أصدرت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» تقريرًا بعنوان «دليل صناع الأفلام للمبتدئين»، يتحدث التقرير عن الصعوبات البيروقراطية والأمنية التي يواجهها صناع الأفلام، حيث إن إجراءات صناعة الفيلم تستلزم المرور على العديد من المؤسسات الحكومية، ودفع مبالغ مالية في صورة غرامات أو رسوم، بجانب الأموال التي تدفع في الخفاء لإسراع الإجراءات رغم اتباع المسار القانوني، وهذا ما لم يركز عليه التقرير.

قد يتعرض من يخالف كل هذه الإجراءات لعقوبات تترواح بين منع عرض الفيلم والحبس. أكثر المتضررين هم صناع الأفلام المستقلة، فكل هذه التشريعات والقوانين تستلزم وجود شركات إنتاج كبيرة، لكي تستطيع تغطية كل هذه النفقات المادية والخطوات القانونية.

حتي الآن لم تجز الرقابة عرض فيلمي «آخر أيام المدينة»، و«أخضر يابس»، رغم أن الفيلمين شاركا بالعديد من المهرجانات الدولية وحظيا بالعديد من الجوائز.

ورغم حدوث انفراجة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ونيل الكثير من الفنانين قدرًا من الحرية في التصوير، وتأسيس بعض التعاونيات أو شركات الإنتاج التي تلعب دور الوسيط بين المبدعين المستقلين. ولكن مؤخرًا بدأت هذه المساحة تضيق، وبالتالي زادت الصعوبات المادية والقانونية.

تقول «رشا العذب» أحد صناع فيلم «حمام ساخن» في أحد مؤتمرات حملة التمويل الجماعي الخاصة بالفيلم، والتي أقيمت في «أضف» (مؤسسة التعبير الرقمي العربي)، أن حوالي نصف المبلغ الذي يراد تجميعه سيذهب في هذه الإجراءات فقط، وليس في تكاليف إنتاج متعلقة بالفيلم.

وخلال هذا العام تعرضت السينما المستقلة لضربات شديدة الصعوبة، فحتى الآن لم تجز الرقابة عرض فيلمي «آخر أيام المدينة» للمخرج «تامر السعيد»، و«أخضر يابس» للمخرج «محمد حماد»، وهو ما يعني ضمنيًا أن الفليمين ممنوعان من العرض حتى الآن، رغم أن الفيلمين حظيا بالعديد من الجوائز العالمية. وعرض الأول في الكثير من دول العالم والمنطقة العربية، ولكنه لم يعرض في دولة منشئه.

اقرأ أيضًا:«أخضر يابس»: عن جدران الروح التي لم تعد تحتمل

ولكن نجح «صيف تجريبي» للمخرج «محمود لطفي» في النجاة من منع الرقابة، وبدأ عرضه في سينما «زاوية» وسيتم عرضه في العديد من المناطق الأخرى، ولكن للمفارقة الساخرة الفيلم يتحدث بطريقة خفية عن الحرب التي تشنها الدولة المصرية وأجهزتها الرقابية ضد إبداعات السينمائيين المستقلين.


المجد للشيطان

فيلم «صيف تجريبي» يتحدث عن مغامرة «زينب مجدي»، و«محمود لطفي»، للبحث عن النسخة الأصلية من فيلم «صيف تجريبي»، وهو فيلم أنتج في الثمانينات ويعتبر أول فيلم مصري مستقل يتم صناعته دون موافقة جهاز السينما. تعرضت نسخ الفيلم للمصادرة والإخفاء التام من الحكومة المصرية.

وأثناء رحلة محمود وزينب في البحث، وجدا أن هناك الكثير من المخرجين المستقلين حاولو إخراج أفلام بعنوان «صيف تجريبي» مستوحاة من الفيلم الأصلي (أو ما علموه عن قصته)، ولكن تظل الحقيقة التي تشغل زينب ومحمود؛ أن لا أحد شاهد النسخة الأصلية.

يمكن وصف نصف الأحداث الأولى من عنوان الفيلم، التجريب هي السمة الرئيسية، لم يختر محمود لطفي طريقة السرد التقليدية ولكنه انحاز للأسلوب الأكثر صعوبة، وهو السرد الغامض والتجريبي. فالفيلم كان ينتقل بين رحلة محمود وزينب، ومشاهد من أحد نسخ صيف تجريبي الحديثه، ومشاهد أخرى عن تجارب أخرى لم تكتمل من صيف تجريبي، وكوابيس محمود لطفي.

