كتاب «السبع الطوال الجاهليات» هو أشهر المختارات في تاريخ الشعر العربي، وقد جمعه رجل يسمى حماد الراوية[1]، على الأرجح في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد أطلق على مختاراته هذا الاسم الذي ربما استلهمه من الحديث النبوي الذي رواه واثلة بن الأسقع وأوله: «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال».

وعن سبب التأليف يقول أبو جعفر النحاس (ت. 338هـ) في شرحه «إن حمادًا الراوية لما رأى زهد الناس في حفظ الشعر جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم (هذه المشهورات)، فسميت القصائد المشهورة لهذا» (2/ 682).

ورغم أن هذا الاختيار ارتبط منذ البداية بالتأديب والتعليم، فالظن أن حماد الراوية رأى أن هذه القصائد المختارة تمثل أهم سبعة نماذج عليا للشعر الجاهلي، وأنه ينبغي أن تُحتذى، لذا اهتم بروايتها وتوثيقها وشرحها، ومن ثمّ حث الناسَ وحضهم على قراءتها وتذوقها؛ فاهتم الناس بها، وعرفوا قيمتها، وتناقلوها فيما بينهم وشرحوها جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا.


مادة الكتاب

وهذه القصائد «السبع الطوال الجاهليات» تبعاً لحماد الراوية هي:

قصيدة امرئ القيس، من بحر الطويل، ومطلعها:

قفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ :: بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَل[2]
وقصيدة طرفة بن العبد، من بحر الطويل، ومطلعها:
لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ[3] :: تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
وقصيدة زهير بن أبي سلمى، من بحر الطويل، ومطلعها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ :: بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ[4]
وقصيدة عنترة بن شداد، من بحر الكامل، ومطلعها:
هَلْ غَادَرَ الْشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ :: أمْ هَل عَرَفْتَ الْدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ[5]
وقصيدة عمرو بن كلثوم، من بحر الوافر، ومطلعها:
أَلا هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحينا :: وَلا تُبْقِي خُمورَ الأَندَرِينا[6]
وقصيدة الحارث بن حلزة، من بحر الخفيف، ومطلعها:
آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ :: رُبَّ ثَـاوٍ يَمَـلُّ مِنهُ الثَّـواء[7]
وقصيدة لبيد بن ربيعة، من بحر الكامل، ومطلعها:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا :: بِمِنَىً تَأَبَّـدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَـا[8]

وخلال عصور التراث العربي أحدثت تلك المختارات حركة نقدية لم تكد تُبق لحماد الراوية من عمله شيئًا، وقد نتج عنها سيل من التعليقات والشروح الحافلة بلمحات ذكية من النقد النصي والتاريخي. وتطمح هذه المقالة إلى الإلمام وإن بإيجاز بهذا التاريخ الحافل لهذه المختارات الشهيرة.


مصادر الكتاب

يبدو أن اقتصار حماد الراوية على هؤلاء السبعة لم يكن متفقًا عليه بين النقاد القدماء. وفي «جمهرة أشعار العرب» لأبي زيد القرشي نجد نصًا منسوبًا لأبي عبيدة معمر بن المثنى يقر فيه رقم السبعة، ولكنه قال إنهم: امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى ولبيد وعمرو وطرفة.

وتعقيبًا على هذا الرأي ينقل صاحب الجمهرة قولاً للمفضل بن عبد الله المجبري يقول فيه: «هؤلاء أصحابُ السبعة الطوال التي تُسميها العرب السُّمُوط[9]؛ فمن زعم أن في السبعة شيئًا لأحد غيرهم فقد أخطأ، وخالف ما أجمع عليه أهلُ العلم والمعرفة» (ص98).

ورغم أننا لا نعرف الكثير عن هذا المفضل، فإن قوله هذا مهم في سياق الحديث عن المعلقات وتاريخها. وستلاحظ بداية أنه يشير لإجماع أقدم من اختيار حماد على ماهية القصائد السبعة.

