لطالما كانت العلاقة بين الرجل والمرأة محورًا لعدد من اﻷفلام، وكذلك محاولات البحث عن رجل مناسب أو زوجة مناسبة، وما يتعرض له الزوجان من مشكلات داخل المجتمع تقف حائلا بينهما في أحيان كثيرة،ولكننا إزاء فكرة جديدة هذه المرة، وأمام امرأة لديها رغبة كبيرة في «الإنجاب» والحصول على «ابن» ولكن بدون أن تتورّط في الزواج!

في فيلمها اﻷول تقدم الكاتبة الشابة «إيناس لطفي» القادمة من عالم المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي فكرة تبدو جريئة بدرجة كبيرة، إذ تسعى بطلتها إلى الحصول على طفل من خلال استئجار رجل «زوج» يكون الاتفاق بينهما على أن تشتري منه «حيواناته المنوية» فقط، فيكون الزواج صوريًا، ويتم الطلاق بمجرد نجاح عملية «التلقيح الصناعي» وحدوث الحمل، كل ذلك بالطبع حتى تُرضي أمها التي تنتظر أن تراها «بفستان الفرح» و لا تتعارض مع تقاليد المجتمع وتحقق رغبتها في الحصول على الطفل.

تنجح البطلة «شمس» (نيللي كريم) التي تعمل مديرة حسابات بأحد البنوك في الحصول على الرجل المناسب، وهو الطبيب البيطري «بهجت أبو السعد» (محمد ممدوح) الذي يصادف أنه يمر بضائقة مالية تجعله بحاجة إلى الموافقة على هذا العرض حتى يحصل على النقود بأسرع وقت، ولكن الحمل لا يتم بسهولة، مما يوقع الاثنين في مشكلات أخرى وتتعقد المشكلة بينهما أكثر..

يبدو الرهان على قصة حب ستنشأ بين زوجين وضعتهما الظروف رغمًا عنهما مع بعضهما أمرًا مألوفًا مكررًا اعتاد المشاهد عليه في عدد من اﻷفلام العربية والأجنبية، ولكن الكاتبة تبدو منتبهة تمامًا إلى خصوصية قصتها وطبيعة شخصياتها، فتعمد إلى خلق حالة «توتر» خاصة تنشأ بين «شمس» صاحبة الشخصية القوية التي لا تخضع بسهولة لسيطرة «بهجت» حتى بعد أن بدا أنه يحبها، ذلك أنها لا تنسى أنه لم يأخذ قرارًا بالزواج «وتحمل المسؤولية» إلا تحت ضغط رغبته في النقود، وبالتالي تحتفظ «شمس» بقدرتها على إنهاء الاتفاق/ الزواج في أي وقت وفقًا للشروط التي وضعتها مسبقًا.

وهكذا يطرح الفيلم قضية شائكة في المجتمع المصري وربما العربي أيضًا، وهي قضية العزوف عن الزواج وانعدام الثقة في الرجل وما يترتب عليها من بقاء الفتيات غير متزوجات لفترة كبيرة، رغم رغبتهن في الحمل والولادة، في مقابل مجتمع «ضاغط» لا يقبل أن تبقى المرأة بمفردها متحققة بذاتها إلا في وجود رجل وأبناء، وتجربة خوض فكرة كالحصول على ابن بدون أب «رسمي» وما يتتبعه ذلك من وجود «أمهات عازبات» تلك القضية التي صادف أن أثيرت مؤخرًا وأثارت الكثير من الجدل في أوساط الكثيرين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

يذكر للكاتبة والفيلم أنهما نجحا في الخروج من كل هذه المشكلات والجدالات من خلال جعل الزواج صوريًا، والاتفاق على أن يتم الطلاق بعد حصول الحمل، من جهةٍ أخرى نجحت الكاتبة في رسم أبعاد الشخصيات بشكل واضح، ولم تقع في فخ التنميط والاستسهال، بل جاء بناء الفيلم من سيناريو وحوار شديد التماسك، قادر على الجمع بين جدية الموضوع وبث روح الفكاهة والضحك على المواقف الكوميدية التي تنشأ بين الأبطال ببساطة ودون تكلف، كما نجح المخرج «محمد علي» في تجربته الإخراجية الثالثة للسينما (سبقه فيلم الأولة في الغرام 2007، ولعبة الحب 2006) في أن يقدم صورة ممتعة بصريًا للمشاهد، وينقل بالكاميرا ردود أفعال الأبطال ويتحرك بسهولة بين أماكن التصوير المغلقة في «مصر الجديدة» والمفتوحة في «المزرعة» في مشاهد شديدة الجمال والجاذبية، وكان اختيار أبطال الفيلم موفقًا جدًا، حيث خرجت «نيللي كريم» أخيرًا عن الأدوار المأساوية التي لعبتها لثلاث سنوات متتالية في مسلسلاتها السابقة، واستغل المخرج نجاح الممثل الموهوب «محمد ممدوح» في مسلسل «جراند أوتيل» الذي عرض في رمضان الماضي لينقله إلى دورٍ جديد مختلف، استطاع أن يؤديه باحتراف.

لم يقتصر نجاح الفيلم على اختيار أبطاله الأساسيين فحسب، بل جاء أداء الأدوار الثانوية كذلك موفقًا إلى حدٍ بعيد، إذ جاء دور «لطفي لبيب» خال البطلة والطبيب المعالج في الوقت نفسه موفقًا إلى حدٍ بعيد يجمع بين الجدية وخفة الدم، كما كان دور الأم الفنانة الموهوبة «ليلى عز العرب» التي تتألق بكل دورٍ تقوم به ويضيف إلى رصيدها لدى المشاهد، بالإضافة إلى أدوار الأصدقاء «دنيا ماهر» و«محمد حاتم» وغيرهما.

بالعودة إلى فكرة الفيلم، «محاولة المرأة لأن تنجب بمفردها والاستغناء عن الرجل» نحب أن نشير إلى أن هذه الفكرة تبدو مألوفة وعادية في المجتمع الغربي، ولكنها وردت عربيًا أيضًا بطريقة مختلفة في رواية «حسن الختام» لصفاء النجار التي كانت بطلتها تسعى أيضًا لإنجاب «ابنتها» ولكن بدون الاعتماد على رجلٍ أصلاً، وذلك من خلال عملية «استنساخ» تسعى للقيام بها لكي تنجب ابنتها وحدها، وذلك بناءً على الدراسات العلمية التي تؤكد مقدرة المرأة على الحمل والإنجاب بمفردها دون الحاجة إلى الرجل «الذكر»، ولكنها ـ في الرواية ـ تنحو إلى مساءلة المجتمع وقيمه وطريقة تعامله مع المرأة، وكيف سيتقبل أن يكون ثمة امرأة أخرى موجودة بدون أن يكون لها أب أصلاً!

في النهاية نحن إزاء أفكارٍ مهمة تطرح مشاكل خطيرة تهدد المجتمع، ويتمنى ـ بكل تأكيد ـ أصحابها أن يعدّل المجتمع من سلوكه وتعامله تجاه المرأة حتى تكون قادرة على أن تعيش بدون حاجة لعمليات استنساخ لآخر أو أن تلجأ لأن تشتري رجلاً تحصل منه على ما تريد.