انتهى الموسم الرمضاني منذ أيام، واختلفت آراء النقاد والجمهور حول قوة الموسم وهل هو موسم ضعيف أم متوسط، وهل يوجد مسلسلات مميزة أم لا. ولكن هناك اتفاق ضمني أن هذا الموسم يعد الأضعف من حيث التنوع منذ سنوات مضت.

شهد الموسم الرمضاني حضورًا لافتًا لبعض المخرجين والمؤلفين والفنانين؛ مثل «عمرو سلامة»، و«هاني خليفة»، و«هالة خليل»، والإخوة «خالد» و«محمد» و«شيرين دياب». كما شهد تألقًا نسبيًا لمسلسل «عادل إمام» «عوالم خفية» عن مسلسلاته الماضية، وعودة العملاق «يحيى الفخراني» مرة أخرى لمسلسلات الكوميديا العائلية الاجتماعية منذ فترة طويلة. وكذلك عودة «محمد رمضان» بعد انشغاله بالتجنيد الإجباري بمسلسل «نسر الصعيد»، ليستمر في مسلسلاته ذات الطابع الشعبوي والحافلة بالجمل الرنانة ذات الوزن والقافية. كما شهد الموسم الرمضاني حضورًا لمخرجين جدد مثل «محمد سلامة» والذي أخرج مسلسل رحيم، و«ياسر سامي» في مسلسل نسر الصعيد.

يبدو للوهلة الأولى موسمًا غنيًا ومتنوعًا، ولكن على أرض الواقع كان موسمًا فاقدًا للتنوع. فأغلب مسلسلاته تدور في إطار من الأكشن والسياسة والحرب على الإرهاب، والإشادة بمجهودات وزارة الداخلية ومحاربة الفساد بتشجيع الدولة. أعمال قليلة مثل «ليالي أوجيني»، و«بالحجم العائلي»، و«الرحلة» هي التي خرجت عن هذا الخط العام وهذه التيمة التي سيطرت على الموسم وجعلت أغلب مسلسلاته متشابهة إلى حد كبير.

شهدت الدراما المصرية تطورًا كبيرًا على مدار السنوات الماضية، وخاصة في مواسم رمضان 2016 و2017. فما الذي تغير هذا العام؟ وهل تأثرت الدراما بغياب عدد من أبرز صناعها؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذا التقرير


غياب اختياري

شهد الموسم الرمضاني هذا العام غياب العديد من صناع الدراما الرمضانية بشكل اختياري، حيث فضّل المخرجون تامر محسن ومحمد ياسين وكاملة أبو ذكري الابتعاد عن السباق الرمضاني، كما فضل النجم يوسف الشريف التغيب عن الموسم الرمضاني لأول مرة منذ سنوات لانشغاله بالتحضير لفيلم «بني آدم»، بالإضافة للنجم إياد نصار والذي ارتبط اسمه بأعمال قوية مثل «هذا المساء»، و«الجماعة»، و«أفراح القبة».

فقدت الدراما المصرية هذا العام الحضور المميز للمخرج «تامر محسن»، صاحب عدد من الأعمال الدرامية المميزةمثل «هذا المساء» و«تحت السيطرة» و«بدون ذكر أسماء». يمتاز تامر محسن بمسلسلاته الدرامية القوية التي يكتب لها المعالجة الدرامية، كما يمتاز بإدارته الجيدة للممثلين وتقديم المواهب الشابة أو المدفونة، وهو ما يتضح في تسكين جميع الأدوار الرئيسية والثانوية وأدائها اللافت. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شخصية فياض التي قدمها الممثل محمد جمعة في مسلسل هذا المساء والتي ﻻقت استحسانًا كبيرًا من الجمهور. كل هذه التفاصيل تجعل تامر محسن مخرجًا مميزًا، وغيابه عن الموسم الرمضاني خسارة حقيقية.

كما غاب أيضًا المخرج «محمد ياسين»، والذي قدم العديد من المسلسلات المميزة، مثل «الجماعة» في جزئه الأول، و«موجة حارة»، و«أفراح القبة». ويمتاز ياسين بقدرته على قيادة الممثلين حيث شهدت مسلسلاته تألق العديد من النجوم مثل إياد نصار ورانيا يوسف ومنى زكي. ويتفرد ياسين بلقطاته الطويلة المسرحية، والكاميرا التي تتبع الممثل، وصورته القاتمة المعتمدة على اللونين الأسود والبني التي تنقل ثقل المشاعر والأحداث للمشاهد. يعد محمد ياسين من أكثر المخرجين موهبة ولكنه سيعود العام القادم بمسلسل «إيزيس» من بطولة منى زكي، وقد طلب تأجيل المسلسل لرغبته في التحضير الجيد له.

