الجمعة 17 مارس الجاري، كان المغرب على موعد مع أحد المنعطفات المهمة في تاريخه، حين كلف ملك المغرب محمد السادس، القيادي في حزب العدالة والتنمية «سعد الدين العثماني» بتشكيل الحكومة المغربية خلفا لرئيس الوزراء السابق، عبد الإله بن كيران، الذي فشلت المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة المغربية خلال رئاسته المنقضية، في الوصول إلى نتيجة بعد مرور خمسة أشهر منذ نهاية الانتخابات التشريعية في المغرب.

في السطور القادمة سنستعرض بعض أبرز ملامح السيرة الذاتية لسعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية الجديد.


النشأة والانخراط في العمل السياسي

ولد سعد الدين العثماني يوم 16 يناير/كانون الثاني 1956، في مدينة إنزكان القريبة من أغادير جنوبي المغرب، لعائلة أمازيغية، اشتهرت في تاريخها بطلب العلم الشرعي، وهي العائلة التي تم وصفها من قبل المؤرخ والفقيه المغربي المختار السوسي بأنها ثاني أسرة في البلاد تجذرت شجرة علمائها لأكثر من 1000 عام، وهو المسار العلمي الذي لم يشذ عنه سعد الدين العثماني، حيث اتجه الأخير رغم دراسته للطب لدراسة علوم الشريعة أيضا.

بادر العثماني وزملاؤه في حركة الإصلاح والتجديد إلى تأسيس حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية تحت اسم «حزب التجديد الوطني» الذي انفتح على الحركات الإسلامية الأخرى في المغرب

وقد حصل العثماني على درجة الدكتوراه في الطب العام بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء سنة 1986، كما حصل كذلك على دبلوم التخصص في الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي سنة 1994، قبل أن يلتحق للعمل بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة برشيد بين سنتي 1994 و1997.

ويتمتع العثماني منذ عام 1989 بعضوية المكتب التنفيذي لجمعية علماء دار الحديث الحسنية، والعثماني عضو أيضا مؤسس بالجمعية المغربية لتاريخ الطب، وعضو مكتب مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية حول رمضان، ومسئول اللجنة الشرعية بها.

بدأ العثماني نشاطه الحركي وهو لا يزال طالبا في ثانوية عبد الله بن ياسين في مدينة إنزكان القريبة من أغادير، من خلال اطلاعه على مجموعة من الكتب والمنشورات التي كانت تصل المنطقة من المشرق العربي، ولاسيما كتب رموز جماعة الإخوان المسلمين كحسن البنا وسيد قطب. في تلك الفترة تعرف العثماني في مدينة إنزكان على صديقه وزميله لاحقا في قيادة حزب العدالة والتنمية، عبد الله بها، حيث شارك العثماني وبها في تأسيس منظمة شبابية أطلقا عليها «جمعية الشبان المسلمين».

في مقتبل شبابه تعرض العثماني للسجن، أثناء حملة اعتقالات في بداية 1981 تمت وسط التيارات الإسلامية في المغرب.

بعد خروج العثماني من السجن عكف الأخير على صياغة «ميثاق الجماعة»، وهي الوثيقة التي شكلت قطيعة مع التوجه الصدامي لحركة الشبيبة الإسلامية، وفي تلك الأثناء تم إنشاء حركة «الجماعة الإسلامية»، في صيف 1981 وانتخاب محمد يتيم رئيسا لها، لكن السلطات المغربية لم ترخص لتلك الحركة، بسبب كون أعضائها حديثي عهد بالانشقاق عن تنظيم الشبيبة الإسلامية، ولكن بعد تغيير اسم الحركة من «الجماعة الإسلامية»، إلى «حركة الإصلاح والتجديد» في عام 1991، بدأت السلطات الأمنية في إفساح المجال لها للعمل بحرية من خلال مجموعة من الجمعيات الثقافية والأهلية المتفرعة عنها.

بادر العثماني وزملاؤه في حركة الإصلاح والتجديد بعد ذلك إلى تأسيس حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية تحت اسم «حزب التجديد الوطني»، وهو الحزب الذي انفتح على مجموعة من الحركات الإسلامية الأخرى في المغرب، غير الحركة الأم للحزب المتمثلة في التجديد والإصلاح، مثل «رابطة المستقبل الإسلامي» التي أسسها أحمد الريسوني، و«جمعية الشروق الإسلامية»، و«جماعة الدعوة الإسلامية» التي تزعمها الدكتور عبد السلام الهراس في مدينة فاس، لكن السلطات المغربية رفضت الترخيص للحزب الجديد.