وبالفعل توجد نصوص عدة تشير إلى أن هذه القصائد مجمع عليها في مجال التأديب والتعليم منذ زمن. على سبيل المثال جاء في كتاب «المنثور والمنظوم» لأحمد بن أبي طاهر طيفور (ت. 280هـ) أن معاوية أمر الرواة أن ينتخبوا قصائد يرويها ابنه، فاختاروا له اثنتي عشرة قصيدة مشهورة، منهن: «قفَا نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ» لامرئ القيس، و«لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَة ثَهْمَـدِ» لطرفة بن العبد، و«أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ» لزهير بن أبي سلمى، و«آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ» للحارث بن حلزة، و«عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا» للبيد بن ربيعة، و«أَلا هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحينا» لعمرو بن كلثوم، و«إن بُـدِّلَـتْ أهْـلهـا وُحوشًا» لعبيد بن الأبرص[10]، و«بسَطَتْ رَابِعَةُ الحَبْلَ لَنا» لسويد بن أبي كاهل اليشكري، و«يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَد» للنابغة الذبياني، و«يَا دارَ عَبْلَةَ بِالَجِوَاءِ تَكَلَّمِي» لعنترة بن شداد[11].

أي أن الاختيار من الشعر الجاهلي بدأ مباشرة مع بدء حياة القصور في تاريخنا السياسي. وفي الكتاب نفسه يروي المؤلف أن عبد الملك بن مروان (ت. 86 هـ) كانت له مجموعة شعرية خاصة اختار فيها قصيدة واحدة لكل من: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وسويد بن أبي كاهل، وأبي ذؤيب الهذلي، وعبيد بن الأبرص، وعنترة، وأوس بن مغراء. وقيل إنه عدَّل في المجموعة فطرح شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة آخرين، لكن المهم هنا أنها كانت مجموعة سباعية.

ويبدو أن هاتين المجموعتين ظلتا معروفتين بين الرواة ومؤدبي الأمراء، وأنهما انتقلتا لعامة الناس بفضل الرواة، خاصة حماد الراوية الذي جمعها ووثقها، ثم قال للناس كما سبق: «هذه هي المشهورات». أي أنه كان يقر بقدمها وشهرتها السابقة، وبأنه فقط جمعها ووثقها وجعلها في مكان واحد.

ويبدو أن الانتشار الكبير لهذه المختارات حدث في نهاية القرن الثالث الهجري، لذا نجد أن أحمد بن أبي طاهر طيفور بعد قوله السابق يقول: «ولولا شهرة هذه القصائد وكثرتها على أفواه الرواة وأسماع الناس، وأنها أول ما يتعلم في الكتاب لذكرناها». وبعده بقليل نجد معاصره محمد بن داود الأصفهاني يشير أيضًا إلى أن هذه القصائد السبع ويقول إنها جارية على ألسن الصبيان والمبتدئين (الزهرة، 2/ 309).


اسم «المعلَّقات»

أما تغير اسم المختارات من «السبع الطوال الجاهليات» إلى «المعلَّقات» فما زال أمرًا ملغزًا ويحتاج للبحث. وقد تجاهل عدد من العلماء المتقدمين هذه التسمية، ربما لأنهم ظنوا ألا فائدة من وراء التعرض لها. وهذا خطأ بالطبع، لأن شيئًا مثل هذا لا ينبغي أن يمر دون مساءلة وبحث عن دلالته الثقافية والتاريخية.

ولربما نعرف أن تعليق القصائد في المعابد كان معروفًا عند الحضارات المجاورة لعرب الجاهلية، فملحمة جلجامش كانت معلقة في قصر الملك أشور ومعابده، وإحدى قصائد الشاعر اليوناني «بندار» كانت معلقة فى معبد أثينا. ولا يوجد مانع من أن يقلدهم عرب الجاهلية في ذلك كما قلدوهم في أشياء أخرى كثيرة، خاصة أن أصحاب هذه المعلقات كانوا سادة في أقوامهم، وقد يجدون في التعليق مفخرة لهم ولقبائلهم.

وتوجد دلائل على ذلك؛ فأحد أقدم الإشارات لتعليق الشعر في الكعبة وردت في «خزانة الأدب» للبغدادي، أن طيفور السابق ذكره نسب لمعاوية قولًا، ربما قاله وهم يستعرضون أمامه القصائد التي سبق أن اختاروها ليرويها ابنه، نصه: «قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حلزة من مفاخر العرب، كانتا معلقـتين بالكعبة دهرًا» (1/ 127). وهذا القول يبرئ حماد الراوية من أنه اختار قصيدة الحارث بن حلزة لأسباب قبلية وليست فنية تاريخية.

