يُعرَّف الخطاب بشكل منهجي بأنه: ملفوظ طويل أو متتالية من الجمل يمكن من خلالها بناء وحدة متكاملة من العناصر، فهو كل تلفُّظ يصدره متكلم إلى مستمع، بحيث يكون عند الأول هدف للتأثير في الثاني.

ودون تعقيد للأمور فالخطاب يكون داخل كل عمل فني وفقًا لهويته بين السينما والمسرح والأدب والشعر والأغاني أيضًا، ثمة كلمة وراء أخرى تخلق متتالية ألفاظ تكوِّن جملة ذات أثر واضح وتعبير مفهوم، وبالنسبة للأغاني فجملة بجوار أخرى تخلق أغنية كاملة، تحكمها ثيمة في وقت محدد، تتبعها عناصر أخرى من ألحان وتوزيع ومطرب يغنيها، وربما فيديو كليب ومخرج وموديل ومدير تصوير وغيرها من العناصر حتى يتم إنتاج عمل فني قائم بذاته.

من الملحوظ أن تامر حسني بصفته مطربًا أولًا تشغله المرأة كثيرًا في اختيار كلمات الأغاني الخاصة به، فبين تنوع ثيمات أغنياته من حب وفراق وحنين وخلافه، وشأنه كشأن أي مطرب آخر تدور معظم أغنياته عن العلاقات بين (الرجل والمرأة) يكونان دائمًا هما طرفا الصراع القائم عليه الأغنية، وذلك بخلق موقف مفترض، كخيانته لحبيبته فيوجه إليها أغنية يخاطبها «أنا خنتك امبارح وقلبي مش مسامح»، أو مدى سعادة بطل الأغنية بزواجه ليحوي الخطاب كلمات من الفرح مثل «عشنا وشفناه اليوم اللي اشتقنا له احضني قصاد الناس يا حبيبي وما له»، وهكذا، والسير مع الفرضية وفقًا للموقف المؤلف الذي يُحدَّد على أساسه الخطاب.

النساء داخل فرضيات تامر حسني

تتجلى صور المرأة في أغنيات تامر حسني بين أكثر من شكل، الأول وهي أغنيات محملة بتوجيهات لسيدة محددة داخل فرضية درامية، مثل أغنية يا أنا يا مافيش من كلمات أمير طعيمة التي تقول: «أنا اللي اقول فين وامتى وانا اللي اختار، لو حد نداك اعمل مش سامع برضاك، انا قلت كلامي وده نظامي»، وكذلك عن أغنية «أكلمها»، كلمات بهاء الدين محمد، التي تسير داخل فرضية درامية واختلاق موقف بُنِي على أساسه الخطاب، حيث يُظهر خطاب هذه الأغنية المرأة بشكل مختلٍّ في عناد مستمر بلا هدف في مقابل الرجل الذي يحاول ويسعى بشتى الطرق أن يطمئنها، لكنها كائن غير سوي لا يفهم أي شيء سوى ما تريد هي فهمه وتفسيره، وكذلك أغنية “بطلة العالم في النكد”، من كلمات تامر حسني نفسه هذه المرة، والتي يسير خطابها على نحو الجنون غير المعلن أسبابه من قِبل المرأة كما ورد “بطلة العالم في النكد ونمرة واحد في العقد، شكاكة، كل يوم زن، راديو ومبيسكتش، الخناق فن حوارات مبتفصلش، وفي التمثيل فنانة قديرة، مبروك كسبتي معانا جايزة أحسن تكشيرة، نجمة القفش الأولى”.

في مقابل الرجل داخل الأغنية “شهور بصالح أنا فيها وياريت بعرف أنسيها”، فهو نفسه المظلوم المحاول للتهدئة من روع البطلة المختلة في أغانيه دائمًا لكن دون فائدة، أو تلك النبرة الأبوية المفرطة كما وردت في أغنية “أنت اختيار” من كلمات فاروق رشاد، “قالت عاملني إني بنتك لو غلطت”، فهي غير ناضجة وهو الرجل المسئول عن التربية والتوجيه والعقاب، لكننا إلى هذا الحد ما زلنا داخل فرضيات ومواقف درامية تحكم سياقها ثيمة، رغم أن ذلك التكرار في الخطاب بين توجيه النساء ثم إدانتهم بالجنون والشك والنكد وممارسة السلطة عليهن يعتبر توجهًا واضحًا في اختيار المطرب للخطاب الذي يريده، بل الذي يريد أن يخاطب به جمهوره وفئاته المستهدفة!

