في يناير/ كانون الثاني عام 2011 شهدت مصر ثورة شعبية كبيرة أطاحت بالرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك»، وامتدت توابعها على مدى الأشهر التالية، وهو ما ترك أثرًا بالغًا على السينما المصرية التي استحالت مصائبها فوائد للدراما التلفزيونية، فهاجر إليها كل أطياف الصناعة من ممثلين ومخرجين ومنتجين، لتشهد سنوات ازدهار بعد عقود من الموات، ولكن مياهًا كثيرة جرت في هذا النهر.اليوم، ونحن على أعتاب شهر رمضان الكريم، الموسم الدرامي الأهم، وبعد 7 سنوات على التحول الكبير الذي لحق بالدراما التلفزيونية، ﻻ نكاد نرى أثرًا لهذا الازدهار الذي أعقب الثورة، فما الذي تغير في السنوات الماضية؟ وما الذي تخبرنا به خريطة الدراما الرمضانية لهذا العام؟


خريطة الدراما

أول ما يلفت الانتباه في خريطة الدراما الرمضانية هذا العام هو تراجع عدد المسلسلات المعروضة، وهو العدد الذي بات يقل عامًا بعد عام، إذ بلغ عدد المسلسلات التي تم الإعلان عنها 25 مسلسلًا على الأكثر، فيما شهد عاما 2013 و2014 ضعف هذا العدد تقريبًا.وبالنظر إلى أبرز الأسماء الغائبة هذا العام سنجد على رأسها النجم عادل إمام، الذي واظب على التواجد في رمضان طوال الأعوام السبعة السابقة، والنجمة نيللي كريم التي لم تتخلف أيضًا عن السباق الرمضاني منذ عرض مسلسلها الأول «ذات» في عام 2013. ومن بين أبرز الغائبين سنجد أيضًا يسرا، وعمرو يوسف، وكلاهما من أهم نجوم الموسم الرمضاني في السنوات السابقة.ولكن اللافت في هذه الأعمال الأربعة أنها توقفت بعد بدء العمل على إنتاجها، بل إن بعضها قد بدأ تصويره بالفعل، ثم توقف العمل في ظروف وصفتها وسائل الإعلام بـ«الغامضة». انتشرت أخبار عن توقف مسلسل عادل إمام لظروف صحية، لكن المخرج رامي إمام نفى هذه الأخبار، و أكدت جريدة التحرير بعد ذلك أن التوقف جاء على إثر أزمة بين شركة ماجنوم، الشركة المنتجة للعمل، وبين شركة «إعلام المصريين» الحاصلة على حقوق عرض المسلسل.تكرر الأمر نفسه في الحالات الثلاثة الأخرى، إذ خرجت بيانات وتصريحات من صناع الأعمال الثلاثة ترجع التوقف إلى ضيق الوقت، بينما تداولت وسائل الإعلام أسبابًا أخرى منها: الأزمات المادية التي تواجهها شركات الإنتاج، أو عدم الحصول على تصريحات أمنية للتصوير. ومن اللافت أيضًا غياب عدد من شركات الإنتاج الكبيرة التي اعتادت أن تدخل الموسم الرمضاني بأكثر من عمل، على رأسها شركة العدل جروب، وشركة مجموعة فنون مصر للإنتاج والتوزيع، وشركة ماجنوم للإنتاج الفني.