أما المخرجة «كاملة أبو ذكري» والتي اشتهرت بتقديم المسلسلات والأفلام ذات البعد النسوي، مثل «يوم للستات»، و«ذات»، و«سجن النسا»، و«واحد صفر»، اختفت عن الموسم الرمضاني هذا العام، بعد النجاح المتوسط الذي حققه مسلسل «واحة الغروب». تعد أبو ذكري من أفضل المخرجين القادرين على نقل واقع المرأة ومشاعرها ومعاناتها، وهذا الجزء افتُقد في الموسم الرمضاني بدرجة كبيرة، حيث كانت الكفة هذا العام تميل لقصص الرجال وبطولتهم أو حتى جرائمهم في حين كانت النساء على الأغلب مجرد شخصيات مساندة، خصوصًا وأن العديد من المسلسلات التى تنقل قصص النساء تم تأجيل عرضها لأسباب مجهولة.


غياب إجباري

قرر المنتج «تامر مرسي» رئيس شبكة ONtv، في خطوة قد توصف بالاحتكارية، تأجيل عرض عدد من المسلسلات ذات حقوق العرض الحصرية داخل مصر لشبكة ONtv، مما أدى لغياب عدد من أبرز صناع الدراما الرمضانية.

أدى قرار تامر مرسي لخروج مسلسل النجمة يسرا «لدينا أقوال أخرى» من العرض الرمضاني، وبالتالي غابت هذا العام عن الشاشة الرمضانية بعد تقديمها لأعمال مميزة في السنوات الأخيرة، مثل «الحساب يجمع» و«فوق مستوى الشبهات»، حيث تميزت بتقديم شخصيات لديها أبعاد نفسية معقدة وتقوم بجرائم أو تتورط في حوادث، فهي لا تختار شخصيات على جانب الخير كما يفعل أبناء جيلها عادة، كما تسمح مسلسلاتها بظهور وتألق شخصيات أخرى غير شخصيتها، بالإضافة للسيناريو ذي الحبكة الجيدة.

من الأعمال المؤجلة أيضًا مسلسل «أهو دا اللي صار»، وهو التأجيل الذي أدى لغياب أبطاله من الفنانين الشباب المنتظرين بعد تألقهم في أعمالهم الأخيرة مثل روبي، وأحمد داود، ومحمد فراج. بالإضافة لغياب السيناريست «عبد الرحيم كمال» مؤلف المسلسل، والذي يعد أحد أبرز الأسماء في الدراما التلفزيونية في السنوات الأخيرة والتي قدم خلالها أعمالاً مثل «الخواجة عبد القادر»، و«دهشة»، و«شيخ العرب همام»، و«ونوس» وغيرها من الأعمال التي ﻻقت نجاحًا كبيرًا، كذلك يغيب مخرج العمل السوري «حاتم علي».


الوافدون الجدد: حضور كالغياب

شهد موسم الدراما الرمضانية لهذا العام مشاركة عدد من الوافدين الجدد على الدراما التلفزيونية، من بينهم عمرو سلامة والإخوة محمد وخالد وشيرين دياب في مسلسل «طايع»، بالإضافة لهالة خليل في مسلسل «بالحجم العائلي» مع النجم يحيى الفخراني، وعلى الرغم من خبرتهم السينمائية الجيدة إﻻ أن العملين طالهما العديد من الأزمات والمشاكل الفنية.

اقرأ أيضًا: أبناء حربي السبعة: رسم الشخصية الدرامية في مسلسل طايع

وبالإضافة لذوي الخبرة، شهد الموسم مشاركة لاثنين من المخرجين في أول أعمالهما «محمد سلامة» و«ياسر سامي» في مسلسلات «رحيم»، و«نسر الصعيد»، وهي التجارب التي ﻻ يمكن وصفها إلا بالتواضع، فقد اكتفى المخرجان بمحاولة صنع مشاهد أكشن جيدة، وُفّق بعضها وخرج بعضها بمشاكل كثيرة في التصوير، بالإضافة لعدم وجود بصمة تذكر على أداء الممثلين أو الحفاظ على تفاصيل البيئة والمكياج والإكسسوارات.

وفي النهاية يجب أن نطرح سؤالاً هامًا: هل أدت كل هذه الغيابات إلى تراجع الموسم الرمضاني، أم أنها غيابات طبيعية يحدث مثلها كل عام، وتراجع المستوى يعود لأسباب أخرى؟