استيقظ باكرا من غفوته أثناء حراسته بمنطقة «بول المحمود» وسط العاصمة كابول على وقع انفجار هائل تطايرت شذراته وعلت أدخنته الداكنة حتى اكتسحت سماءها، وتناثرت بعد دقائق طلقات الرصاص العشوائية فوقع مغشيا عليه من رهبته، وما أن أفاق تذكر أن احتفالات الربيع دوما تكون مبهجة لكن ليس في كابول.هكذا استيقظت العاصمة الأفغانية المكلومة على وقع هجوم أودى بحياة 28 مدنيا وشرطيا وإصابة المئات في هجوم استهدف مقر الاستخبارات الأفغانية «الإدارة العاشرة التابعة لمديرية الأمن الوطني»، ويأتي هذا الهجوم بعد أسبوع من إعلان حركة طالبان بدء ما سمته «العملية العمرية». فما هي هجمات الربيع؟ وماذا تريد طالبان منها؟ وماذا سينتج عنها؟.


الربيع الافغاني الصاخب

الربيع الأفغاني منذ 2001 ليس كربيع أي دولة أخرى، تزهر فيه الورود ويشيع في جنباتها الحيوية والحياة؛ بل تقطف فيها الأرواح وتعم الفوضى ويكثر فيها الكر والفر، فمنذ أن أسقط التحالف الدولي 2001 حكومة طالبان، واتخذت الأخيرة موقع حركات التمرد الوطنية وتشهد أفغانستان هجمات موسمية سنوية تستهدف قوات التحالف الدولي المرابطة في أفغانستان وكذلك القوات الحكومية الأفغانية، ولا تستبعد أيضا الأجانب والسفارات الموجودة في بلد الجهاد.هجوم الربيع مصطلح ليس جديدا؛ فقد أطلق على سلسلة الهجمات الألمانية على الجبهة الغربية إبان الحرب العالمية الأولى، واقتبست الحركة المصطلح لتطلقه على هجماتها الموسمية والتي تنطلق في هذا الفصل نتيجة العوامل البيئية والمناخية التي تتسم بها البلاد، كما يطلق على موسم الربيع بكابول «موسم القتال».التجربة التاريخية تشير إلى أن هناك ترابطا بين الظروف المناخية والطقس والعمليات العسكرية، فالتجربة الروسية إبان الحرب العالمية الثانية تبين دور البرد القارس في إحباط هجوم الجيش الألماني عليها في شتاء 1941، ومن ثم فإن تزايد نشاط الهجمات العسكرية لحركات التمرد غالبا ما يكون في مواسم المناخ المعتدل.


الصلح اليتيم.. هل أنهى البيات الشتوى ؟

إن إرسال قوات أمريكية جديدة إلى الخطوط الأمامية للقتال؛ يعتبر أكبر عقبة في طريق الصلح، وهو ما يتعمّد العدو فعله … ولكن ما الذي يجري في فصل الشتاء الحالي من قبل العدو المحتل والعميل؟

سنوات قليلة ماضية اضطرت طالبان فيها إلى الرضوخ لهدنة شتوية لا إرادية «بيات شتوي» بسبب شدة البرد التي تعم بلاد الأفغان في فصل الشتاء، في حين تبدأ هجماتها السنوية مع بداية فصل الربيع حيث يذوب الجليد ويعتدل الجو وتستمر حتى بداية الشتاء من العام التالي.لكن تغيرا جذريا شهدته إستراتيجيات الحركة هذا العام فهي لم ترضخ للبيات الشتوي وهدنته المفروضة طبيعيا، وراحت الحركة تنفذ هجماتها طوال الشتاء، وهذا يرجع إلى محاولة مواجهة الانشقاقات الداخلية بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر، وكمحاولة للضغط على الحكومة الأفغانية أثناء التفاوض معها. الحركة أيضا ترى أن انتهاء البيات الشتوي يرجع إلى إرسال قوات أمريكية جديدة إلى الخطوط الأمامية للقتال، وسياسة قوات التحالف والنظام العنيفة ضد المواطنين وتطبيق سياسة التطهير العرقي والقتل العشوائي للمدنيين تحت غطاء العمليات التمشيطية.