وفي «أنساب الأشراف» للبلاذري خبر عن تعليق كتاب «حلف عبد المطلب وخُزاعة» (1/ 71). في سيرة ابن هشام نجد الخبر المشهور عن تعليق صحيفة قريش في مقاطعة بني هاشم في جوف الكعبة (2/ 17).

ومعنى ذلك أن التعليق في الكعبة كان موجودًا في الجاهلية، بل إن فكرة التعليق ظلت حاضرة وفاعلة في الفضاء الثقافي والسياسي حتى أن هارون الرشيد أثناء حجة (سنة 186هـ) قام بتعليق وثيقة ولاية عهده لابنيه الأمين والمأمون في جوف الكعبة ليزيد في قدسية الوثيقة ويحرم نقضها.

ومن عصر هارون الرشيد وصلنا ثاني نص عن تعليق الشعر الجاهلي في البيت الحرام، وهو نص نسبه الرافعي لابن السائب الكلبي (ت. 204هـ)، يقول فيه: «وأول ما عُلق في الجاهلية شعر امرئ القيس، علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم حتى نُظر إليه، ثم أُحدر فعلقت الشعراء كذلك بعده، وكان ذلك فخر العرب في الجاهلية، وعدوا من عُلق شعره سبعة نفر»[12].

وفي نهاية القرن الثالث الهجري وبداية الرابع كان اسم «المعلقات» قد أخذ مكانته، وبدأ بعض العلماء يستعملونه في عناوين كتبهم وداخلها. وقد استعمله أبو زيد القرشي في بداية القرن الرابع الهجري اسم «المعلقات» كعنوان للقسم الأول من مختاراته. وقد أقر الاسم أيضًا ابن عبد ربه الأندلسي (ت. 328هـ) في كتابه «العقد الفريد»، ولكنه بالغ فزعم أن العرب «عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي، وعلقتها بين أستار الكعبة، فمنه يقال: مذهَّبة امرئ القيس، ومذهبة زهير، والمذهَّبات السبع، وقد يقال لها المعلقات» (2/ 112). وهو رأي يكرره ابن رشيق القيرواني (ت. 456هـ) في كتابه «العمدة» (1/ 96).

ويبدو أن الأندلسيين، بسبب موقع بلادهم وطبيعتها، كانوا يميلون إلى الغرائب والعجائب «ويبالغون في روايتهم لها»[13]. وأخطر ما في كلام ابن عبد ربه أن مبالغاته وتزيده فيما يخص التعليق والمعلقات جعل الأمر يبدو وكأن التعليق كان حدثًا قوميًّا. وفيما بعد سنجد أن ابن خلدون يؤيد فكرة التعليق ويرجعها إلى العصبية والمكانة في مضر (طبعة شبوح، 2 / 547).

وفي مقابل مبالغات الأندلسيين وجدنا نفيًا قاطعًا لفكرة التعليق يأتي من مصر على لسان أبو جعفر النحاس الذي قال في شرحه: «وأما قولُ من قال: إنها عُلقت في الكعبة، فلا يعرفه أحد من الرواة» (ص682). المهم أن النحاس المصري قد تزعم اتجاهًا ينفي تعليق المعلقات في الكعبة، وتابعه على هذا الرأي عدد كبير من القدماء والمحدثين. ومن الغريب أن أصحاب هذا الاتجاه قد عللوا إنكارهم لفعل التعليق بأسباب من قبيل:

1. أن المتقدمين لم يذكروا التعليق، مع أن ابن الكلبي وأحمد بن أبي طاهر طيفور قد ذكرا الأمر.

2. وأن عرب الجاهلية كانوا أميين لا يكتبون، وهذا فرض واهم، فكما سبق توجد مرويات تاريخية عدة تثبت أن عرب الجاهلية، خاصة القريشيين، كانوا يكتبون ويعلقون وثائقهم ذات الأهمية في جوف الكعبة، فلا يوجد مانع عقلاني أو ديني يمنع عرب الجاهلية من تعليق أجود أشعارهم في أحد أركان البيت الحرام في أيام الموسم.

