يعتبر سؤال لماذا لا يرقى إنتاج المسلسلات المصرية للمسلسلات الأجنبية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة – خصوصًا في ظل النجاح الجماهيري الذي تحققه المسلسلات الأجنبية في الوطن العربي على شاكلة مسلسل «Game of Thrones» ومسلسل «Breaking Bad» وغيرها – من التساؤلات المستمرة في أطر عديدة، أهمها انجذاب الجمهور من الشباب العربي عامة والمصري خاصة لهذه المسلسلات، مقابل المسلسلات المصرية التي يكتفي بعض المتابعين بموسم رمضان أو بمسلسل واحد أو اثنين.

الإطار الثاني الذي يُطرح فيه هذا السؤال، هو المقارنة العربية الغربية وخصوصًا في قوة الإنتاج، دائمًا ما يتم إرجاع السبب إلى ضعف الإنتاج العربي مقارنة بالإنتاج الأجنبي. فهناك اعتقاد دائم ومستمر أن الأزمة هي أزمة تكلفة وقوة شركة منتجة وضخ أموال، ولكن هل هذا بالفعل هو السبب الوحيد؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال الأرقام التي تم إعلانها عن تكاليف الإنتاج لهذا الموسم الرمضاني، سواء من قبل المنتجين أو التي تم تداولها من قبل المصادر الصحفية المختلفة.

ومن الجدير بالذكر أن غالبية الأرقام المعلنة تخص تكلفة المسلسل ككل وأجر النجم الأول عن هذا المسلسل فقط، بينما لا يوجد أي تفاصيل عن أجر المخرج أو الكاتب، أو حتى عناصر الإنتاج الفني. وبالتالي سيزيد نقص تداول المعلومات هذا من مساحة التنبؤ الشخصي الذي قد يكون صحيحًا أو خاطئًا.


المسلسلات الأمريكية والإنتاج الضخم:

Friends
مسلسل Friends

ارتبط التوسع المضطرد في عوامل الإنتاج، سواء بالاعتماد على تقنيات مكلفة، أو بالاتجاه نحو تشييد مواقع التصوير الضخمة، ارتبطت كل هذه العوامل بتضخم ميزانيات الإنتاج بهوليود بالسينما والدراما على حد سواء. ولكن على الرغم من هذه الحقيقة، إلا أن المسلسل الكوميدي الشهير «Friends» ينفرد بكونه أضخم ميزانية إنتاجية لمسلسل تلفزيوني على الإطلاق، حيث بلغت تكلفة إنتاج الحلقة الواحدة في آخر موسمين بالمسلسل 10 ملايين دولار، يذهب منها 6 ملايين لأبطال المسلسل الستة بواقع مليون دولار لكل منهم.

ربما تعتبر هذه الأرقام استثنائية، نظرًا للمبالغ الطائلة التي اعتاد أن يجنيها «Friends» في مقابل عدم تواضع تكاليف الإنتاج، حيث أن أغلب حلقات المسلسل تم تصويرها بمواقع داخلية بإستديوهات شركة «ورانر بروس» الأمريكية، ولذلك ذهب جزء كبير من الميزانية إلى الأبطال وهو ما يبدو أمرًا مقنعًا، فالأبطال هم الأداة الرئيسية لتحقيق هذه المكاسب.

أما مسلسل «Game of Thrones» الموسم الأخير فقد تكلف إنتاج الحلقة الواحدة من 6 إلى 8 ملايين دولار. أما بالنسبة للأجور، فقد اتفق أبطاله الرئيسيين؛ مثل «بيتر دانكليج»، و«كيت هارينغتون»، و«لينا هيدي»، و«إميليا كلارك» و«نيكولاي كوستر والداو» سويًا، على أن يتقاضى كل منهم 300 ألف دولار في الحلقة الواحدة. يليه في الترتيب مسلسل «Lost» بتكلفة 4 ملايين دولار للحلقة الواحدة، ثم مسلسل «Breaking Bad» الذي بلغت تكلفة إنتاج الحلقة فيه 3 ملايين دولار.