مواجهة الانشقاقات ومكافحة داعش

عام 2015 كما كان عام انتصارات وصحوة الحركة من جديد في ظل تنامي الجهاد العالمي وبعد انسحاب القوات الدولية من أفغانستان وإعادة الحركة ترتيب صفوفها وتنظيم قوتها، كان أيضا عام الصراع الداخلي والانشقاقات التي هدد وجودية الحركة في ظل سباق تنافسي بين التنظيمات الجهادية والحرب الدولية على الإرهاب والجماعات المسلحة.الملا أختر منصور منذ توليه قيادة الحركة الصيف الماضي وهو يواجه العديد من التحديات البنيوية الداخلية، فما بين رافضي خلافته وطريقة تنصيبه ورافضي السلام مع الحكومة حاول الملا الجديد رأب الصدع بين أجنحة الحركة المتناحرة فيما بينها خاصة في ظل احتدام المعركة مع داعش التي أبدت استعدادها للتوسع ميدانيا على حساب الحركة، وكذلك اشتداد وطأة المعركة مع القوات النظامية والدولية.تصفية المنافسين، وإخضاع البعض، والهجمات النوعية، والتقرب من أبناء الملا عمر هي أهم أدوات الملا أختر لرأب صدع جماعته التي تقاتل على جبهات متعددة، ويأمل الملا أختر من أن ينتهز فرصة هجمات الربيع لتنفيذ عددا من الهجمات النوعية مثلما فعل في قندوز في الخريف الماضي التي أضافت قوة إلى رصيده العسكري، ومن ثم فإن «العملية العمرية» ستحقق له هدفين أولهما استكمال توطيد سلطته على الحركة، وثانيهما وقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد خرسان.


ماذا يحمل الربيع في جعبته؟

http://gty.im/482497480

العملية العمرية كما هي وسيلة لرأب صدع الحركة هي أيضا هدف للحركة لتحقيق أهدافها الميدانيةيظل السؤال الحائر هنا؛ هل تنجح طالبان هذا الربيع؟ عانت الحركة الربيع الماضي والذي أطلقت عليه «ربيع العزم» من فشل هجماتها الموسمية، فلم تستطع السيطرة أي مدن جديدة بشكل كامل، وجاءت هجماتها في صورة عمليات انتحارية، وهذا يرجع إلى الأزمات الداخلية التي عانت منها الحركة وانشغالها بمواجهة التنظيم المتدد ميدانيا «الدولة الإسلامية» والعناصر المنشقة.لهذا سعى الملا أختر قبيل انطلاق الربيع الجديد – والذي سماه كنية بالملا عمر « بالعملية العمرية» – تقربا من العناصر الموالية للملا عمر إلى إعادة ترتيب بيت الحركة وتوحيد صفوفها من أجل التوسع ميدانيا في أفغانستان مستغلا ضعف القوات الأفغانية و قلة القوات الدولية المتواجدة في الميدان والبالغ عددها 13 ألف جندي، وهو ما يعني أن ربيع 2016 سيكون أشد وطأ من ربيع 2015.بيان الحركة والذي أعلنت فيه بدأ هجمات الربيع أكد على أن الحركة ستشن هجمات موسعة ضد القوات الأفغانية والدولية وكذلك المترجمين المرافقين للقوات الأجنبية، وقد تشمل تلك الهجمات مقرات البعثات الدبلوماسية الدولية المشاركة في الحرب على الحركة، وأيضا ستحاول السيطرة على المناطق الرئيسية مثل إقليم قندوز واستكمال السيطرة على إقليم هلمند، كما ستضرب العمليات قلب المدن الأفغانية الكبرى.


الحكم الرشيد؛ لماذا تروج له طالبان؟

خطاب الحركة بدا متسقا مع السياقات الداخلية والخارجية التي تعمل من خلالهما الحركة، فالحركة اتجهت منذ مؤتمر بواغوش للعلوم والشئون الدولية إلى تبني خطاب معاصر والترويج لما اصطلحت عليه مبادئ الحكم الرشيد في المناطق التي سيطرت عليها وأنها ستعمل على تعزيز البنية التحتية والخدمات المدنية وحماية الحقوق والحريات والقبول بالتعددية.الحركة تهدف من خطابها المعتدل أن تكسب شرعية داخلية وكذلك تأييد شعبي لتحركاتها الميدانية، خاصة وأن هجماتها تستهدف القوات الدولية والقوات الموالية لها كما تسوق لها الحركة،وهو ما يظهرها في طور الحركات التحررية الوطنية.يبقى تعطيل مسار العملية التفاوضية، واحتدام الصراع الميداني، ووقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، وكسب شرعية داخلية، وهجمات واسعة تصل باكستان هي أهم النتائج السياسية والعسكرية التي ستنتج عن هجمات ربيع 2016.