3. وأن الكعبة أقدس من أن تعلق فيها الأشعار، وهذا عجيب لأن الكعبة آنذاك كانت ممتلئة بالأصنام والصور.

وإلى جانب هذين الموقفين المتناقضين من فكرة التعليق يمكن تبين موقف ثالث توفيقي، حيث أقر اسم «المعلقات» ولكنه بحث للاسم عن تفسير مغاير. ويمكن تبين هذا في المعاجم اللغوية، حيث نجد ما يلي: معلقات جمع مُعَلَّقة، يقال علَّق الشيء تعليقًا: جعله معلَّقًا وعُلِّقَها وعُلِّقَ بها تعلّيقا: أحبها وهو معلَّق القلب بها. والعِلْقُ (بالكسر) النفيسُ من كل شيء[14]. أي أنها ربما سميت معلقات لأنها تعلق في القلب أو الذهن أو لأنها شيء نفيس. الطريف أن بعض الدارسين ينسب هذا الرأي القديم جدا لمستشرقين محدثين كأنهم يمكن أن يبتكروا شيئًا غير موجود!


الإضافات التالية

وكان لأبي جعفر النحاس أثر آخر في تاريخ هذه المختارات التي ينكر تعليقها، وهو أنه أول من زاد في عددها! لو عدنا إلى نص أبي عبيدة السابق فسنجد أنه حذف قصيدتي عنترة بن شداد والحارث بن حلزة، ووضع مكانهما قصيدتين أخريين، الأولى منهما للنابغة الذبياني، وهي من بحر البسيط، ومطلعها:

يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَد :: أقْوَتْ وطَالَ عليها سالفُ الأبَدِ[15]
والثانية للأعشى، وهي من بحر البسيط، ومطلعها:
ودّعْ هريرةَ إنْ الركبَ مرتحلُ :: وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟

وقد قام أبو جعفر النحاس بجمع قصيدتي المفضل إلى قصائد حماد السبعة، فأصبح عدد القصائد تسعة، ولذا عنون كتابه بـ«شرح القصائد التسع المشهورات» الذي سبقت الإشارة إليه.

وفي القرن الخامس ألف أبو زكريا التبريزى (ت. 502هـ) كتابه «شرح القصائد العشر» حيث زاد على المختارات قصيدة لعبيد بن الأبرص، من مجزوء بحر البسيط، مطلعها:

وبذلك وصل عدد القصائد إلى عشرة، وأخذت تلك المختارات شكلها النهائي، ولم يعد أحد يضيف إليها.


مصادر المعلقات ومراجعها

أقفـرَ من أهلهِ مَلْحـوبُ :: فالقُطبيَّــات فالذَّنـوبُ[16]

منذ نهاية القرن الثالث الهجري، وبسبب شهرة تلك القصائد وشيوعها بين العامة، بدأت موجة من الشروح سبقت الإشارة إلى بعضها، وبدأت الآراء المؤيدة والمخالفة في الصراع والتنافس. ولو راجعت «تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان[17] أو «تاريخ التراث العربي» لفؤاد سزكين[18] فستجد قائمة طويلة بما وصلنا من تلك الشروح، ومن أشهرها شروح أبي بكر الأنباري (ت. 328 هـ)، وأبي جعفر النحاس (ت. 338هـ)، والزوزني (ت. 486هـ)، وأبي زكريا بن الخطيب التبريزى (ت. 502 هـ).

وقد حُقِّقت أغلب هذه الشروح، بل إن بعضها حُقق أكثر من مرة، وهي شروح فيها فيض من التحقيق والتفسير. ومن الأجدر العناية بها ومراجعتها إلى جانب الدراسات والشروح المعاصرة والأطالس الأدبية الجغرافية، ومن هذه الأخيرة: «المعلقات العشر وأخبار قائليها» لأحمد بن الأمين الشنقيطي، و«معلقات العرب» لبدوي طبانة، و«المعلقات: سيرة وتاريخًا» لنجيب البهبيتى، و«المعلقات السبع» لبكري شيخ أمين، و«الوافي بالمعلقات» لطلال حرب، و«المعلقات» لعبد الملك مرتاض، و«المعلقات وعيون العصور» لسليمان الشطي.