وإذا افترضنا أن متوسط عدد الحلقات بالموسم الواحد والذي يتم اعتماده في أغلب المسلسلات هو 13 حلقة، وبحسبة رياضية بسيطة سنجد أن متوسط ميزانية الإنتاج للمسلسل الواحد حوالي 81 مليون دولار، فهل يعتبر هذا الرقم ضخمًا مقارنة بالأرقام المصرية؟


المسلسلات المصرية: وهم الإنتاج المنخفض

هي ودافنشي, راس الغول, القيصر, ونوس, سقوط حر
هي ودافنشي, راس الغول, القيصر, ونوس, سقوط حر

ربما يظن البعض أن تكلفة إنتاج المسلسلات المصرية منخفضة، ولكن الأرقام المعلنة تثبت عكس ذلك فمسلسل «مأمون وشركاه» لعادل إمام بلغت تكلفة إنتاجه 22.5 مليون دولار بينما بلغ أجر الفنان عادل إمام ما يقارب من 4 ملايين دولار، ومسلسل «ونوس» للنجم «يحيي الفخراني» تكلف 20 مليون دولار وكان أجره فقط ما يقارب 2.7 مليون دولار، وهو نفس الرقم الذي حصل عليه «محمود عبد العزيز» عن مسلسل «رأس الغول»، الذي بلغت ميزانية إنتاجه 18.8 مليون دولار، بينما مسلسل «الأسطورة» لمحمد رمضان فقد تكلف إنتاجه 10 مليون دولار حصل منهم على 2.5 مليون دولار أي ربع إنتاج المسلسل من نصيب بطل واحد فقط.

هذه الأرقام بالمعايير العالمية ليست أرقامًا ضعيفة، هي أرقام مسلسلات متوسطة التكاليف، بل يبلغ بعضهم أعلى من تكاليف العديد من المسلسلات الأمريكية. أما تكلفة مسلسلات النجوم الثلاثة الكبار عادل إمام والفخراني ومحمود عبد العزيز مجتمعة تبلغ 61 مليون دولار وهي تكاليف مسلسل أمريكي ضخم الإنتاج. كما أن أجور النجوم الثلاث الكبار تبلغ ما يقارب ال 9 ملايين دولار، أي تكلفة أعلى حلقات game of thrones الموسم الحالي إنتاجًا.


الأموال المهدرة:

كما عرضنا، فهناك اهتمام بأجور الأبطال الرئيسيين، بل نجد أحيانًا أن نجم المسلسل يستولي وحده على نسبة معتبرة من إجمالي تكلفة الإنتاج. وبذلك نستطيع القول أن الدراما المصرية تعتمد بدرجة كبيرة على التسويق باسم النجم وليس بالفكرة أو السيناريو أو جودة الإنتاج، بمعنى آخر أن المنتج يستثمر أمواله باسم نجم، غير مهتم ببقية تفاصل العمل الدرامي كجزء من العملية التسويقية.

أضِف إلى ذلك العرف المفروض علي كل المسلسلات الرمضانية بضرورة استكمال 30 حلقة لتغطي طوال شهر رمضان، وهو ما يؤدي لانخفاض إنتاجية الحلقة بدرجة كبيرة.

أما المشكلة الكبرى فتظل دائمًا هي عدم الاهتمام بالقصة والإنتاج والتفاصيل الفنية، فحتى في ظل وجود ميزانيات الإنتاج الضخمة ما زال الكتاب يعتمدون على كليشهات كتابية معتادة وحبكات مكررة.

لذلك من الضروري إعادة النظر في كيفية ضخ الإنتاج، والاعتماد على توجيه التكاليف للإنتاج الفني والقصة والإخراج، مقابل النجوم، وقد شهدت السنوات الماضية عدة تجارب اعتمد فيها بعض المنتجين على نجوم شباب كما في مسلسل «المواطن إكس»، والذي حقق نجاحًا كبيرًا بأقل التكاليف، وغيرها من المسلسلات، بمعنى آخر فإنه على الرغم من نسب المشاهدة المضمونة لمسلسلات النجوم الكبار، كعادل أمام ويحيي الفخراني وغيرهم، ولكن سيظل الاعتماد على المواهب الشابة وممثلي الصف الثاني والثالث، والرهان على جودة النص والإخراج، مصدرًا للنجاح بأقل التكاليف.