رغم مرور الدراما المصرية بمراحل عدة، بداية من تصدرها للمشهد الفني العربي، حيث تربى الجمهور العربي كما المصري على المسلسلات المصرية وعلى مبدعيها التاريخين مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر إلخ، ثم مرت الدراما المصرية بحالة خمول شديد وامتنع عنها الجمهور العربي تدريجياً وولى وجهه للدراما السورية. ثم عادت الدراما المصرية مرة أخرى لتصدر المشهد بعد تجديدها وتقديمها بصورة سينمائية وقصص متنوعة بين الأكشن والدراما والكوميدي.

ولكن في كل هذه المراحل، ظلت الدراما المصرية قادرة على تقديم تترات مميزة للمسلسلات، ظلت باقية في الذاكرة العربية. ولمعت أسماء عمالقة كتابة وتلحين التترات المصرية مثل عمار الشريعي وياسر عبد الرحمن، وسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي وغيرهم. ومؤخراً لمع اسما هشام نزيه وأيمن بهجت قمر وأصبح وجودهما في تتر رمضاني حدث هام ومنتظر.

وهذا العام مثل غيره رأينا العديد من التترات المميزة والتي جمعت بين جودة الموسيقى والتوزيع والغناء، وبين مناسبتها لأحداث المسلسل. وهناك تترات أخرى حرص صناع المسلسل على تقديمها بشكل مبهر حتى لو لم تناسب المسلسل ونوعه وقصته. وفي المطلق لا نستطيع القول إن هناك تترات يمكن وصفها بالسيئة نظراً لاهتمام صناع المسلسلات بالتترات وترويجها للجمهور في الفقرات الإعلانية على القنوات الفضائية.


تترات ناجحة

التتر هو مقدمة المسلسل، ويقدم فيه عمل غنائي أو موسيقي معبر عن أحداث المسلسل أو على الأقل جانب من جوانبه، ومن الطبيعي أن ينتمي لنفس بيئة العمل. مثلا لا يجوز غناء تتر باللهجة الشامية في مسلسل مصري والعكس. ولذلك لا يجوز وصف تتر بالناجح إذا كان جيداً في المطلق وفقط. ولكن بالإضافة لجودته يجب أن يناسب طبيعة المسلسل.

ويعتبر تتر مسلسل أبو عمر المصري خير مثال، وهو من غناء حسين الجسمي وتأليف أيمن بهجت قمر. حيث يتمازج فيه جودة الموسيقى والتوزيع والغناء الجذاب من حسين الجسمي. ولكن ما يزيد التتر قوة هو كلماته المعبرة عن أحداث المسلسل. فالتتر يشير لحالة الطمع والجشع التي تسيطر على البعض، وتغير من طابع الأصدقاء (الملائكة) لشياطين. وسكوت المظلومين عن ظالمهم. وينتهي بأن ذلك مخالف لشرع السماء الواجب اتباعه. كلمات تعبر عن رؤية «فخر» بطل المسلسل لما يحدث في مجتمعه من انتشار الظلم والفساد والسكوت عن الظالمين. لذلك كان التتر موفقا في جميع عناصره.

أما تتر «ليالي أوجيني» فيمكن وصفه بأنه التتر الساحر الأخاذ، هو الأفضل هذا العام، ليس لأنه جيد في كلماته وغنائه ومناسبته لأحداث المسلسل. ولكنه يحمل روحاً جديدة عن بقية التترات. فـ«نسمة محجوب» وهي تغني كلمات «أمير طعيمة» في البداية بصوت يشبه الهمهمة لتعبر عن حالة الضعف والأسى، ثم يعلو صوتها عاليا بأسى وحزن وألم للتعبير عن عدم نسيان الحب رغم حتمية فشله «لا قادرة من حبك أخف ولا قد أعراض الانسحاب، مع إني عارفة إنك طريق أخره سراب» ثم جملة موسيقية أوبرالية من هشام نزيه تعبر عن هذا الخليط والصراع بعدد من الأدوات الوترية. مزيج من الإتقان والجمال والسحر نادراً ما نراه سوى في تترات هشام نزيه التي تحمل روحاً مختلفة دائماً.