[1] هو حماد بن ميسرة الديلمي (ت. 155هـ/771م). كان كما وصفه ابن المعتز في طبقاته شاعرًا مفلقًا، ولكن هذا أمر لم يسلم به العسكري. وعلى كل حال فقد نال حماد مكانته لا لشعره، بل لمعرفته الواسعة بالشعر العربي القديم وبروايته وقوة ذاكرته، وقد شكك منافسوه من البصريين في توثيقه، ولكن الآراء التي توثقه أرجح، وأعني تحديدًا أبا عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة. ثم إن حماد كان يروي شعرًا أغلبه مدون، وهو نفسه لم يبدأ برواية الشعر إلا بعد أن وقع في يده كتاب يضم أشعار الأنصار. راجع: ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي، ص 157، وفؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي، (1 / 594).[2] سقط اللوى المكان الذي يتجمع فيه الرمل ويتكور، وهو يعني هنا المكان الذي يقع بين الدَخول وهي هضاب حمراء جنوب نجد في مضارب بني كعب وحومل هو هضبة سوداء غرب الدَخول.[3] برقة المكان الذي يختلط ترابه بالحجارة والحصى، أما ثهمد فقيل إنه جبل أحمر في مضارب غنى حوله أبارق كثيرة منها هذه البرقة.[4] الدمنة هي ما بقي من الآثار الدارسة التي اسود لونها لدرجة أنه لم يتعرف عليها، ولذا قال إنها لم تتكلم.[5] التردم أي التنغم، ومتردم أي متنغم أي أن الشعراء لم يتركوا أي نغمة يمكن أن يتفرد بها من بعدهم. والغريب أنه قال هذا تقريبًا في أول الزمن العربي مما يدل على أن هناك تاريخًا للشعر طويلًا سبقه.[6] الأندرين قرية بالشام كان مشهورة بين عرب الجاهلية بصناعة الخمور.[7] ببينها أي بمفارقتها. وثاوٍ أي مقيم، والثواء أي الإقامة.[8] منى موضع ولكنه ليس منى الحرم، وتأبد أي توحش، والغول والرجام جبلان معروفان، ويوجد هنا حذف للمضاف لأنه يريد ديار غولها ورجامها.[9] جمع مفردها سمط ويقصد به القلائد النفيسة، وهي تعلق بالطبع.[10] هذا ليس أول أبيات القصيدة، بل: «أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ» كما سيأتي. وهذا البيت أو الشطر تحديدًا له روايات عدة، فالبعض يرويه «وبدلت منهم وحوشًا»، ورواه محمد بن خطاب «أن بدلت من أهلها وحوشًا»، ورواه الخطيب: «وبدلت من أهلها وحوشًا» وهو الأرجح لديَّ ذوقًا.[11] قارن: محمد الخضر حسين: نقض كتاب في الشعر الجاهلي، المطبعة السلفية، القاهرة 1926، ص 307 وما بعدها. ومعرفة هذا النص من مخطوط أحمد بن أبي طاهر طيفور في هذا الوقت المبكر (1926) تمثل كشفًا تاريخيًّا يعود الفضل فيه كما ترى للشيخ محمد الخضر حسين، وليس إلى المستشرق الإسرائيلي م. ي. قسطر (أو كصطر كما يكتبها المترجم!) كما قال فؤاد سزكين في «تاريخ التراث العربي» مج2، 1/ 70.[12] انظر مصطفى صادق الرافعي: تاريخ آداب العرب. بيروت 1974، (3/ 184).[13] الطاهر أحمد مكي: دراسة في مصادر الأدب، دار الفكر العربي بالقاهرة 1999، ص104.[14] راجع: الْجَوْهَري: الصحاح، 4/1530. وابن منظور: لسان العرب، 3/3073. والفيروزآبادي: القاموس المحيط، 3/268.[15] العلياء أي الهضبة، والسند بداية الجبل، وأقوت أي خلت من أهلها.[16] ملحوب هو اسم لبئر لبني أسد، قبيلة الشاعر، والقطيبات اسم لجبل، والذنوب مكان في ديار بني أسد أيضًا، وكلها أصبحت أرض قفر بسبب هروب قبيلته وهجرتها للمكان.[17] كارل بروكلمان: تاريخ االأدب العربي، 1 / 69 – 72.[18] فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي، مج2، 1 / 78 – 79.