوابقِهم؛ لأنهم لن يستطيعوا إخراجَ أنفسِهم من هذا البكابورتِ، فقط سيعيشون فيهِ معَ علمهم بأنهُ بكابورت، فإن ظلوا فيهِ أبدًا ستغدو رائحتُهُ ديدنًا على أنوفِهم، وإن ناصوا منهُ فلا مندوحةَ لهم عن أن ينفجرَ البكابورتُ في وجوههم بينَ الفينةِ وأختِها.

إن كانت القدرة على التعاملِ مع النفسِ هشّةً، فما بالُكَ لو جلبنا على أنفسنا شخصًا غريبًا يلتصق بها؟ أليسَ أولى أن تكون القدرةُ على التعاملِ معهُ أكثرَ هشاشةً؟! وكيف يحتملُ الشخصُ آخرًا إن كانَ لا يحتملُ حتى المكوثَ معَ نفسِهِ لمدةِ الثانية؟!

هذا رجلٌ يطفحُ بالعقدِ النفسيةِ، ويبغضُ حياةَ آباءِ من أنجبوهُ، ورُوحُهُ معلّقةٌ بمنخارِهِ، يعطسُ كثيرًا وتأبى الخروجَ، وهذي امرأةٌ تافهةٌ خواء، كثيرًا ما تأكلُ نفسَها، وتقضي معظم وقتها في الحقدِ الطبقيّ على صديقاتها وبنات العائلة، لو اكتسبت إحداهنّ نصفَ الكيلوجرامًا، سارعت برصدِ ذلكَ قائلةً لها بتشفٍّ: “مالك تخنتي كده ليه؟!”، وإن خسِرت الفتاةُ ذاتُها عشرينَ الكيلوجرامًا، أصابها فجأةً ضعفُ النظرِ والملاحظةِ. تتجاوزُ كلَّ أخطاءِ زوجها أو خطيبها أو أيٍّ من كان الغلبان الذي وقعتْ في نصيبِهِ، ولكنها أبدًا ما تنساها، وتذكّرهُ بالرَوحةِ والجيئةِ، وتُذلُّ أهلَهُ بها.

فكيفَ ستحتملُ حينها أن تظلَ لخمسِ دقائقَ دونَ أنْ تمُنَّ عليهِ عفوها عنهُ في الجريمةِ التي ارتكبَها بحقها قبل خمسمائة عامٍ؟ وكيفَ سيحتملُ هو ألا يقبضَ على رقبتِها حتى تنفجرَ عروقُها بين يديهِ، فيمتصها؟!

وذلك قدرًا يقودنا إلى السؤالِ الذي اختلفَ في جوابهِ العلماءُ، والفقهاءُ، واللُغويونَ، والسياسيونَ، والاقتصاديونَ، والمسلمون، والنصارى، واليهودُ، والبوذية، والإخوانُ المسلمونَ، وحتى السيساوية بل ربما أجمعَ كلهم عليه:

أيهما أدعى للإشفاق على حالهِ؟ امرأةٌ بذاكرةٍ من فولاذٍ؟ أم رجلٌ يتزوجهُا؟!