مخاطبة النساء بشكل مباشر

سنتجنب في هذا المقال ذكورية تامر حسني المبالغ فيها في أفلامه بتصوره أن الصورة الجذابة للرجل هي ذلك الذي تقع جميع الفتيات في حبه بعد أن يتحرش بهن، ويضربهن، ويعلمهن جميع الأشياء الصغيرة منها والكبيرة بصفته معلمًا وموجهًا ورجلًا أنضج وأكبر، ويعي الكثير عن تلك الساذجة، ذلك لأنه لا يسعنا التحليل العميق لكل أعماله من جهة، ومن جهة أخرى لأنها – كما يفترض – ثيمات درامية كاملة مبنية على شخصيات ذات دوافع وخلفيات، وعلى الرغم من أن أفلامه، وبخاصة الأخيرة منها، التي هي من أفكاره وإخراجه وبطولته لا تحمل أي دوافع أو ملامح شخصيات ذات بناء درامي مُحكم، وتسمح جدًّا بالنظر فيها بصفتها توجهاته الشخصية، لكننا لسنا بصددها بشكل فعلي.

ومن الانتقال من عالم الفرضيات الغنائية إذًا، إلى عالم الخطاب المباشر والوصف بل الوصم الصريح للسيدات كافة في أغنيات أخرى، مثل أغنية أخرى من تأليفه وهي “سي السيد” التي تظهر فيها السيدة أيضًا بصفتها مجنونة تصرخ باستمرار دون سبب محدد في مقابل هدوء الرجل ورزانته، ثم بالكلمات التي بدأها بتوجيه خطاب مباشر لجميع السيدات “ليكي الكلام ولأي واحدة تحاول تلغي الفرق ما بين الراجل وبين الست لا يا حبيبتي في فرقين”، وهو مدخل وبداية قبل أن تكون موضحة أنه خطاب عام لكل السيدات، فهي بداية تدل على سطحية شديدة في الفكر وعدم ثقافة كافية في تخيل محاولات إلغاء وهدم أمن واستقرار الرجال بمحو الفرق من قِبل السيدات، حيث التصور بالنداء بالمساواة وتلك الكليشيهات التي تعتبر في عرف كل الحركات النسوية لا وجود لها من الأساس في مقابل عمق القضية والنبش في تاريخ المرأة لتحقيق العدالة أولًا، والرد من الأساس بمثل تلك الخطابات من قِبل الذكور ذوات الثقافة المحدودة، أو المعدومة.

رغم العلم التام بمدى رفاهية الأغنية والتعاون فيها مع المطرب الأمريكي سنوب دوغ، وعناصر الصورة الموجودة بالكليب من ألوان ملابس مبهجة وما إلى ذلك، إلا أن ذلك لا ينفي أنها خطاب واضح منذ كلماتها الأولى لا يعي أي شىء عن حركات النساء في الأوطان العربية والمصرية خلاف أنها تريد أن تكون مثل الرجل، ثم بجمل تحرض على السمع والطاعة في مقابل إعطاء مكافأة بالجنس “فاكرة كلمة حاضر لما اتقالت وأنا زعلان مش بوستك”، ثم توجيه صريح وسيطرة كاملة على جسدها وعلى كل أفعالها بصفتها امرأة تمثل جميع النساء كما بلورها في أول الأغنية “أنا اللي أقول تعملي إيه، أنا اللي أقوله تمشي عليه، زي مثلًا تلبسي إيه ومتلبسيش إيه، إياكي مرة في يوم ألقاكي رجعالي متأخرة”، ثم “أها أنا سي السيد، مش عاجبك كلامي أمشي”، تهديد بالحرمان من وجوده بل طردها من منزله الذي ليس لها غيره، ثم الطامة الكبرى في التأكيد من جديد على أن خطاب الأغنية موجه لجميع النساء “انتوا ايه عاملين كدا ليه ودماغكوا دي معمولة من ايه، كل حاجة واخدينها تحدي من غيرنا أصلًا تعملوا إيه”.