كل هذه المشاهد تم عرضها بأسلوب متداخل، أسلوب السرد المعقد بهذه الطريقة غير مألوف على السينما المصرية، وبالأخص على السينما المستقلة والتي تركز عادة على قضايا واقعية. الفيلم بالأساس هو دفاع عن حرية الفنانين المستقلين في إنتاج سينماهم وإنضاج تجاربهم الخاصة، وشجب لمحاربة الدولة لهم. هذه القضية لم تبدُ مباشرة في الجزء الأول، الذي حفل بالمشاهد التجريبية والأفكار المعقدة في أسلوب السرد والمونتاج.

النصف الثاني كان يختلف عن الأول تمامًا حيث وضحت أهداف الفيلم، وأصبح أكثر تركيزًا ووضوحًا في حديثه عن قضايا المبدعين المستقلين، أو أي فن يخرج عن الإطار الرسمي الموضوع والمفروض من الدولة. الفصل الأخير من الفيلم مثلاً كان بعنوان الأفلام المستقلة، ويؤكد أن صناع الفيلم قرروا الاستغناء عن التعقيد في السرد وتوضيح كل شيء، وهو ما جعل ظهور النصف الأول وكأنه تجربة شديدة التمرد حتى على أساليب السرد المعتادة في السينما المصرية، والنصف الثاني وكأنه فيلم وثائقي تقليدي يريد تسجيل موقف ما.


عن الصناعة

فيلم «صيف تجريبي» هو بمثابة دفاع عن حرية الفنانين المستقلين في إنتاج سينماهم، وإنضاج تجاربهم الخاصة، وشجب لموقف الدولة منهم.

فلسفة تصوير محمود لطفي تعتمد بشكل كبير على اللقطات الطويلة، والتي تكررت أكثر من مرة داخل الفيلم، وتم تصوير الشارع في الكثير من المشاهد بطريقة ذكية ومتحايلة على القيود الحكومية الموجودة. فتم تصوير العديد من المشاهد داخل سيارة، أو في شرفة الشقة، أو في شوارع جانبية. كما أن هناك مرونة في استخدام الكاميرات، والذي ظهر في تتر الفيلم النهائي أنه تم استخدام أكثر من نوع كاميرا رقمية يختلفون في الجودة والاحترافية.

لجأ محمود لطفي إلى العديد من الحيل الذكية لتصوير الشارع، كالتصوير من داخل سيارة، أو في شرفة أحد الشقق، أو في الشوارع الجانبية.

بعض اللقطات خرجت الكاميرا عن تركيزها «Out of Focus» في بعض اللحظات، ولكن يبدو أن هذه اللقطات اختيرت في النسخة النهائية للفيلم، إما لأنه لا يوجد لقطات بديلة، ولا توجد النفقات الكافية لتصوير أخرى، أو لأنها اللقطات الأفضل في الأداء وزاوية التصوير رغم الخروج اللحظي للكاميرا عن تركيزها.

التمثيل كان جيدًا بدرجة كبيرة من أغلب الممثلين، خصوصًا كل من ظهروا في فيلم صيف تجريبي (النسخة القصيرة داخل الفيلم) كالرجل العجوز، والفتاة الصغيرة، وعصام، بالإضافة لزينب والتي تحاول تخليد ذكرى والدها بإيجاد النسخة الأصلية من فيلمه.

أغلب مشاهد الفيلم تم تصويرها في وسط البلد، وتم تعمد إظهار مبانيها العتيقة وتفاصيله التي تؤثر الفنانين، طالما كان لوسط البلد مكانه خاصة في قلوب الفنانين، والكثير من المتمردين، وهو المكان الذي يعيش فيه أغلب المشاركين في الفيلم، أو يعملون فيه، وهذا ما أوضحه الفيلم.

فيلم صيف تجريبي، عن السينمائيين الذين تمردوا على القيود الفنية الموضوعة، منذ النسخة الأصلية من فيلم صيف تجريبي والتي صورت في الثمانينات إلى الآن، وما زال الفنانون المستقلون يبحثون عن مكان وفرصة، بأقل الإمكانيات الممكنة، وما زالت الدولة مصرة على محاربتهم.