ويعتبر تتر مسلسل «بالحجم العائلي» من التترات الموسيقية الموفقة. وهو من ألحان تامر كروان. اعتمد كروان في موسيقاه على جانب واحد فقط من جوانب المسلسل، وهو شخصية نادر «يحيى الفخراني» المحبة للجمال والمرح والطبخ. ذلك الجانب الجمالي المرح أظهره كروان بموسيقى ساحرة تعبر عن هذا الجانب. معززة بمشاهد من المسلسل للطبخات والمواقف الكوميدية التي يقوم بها نادر. رغم تجاهل التتر للجانب المأساوي وهو صراع نادر مع أولاده وزوجته، ولكنه يظل من أفضل تترات هذا العام والذي عبر بشكل جيد عن أحد جوانب المسلسل وهو الجانب الكوميدي المرح.


تترات جيدة ولكن

في مسلسل الرحايا والذي كتب الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي كلمات تتره، كان التتر عامر بالبلاغة والجمال، وتجلت قصة المسلسل في أبيات الأبنودي التي كتبها باللهجة الصعيدية كما اعتاد. ومن أبلغ الأبيات الذي يقول فيه «جدري ياواد جلبي جدر والنار أولها الشرر». كذلك التزم الموسيقار عمار الشريعي بالأدوات الموسيقية الشرقية والتي تستخدم عادة في الصعيد كالمزمار والربابة في صناعة موسيقى التتر. فكان بليغاً في كلماته وساحراً في ألحانه ومعبراً عن البيئة الصعيدية التي تدور فيها أحداث المسلسل.

ولكن ذلك لم يحدث في تتر مسلسل طايع، والذي يحتوي على الأبيات البليغة والغناء الرائع من وائل الفشني، وتلحين الموسيقار طارق الناصر. وعلى الرغم من ذلك لم يكن التتر معبراً عن بيئة المسلسل الصعيدية، فالكلمات تنتمي للأشعار الصوفية المكتوبة بالفصحى. ولم تكن تلك هى الأزمة الوحيدة في التتر فهو محاولة لاستغلال نجاح تتر مسلسل «واحة الغروب»، والذي استخدمت فيه الأشعار الصوفية بغناء وائل الفشني مما جعل التتر رغم جماله ينفر بعض الناس لتكراره نفس الروح تقريبا.

ومثله يأتي تتر مسلسل أمر واقع والذي لاقى شهرة واسعة عقب عرضه، بسبب الغناء الرائع للمطربة الصاعدة ياسمين علي، والألحان الجميلة لعمرو مصطفى. فالتتر يحمل روحاً جميلة وتدعو للتفاؤل والإيجابية، وذلك يظهر من الاسم المختار للأغنية «تفاءلوا بالخير»، ولكن عند النظر للمسلسل وقصته نجد أن الأغنية لا تتماشى مع الجانب الأكبر المسيطر على المسلسل، وهو جانب الأكشن والإثارة والغموض.

فالمسلسل يغلب عليه الطابع البوليسي، ويعبر عن وجهة نظر سياسية حول نظرية المؤامرة وتأثير وسائل التواصل والإعلام على مصير الدول. ولذلك لم يكن التتر مناسباً للمسلسل إطلاقاً. بل يمكن القول إن التتر يقدم رسالة إيجابية يريد صناع المسلسل إيصالها للمشاهدين بعيداً عن الأحداث.

أما مسلسل الرحلة، فقام مخرجه باختيار جديد من نوعه، وهو إلغاء التتر تمامًا، وهذه خطوة غير موفقة. فأغلب المسلسلات العالمية يقدم لها تتراً موسيقى ولو لبضع ثوان كافية للتعبير عن شخصية المسلسل، وعمل ربط ذهني بين سيرة المسلسل وموسيقى تتره. وذلك سيفقده صناع مسلسل الرحلة تماماً. ولذلك لم يكن هذا اختياراً موفقاً رغم جرأته.