هي نفسها التساؤلات المطروحة في الفرضيات المذكورة عن أغنياته السابقة، عن ذلك الجنون غير المبرر، مع الأخذ في الاعتبار أن النساء بدون الرجال غير قادرة على التصرف، خلاصة القول ودون تعميق وأخذ الخطاب في تأويل لا يحتمله فهو واضح للغاية لا يحتاج لتفسير شفراته أو تفكيك كلمات بجهد كبير. فهي رؤية لا تشمل إلا وصم السيدات والإجبار على السمع والطاعة في مقابل الجنس والحفاظ على منزل الزوجية والرجل الذي يتولى مهام الإنفاق.

حواء «تيك توك» 

قبل التطرق هذه المرة إلى خطاب أغنيته الأخيرة حواء، وهي في المقدمة من كلماته وألحانه أيضًا، سنتطرق إلى فيديو كليب الأغنية وهو من إخراجه، حيث يبدأ بمشهد يظهر فيه بطل الكليب مصابًا في حادث أليم، محاولًا طمأنة حبيبته عليه من هاتف زميلته في العمل، فترد بكل جنون متسائلة عن علاقته بتلك الزميلة، متجاهلة حادثه وإصابته، مشهد تأسيسي مؤكد لجنون المرأة البطلة بالكليب قبل الدخول للأغنية، ثم مشاهد عبارة عن كولاج من مجموعة مقاطع تيك توك وانستجرام، بين السيدة وهي تراقب حبيبها في سيارته، أو تضع المرآة بين أصابع قدمها لتنظر في هاتفه، أو عند مساعدته البريئة لسيدة في الشارع تقف وترمي متعلقاتها في وجهه حتى تشعره بالخطأ الذي ارتكبه، وغيرها من المشاهد المجمعة والملتصقة بعضها بجانب بعض دون أي فرضية درامية تحكمها أو شيء، هي فقط مجموعة مواقف طريفة تظهر المرأة مختلة في مقابل مدى شهامة الرجل وهدوئه وعقله، استهوت المطرب المخرج المؤلف الملحن، فقرر تجميعها في فيديو كليب وأغنية وأطلق عليها “حوا” كاسم عام يشمل النساء جمعاء.

تبدأ الأغنية بالإشارة إلى أنه استحضر كتابًا عنوانه “كيف تفهم حواء”، مكونًا من آلاف الصفحات قرأه بكل عمق ووصل لصفحته الأخيرة، ليجد الكاتب يشير إلى أنه لا يستطيع أي رجل أن يفهمها بعد كل هذه القراءة الدقيقة، ثم كلمات الأغنية التي تتحدث عن المرأة بصفة عامة “حافظين مش فاهمين نفس الكلام وبيتردد”، فالسيدة كما يراها وكما ذكر مسبقًا لا تعي، لا تفهم، تردد كالببغاء، والجميع منهن يسير على نفس الوتيرة، أما عن الرجال “إحنا عايشين مساكين، بنجيب في هدايا ونسدد”، هو نفسه الرجل المظلوم في جميع ما سبق من أغنيات، محاولًا تهدئة روعها المستمر بل هو الذي ينفق لأنها قاصر أو ربما ابنته كما ذكر في أغنية أنت اختيار، ومن حقه إذًا أن يهددها كما هددها مسبقًا بـ “مش عاجبك كلامي امشي”، فهو سلطة المال وهي غير الناضجة المختلة، غير القادرة على الفصل بين الطبيب والحبيب كما يذكر في الأغنية “ودتها مرة للدكتور، سألها مالك قالت له أنت لو مهتم كنت عرفت لوحدك”، وبهذا فتكون المرأة في هذه الحالة قد خرجت من تصنيف الخلل العقلي الخطر على الرجل الحبيب الصبور فقط، وأصبحت خطرًا على البشر جميعًا فعلًا، ويكون تصنيف مختلة حقًّا قليلًا على تلك المواقف المذكورة.

