كان ياما كان في سالف العصر والأوان كان في ولد صغير اسمه هيثم، هيثم كان عايش في قرية بعيدة، وكان عنده أم عنيدة، كانت بتاخده وتروح المولد عشان يسمع الحواديت، وبعد ما يرجعوا البيت تخليه يعيد فيها ويزيد، ولما كبر هيثم وعوده شد، اشتغل مدرس في مدرسة عالقد، كان يجمع الأولاد ويحكيلهم وبالطريقة دي كان بيحاول يعلمهم، الشاطر هيثم كبر شوية كمان، وقرر يخرج من قريته ويروح بلاد بعيدة محدش زارها من زمان، عمل عربية الحواديت ولف بيها على أطفال وعيال في كل نجع وبيت، الولاد والبنات حبوه وكانوا بيقعدوا حواليه يسمعوه، والشاطر هيثم من يومها وخد عهد على نفسه، ياخد عربيته المسحورة، ويلف بيها يشجع الأطفال عالقراية، والرسم والحكاية، ولسة الشاطر هيثم بيلف بعربيته تحت الشمس والقمر، والأطفال بيستنوه ويقعدوا تحت الشجر، مستنيين الشاطر هيثم وعربيته، وأفلامه ورسوماته وحواديته.

فريق مكون من عشرة أشخاص يترأسهم «هيثم السيد»، مدرس اللغة الإنجليزية الشرقاوي الذي قرر أن يستخدم الحواديت والقصص في تغيير الواقع، يطوف هيثم السيد وفريقه قرى الدلتا والصعيد النائية، يجمع الأطفال ويحكي لهم الحكايات، في فريقه متخصصون في الحكي والقراءة التحليلية والرسم، وحتى لغة الإشارة ومتخصصي التعامل مع الاحتياجات الخاصة، يقيم ورش حكي وقراءة وكتابة للأطفال الفقراء الذين تنحصر وسائل التسلية التي يعرفونها على الطين والترعة والوحل.

بدأ هيثم المشروع منذ ثلاث سنوات، يجمع الكتب من المتبرعين أفراداً كانوا أو مؤسسات ثم يوزعها على الأطفال في القرى والنجوع والمناطق النائية الفقيرة، ربح مشروعه جائزة الدولة التقديرية، والتي كان من المفترض أن جزءاً منها هو أن تتبنى الدولة المشروع، الوعد الذي لم يتحقق قط، والأغلب أنه لن يتحقق أبداً، وكل المؤشرات تشير إلى ذلك.

غياب الدعم عن مشروع هيثم السيد يجعله على وشك التوقف تماماً، لا يتبرع له أحد بالكتب التي يحتاجها، لا تتبنى الدولة مشروعه، ترفض الجمعيات الخيرية التعاون معه بحجة أن القراءة والفن والحواديت ليسوا أولوية في حياة فقراء الريف، تصم البرامج ذائعة الصيت آذانها عن نداءاته، وتكاليف المشروع أصبحث أكبر من أن يتحملها فرد واحد ولا حتى فريق يعمل منفرداً دون دعم مؤسسي، السفر بين المحافظات، والإقامة الفندقية حتى لو رخيصة، الكتب والألوان والأوراق، كل هذا يتكلف مالاً، وهو الشيء الوحيد الذي لا يتوفر لدى هيثم السيد وفريقه.

هذه هي المعلومات التي تحتاج معرفتها عن الموضوع، ولكن ما وراء الحكاية هو ما لا تعرفه، لماذا يحكي هيثم، وكيف يحكي، ولمن يحكي، وماذا يرى في جولاته، هذا ما حاولنا أن نعرفه، وهذا ما سنقدمه لك في هذا التقرير، سوف نحكي لك حواديت البشر، البشر الذين يصنعون الحدوتة.


لماذا تحكي؟ أعني فيم كل هذا العناء؟ ولماذا من البداية؟

لأنني أؤمن أن الحدوتة هي الشيء السحري الذي يفتح العالم، أبي كان مدرساً في قرية فقيرة، كان يخشى على طفله الذي هو أنا من الاختلاط بالآخرين، وكانت أمي تأخذني في الخفاء لنحضر الموالد ونستمع لرواة الحكايات التراثية، وتجعلني أروي لها الحكاية مرة أخرى قبل أن أنام، ومن وقتها بدأ كل شيء، تعلمت أن بالحكاية يمكنني أن أغير العالم، أنا المدرس الوحيد الذي كان يسيطر على فصل كامل من أطفال الريف المزعجين، فقط بقوة الحدوتة وحدها، ثم خرجت عن أسوار المدرسة وجربت السحر على الأطفال خارجها، كان يعمل، سحر الحدوتة يعمل ويؤثر ويغير، ومن هنا آمنت أن هذا هو دوري.