ولكن استطاع العثماني وزملاؤه في التجديد الوطني من دخول ساحة العمل السياسي في المغرب، ليس عن طريق تأسيس حزب سياسي جديد، وإنما عبر احتضانها من طرف حزب الحركة الدستورية الديمقراطية، الذي فتح أبوابه للإسلاميين في عام 1996، وقد دخل الحزب الانتخابات التشريعية المغربية في عام 1997 بتسعة مرشحين فازوا جميعا في تلك الانتخابات.


العمل الحزبي والمناصب السياسية

شارك العثماني كما أشرنا في تأسيس حزب التجديد الوطني عام 1992، ثم شارك في قيادة حزب «الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية» الذي صار اسمه بعد ذلك «حزب العدالة والتنمية»، من يناير 1998 إلى نوفمبر 1999 حيث أصبح نائبا لأمينه العام. وانتخب العثماني لعضوية مجلس النواب في الولاية التشريعية 1997-2002 ثم في الولاية 2002-2007، والولاية 2007-2011، حيث اختير نائبا لرئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001-2002).

في تلك الأثناء ساعد اهتمام العثماني الكبير بقضية الصحراء المغربية على مراكمة الأخير لصداقات متينة مع عدد من الدبلوماسيين المغاربة، وطور من إدراكه وخبرته بعالم العلاقات الدولية والدبلوماسية.

وقد انتخب العثماني سنة 2004 أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، ثم رئيسا للمجلس الوطني للحزب مند يوليو 2008، وانتخب للمرة الرابعة في مجلس النواب في الانتخابات السابقة لأوانها في 25 نوفمبر 2011. وتولى حقيبة وزارة الخارجية والتعاون في حكومة عبد الإله بن كيران الأولى في يناير عام 2012 بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى بـ107 مقاعد في مجلس النواب.

رغم صداقة وزمالة العثماني وبن كيران داخل حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه عام 1996، وقبل ذلك داخل منظمة الشبيبة الإسلامية ثم الجماعة الإسلامية ثم حركة الإصلاح والتجديد، لكن هناك كما يشار العديد من الاختلافات بين شخصيتي الرجلين،حيث يتهم منتقدو بن كيران الخطاب السياسي للأخير بالشعبوية، بينما يغلب وفقا للكثيرين على الخطاب السياسي لسعد الدين العثماني الاتزان والهدوء والدبلوماسية، وهو ما يراه البعض انعكاسا ربما لمهنته كطبيب نفسي.

ولكن ما قد رآه بعض المغاربة في السنوات الماضية كصفات إيجابية للرجل، رآه البعض الآخر كسلبيات، حيث تعرض العثماني خلال المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية المنعقد في عام 2008،لاتهامات وانتقادات حادة وصفته بكونه «رجل الترضيات والمهادنة والتنازلات».


الإسهامات الفكرية والثقافية

رغم صداقة وزمالة العثماني وبن كيران داخل العدالة والتنمية ،فإن هناك العديد من الاختلافات بين شخصيتي الرجلين، إذ يمتاز سعد الدين العثماني بالاتزان والهدوء والدبلوماسية

لسعد الدين العثماني العديد من الإسهامات الفكرية و المؤلفات ، يعد من أبرزها كتاب «في الفقه الدعوي .. مساهمة في التأصيل»، وكتاب «في فقه الحوار» و «فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية»، وكتاب «قضية المرأة ونفسية الاستبداد» و«طلاق الخلع واشتراط موافقة الزوج»، وكتاب «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة».. «الدلالات المنهجية والتشريعية»، وكتاب «أصول الفقه في خدمة الدعوة».

وللعثماني أيضا العديد من المقالات والدراسات المتنوعة في مجلات مغربية وعربية وفرنسية، كما كان مسئولا عن مجلة «الفرقان» الثقافية الإسلامية منذ عام 1990 وحتى عام 2003.

كما تولى العثماني تدريس أصول الفقه في كلية الآداب في الدار البيضاء خلال التسعينيات، وشكلت محاضراته، التي كانت تجتذب جمهورا من داخل وخارج الكلية، حلقات تكوين لأطر الحركات الإسلامية في الدار البيضاء.

كما يتمتع العثماني بنشاط مكثف على الإنترنت ومن خلال الشبكات الاجتماعية. وله موقع إلكتروني خاص به يسمى «فسائل».