بعد تحديد الخطاب.. تامر حسني يخاطب من؟

بعيدًا عن سطحية الطرح واسم الكتاب والفكاهة التي يتخيل حسني دائمًا أنه يقدمها، فمحتوى الكليب كصورة وحده كفيل بتوضيح مدى الرؤية ذات البعد الأوحد التي ينطلق منها دائمًا، ليس عن المرأة فقط بل عن مصادر محتواه بصفة عامة، سواء من أفلام لا يعي ضبط صورتها إخراجيًّا ولا توجيه ممثليها فنيًّا، ولا طرح أفكار تتماشى مع طبيعة العصر بحق.

فنان منعزل عن الواقع الحقيقي بكل تفاصيله، بل عن الجيل الذي يريد أن يخاطبه، فتامر حسني في بدايات ظهوره في مطلع الألفية خاطب بأغنياته الرومانسية جيلًا كان حينها مراهقًا يعيش قصص حب كما وردت في الأغنيات والأفلام الخاصة به.

على سبيل المثال، بدايات تعاونه مع شيرين ونصر محروس، وأفلامه عمر وسلمى وكابتن هيما، بين الشاب الخائن السكير الذي تحبه الفتيات، أو الشهم الفقير السائق الذي يحب مُعلمة في المدرسة التي يعمل بها، وغيرها من الثيمات التي تتناسب مع مرحلة وعي وإدراك ذلك الجيل، لكن ربما هناك مفاجأة لم تخطر ببال المطرب المخرج المؤلف الملحن، أن ذلك الجيل كبر في العمر، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك هو الجيل الأوحد الذي خاطبه ورسخ معه قاعدة جماهيرية كبيرة.

لم يلحق تامر حسني بالجيل الأكبر لأن هؤلاء لهم مطربوهم المفضلون قبل ظهور تامر على الساحة، ولا الجيل اللاحق لأن هؤلاء أيضًا جاء مع أجيالهم مطربون جدد نتاج أحداث سياسية واجتماعية، بل وليس مطربين جدد فقط، بل شكل غناءً جديدًا من الأساس ليبقى تامر حسني منحصرًا في جيل واحد، وهذا لم يكن بعيب فهو ابن لزمن محدد وله قاعدة جماهيرية من هذا الزمان، كانت من الممكن أن تستمر معه في دعمه وسماع أغنياته لو كان وعى طبيعاتها جيدًا.

لو كان بحق قرأ كتابًا بدلًا من “كيف تفهم حواء”، لو كان ارتبط بتغيرات الزمن الراهنة وواكبها على المستوى الثقافي والفني والتقني والخطابي بدلًا من دور الموجه الناصح في أغنيات التنمية البشرية، والتي يكتبها للشباب بصفتهم يحتاجون يد عونه كي يتصرفوا في شئون حياتهم، أو دور “سي السيد” كما أسمى إحدى أغنياته وظل في معزل حقيقي عن المرأة، التي من المفترض أن تكون جزءًا أساسيًّا من جمهور أي مطرب، إضافة لعدم تنحيته رؤيته الشخصية بكل ما تحمله من قراءة سطيحة للأمور عن جانبه الفني، كما يذكر دائمًا في اللقاءات عن زوجته السابقة “أنها ما زالت صغيرة بالسن، وهو الأكبر والأكثر نضجًا وفهمًا للحياة” مع الأخذ في الاعتبار أنه أصبح غير متقبلًا  لأصوات أخرى حقيقية تكتب له، على طريقتها الخاصة، بل يقوم هو بكل المهام الفنية، أو حين الاستعانة بآخرين، يستعين بمن تكتب له على طريقته و”ستايله” الخاص، ليكون معظم ما يقدمه ما هو إلا تصورات خاصة به متكررة، مرات منه ومرات من أقلام أخرى تكتب بماهيته ولماهيته ورؤيته، التي تحتاج للكثير من الثقافة وتنحية الذات والموضوعية، لربما يقدر على استعادة توازنه من جديد، متخليًا عن تلك الشائعات التي يصدرها عن إيرادات أفلامه، كاسرًا قوقعته ليرى الحقيقة، يرى المرأة ويرى الرجل ويرى أفلام غيره ويقرأ لأصحاب الثقافة الحقيقية، لربما!