الاحتكار

يمكننا أن نرصد تواتر حضور اسم المنتج تامر مرسي في مختلف هذه الأزمات التي تمر بها شركات الإنتاج الفني، وأعمال كبار النجوم الذين تخلفوا عن الموسم الدرامي لهذا العام. ولكن من هو تامر مرسي؟«تامر مرسي» هو مالك مجموعة سنيرجي للإنتاج الفني، والتي تأسست في عام 2003 وبدأت العمل في مجال الإعلانات، ثم تشعبت أذرعها المختلفة لتضم شركة للإنتاج التلفزيوني Synergy Productions، وأخرى للإعلان Synergyboasts، وأحدثهم شركة للإنتاج السينمائي Synergy Films.بدأ تامر مرسي إنتاج الأعمال التلفزيونية في عام 2007 بمسلسل «حق مشروع» من بطولة حسين فهمي وعبلة كامل، واستمر في تقديم عدد من المسلسلات متواضعة النجاح إلى أن تعاقد مع النجم الكبير عادل إمام على إنتاج أول أعماله التلفزيونية بعد فترة انقطاع طويلة مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» في عام 2012، واستمر التعاون في 5 أعمال تالية كان آخرها مسلسل «عفاريت عدلي علام». وفي عام 2016 أنتجت شركة سنيرجي 6 مسلسلات دفعة واحدة، لتبدأ في السيطرة على سوق الدراما.

هذا عن الإنتاج، فماذا عن حقوق العرض والتوزيع؟

بعد استيلاء شركة إيجل كابيتال على شركة «إعلام المصريين» ضمت في ملكيتها عددًا كبيرًا من أبرز القنوات الفضائية من بينها مجموعة قنوات ONtv، ومجموعة CBC، ومجموعة DMC، وقناة الحياة، و أعلنت عن توحيد الإدارات الفنية لهذه القنوات من خلال «شركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، ويرأسها تامر مرسي.

بالنظر إلى خريطة الأعمال الدرامية لهذا العام، سنجد أن هناك 15 عملًا من أصل 25 من إنتاج شركة سنيرجي، أي ما يتجاوز 65% من إجمالي الإنتاج الفني لهذا الموسم. أما على مستوى التوزيع، فتمتلك شركة «إعلام المصريين» كبرى القنوات الفضائية، وتتحكم من خلالها في فرض شروطها الخاصة للتعاقد على عرض وتوزيع الأعمال التلفزيونية.


الفن الموجَّه

قبل 4 أعوام، وبالتحديد في يوليو/تموز 2015،أعرب الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» عن استيائه وغضبه من مسلسلات رمضان وما تقدمه، وقال إنه كان ينتظر أن ترصد الأعمال الدرامية بطولات المصريين من الجنود الذين يدافعون عن الوطن.وعلى مدى الأعوام الثلاثة التالية احتل رجل الشرطة والجيش موقع الصدارة في عدد الأعمال التي ظهر فيها كبطل العمل الأول أو كأحد الأدوار المؤثرة في سير الأحداث. غير أن هذا لم يفِ برؤية السيسي ونظامه والتي امتدت لتشمل السيطرة التامة للدولة على سوق صناعة الفن بشكل عام، وهي الخطة التي تشهد هذا العام آخر مراحل استكمالها بالسيطرة التامة على المجال الفني. ولكن كيف تم ذلك؟تخضع كل من شركتي سنيرجي وإعلام المصريين، لسيادة شركة إيجل كابتال للاستثمارات المالية، ووفقًا لموقع مدى مصر فإن شركة إيجل كابيتال هي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية.هكذا أحكمت الدولة قبضتها على سوق الدراما التلفزيونية، والمجال الفني بشكل عام، باحتكار الإنتاج والتوزيع، فضلًا عن الوصايا المسبقة على عملية الإنتاج من خلال التصاريح الأمنية اللازمة للتصوير، والرقابة على المحتوى الفني من خلال لجنة الدراما التي تم استحداثها لرصد ومتابعة الأعمال الدرامية في شهر رمضان.بعد سنوات قصيرة من الرخاء والازدهار على المستوى الكمي والنوعي، تقع الدراما التلفزيونية تحت السيطرة المباشرة للدولة، وﻻ يبقى منها سوى مجموعة من القوالب المتشابهة الفقيرة فنيًّا، التي تنتظم جميعها في كورال واحد يغني فقط ما يشتهيه السيسي ونظامه.