كيف تجد الأطفال؟ وكيف يستقبلونك؟

أجدهم حافين على الأرض الترابية في قراهم البعيدة، لا يعرفون شيئاً عن أي شيء، ويتلهفون لأي شباك يطل على الدنيا، أجلس على التراب وسطهم، وأفتح بكلماتي الشباك، أروي لهم الحكايات، ثم أطلب منهم أن يرسموا أشياء، ثم يحكوا عن هذه الأشياء حكاياتهم الخاصة، يلجون معي عالم الحواديت، ويستقبلون كل ما أريد أن أعلمه لهم، وعندما أغادرهم يودعونني هاتفين «والنبي تجيلنا تاني».

تقول إن الجميع يرون أن ما تفعله ليس أولوية، ماذا عن أهالي جمهورك من الأطفال؟

في البداية يتخوفون من مظهرنا، يكادون يخافون من القمصان النظيفة والسراويل والأحذية اللامعة،أو يروننا بهلوانات لا نفعل شيئاً ذا قيمة، ثم يجدوننا نجلس مع أبنائهم على التراب، نمنحهم أحضاناً وقبلات رغم الحفاء والعري أحياناً، ورغم قسوة الجهل التي ينتهجونها في التربية إلا أنهم بالتدريج يعرفون أهميتنا لدى أطفالهم فنصبح مهمين لديهم بالتبعية، ولن تصدقي ما يحدث بعد ذلك.

ماذا يحدث بعد ذلك؟

هاتفني أب منذ فترة، يخبرني أنه سوف ينزل للقاهرة مع طفله الذي تعلق بعربية الحواديت، ويطلب مني أن أمنحه كتاباً وهو عائد إلى بلدته، إلى هنا فالقصة عادية، غير العادي أن هذا الأب كان في طريقه لإجراء جراحة دقيقة لطفله في مستشفى سرطان الأطفال، ومع ذلك شعر أن الكتاب أولوية توازي في أهميتها العملية الجراحية، فلم ينس أن يهاتفني ويطلب مقابلتي ويطلب كتاباً.

آباء آخرون يتواصلون معي كي يخبرونني بفرحة أن أبناءهم كتبوا قصة جديدة، يريدون مني أن أفرح معهم وأن أقرأ القصة وأقيمها، وأعلم أطفالهم المزيد، ولدي الكثير جداً من القصص التي تخبرني أن هذه بالضبط هي رسالتي في الحياة.

والأطفال أنفسهم؟ إلى أي مدى يهتمون بالموضوع؟

إلى المدى الذي يجعل طفل في الصف الخامس الابتدائي يطرق بابي ليطلب كتاباً مثل أقرانه، أحضرت له واحداً وطلبت منه قراءة العنوان فلم يستطع، طفل في الصف الخامس الابتدائي لا يستطيع تهجي عنوان كتاب أطفال، ولكنني لم أيأس فعقدت معه اتفاقاً، أن يطلب من أحد جيرانه الكبار أن يعلمه الحروف الأبجدية، وإذا أتى في خلال أسبوع يعرفهم جميعاً، سوف أمنحه الكتاب، وأمنحه خمسة كتب أخرى، وبعد أسبوع طرق بابي يتهجى الحروف ويكون منها كلمات بسيطة، حماسته لحدوتة واحدة فعلت ما لم تستطع خمس سنوات دراسية أن تفعله، أي سحر هذا؟ وكيف يمكن أن أتخلى عن كل هذا ببساطة؟

ماذا ستفعل الآن بعد أن أغلقت الأبواب؟ هل ستكف عن حكي الحواديت؟

أنا فعلت الكثير، وأتمنى أن أفعل أكثر، ولكنني مقيد، الكتب أسعارها مرتفعة، تكاليف التنقل والإقامة، كل هذا يثقل كاهلي، سوف أحاول أن أستمر بمجهودي الخاص، سوف أظل أحكي إلى أن تنتهي مواردي، أو أن تحدث معجزة ويهتم أحد لأمري، وأمر عربية الحواديت.


لدى هيثم السيد رسالة حقيقية، هو يريد أن يغير العالم بأبسط الطرق ومن بداية الطريق، هو يعرف كيف يغير الأطفال ويجعلهم يقرؤون ويكتبون، الأهم أنه يعرف كيف يجعلهم يحلمون، المشكلة الحقيقية أن الحلم يحتاج دعماً ومالاً، وهيثم السيد يمتلك الشغف وسعة الخيال والمثابرة والرغبة في بذل الجهد، ولكنه لا يملك – للأسف – مالاً.